لجريدة عمان:
2025-04-28@19:31:55 GMT

يوم مع بشير الديك

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

يحدث أن يسمي المرء يومًا من حياته باسم شخص كان له حضورٌ بارز في ذلك اليوم. وهكذا فيما يخصني سميتُ يوم الخميس 24 مارس 2016 "يوم بشير الديك"، ذلك أن هذا اليوم منذ صباحه الباكر وحتى غروب الشمس لم يترك شيئًا يمكن أن أتذكره به سوى لقائي بهذا السيناريست والمخرج المصري الذي رحل عن عالمنا قبل عدة أيام، عن عمر ناهز ثمانين عاما صنع خلالها اسمه كواحد من أبرز كتّاب السينما في العالم العربي.

لا أذكر في أي ساعة صباحية بدأت الندوة الاحتفائية بالديك، ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان مسقط السينمائي، ولكنها كانت على الأرجح العاشرة صباحا. كنتُ من العدد القليل الذي حضر الندوة، رغم أن المخرج أنيس الحبيب رحمه الله – أحد منظمي هذه الندوة - بعث رسائل هاتفية خاصة إلى ثلاثين شخصًا عدايَ، كما أخبرني، ولكنَّ قليلًا من هؤلاء حضر. كنتُ قد وصلتُ إلى قاعة فندق هرمز وفي مخيلتي أسئلة أزعم أنها نوعية، وتسبر تجربة الديك السينمائية متسلحًا بأسماء أفلام ونجوم وتواريخ. قبل طرحي السؤال الأول عرّفتُ نفسي بأنني مقدم برامج ثقافية في إذاعة سلطنة عمان، لكن أنيس الحبيب أضاف أنني روائي.

لاحظتُ ارتياح الديك لأسئلتي، فكان أن انتهزتُ الفرصة بعد الجلسة مباشرةً لأخبره برغبتي في محاورته إذاعيًّا، ولأن الحوار ستكون مدته ساعة، وسيمر على مسيرته السينمائية كلها فلا بد أن يكون في ستديوهات الإذاعة. ببساطة وتلقائية أجاب بالموافقة، ولكنه تحجج بارتباطه هذا اليوم بمؤتمر صحفي وانشغالات أخرى تخص المهرجان فاقترحتُ عليه الغد فوافق، ولكن بعد صلاة الجمعة، لأنه يريد أن يصلي في الجامع الأكبر كما قال. وطلب مني نسخة من روايتي التي أخبره عنها أنيس فوعدته بها.

كنتُ لا أزال في فندق هرمز عندما تذكرتُ فجأة أنني أوقعتُ نفسي في ورطة! لقد نسيتُ أن عليَّ أن أستقبل الليلة في مطار مسقط أخي محمود القادم من عمله في الأردن، ولأن رحلته متأخرة فهذا يعني أنني سأصل إلى صحم في الثانية صباحًا، وأن عليَّ أن أصحو في الغد مبكرًا لأعود أدراجي إلى مسقط قبل صلاة الجمعة، وهذا أمرٌ مرهق، بدنيّا وذهنيًّا. هداني تفكيري، وبتشجيع من الأريحية التي قابلني بها الديك أن أعود إليه وأقترح موعدًا آخر اليوم، فلا يصلح أن نؤجل إلى ما بعد غد لأنه سيكون قد سافر. ومن شدة تفاؤلي بموافقته أرسلتُ للزميل هلال المشيفري - مدير الإذاعة آنئذ – أن يجهّز لي تصريح دخول باسمه. وجدته واقفا في ردهة الفندق مع المخرج المصري عمر عبدالعزيز، لا أذكر ماذا كان عذري لطلب تقديم الحوار إلى الخميس بدلًا من الجمعة، لكني اقترحتُ عليه أن أحمله بسيارتي اليوم في أي وقت يشاء من الفندق إلى الإذاعة ثم نجري الحوار وأعيده إلى الفندق، فرحب بالفكرة، بل إنه قال "أيه رأيك نروح دلوقت؟"، فوافقت على الفور، لكن عمر عبدالعزيز ثبّطه بحجة أنهما متفقان أن يذهبا إلى كلية مزون، فكان أن ضرب لي موعدًا جديدًا هو الرابعة عصرا. وفي الحقيقة كان هذا الموعد أكثر مُناسبة لي من أي موعد آخر.

