يلجأ الإنسان إلى المنطق والبيان حينما يحاول التعبير عن شعور أو إحساس أو موقف؛ مستخدما اللغة المنطوقة أو المكتوبة أو الفعل أو حتى الإشارة، فإذا كان الشعور فيّاضا والإحساس مرهفا، والموقف يحمل رؤية معينة يكون الحماس لها قويا؛ فليس أمام المرء سوى أن يختار لونا من الآداب أو الفنون يعبر من خلاله عن شعوره أو إحساسه أو موقفه.
ومع اختلاف الثقافات والحضارات عرفت الأمم المختلفة ألوانا عديدة من الآداب والفنون، وكان من الطبيعى أن تزدهر بعض هذه الآداب والفنون فى كل أمة بينما لا يزدهر بعضها فى أمم أخرى، فالحضارة الأوروبية على سبيل المثال عدت اللوحة والتمثال والعمارة ومختلف الفنون التشكيلية فنها الراقى، بينما الحضارة اليابانية وجدت فنها الراقى فى تصميم الحدائق.
ويلاحظ أن الفنون والآداب المختلفة قد تطورت بتطور الحياة الإنسانية ذاتها، كما أن هذا التطور أدى إلى ظهور فنون جديدة لم تكن معروفة من قبل، ففن النحت الذى عرفه الإنسان البدائى تطور كثيرا إلى أن صار لما هو عليه اليوم كفن له أصوله ومدارسه الفنية المختلفة، وفنون المسرح التى عرفها الإنسان فى العصر اليونانى القديم بعد إرهاصات سابقة لهذا العصر تطورت كثيرا وأفادت من مستحدثات التكنولوجيا والفكر الإنسانى إلى أن صارت هذه الفنون إلى ما هى عليه اليوم. وفى الوقت ذاته فإن التطور التكنولوجى والفكرى للإنسان أدى إلى ظهور فنون جديدة فى العصر الحديث لم تكن معروفة من قبل مثل فنون الراديو والسينما والتليفزيون، وقد تبلورت هذه الفنون بعد تطورها المستمر إلى أن أصبحت فنونا مستقلة قائمة بذاتها.
إن تطور الفنون المختلفة وارتباط ذلك التطور بتطور الإنسان ذاته، يؤكد بوضوح ارتباط الفنون المختلفة بحياة الإنسان وبمفردات هذه الحياة ومن ثَم بالمجتمع الإنسانى وبالبيئة الحضارية بوجه عام.
ونتيجة لذلك، فإن الفنان يرتبط بمجتمع ما وببيئة حضارية معينة بصورة أو بأخرى، وهذا الارتباط يمثل علاقة الفنان بمجاله فى الحياة والتجارب التى يتولد عنها الشعور والإحساس والموقف الذى يعبر عنه بفنه، إذ لا يمكن أن ينفصل العمل الفنى عن مجاله وإلا أصبح بلا معنى، فالفنان إذًا لا يمكن أن ينفصل عن مجتمعه بقيمه وعاداته وتقاليده، إذ يُعد هو فى حد ذاته نتاجا لهذه القيم والعادات والتقاليد، ومتأثرا بها بصورة أو بأخرى.
فالعمل الفنى قد يعكس صورًا من حياة الفنان، ولكن هذا لا يعنى أنه تعبير عن حياة الفنان، لأن شخصيته وتجاربه فى الحياة ليست هى التى تحدد العمل الفنى وتعطيه كيانه، وإنما الذى يحدد ذلك العمل هو عقله الخالق وتجاربه الفنية، وعلى قدر نضوج هذا العقل الخالق وتمكن الفنان من فنه تكون قيمة العمل الفنى.
وفى النهاية، تظل الحياة لتجسد أسلوب كل منا فى التعبير عن فنه؛ فنه فى الكتابة، وفنه فى التحدث، وفنه فى التعامل، بل وفنه فى السكوت فى بعض الأحيان، وهذا ما ذهب إليه الأديب الفرنسى «شاتوبريان» عندما قال: «الفن هو الأسلوب، والأسلوب هو الإنسان».
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب – جامعة المنصورة
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جامعة المنصورة د أحمد عثمان الفن الحياة العمل الفنى
إقرأ أيضاً:
“الكتابة واستشراف مستقبل الفنون”.. لقاء بجمعية الثقافة في الدمام
المناطق_المنطقة الشرقية
نظَّمت جمعية الثقافة والفنون بالدمام أمس، اللقاء الفني بعنوان: “الكتابة عن الماضي كوسيلة لاستشراف مستقبل الفنون في المملكة”، بمشاركة عددٍ من الشخصيات الثقافية والأدبية والمهتمين بهذا الشأن.
وتناول اللقاء موضوعات متعددة، أبرزها “القيّم الفني المتميّز” ودوره في إظهار أعمال الفنانين بأحسن صورة، وتقديمه للتجربة المكانية والفنية، وامتلاكه المهارات البحثية، وسبر أغوار التاريخ واستكشافه، وأهمية كُتيّب المعرض الفني لتقديم المعلومات، والكتابة التحليلية، من خلال تحليل الحراك الفني.
أخبار قد تهمك “المياه الوطنية” تستكمل تشغيل 4 محطات لتنقية مياه الشرب بأحياء شعلة الدمام 15 يناير 2025 - 10:59 صباحًا أمانة الشرقية تطلق حملة لرصد المباني الآيلة للسقوط في المنطقة المركزية بالدمام 4 مايو 2024 - 7:19 مساءًكما تناول اللقاء دراسات الحالة التي تركز على أعمال الفنان الواحد، والقيم الكامنة فيه، والكتابة الفنية، والعلاقة بين الفنان والمؤرخ من ناحية توثيق البيانات وأرشفتها، وأهمية التقاط الصور الجيدة لمراحل العمل.