لا يمكن النظر للمخاطر الناتجة عن التركيبة السكانية التي أشار لها بيان مجلس الوزراء المنعقد في الأول من يناير من العام الجاري والتي جاءت في سياق نقاش الظواهر الاجتماعية بوصفها ترفا يثيره الباحثون الاجتماعيون، ولكنّ الأمر حقيقي ويستحق أن ندق من أجله ناقوس الخطر، وأن نخضعه للدراسة. وفي الحقيقة فإن هذا الخطر ليس جديدا على الإطلاق، فقد طرحه الكثير من الباحثين والمفكرين ليس في سلطنة عُمان أو في العالم العربي ولكنه طرح من أغلب مفكري العالم الذين ناقشوا أخطار العولمة والهجرة، وهو مطروح في أوروبا بشكل كبير جدا خلال العقدين الماضيين.

وينظر إلى موضوع التركيبة السكانية في عُمان وفي دول الخليج العربي باعتباره قضية وطنية: سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية في ظل تحول الأمر في بعض دول الخليج ـ لحسن الحظ عُمان ليست من بينها ـ أن يصبح المواطنون أقلية في وطنهم وبنسبة مخيفة، ولنا أن نتصور تأثير ذلك في السياق الاجتماعي والثقافي وبروز ظواهر اجتماعية لا تنتمي للسياق المحلي تقوض الثقافة المحلية وتستبدل بها ثقافة ولغة جديدة.

وصل عدد الوافدين في سلطنة عُمان في مرحلة من المراحل ليكون معادلا لعدد العمانيين ولكنه عاد وتراجع بفضل بعض السياسات خلال جائحة فيروس كورونا إلى أن وصلت نسبة عدد الوافدين في عُمان إلى نحو 43.3% ما يعني 2.2 مليون وافد مقابل 2.9 مليون عماني. وترى بعض الدراسات أن النسبة الآمنة لعدد الوافدين مقابل عدد المواطنين يجب أن تكون في حدود 10 إلى 20% فقط، وتحافظ كل من كندا وأستراليا على نسبة تتراوح بين 20 إلى 30% ولكن هاتين الدولتين تعتمدان على نظام هجرة مدروس يركز على العمالة الماهرة والاندماج الاجتماعي. ولم تستطع دول الخليج بشكل عام تحقيق موضوع الاندماج الاجتماعي لأسباب بعضها أيديولوجي وبعضها اقتصادي وثقافي.

ورغم أن العمالة الوافدة التي تؤثر في التركيبة السكانية في دول الخليج أدت دورا محوريا بدفع عجلة التنمية، إلا أن زيادة أعدادها دون تنظيم صارم يترك أثرا سلبيا في الاقتصاد والهوية الوطنية.

فعلى الصعيد الاقتصادي، تؤدي زيادة أعداد الوافدين إلى ارتفاع الطلب على الخدمات والبنية الأساسية، ما يزيد الضغط على الموارد العامة. ويقدر حجم التحويلات المالية إلى الخارج سنويا بـ 4 مليارات ريال عماني ما يمثل نزيفا مستمرا للعملة الصعبة. هذا الوضع يتطلب مراجعة السياسات الاقتصادية لتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة غير المتخصصة.

أما اجتماعيًا، فتزايد أعداد الوافدين يؤدي إلى تحديات ثقافية تؤثر في الهوية العمانية. فالتداخل الثقافي واللغوي قد يخلق فجوة في التماسك الاجتماعي، خاصة إذا ما أُضيفت إليه مشكلات الاندماج. ومن هنا، يصبح الحفاظ على التوازن بين التنوع السكاني واحترام الهوية الوطنية مطلبا أساسيا لا بديل عنه.

وتسيطر العمالة الوافدة على الكثير من قطاعات العمل في سلطنة عمان الأمر الذي يحرم عشرات الآلاف من العمانيين من الحصول أو التنافس على هذه الوظائف على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز برامج التدريب والتأهيل. ومع ازدياد عدد خريجي الجامعات سنويًا، يزداد الضغط لتوفير وظائف تتناسب مع تطلعاتهم ومؤهلاتهم. وتكمن المشكلة الأساسية هنا في مستوى الدخل الطبيعي للباحث عن عمل العماني والعمالة الوافدة. وهذه القضية مطروحة في الكثير من دول العالم بما في ذلك الدول الأوروبية التي شهدت خلال السنوات الأخيرة موجة هجرة كبيرة أثرت في سوق العمل وجلبت معها الكثير من الظواهر المرتبطة في الأساس بأيديولوجيات وثقافات المهاجرين التي لا تتناسب، بالضرورة، مع أيديولوجيات وثقافات السكان الأصليين.

