في حي المزة جبل 86 غرب العاصمة دمشق، لا تزال أسماء كثير من المحال التجارية وبقالياته وساحاته العامة تذكّر بحقبة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد، حيث يدلك على ذلك: «مطعم الحافظ» أحد أبرز معالم هذا الحي، أما ساحات «العرين» و«الضباط» و«عروس الجبل»، فتذكّرك بأن هذه الأبنية المحيطة بها كانت مساكن لمسؤولين وضباط كبار، كانوا نافذين في أجهزة المخابرات والسلك الأمني، وأرهبوا السوريين على مدار خمسين سنة خلت، قبل فرارهم ليلة السقوط التاريخية.

اقرأ ايضاًسوريا: ضبط مستودع ذخيرة في حمص تابع لـ "فلول الأسد"

في هذا الحي، بدت آثار القصف الإسرائيلي بارزة للعيان بعدما تعرض لعدة استهدافات، في حين أن شوارعه وأزقته الضيقة امتلأت بالبزات العسكرية ورتب لقيادات فرّت قبل وصول إدارة العمليات العسكرية وتحرير المنطقة من قبضتهم في 8 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.


هنا... التناقضات الصارخة بدت واضحة أثناء جولة «الشرق الأوسط» في منطقة غالبية سكانها كانت لوقت قريب موالية للرئيس السابق. يروي معاذ (42 سنة)، وهو من سكان الحي، كيف خلع غالبية الضباط وعناصر الأمن بزاتهم العسكرية وألقوها في الطرقات ليلة هروب الأسد: «الكثير منهم ألقوا أسلحتهم ورتبهم العسكرية في الشوارع وفروا إلى مناطقهم الأصلية في الساحل السوري».

يتبع حي المزة 86 إدارياً لمدينة دمشق، وهو عبارة عن كتل أسمنتية بُنيت بشكل عشوائي تتوسّط منطقتَي مزة فيلات غربية وأوتوستراد المزة وحي الشيخ سعد التجاري المعروف. وتعود ملكيته إلى أهالي المنطقة الدمشقيين الذين كانوا يعيشون في المزّة، وكانت المنطقة عبارة عن أحراش زراعية وصخور جبلية، أمّا القمم الممتدّة نحو جبل قاسيون، فقد استولت عليها وزارة الدفاع سابقاً، وأوعزت لعناصر الأمن والجيش ببناء منازل من دون شرط تقديم أوراق ملكية.

 


 

سليمان (30 عاماً) الذي يمتلك محلاً للحوم البيضاء والفروج، ويتحدر من مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية الساحلية، قدم والده لهذا الحي في سبعينات القرن الماضي ليعمل مساعداً في الجيش.

يقول سليمان إنه يسمع أصوات إطلاق الرصاص كل مساء، أما دوريات الأمن العام فتجول الشوارع «بحثاً عن فلول النظام السابق والمطلوبين الذين يرفضون تسليم أسلحتهم. نخشى من الانتقامات ونريد العيش بأمان فقط».


وأخبر بأن الأسعار قبل 8 ديسمبر كانت فاحشة وخارج قدرة السوريين على الشراء، بعدما جاوز سعر كيلو الفروج 60 ألفاً، وطبق البيض 75 ألفاً، وأضاف سليمان: «بيعت البيضة الواحدة بمبلغ 2500 ليرة، وهي قدرة شرائية تفوق قدرة أي موظف في القطاع العام أو الخاص»، جراء تدني الرواتب وتدهور الوضع المعيشي في عموم البلاد.

على قارعة الطرق، مُزقت صور الرئيس الهارب ووالده حافظ الأسد، في حين ركنت السيارات العسكرية تنتظر تعليمات التسوية التي أعلنتها الإدارة السورية المؤقتة التي افتتحت مركزاً في المزة فيلات غربية. أما حديث الساعة بين غالبية سكان هذا الحي، فهو ضرورة الإسراع في إجراءات التسوية.

تقول مرام (46 سنة) التي كانت تعمل موظفة مدنية في وزارة الدفاع، إنها تنتظر تسوية شؤون العاملين في مؤسسات الجيش: «حتى اليوم لا توجد أي تعليمات بخصوص وضعنا. قوات الجيش وعناصر الأمن فتحوا باب التسوية لهم، أما نحن فلا حديث يخصنا».

