الميزانية وأولويات المرحلة
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
حاتم الطائي
◄ أرقام "ميزانية 2025" تؤكد مواصلة السياسات المالية المُحافِظة
◄ زيادة الإنفاق الإنمائي والرأسمالي من عوامل دعم النمو الاقتصادي
◄ حاجة ماسّة وجوهرية لتحفيز القطاع الخاص وتمكينه من قيادة النمو الاقتصادي
لا شك أنَّ إعلان تفاصيل الميزانية العامة للدولة يُمثل في حد ذاته حدثًا يبعث على التفاؤل والشعور بالطاقة الإيجابية في مُستهل كل عام، على الرغم من التحديات التي ما تزال ترافقنا منذ سنوات، إلّا أنَّنا بشكل عام نُحرز تقدمًا، حتى وإن كان بطيئًا وغير ملموس بالصورة المأمولة.
والأرقام المليارية التي كشفت عنها وزارة المالية، فيما يتعلق بالإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2025، وما تتضمنه من إنفاق اجتماعي واستثماري وإنمائي، بجانب المصروفات الجارية، كلها تُؤكد أننا ماضون على الطريق الصحيح، حتى وإن كُنا نطمح للمزيد، ونأمل زيادة الإنفاق، بَيْدَ أننا في حقيقة الأمر نعلم يقينًا حجم التحديات التي تُحيط بِنا من كل صوب، وطبيعة المُتغيِّرات الاقتصادية التي تُهدد النمو الاقتصادي، ليس فقط بالنسبة لاقتصادنا الوطني، لكن لجميع الاقتصادات حول العالم.
استبشرنا خيرًا بالمخصصات المالية المُعلنة في الميزانية الجديدة، خاصة تلك المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية والتي تتجاوز بقليل الخمسة مليارات ريال، علاوة على المخصصات المالية لمبالغ الدعم المختلفة والتي تتخطى 1.5 مليار ريال، وهي مخصصات لا ريب أنَّها ستُساعد في تحسين مستوى معيشة المواطن، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وضعف القوة الشرائية لعدد كبير من المواطنين نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للدخل الشهري، في ظل زيادة أسعار العديد من الخدمات والسلع التي تمثل أساسيات في حياة كل مواطن.
استبشرنا خيرًا كذلك بتراجع الدين العام إلى 14.4 مليار ريال، أي ما يمثل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على تسجيل فائض مالي في الميزانية العامة لسنة 2024، بنحو 540 مليون ريال بدلًا من العجز الذي كان مُقدّرًا في بداية العام المنصرم عند 640 مليونًا، أي أننا نجحنا في تحويل العجز إلى فائض، بفضل ارتفاع أسعار النفط عمّا كان مخطط له.
استبشرنا خيرًا بتخصيص 50 مليون ريال لدعم مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل، وهي خطوة جديرة بالثناء في ظل أزمة التوظيف التي نعاني منها منذ سنوات، دون حلول جذرية، علاوة على أنها تفتح باب الأمل لأعداد كبيرة من المواطنين الساعين نحو الحصول على فرصة عمل لبدء مشوارهم العملي، وشق طريقهم في هذا المعترك الحياتي. ومما يزيد من التفاؤل الإعلان عن نية الحكومة توظيف 4 آلاف مواطن ومواطنة في قطاع التربية والتعليم، ضمن جهود تنمية هذا القطاع وتطويره، باعتباره العمود الفقري لأي تنمية حقيقية في المجتمع.
استبشرنا خيرًا بإعلان الحكومة نجاحها في السيطرة على معدل التضخم وإبقائه عند 0.6%، رغم أن المواطن ما زال يشعر أن الأسعار تفوق قدرته الشرائية، كما استبشرنا خيرًا بالإعلان عن اعتزام الحكومة استكمال إنشاء 20 مدرسة حكومية جديدة، وطرح مناقصات لإنشاء 22 مدرسة أخرى، في خطوة ستُساعد كثيرًا في جهود القضاء على الدراسة المسائية التي لا نعتقد أنها تتناسب مع تطلعاتنا لتطوير المنظومة التعليمية، ولا تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي والتطورات الرقمية والمعرفية. استبشرنا خيرًا كذلك بالإعلان عن ابتعاث 56 ألف طالب داخليًا وخارجيًا، وابتعاث 150 طالبًا للخارج ضمن "رواد عُمان"، وهي أرقام دون المأمول لكنها تتماشى مع التحديات المالية. كما استبشرنا بإعلان استكمال إنشاء 9 مستشفيات حكومية خلال هذا العام الجديد، فضلًا عن تقديم مساعدات سكنية لنحو 1200 حالة مُستحقة، واستكمال بناء الوحدات السكنية في المناطق المتأثرة بالأنواء المناخية، وتوجيه 468 مليون ريال لتعزيز الإنفاق الاجتماعي وتحفيز النمو الاقتصادي، بالتوازي مع الإعلان عن جذب 26.077 مليار ريال استثمارات أجنبية مباشرة بنهاية الربع الثالث من 2024.