توجهتُ إلى الإذاعة وتأكدتُ من جاهزية التصريح باسم "بشير صِدّيق الديك"، وطبعتُ أسئلتي. وقبل الموعد المحدد بخمس دقائق كنتُ في ردهة الاستقبال لفندق هرمز. اتصلت بالغرفة رقم 4103 ولكن لم يصلني رد، فوضعتُ رسالة مفادها "مساء الخير أستاذ بشير. أنا سليمان من الإذاعة. أنتظرك في الريسبشن". وضعت السماعة وذهبت لأبحث عن مقعد أستريح فيه ريثما يهبط من غرفته، لكني تفاجأتُ به في وجهي.

تستغرق المسافة من فندق هرمز حتى الإذاعة حوالي عشرين دقيقة قضيناها في الحديث عن مصر وأوضاعها السياسية آنئذ. تحديدًا عن الإخوان والرئيس السابق محمد مرسي. قال إن عبارة مرسي: "الستينيات وما أدراك ما الستينيات" التي استهل بها خطاب توليه الحكم لاقت استياء كبيرًا من الشعب المصري. قلتُ: "ثمة من يرى أن الإخوان أساءوا الاختيار، فلو اختاروا شخصًا أكثر قبولا وأكثر كاريزما لربما كانت الأمور أفضل"، رد بأن المشكلة في الفكر لا في الشخص، وحكى لي عن دعوة الرئيس السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع جميع الأطراف للحوار وموافقة مرسي عليه، وكيف أنه – أي مرسي - عندما كان في الطريق لمقر وزارة الدفاع في اليوم المحدد للحوار تلقى اتصالًا من المرشد يطلب منه العودة وعدم الذهاب.

كنتُ قد سمعتُ هذه الحكاية من قبل ولكن هناك من يقول إن سردها بهذه الكيفية مقصودٌ لتبيان أن الرئيس مرسي لم يكن سيد قراره. قلت في محاولة لجس نبضه إن البعض في مصر مصدوم لأنه بعد ثلاث سنوات من سقوط حكم الإخوان لا يبدو أن الآمال الكبيرة التي علقها المصريون على خلَفه قد تحققت. أجاب أن الأمر ليس بهذه السهولة. "ليس من السهولة أن تحكم مصر بعد أن تعرضت لكل هذا التجريف طوال السنين الماضية. الفساد والبيروقراطية واللامبالاة تعم الجميع تقريبا. أنا أرى أنه لو تمت إحالة ستة ملايين مصري للتقاعد برواتبهم، ووظف من الشباب العاطلين 10% منهم فقط لاستطاعوا إنجاز كل الأعمال بجودة أكبر". وافقتُه على صعوبة حكم مصر لكني علقتُ على مسألة انتهاك حقوق الإنسان، فقال: "إننا نسمى هؤلاء سخريةً: النُشَتاء، لأن ما يدعونه لا أساس له من الصحة، وحتى الاختفاء القسري الذي يزعمون ليس صحيحا، فأولئك شباب هاجروا خارج مصر دون أن يُعلِموا أحدًا". ذكرتُه بحكاية مَنْ سُمِّيَ "معتقل التيشيرت" الذي تحدث عنه الروائي إبراهيم عبدالمجيد في لقائه بالرئيس السيسي قبل أيام، وقد أمر الرئيس بالإفراج عنه بمجرد علمه بالخبر. ثم تحدثنا عن إحدى القنوات الفضائية وأخبارها المضللة عن مصر، فعلق أن هناك شبابا عاطلين ممن لا يجدون عملًا يمشون في مظاهرة تصورها هذه القناة ثم يتفرقون!

