جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-06@18:03:01 GMT

الميزانية وأولويات المرحلة

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

الميزانية وأولويات المرحلة

حاتم الطائي

 

◄ أرقام "ميزانية 2025" تؤكد مواصلة السياسات المالية المُحافِظة

◄ زيادة الإنفاق الإنمائي والرأسمالي من عوامل دعم النمو الاقتصادي

◄ حاجة ماسّة وجوهرية لتحفيز القطاع الخاص وتمكينه من قيادة النمو الاقتصادي

 

لا شك أنَّ إعلان تفاصيل الميزانية العامة للدولة يُمثل في حد ذاته حدثًا يبعث على التفاؤل والشعور بالطاقة الإيجابية في مُستهل كل عام، على الرغم من التحديات التي ما تزال ترافقنا منذ سنوات، إلّا أنَّنا بشكل عام نُحرز تقدمًا، حتى وإن كان بطيئًا وغير ملموس بالصورة المأمولة.

والأرقام المليارية التي كشفت عنها وزارة المالية، فيما يتعلق بالإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2025، وما تتضمنه من إنفاق اجتماعي واستثماري وإنمائي، بجانب المصروفات الجارية، كلها تُؤكد أننا ماضون على الطريق الصحيح، حتى وإن كُنا نطمح للمزيد، ونأمل زيادة الإنفاق، بَيْدَ أننا في حقيقة الأمر نعلم يقينًا حجم التحديات التي تُحيط بِنا من كل صوب، وطبيعة المُتغيِّرات الاقتصادية التي تُهدد النمو الاقتصادي، ليس فقط بالنسبة لاقتصادنا الوطني، لكن لجميع الاقتصادات حول العالم.

استبشرنا خيرًا بالمخصصات المالية المُعلنة في الميزانية الجديدة، خاصة تلك المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية والتي تتجاوز بقليل الخمسة مليارات ريال، علاوة على المخصصات المالية لمبالغ الدعم المختلفة والتي تتخطى 1.5 مليار ريال، وهي مخصصات لا ريب أنَّها ستُساعد في تحسين مستوى معيشة المواطن، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وضعف القوة الشرائية لعدد كبير من المواطنين نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للدخل الشهري، في ظل زيادة أسعار العديد من الخدمات والسلع التي تمثل أساسيات في حياة كل مواطن.

استبشرنا خيرًا كذلك بتراجع الدين العام إلى 14.4 مليار ريال، أي ما يمثل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على تسجيل فائض مالي في الميزانية العامة لسنة 2024، بنحو 540 مليون ريال بدلًا من العجز الذي كان مُقدّرًا في بداية العام المنصرم عند 640 مليونًا، أي أننا نجحنا في تحويل العجز إلى فائض، بفضل ارتفاع أسعار النفط عمّا كان مخطط له.

استبشرنا خيرًا بتخصيص 50 مليون ريال لدعم مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل، وهي خطوة جديرة بالثناء في ظل أزمة التوظيف التي نعاني منها منذ سنوات، دون حلول جذرية، علاوة على أنها تفتح باب الأمل لأعداد كبيرة من المواطنين الساعين نحو الحصول على فرصة عمل لبدء مشوارهم العملي، وشق طريقهم في هذا المعترك الحياتي. ومما يزيد من التفاؤل الإعلان عن نية الحكومة توظيف 4 آلاف مواطن ومواطنة في قطاع التربية والتعليم، ضمن جهود تنمية هذا القطاع وتطويره، باعتباره العمود الفقري لأي تنمية حقيقية في المجتمع.

استبشرنا خيرًا بإعلان الحكومة نجاحها في السيطرة على معدل التضخم وإبقائه عند 0.6%، رغم أن المواطن ما زال يشعر أن الأسعار تفوق قدرته الشرائية، كما استبشرنا خيرًا بالإعلان عن اعتزام الحكومة استكمال إنشاء 20 مدرسة حكومية جديدة، وطرح مناقصات لإنشاء 22 مدرسة أخرى، في خطوة ستُساعد كثيرًا في جهود القضاء على الدراسة المسائية التي لا نعتقد أنها تتناسب مع تطلعاتنا لتطوير المنظومة التعليمية، ولا تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي والتطورات الرقمية والمعرفية. استبشرنا خيرًا كذلك بالإعلان عن ابتعاث 56 ألف طالب داخليًا وخارجيًا، وابتعاث 150 طالبًا للخارج ضمن "رواد عُمان"، وهي أرقام دون المأمول لكنها تتماشى مع التحديات المالية. كما استبشرنا بإعلان استكمال إنشاء 9 مستشفيات حكومية خلال هذا العام الجديد، فضلًا عن تقديم مساعدات سكنية لنحو 1200 حالة مُستحقة، واستكمال بناء الوحدات السكنية في المناطق المتأثرة بالأنواء المناخية، وتوجيه 468 مليون ريال لتعزيز الإنفاق الاجتماعي وتحفيز النمو الاقتصادي، بالتوازي مع الإعلان عن جذب 26.077 مليار ريال استثمارات أجنبية مباشرة بنهاية الربع الثالث من 2024.