ورغم ما سبق، إلّا أنَّ كُل من يقرأ ويطلع على الأرقام والإحصائيات التي تتضمنها الميزانية العامة للدولة، يُدرك أن هناك جهودًا حثيثة تُبذل من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، لكن في المقابل قد لا يشعر المواطن بتأثير مباشر من هذه المليارات على حياته اليومية، أو يملس أي تحسن حقيقي في مستوى معيشته، ويبدو لي أنَّ مرد ذلك تَرَكُّز السياسات المالية المُحافِظة على مسألة الاستدامة فقط وتفادي أي إنفاق إضافي لا تُقابله زيادة في الإيرادات العامة؛ إذ إن أي إنفاق إضافي يعني عجزًا ماليًا، ومن ثم اقتراض- سواء محلياً أو خارجياً- وسحب من الاحتياطيات لسد عجز الميزانية، وهو ما يتضح خلال السنوات الأخيرة أنه أمر غير مطروح على طاولة المعنيين بالسياسات المالية. غير أننا نرى نماذج اقتصادية أخرى تعتمد على مبدأ التوسع في الإنفاق من أجل زيادة النمو وتعظيم الناتج المحلي، حتى ولو كان ذلك على حساب زيادة الدين العام، خاصة وأن الدول التي تمضي وفق هكذا نهج تضع في حسبانها القدرة على السداد، وهي نظريات اقتصادية تختلف باختلاف صُنّاع القرار.
لكن وبعيدًا عن الخوض في النظريات الاقتصادية والسياسات المالية، أعتقد جازمًا أننا في أمس الحاجة لتحفيز القطاع الخاص، الذي يجب أن يكون قاطرة النمو الاقتصادي، وليس الشركات الحكومية. وتحفيز القطاع الخاص يتم من خلال توظيف أدوات ومُمكنات جديدة، وبناء شراكة حقيقية بين القطاعين، تعمل على إسناد جميع المشروعات إلى هذا القطاع، وعدم مزاحمة الشركات الحكومية له. كما نأمل أن تطرح الحكومة حزم تسهيل نقدي وتمويل مُيسر حتى يتمكن القطاع الخاص من النمو وتوسيع أنشطته، ومن ثم توظيف أعداد أكبر من المواطنين، وتخطي حالة الركود والانكماش التي يُعاني منها منذ سنوات.
ولا ريب أنَّ ترسيخ مكانة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، كقطاعٍ قويٍ ومُبادِر، يجب أن يكون نهجا استراتيجيا للحكومة، لا غنى عنه، بصرف النظر عن طبيعة التحديات المالية والاقتصادية، ولا بُد أن يُعاد النظر إلى القطاع الخاص، ومحو الصورة النمطية القديمة عنه باعتباره "تابِعًا للحكومة"، ليكون شريكًا استراتيجيًا، ولاعبًا أساسيًا في نمو الاقتصاد وبناء الوطن. والنماذج الاقتصادية حول العالم تؤكد أن دعم وتحفيز القطاع الخاص يعود بالنفع على المالية العامة ويحقق النمو الاقتصادي؛ إذ إن توسُّع القطاع الخاص يعزز من الإيرادات الضريبية للشركات ويسهم في زيادة عائدات الرسوم ويدعم عمليات التصنيع والإنتاج، علاوة على توظيف الباحثين عن عمل. وهنا نقترح على الحكومة أن تضع هدفًا بزيادة أعداد مؤسسات القطاع الخاص، لا سيما الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إلى مليون شركة خلال سنوات الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي ستبدأ العام المقبل 2026 وحتى عام 2030، وإذا ما وظفّت كل شركة عدد مواطنين اثنين، ستنعدم البطالة في بلادنا، وسينمو اقتصادنا بأعلى المعدلات.