يعود تاريخ الحي بصورته الحالية إلى ثمانينات القرن الماضي بعدما سُمح لرفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس الأسبق حافظ الأسد، ببناء «سراي الدفاع» التي أُطلقَ عليها اسم «اللواء 86»، وكان مقره نفس المكان الذي يُطلق عليه اليوم مزة جبل 86.

تنقسم المنطقة إلى مزة مدرسة ومزة خزان، وقد أخذ الحي الأول اسمه نسبةً لأول مدرسة شُيدت وافتُتحت في المنطقة، أما الثاني فاسمه من خزان المياه الذي يروي ويغذي كامل مناطق المزة.

يسكن حسام (55 عاماً) هذا الحي منذ تسعينات القرن الماضي، ولم يغادره حتى عندما احتدمت المعارك بين النظام وقوات المعارضة، والأخيرة سيطرت على بلدات بارزة مثل داريا ودوما وحرستا، وكان هذا المكان منطلقاً لتجييش الشبيحة والميليشيات.

يمتلك هذا الرجل مكتباً عقارياً يعمل فيه حتى اليوم. يقول لنا: «قسم كبير من العقارات، بينها منازل ومحلات، استولى عليه ضباط الأمن وقادة أجهزة المخابرات. غيّروا ثبوتيات ساعة الكهرباء والمياه لسرقة ملكياتها»، منوهاً بوجود قسم كبير من العقارات بدأ أصحابها يطالبون بحقوقهم فيها بعد عودتهم.


لكن رياح الحرب لم تمر من حي المزة دون أن تترك عليه آثاراً عميقة قد تستغرق إزالتها سنوات، يضيف حسام: «هناك عقارات بيعت أكثر من مرة، وهذه إشكالية قانونية؛ لأن العقار يباع بوكالة مزورة وعقد لا صحة له. وهذا ينطبق على الكثير من الممتلكات».

اقرأ ايضاًما هي احتمالات انتخاب رئيس لبنان في الموعد المحدد؟

ويقول مصدران من بلدية المزة وديوان المختار، إن عدد سكان الحي يقدر اليوم بنحو 200 ألف نسمة، بعد أن تجاوز 300 ألف قبل سقوط الأسد، غالبيتهم يتحدرون من مناطق الساحل السوري، يليهم سكان محافظات الداخل مثل حمص وحماة. وكان هناك قسم من الأكراد قدموا من منطقة الجزيرة شمال شرقي سوريا وسكنوه، لكن غالبيتهم عادوا إلى مناطقهم بسبب القبضة الأمنية، وبعد تفجير خلية الأزمة منتصف 2012.

على طول الشارع الرئيس الواصل بين ساحة «الهدى» وصيدلية «السهلة»، تطالع المارة صور الرئيس حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في هذه المنطقة منذ خمسة عقود، وعلى الشرفات والجدران لا تزال آثار صور بشار الأسد شاهدة على حقبته التي استمرت 24 عاماً.

سمير الذي يعمل سائقاً لـ«ميكروباص» (مزة جبل 86 خزان)، يقول: «سكان هذه المنطقة من عناصر الأمن والجيش تسببوا بجرائم ضد غالبية السوريين، ونحن نخشى من الانتقامات وتجدد النعرات الطائفية».

Via SyndiGate.info


Copyright � Saudi Research and Publishing Co. All rights reserved.

محرر البوابة

يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة

الأحدثترند صورة ممزقة لـ "حافظ الأسد" في هذا الحي لأول مرة منذ 5 عقود عقب فيديو الأسيرة.. عشرات الآلاف في إسرائيل يتظاهرون مجددا مشروب لسد الشهية بديل بالون المعدة 80 مليار دولار استثمارات "مايكروسوفت" في الذكاء الاصطناعي أفضل الأماكن السياحية في مدينة بورصة التركية خلال الشتاء Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

اقرأ ايضاً"اسرائيل" تهدد لبنان بحرب شاملة.. حزب الله يدمر "همر" ويقتل من فيها © 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

المصدر: البوابة

كلمات دلالية: حافظ الأسد هذا الحی

إقرأ أيضاً:

سوريا تغير قواعد اللعبة بين القوى الكبرى

قال أنيل تريغونايات، باحث أول في مؤسسة فيفيكانادا الدولية الهندية، إن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات جيوسياسية عميقة، حيث تركز القوى العظمى على سوريا باعتبارها محوراً للتغيير في المنطقة.