ورغم ما سبق، إلّا أنَّ كُل من يقرأ ويطلع على الأرقام والإحصائيات التي تتضمنها الميزانية العامة للدولة، يُدرك أن هناك جهودًا حثيثة تُبذل من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، لكن في المقابل قد لا يشعر المواطن بتأثير مباشر من هذه المليارات على حياته اليومية، أو يملس أي تحسن حقيقي في مستوى معيشته، ويبدو لي أنَّ مرد ذلك تَرَكُّز السياسات المالية المُحافِظة على مسألة الاستدامة فقط وتفادي أي إنفاق إضافي لا تُقابله زيادة في الإيرادات العامة؛ إذ إن أي إنفاق إضافي يعني عجزًا ماليًا، ومن ثم اقتراض- سواء محلياً أو خارجياً- وسحب من الاحتياطيات لسد عجز الميزانية، وهو ما يتضح خلال السنوات الأخيرة أنه أمر غير مطروح على طاولة المعنيين بالسياسات المالية. غير أننا نرى نماذج اقتصادية أخرى تعتمد على مبدأ التوسع في الإنفاق من أجل زيادة النمو وتعظيم الناتج المحلي، حتى ولو كان ذلك على حساب زيادة الدين العام، خاصة وأن الدول التي تمضي وفق هكذا نهج تضع في حسبانها القدرة على السداد، وهي نظريات اقتصادية تختلف باختلاف صُنّاع القرار.

لكن وبعيدًا عن الخوض في النظريات الاقتصادية والسياسات المالية، أعتقد جازمًا أننا في أمس الحاجة لتحفيز القطاع الخاص، الذي يجب أن يكون قاطرة النمو الاقتصادي، وليس الشركات الحكومية. وتحفيز القطاع الخاص يتم من خلال توظيف أدوات ومُمكنات جديدة، وبناء شراكة حقيقية بين القطاعين، تعمل على إسناد جميع المشروعات إلى هذا القطاع، وعدم مزاحمة الشركات الحكومية له. كما نأمل أن تطرح الحكومة حزم تسهيل نقدي وتمويل مُيسر حتى يتمكن القطاع الخاص من النمو وتوسيع أنشطته، ومن ثم توظيف أعداد أكبر من المواطنين، وتخطي حالة الركود والانكماش التي يُعاني منها منذ سنوات.

ولا ريب أنَّ ترسيخ مكانة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، كقطاعٍ قويٍ ومُبادِر، يجب أن يكون نهجا استراتيجيا للحكومة، لا غنى عنه، بصرف النظر عن طبيعة التحديات المالية والاقتصادية، ولا بُد أن يُعاد النظر إلى القطاع الخاص، ومحو الصورة النمطية القديمة عنه باعتباره "تابِعًا للحكومة"، ليكون شريكًا استراتيجيًا، ولاعبًا أساسيًا في نمو الاقتصاد وبناء الوطن. والنماذج الاقتصادية حول العالم تؤكد أن دعم وتحفيز القطاع الخاص يعود بالنفع على المالية العامة ويحقق النمو الاقتصادي؛ إذ إن توسُّع القطاع الخاص يعزز من الإيرادات الضريبية للشركات ويسهم في زيادة عائدات الرسوم ويدعم عمليات التصنيع والإنتاج، علاوة على توظيف الباحثين عن عمل. وهنا نقترح على الحكومة أن تضع هدفًا بزيادة أعداد مؤسسات القطاع الخاص، لا سيما الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إلى مليون شركة خلال سنوات الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي ستبدأ العام المقبل 2026 وحتى عام 2030، وإذا ما وظفّت كل شركة عدد مواطنين اثنين، ستنعدم البطالة في بلادنا، وسينمو اقتصادنا بأعلى المعدلات.