وصلنا الإذاعة في حوالي الرابعة والنصف عصرا. وقبيل دخولنا ردهة استقبال الإذاعة قال لي: "تذكرني بشاب مصري موهوب يشبهك تماما اسمه عبدالرحيم كمال" لم يبدُ عليَّ أنني تذكرتُ الرجل. فأخبرني أنه هو الذي كتب سيناريو مسلسل "الخواجة عبدالقادر" ليحيى الفخراني. توجهنا مباشرة لاستديو 4. طلبتُ من الزميل المخرج مروان السعيدي أن يصورنا قبل أن يفتح المايكروفون ففعل. ثم انطلق الحوار. أجاب عن أسئلتي بالبساطة والتلقائية نفسها. واستمر الحوار إحدى وخمسين دقيقة.

في طريق العودة طلبتُ رقم هاتفه لأبعث له رابط الحلقة بعد البث، فاعتذر بأنه لا يحفظ رقم هاتفه. قلتُ: "طيب كرت؟". رد ضاحكا: "ولا كرت. كان لديّ كرت واحد قديم مازلت أحتفظ بنسخ منه إلى اليوم لأنني لا أوزعه، فهو لا يحتوي إلا اسمي. أما رقم منزلي فقد تغير، ولم يكن لديّ في ذلك الوقت هاتف نقال". اقترح أن يعطيني رقم زوجته فاستحسنتُ الفكرة، ثم قال: "الدنيا أول كانت سهلة وسلسة. أما فالآن كل شيء سريع". علقتُ مذكِّرًا إياه بشيء من إجابته عن أحد أسئلتي: "في الماضي لكي تُرِي نصك السينمائي لمصطفى محرم كان عليك أن تقطع مشوارًا الى البقال الذي سيعطي النصّ لحماة محرّم، والذي سيستلمه منها بدوره في أول زيارة لها، أما اليوم فبكبسة زر يمكنك أن تبعث نصك إلى أمريكا فيقرأه المرسَل إليه في اللحظة نفسها، وربما يبعث لك رأيه فيه أيضا". هزّ رأسه علامة الموافقة، وحكى لي حكاية ذات مغزى: "كنتُ وزوجتي نحبّ بعضنا بعضا، وعندما عدتُ إلى دمياط بينما كانت هي تدرس في الجامعة في القاهرة لم نجد طريقة للتواصل سوى أن نجلس في الساعة السادسة من مساء كل إثنين ويكتب كل منا رسالة للآخر، ولقد كنا نتواصل روحيًّا في هذا الوقت بالذات بالمعنى الحرفي للكلمة، وكانت رسائلنا تستغرق ثلاثة أيام حتى تصل لوجهتها".

وصلنا فندق هرمز، ودعتُه شاكرًا إياه هذا اليوم الذي منحني إياه، وقفلتُ عائدًا وأنا أنظر إلى ساعة السيارة أمامي، عادًّا الساعات المتبقية على وصول محمود.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ما الذي نعرفه عن عائلة البابا فرنسيس؟ ومن حضر تشييعه منهم؟

شيع الفاتيكان اليوم السبت، جثمان البابا فرنسيس في موكب جنائزي كبير، وذلك بمشاركة شعبية حاشدة وبحضور العشرات من قادة وزعماء العالم ورموزه الدينية.

وفيما يلي، أبرز ما نعرفه عن عائلة البابا فرنسيس:

ولد البابا فرنسيس، واسمه الحقيقي خورخي ماريو برغوليو، كأكبر أبناء ريجينا ماريا سيفوري وماريو خوسيه فرانشيسكو، وهما مهاجران إيطاليان قاما بتربية أسرتهم في بوينس آيرس بالأرجنتين.