تواجه روسيا التي دعمت نظام الأسد منذ 2015، تحديات كبيرة

وأضاف تريغونايات، وهو سفير هندي سابق، في مقالة مطولة نشرتها المؤسسة البحثية الهندية إن التغيرات التي حدثت منذ بداية الحرب السورية وحتى الأيام الأخيرة تشير إلى تأثيرات كبيرة على اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإيران، وتركيا، ودول الخليج، إضافة إلى دور القوى الكبرى مثل روسيا والصين. وتبرز التغيرات في سوريا ضمن سياق ديناميكي يعكس صراعات معقدة وتفاعلات متشابكة بين هذه القوى، مما يؤثر في الاستقرار الإقليمي والعالمي.
الاحتلال الإسرائيلي والهجمات على غزة

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنّت حركة حماس هجمات ضد إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي واحتجاز العديد من الرهائن. على الرغم من عدم التوقع الإسرائيلي لهذه الهجمات، فقد كانت نتيجة للخلافات الداخلية في الحكومة الإسرائيلية، خاصةً بسبب السياسات المثيرة للجدل لنتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف.

Yes, yes, diplomacy is no match for proxy wars waged by Al Qaeda that is funded and armed by a global empire and its vassals.

However, in the long run, countries will pivot to China precisely because of this geopolitical philosophy.#Syria #Assad pic.twitter.com/SeWmaeKsQi

— S.L. Kanthan (@Kanthan2030) December 11, 2024

أشعلت الهجمات الصراع مجدداً في المنطقة، وأسفرت عن تدمير شامل في غزة لكن بنجاح محدود. وواجهت إسرائيل تهديداً من حزب الله في الشمال، واضطرّت في النهاية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار عبر وساطة أمريكية-فرنسية.


الضعف الروسي 

من جانبها، تواجه روسيا التي دعمت نظام الأسد منذ 2015، تحديات كبيرة في سياق الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية التي أفقدتها القدرة على التأثير الجيوسياسي في المنطقة. في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، سقط نظام الأسد أمام هجوم من هيئة تحرير الشام، التي حققت انتصاراً سريعاً على دمشق والمدن الكبرى دون مقاومة تُذكر من الجيش السوري. هذا الانتصار يعكس تحولاً جذرياً في موازين القوى داخل سوريا ويضع الروس في موقف ضعف استراتيجي.


التدخلات الإقليمية في سورية

إسرائيل، التي كانت تُعزز سيطرتها على هضبة الجولان، في ظل انهيار النظام السوري، شنت غارات جوية في سوريا لتدمير منشآت استراتيجية خشية من وقوعها في أيدي المتطرفين. هذا التدخل الإسرائيلي فاقم الوضع وأدى إلى توترات مع المجتمع الدولي. في الوقت ذاته، بدأت إيران التي كانت تشكل جزءاً من "محور المقاومة" وتمدّ النظام السوري بالمساعدة، تواجه صعوبات في الحفاظ على نفوذها في المنطقة بسبب تصاعد الضغوط الداخلية والعقوبات.


دور تركيا في تغيير المعادلة

أما تركيا، فقد كانت تسعى منذ البداية لإضعاف نظام الأسد وتحقيق مصالحها الجيوسياسية في سوريا، خاصةً في ظل المواجهات مع قوات سوريا الديموقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. فمع تراجع دور الأسد، أصبحت تركيا طرفاً رئيساً في المشهد السوري، مستفيدة من ضعف النظام وتحقيق أهدافها الأمنية، لكن ذلك وضعها في مواجهة مباشرة مع حليفتها في حلف شمال الأطلسي، الولايات المتحدة.