ويبقى القول.. إنَّ أولويات المرحلة الراهنة تتطلب من الحكومة العمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وتجاوز حالة الركود التي تؤثر على العديد من القطاعات، لا سيما القطاعات الواعدة التي كان من المفترض أن تكون المحرك الحقيقي للنمو والأكثر استيعابًا للباحثين عن عمل، ولذلك لا مناص من تنمية القطاع الخاص وتوجيه المزيد من المخصصات المالية لتنفيذ مشاريع نوعية تعتمد على الشراكة بين القطاعين، ومواصلة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأنها الأقدر على تحقيق النمو السريع وتوظيف المواطنين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: المیزانیة العامة النمو الاقتصادی القطاع الخاص علاوة على التی ت

إقرأ أيضاً:

الشعب الجمهوري: تعميق الصناعة يجذب الاستثمارات وينعكس على معدلات النمو

أكد الدكتور أحمد حلمي عبد الصمد الأمين المساعد لحزب الشعب الجمهوري بالجيزة، أن استمرار وتكثيف خطوات وجهود توطين الصناعات المحلية، يمثل أولوية للاقتصاد الوطني، بما يدعم التنمية المستدامة ويرفع معدلات النمو، ويحقق عوائد تليق بمكانة مصر وما تذخر به من قدرات وموارد تؤهلها لتكون قلعة صناعية كبرى، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب جرأة من الحكومة للتوسع في الصناعات المحلية.

وأضاف "حلمي" ـ في تصريحات صحفية اليوم ـ أن دعم توطين الصناعات المحلية، أخذ منحنى صعوديًا في الفترة الأخيرة، وقد اتخذت الحكومة خطوات فعلية لتوطين العديد من الصناعات ومنها الصناعات الثقيلة والمتوسطة ومتناهية الصغر ، وهذا يدفع بنتائج إيجابية كبيرة على مستويات اقتصادية عدة، أهما خفض العجز في الميزان التجاري عبر تقليل الصادرات وتهيئة مصر لتكون مصدر للخارج، وهو ما ينعكس على توفير العملة الصعبة وبالتالي زيادة قيمة العملة المحلية.

ولفت الأمين المساعد لحزب الشعب الجمهوري بالجيزة، إلى أنه بخلاف مستهدفات الدفع بصادرات مصر وتحقيق حلم الوصول لـ 100 مليار دولار سنويًا، فإن تشجيع توطين الصناعة سيكون له انعكاسه على استقرار الداخل من خلال تغطية القطاع الصناعي لاحتياجات السوق المصري من مختلف المنتجات، موضحًا أن وفرة المنتج يحقق استقرار في السوق وفي الأسعار ويساعد على السيطرة على معدلات التضخم.

وذكر الدكتور أحمد حلمي، أن تعميق الصناعة المحلية سيكون له دور في جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع المستثمرين، كما سيكون له آثاره في تشجيع القطاع الخاص وتوسيع مشاركته في القطاع الاقتصادي، وهو ما يحقق رؤية الحكومة ويترجم وثيقة سياسة ملكية الدولة، مشيرًا إلى أن هذا التوجه هو أساس ارتفاع معدلات النمو بشكل حقيقي يستشعره المواطن وينعكس على الاقتصاد.

وشدد ـ على ضرورة إزالة كافة معوقات الاستثمار والاستماع لمشاكل المستثمرين والعمل على حلها، وإبداء المرونة الكافية في التعامل مع لأزمات ونسف موروثات البيروقراطية التي تعطل عمل المسثمرين وتعمل على تباطؤ النشاط الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • لجنة الجمارك: المجموعات الاستشارية ستسهم في زيادة تواصل القطاع الخاص مع الحكومة
  • أمير القصيم: 55 مليون ريال العائد الاقتصادي السنوي للمزارع
  • رويترز عن المالية السورية: زيادة رواتب العديد من موظفي القطاع العام 400% كإجراء طارئ
  • عاجل | رويترز عن وزير المالية السوري: زيادة رواتب العديد من موظفي القطاع العام 400% كإجراء طارئ
  • زيادة إنفاق حكومة الإمارات يعزز فرص النمو الاقتصادي في 2025
  • 5 مليارات ريال مخصصات الخدمات الاجتماعية.. و50 مليون ريال لدعم مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل في القطاع الخاص
  • الشعب الجمهوري: تعميق الصناعة يجذب الاستثمارات وينعكس على معدلات النمو
  • الإمارات.. سوق عمل ديناميكي يدعمه النمو الاقتصادي والذكاء الاصطناعي
  • السيسي يشدد على ضرورة تعزيز جهود دفع معدلات النمو الاقتصادي والدخل القومي