ومن حق أي دولة أن تفرض قواعد صارمة في سبيل الحفاظ على هويتها الوطنية وتركيبتها السكانية من أي خلل وهذا جزء من مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وتجاه ثقافتهم واستقرارهم. وهذا الحق يتحقق عبر سن القوانين ووضع السياسات التي توازن بين مصالح الدولة الداخلية وبين بعض المبادئ التي تنادي بها العولمة أو حتى فكرة المواطنة العابرة للحدود التي تحتاج إلى مراجعة دلالاتها وبحث أعماقها السياسية والثقافية لأنها في النهاية أحد منتجات العولمة.. ومعروف أن العولمة تعزز الانقسام بين النخب العابرة للحدود والفئات المحلية في ظل تعذر الاندماج بين الجميع في مجتمع واحد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الترکیبة السکانیة العمالة الوافدة دول الخلیج الکثیر من

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان تستضيف مؤتمر المحيط الهندي 16 فبراير الجاري

تستضيف سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الخارجية النسخة الثامنة لمؤتمر المحيط الهندي (IOC) في 16 فبراير الجاري تحت شعار "رحلة نحو آفاق جديدة للشراكة البحرية" ويستمر يومين.

وأكّد معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية لوكالة الأنباء العُمانية على أنّ استضافة سلطنة عُمان لهذا المؤتمر يعكس التزامها بتعزيز الأمن البحري، ودعم التجارة البحرية المستدامة، وتطوير آليات التعاون الدولي لمواجهة التحدّيات المشتركة في المنطقة.

وأضاف معاليه: إنّ المؤتمر منصّة استراتيجية لتبادل الرؤى حول مستقبل الاقتصاد الأزرق وحوكمة المحيطات، مؤكدًا على تطلع سلطنة عُمان إلى نقاشات بنّاءة تسهم في تحقيق مصالح الدول المشاركة وتُعزّز الاستقرار والازدهار الإقليمي.

ويناقش المؤتمر تعزيز الشراكات البحرية، وتحسين الروابط التجارية، ودعم التنمية المستدامة والقضايا المتعلقة بالأمن البحري، وضمان حرية الملاحة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز أمن الموانئ و الحوكمة.

ويأتي انعقاد المؤتمر بهدف تعزيز التعاون الإقليمي ومعالجة التحدّيات التي تواجه منطقة المحيط الهندي، انسجامًا مع أهداف رؤية "عُمان 2040" في تعزيز المصالح الاقتصادية مع دول المنطقة والعالم وإبراز الدور الريادي والفاعل لسلطنة عُمان في الحفاظ على استدامة موارد المحيط الهندي، وتعزيز إمكاناته في النقل والأمن البحري واستعراض المعلومات التنافسية الاقتصادية للدول الأعضاء، ودور المنصات الدولية في تبادل الرؤى حول التحدّيات المشتركة.

ومن المتوقع، أن يُشارك في المؤتمر ممثلون من أكثر من 60 دولة ومنظمة دوليّة، ما يؤكّد على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة والحاجة إلى حلول تعاونية للتحدّيات المشتركة تتيح للمشاركين فرصة لإجراء لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف واستكشاف مجالات جديدة للتعاون المستقبلي.

يُذكر أنّ مؤتمر المحيط الهندي (IOC) منصة ومنتدى دولي بارز، انطلقت نسخته الأولى عام 2016، ليصبح ساحة رئيسة لتعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي والقوى العالمية ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، وقد قامت دول مثل سلطنة عُمان والهند وسريلانكا وأستراليا وسنغافورة بأدوار محورية في فعالياته.

مقالات مشابهة

  • الصين تعارض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية للأراضي الفلسطينية المحتلة
  • الصين: نرفض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية للأراضي الفلسطينية
  • «أبوزريبة» يبحث ملف حصر العمالة الوافدة ووضع آلية موحدة لها
  • تفسير حلم مطاردة الثعابين وعلاقته بالمشاعر والخطر .. حسب اللون والحجم
  • أغلقته الحرائق.. إعادة فتح الطريق السريع على ساحل المحيط الهادي
  • الأزهر: الغضب بين الأزواج سر ضياع الكثير من الأسر وحدوث الشقاق بينها
  • الرئيس الشرع: النظام الاشتراكي فيه الكثير من السلبيات التي أثرت في المواطن وسنعيد هيكلة الاقتصاد في سوريا ونتخلص من الفساد
  • سلطنة عمان تستضيف مؤتمر المحيط الهندي 16 فبراير الجاري
  • السلطنة تستضيف "مؤتمر المحيط الهندي".. 16 فبراير
  • رئيس العمالة الوافدة بالكويت لـ«البوابة نيوز»: العمالة المصرية ساهمت في تنمية الاقتصاد الكويتي