ويبقى القول.. إنَّ أولويات المرحلة الراهنة تتطلب من الحكومة العمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وتجاوز حالة الركود التي تؤثر على العديد من القطاعات، لا سيما القطاعات الواعدة التي كان من المفترض أن تكون المحرك الحقيقي للنمو والأكثر استيعابًا للباحثين عن عمل، ولذلك لا مناص من تنمية القطاع الخاص وتوجيه المزيد من المخصصات المالية لتنفيذ مشاريع نوعية تعتمد على الشراكة بين القطاعين، ومواصلة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأنها الأقدر على تحقيق النمو السريع وتوظيف المواطنين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المیزانیة العامة النمو الاقتصادی القطاع الخاص علاوة على التی ت
إقرأ أيضاً:
الحكومة: اتفاقية تعاون بين وزارة المالية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار
كتب- محمد سامي:
شهد اليوم الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، مراسم توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة المالية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD»، والتي تأتي بمبادرة للوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية لإنشاء «حساب مصر» لتمويل دراسات الجدوى ومستشاري الطرح لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» برأس مال ١٠ ملايين يورو؛ على نحو يسهم في دعم جهود الدولة المصرية الهادفة لتمكين القطاع الخاص وتعزيز نمو أنشطته ومساهماته في الاقتصاد المصري.
وقع اتفاقية التعاون أحمد كجوك، وزير المالية، والدكتور مارك ديفيس، المدير الإقليمي لمنطقة جنوب وشرق المتوسط بالبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن هذه الاتفاقية تسهم في توفير الدعم اللازم لتعظيم مشاركة القطاع الخاص المصري والأجنبي في مشروعات البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، وفق أولويات الدولة المصرية.
من جانبه، أوضح أحمد كجوك، أن إنشاء «حساب مصر» بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD»، يساعد في توفير التمويلات المحفزة لتدفق استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي في مصر، حيث يسهم في إتاحة دراسة وطرح عدة مشروعات بنظام «المشاركة مع القطاع الخاص» في نفس الوقت، ويضمن سرعة التعاقد مع الاستشاريين الدوليين والوطنيين لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» خلال مدة لا تتجاوز ٦ أسابيع، كما يحقق خفض مدة الحصول على تمويل دراسات الجدوى لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» من شركاء التنمية من سنة إلى شهرين فقط.
وأعرب وزير المالية، عن تقديره لجهود «الوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص» والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD» في وضع هذه المبادرة حيز التنفيذ من أجل توفير التمويلات الإنمائية اللازمة لدفع المسار المصري نحو توسيع نطاق مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص «P.P.P» وزيادة دور واستثمارات ومساهمات القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي؛ على نحو يضمن تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة ترتكز على الأنشطة الإنتاجية والتصديرية وتعزز تنافسية الاقتصاد المصري.
وأوضح أحمد كجوك أنه تم خلال عام ٢٠٢٤، توقيع ١٠ مشروعات بنظام «المشاركة مع القطاع الخاص» بتكلفة استثمارية إجمالية بنحو ١٩,٨ مليار جنيه في قطاعات: تحويل المخلفات الصلبة، والموانئ الجافة، والصرف الصحي، ومحطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، والتعليم الفني، ومستودعات السلع الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن هناك ٩ مشروعات أخرى جديدة تحت الطرح بتكلفة استثمارية بنحو ٥٣,٩ مليار جنيه في قطاعات: محطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، ومحطة تحلية المياه، ومعالجة الصرف الصحي، والمدارس الفنية والمدارس المتميزة للغات، ومراكز الخدمات.
وأضاف الوزير، أن هناك ١٠ مشروعات أخرى يجري إعدادها للطرح، بعد موافقة اللجنة العليا لشئون المشاركة مع القطاع الخاص، بتكلفة استثمارية بنحو ٣٧ مليار جنيه في قطاعات: محطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، والصرف الصناعي، لافتًا إلى أن مشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» تخلق مسارًا جيدًا لتحقيق النمو في مختلف الأنشطة الاقتصادية والإسهام الفعال في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
مصطفى مدبولي البنك الأوروبي وزارة المالية رئيس مجلس الوزراءتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى: فاروق يتفقد الصادرات الزراعية بجناح مصر في معرض برلين الدولي "فروت لوجستيكا 2025" -صور الأخبار المتعلقة بيان حكومي مهم بشأن شركات قطاع الأعمال أخبار مدبولي يطلع على أنشطة مركز إمحوتب للإبداع والتطوير لتنمية شركات الإلكترونيات أخبار رئيس الوزراء يتفقد جامعة مصر للمعلوماتية أخبار وزيرة البيئة: إعداد مسودة استراتيجية وطنية للاقتصاد الأزرق أخبارإعلان
إعلان
أخبارالحكومة: اتفاقية تعاون بين وزارة المالية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك كسر حاجز 4 آلاف.. قفزة في سعر الذهب بمنتصف تعاملات الأربعاء هل تتأثر أسعار السيارات في مصر بحرب الجمارك بين أمريكا والصين؟ حزمة الحماية الاجتماعية.. توضيح جديد من الحكومة تحذير من الأرصاد لسكان القاهرة والوجه البحري من طقس الساعات المقبلة 20القاهرة - مصر
20 13 الرطوبة: 43% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك