لبنان يترقب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وسط غموض سياسي
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
بيروت- مع اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في 9 يناير/كانون الثاني الحالي، يسود الترقب المشهد السياسي في البلاد ويستمر الغموض في مواقف معظم الكتل السياسية والحزبية.
وتأتي هذه الجلسة المرتقبة بعد فراغ دستوري استمر أكثر من سنتين منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، مما جعل الساحة السياسية عرضة لتجاذبات داخلية وخارجية.
وتتطلب عملية انتخاب رئيس لبنان غالبية الثلثين من أصوات نواب البرلمان البالغ عددهم 128، في الدورة الأولى، في حين يكفي الحصول على الغالبية المطلقة (أكثر من 50%) بالجولات التالية. ورغم الرهان على حسم الجلسة المنتظرة، فلا يزال المشهد ملبدا بضبابية التوافقات مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تعيق إنهاء الشغور الرئاسي.
تسوية مرتقبةيرى علي درويش، النائب السابق في الكتلة البرلمانية لرئيس الحكومة، أن الساحة السياسية تشهد حاليا حركة اتصالات مكثفة وغير مسبوقة، وأكد للجزيرة نت أن "احتمالية انتخاب رئيس للجمهورية خلال الجلسة المقررة في التاسع من هذا الشهر لا تزال قائمة مع تقدير نسبة النجاح بـ50% أو أكثر".
إعلانورغم هذه التحركات، يقول درويش إن المشهد السياسي العام يظل غامضا بسبب الانقسام المستمر بين الموالاة والمعارضة حول معايير اختيار رئيس الجمهورية الأنسب للمرحلة الحالية، سواء من حيث الشخصية أو الملفات التي يجب أن يتولاها.
وأشار إلى أن الجلسة المقبلة مفتوحة على جميع الاحتمالات، إذ يعتمد تحقيق اختراق سياسي على نجاح الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية شاملة. كما لفت إلى أن بعض المرشحين، مثل قائد الجيش، يحتاجون للحصول على 86 صوتا للفوز، وهي "مهمة تبدو ممكنة لكنها لا تزال محفوفة بالتحديات مما يعكس تعقيد المشهد الراهن".
وشدد درويش على أهمية اختيار رئيس قادر على تجاوز الانقسامات الداخلية وتوحيد اللبنانيين، وأوضح أن الدعم الدولي والعربي للرئيس المقبل -خصوصا من دول الخليج- سيكونان عاملين حاسمين لدفع عجلة الاستقرار والتنمية في لبنان.
ووفقا له، تتطلب المرحلة الحالية شخصية قيادية قادرة على فتح آفاق جديدة لدعم لبنان، لا سيما في مجالات إعادة الإعمار وتحقيق النمو الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الكبرى التي "تمثل حجر الزاوية للنهوض بالبلاد من أزماتها الراهنة".
ضبابية الرئاسةمن جانبه، أكد رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات اللبنانية شارل جبور أنه "يُفترض أن يتم انتخاب رئيس في الجلسة القادمة، وهو أمر كان يجب أن يحدث منذ عامين وشهرين، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب الممانعة التي تسببت في تعطيل 12 جلسة انتخابية، بالإضافة إلى تجميد الدعوات لعقد جلسات متتالية، مما يعكس عرقلة واضحة للعملية الانتخابية".
وأضاف للجزيرة نت أن الحديث عن جلسة مفتوحة يعد خطوة إيجابية مقارنة بالفترة السابقة، ومع ذلك لا تزال الصورة الرئاسية غامضة رغم أن القوى المعنية قد تكون لديها رؤية واضحة خلف الكواليس، وبالتالي يبقى الوضع الرئاسي غير محدد مما يستدعي الحذر والتروي في التوقعات.
إعلانوحسب جبور، لا يمكن في هذه المرحلة تحديد مرشح بعينه حيث لا تزال الصورة غير مكتملة حتى الآن، ويبقى الحديث مقتصرا على الثوابت العامة المتعلقة بالمرشح الأقوى دون أن تكون هذه القضايا قد حُسمت بعد، وهو ما يعكس حالة من الانتظار في رسم معالم المرحلة المقبلة.
من ناحية أخرى، أكد المسؤول بحزب القوات اللبنانية أن القوى السياسية لا تزال تسعى لانتخاب رئيس توافقي، وهو هدف يتماشى مع المرحلة الحالية التي تتطلب بناء دولة حقيقية تقوم على تطبيق الدستور وتنفيذ القرارات الدولية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار.
تحديات انتخابيةمن جهته، يرى النائب قاسم هاشم عضو كتلة التنمية والتحرير (الكتلة البرلمانية لحركة أمل) أن الجلسة ستعقد في موعدها المحدد رغم المحاولات التي يبذلها البعض لإثارة الجدل حول إمكانية تأجيلها، وأكد للجزيرة نت ضرورة نجاحها و"هو ما يصر عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يسعى من خلالها إلى انتخاب رئيس للجمهورية".
وأضاف أن الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة تتطلب إعادة انتظام المؤسسات الدستورية، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون انتخاب رئيس للجمهورية. وأوضح أن بري "مصمم" على أن تكون الجلسة مفتوحة لدورات متتالية لإتمام عملية الانتخاب مع السعي للوصول إلى توافق حول شخصية الرئيس دون أن يشكل ذلك تحديا لأي طرف.
وفي حال عدم التوصل إلى تفاهم قبل موعد الجلسة، أكد هاشم أن الخيار الأخير سيكون لصناديق الاقتراع لتحديد هوية الرئيس، وبالتالي يجب على القوى السياسية والكتل النيابية الالتفاف حول النتيجة بشكل سريع لتشكيل المؤسسة الدستورية، مما يتيح انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة للتعامل مع الملفات العاجلة التي يحتاجها لبنان.
أما عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن، فأكد أن موقف كتلته كان واضحا منذ البداية بدعوتها لإنجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده دون تعطيل الجلسات، وأضاف أنه حين تحديد موعد الجلسة حسمت الكتلة خيارها لصالح قائد الجيش العماد جوزيف عون "انطلاقا من قناعتها بضرورة أن يكون رئيس الجمهورية شخصية توافقية" مشيرا إلى وجود اعتراضات من بعض الأطراف على هذا الترشيح.
إعلانوشدد أبو الحسن على أهمية التوصل إلى انتخاب رئيس توافقي، وقال للجزيرة نت "تبدو الجلسة قائمة وفق المعطيات الحالية لكن لا ضمانات للخروج برئيس ما لم تعمد الأطراف إلى مراجعة مواقفها، وقد نشهد مرونة من البعض باتجاه التسوية، لكن إذا استمر كل فريق بالتمسك بمرشحه الخاص فسيظل لبنان في مأزق لأن إدارة شؤونه لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الحوار والتفاهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رئیس الجمهوریة انتخاب رئیس للجزیرة نت لا تزال
إقرأ أيضاً:
نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.
خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام
يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.
وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.
تفاصيل صفقة الإقرار بالذنبوفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.
مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.
السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهولا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.
الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.
احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.
ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.
أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟
تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.