دول الخليج وصراع القوى

وزعم الكاتب أن دول الخليج كانت تدعم المعارضة السورية بهدف إضعاف نظام الأسد، إلا أن التدخل الروسي جعل الوضع أكثر تعقيداً. مع مرور الوقت، بدأت الدول الخليجية تُدرك أن الأسد قد عاد إلى الساحة السياسية، مما دفعها إلى إعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق في محاولة للانخراط في عملية إعادة الإعمار والمساهمة في الاستقرار الإقليمي. ورغم هذا التقارب، تظل الخلافات مستمرة بشأن وحدة الأراضي السورية والسيادة على الهضبة. ومن المرجخ مستقبلاً أن تظهر قطر وتركيا بوصفهما طرفين رئيسين على الساحة. ومع ذلك، قد تحمل الاستراتيجيات المتباينة لدول الخليج في سورية متغيرات معقدة خاصة بها تقتضي متابعة دقيقة.

#Syria’s new leadership under Ahmed al-Jolani signals a #geopolitical shift. #America’s approach focuses on power dynamics rather than #counterterrorism: @KabirTaneja explains: https://t.co/FYdLOh1447

— ORF (@orfonline) January 4, 2025
الصين والاهتمام المتزايد

أما الصين، فقد توسعت مصالحها في المنطقة عبر الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق"، ودعمت دمشق في الساحة الدولية. الصين تعاملت مع الأوضاع في سوريا بحذر، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على استقرار البلاد دون التدخل المباشر في الشؤون الداخلية. ومع ذلك، يبدو أن بكين قد تصبح لاعباً رئيساً في المرحلة المقبلة، خاصةً بعد أن قدّمت الدعم في التخفيف من حدة التوترات بين السعودية وإيران.


الهند، التي دعمت دائماً سيادة سوريا ووحدة أراضيها، تستمر في تقديم المساعدة الإنسانية لسوريا، لكنها في الوقت نفسه كانت حريصة على التعامل مع الأوضاع الداخلية في بمرونة، مع ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل. وقد أكدت على أهمية ضمان سلامة وأمن العمال الهنود في سوريا خلال التحولات الأخيرة.


الآفاق المستقبلية

مع كل هذه التحولات، يقول الباحث، يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا والمنطقة. وتشكل الصراعات المستمرة في اليمن وليبيا وسوريا ولبنان والعراق تحديات كبيرة للمؤسسات الدبلوماسية العالمية. وستظل التدخلات الخارجية المتباينة من قوى إقليمية وعالمية تؤثر بشكل كبير في استقرار المنطقة.
من جهة أخرى، يبقى المستقبل غامضاً في ظل تزايد التوترات بين القوى الكبرى، مثل إيران وإسرائيل، وتغيرات سياسية قد تؤدي إلى تحديات أكبر في السياسة الإقليمية والعالمية. والمأمول هو أن يؤدي التفاعل بين هذه القوى إلى تسوية سلمية تعزز من استقرار المنطقة وتحقق تطلعات شعوبها، رغم التحديات التي ما زالت تواجهها.
وخلص الباحث إلى القول بأن الأزمة السورية لم تنتهِ بعد، وما زال الصراع مستمراً، لكن المنطقة قد تكون على أعتاب تغيير استراتيجي كبير. التغيرات في سوريا ليست مجرد صراع داخلي، بل هي ساحة لتنافس القوى العظمى. والتحديات المستقبلية تفرض على الجميع أن يتعاملوا بحذر مع الديناميكيات المتغيرة، التي سيكون لها تأثيرات بعيدة المدى على استقرار الشرق الأوسط والعالم.



مقالات مشابهة

  • لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟ لبنان ضمن القصّة المثيرة!
  • لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟
  • بها أمهات الكتب والمجلدات الدينية.. افتتاح المكتبة الرئيسية لمعهد شيبة الإبتدائي بالزقازيق
  • من حافظ إلى بشار الأسد.. هكذا سقط النظام السوري في لبنان أيضا
  • كان صرحا لطاغية فهوى.. سوريون يسقطون أكبر تمثال لحافظ الأسد في القلمون
  • مطالب سورية برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن دمشق
  • كيف ينعكس سقوط الاسد على سوريا والمنطقة والعالم؟
  • خبير : الدولة المصرية تخطط لتكون مركزا إقليميا في المنطقة
  • سوريا تغير قواعد اللعبة بين القوى الكبرى