وتبقى له شقيقة واحدة على قيد الحياة، وهي ماريا إلينا برغوليو (77 عاما)، والتي كانت آخر مرة ترى شقيقها في مارس 2013 قبل مغادرته إلى روما لحضور المجمع المغلق الذي انتهى بانتخابه رئيسا للكنيسة الكاثوليكية، وفقا لموقع “هولا!” الأرجنتيني.

ولم تحضر ماريا إلينا مراسم تنصيبه، موضحة أن “أخي طلب منا توفير المال لاستخدامه في الأعمال الخيرية”.

وذكرت التقارير أنها تعاني حاليا من مشكلات صحية وتعيش وسط راهبات يعتنين بها.

أما ابنها، خوسيه برغوليو، فقد أوضح أن العائلة لن تسافر إلى روما لحضور الجنازة، حسبما ذكره ناويل سوتيلو، سكرتير العبادة والحضارة الأرجنتيني، عبر منصة “إكس”.

وقال سوتيلو: “أخبرني خوسيه أن قرارهم جاء تماشياً مع مثال البابا، وأنهم رأوا أن عدم السفر هو أفضل تكريم له”.

كما أن ابنة ماريا إلينا، كريستينا برغوليو، وهي فنانة مشهورة تقيم في مدريد، كانت قد صرّحت عام 2014 بأنها ليست متدينة، ووصفت الكنيسة بأنها “قديمة الطراز”.

كان البابا فرانسيس الأكبر بين خمسة أشقاء ولدوا لريجينا ماريا سيفوري (في الصورة في المنتصف في الصف العلوي) وماريو خوسيه فرانسيسكو.

ومن جهة أخرى، كان من المتوقع أن يحضر ماورو برغوليو، وهو أحد أبناء إخوة البابا المتوفين، مراسم الجنازة في إيطاليا، وذلك بفضل متبرع خاص تكفّل بتكاليف سفره وزوجته، بحسب صحيفة “لا ناسيون”.

وكان ماورو، وهو ابن أوسكار برغوليو، قد أبدى عبر وسائل الإعلام الأرجنتينية عدم قدرته المالية على السفر، مما دفع صاحبة وكالة سفر، ريتا ماتييّو، إلى تقديم المساعدة.

وقالت ماتييّو: “حطم قلبي سماع أنه لا يستطيع السفر. هو وزوجته كان ينبغي أن يكونا من أول المدعوين”.

وأوضح ماورو، الذي يعمل ممرضا، لراديو “ميتري” أنه لم يطلب المساعدة بل عُرضت عليه، واعتبرها فرصته الوحيدة لتوديع عمه.

كما كتبت شقيقته فانيسا عبر منصة “إكس”، وفقا لصحيفة “بوينس آيرس تايمز”، أن الأسرة بالكاد تكفي احتياجاتها الشهرية، مضيفةً أن أخاها كان يتمنى بشدة حضور جنازة “آخر أعمامنا”، معربة عن امتنانها لوسائل الإعلام التي ساعدت في لفت الانتباه إلى حالته.

أما ابنة عم البابا، كارلا رابيتسانا (93 عاما)، فقد أعربت في حديث لمجلة “ناشيونال كاثوليك ريبورتر” في مارس الماضي عن قلقها من تدهور صحة البابا، ونشرت صورة لهما خلال غداء جمعهما في منزلها في بلدة بورتاكومارو بشمال إيطاليا في نوفمبر 2022. ولم يتضح ما إذا كانت قادرة على حضور الجنازة.

أعربت كارلا رابيزانا عن قلقها إزاء تدهور صحة فرانسيس، “ابن عمها جورجيو”، في الأشهر التي سبقت وفاته.

ونعت الدكتورة كارولينا برغوليو، حفيدة شقيق البابا، عبر منشور في “فيسبوك”، قائلة: “وفاة البابا فرنسيس تمثل لحظة رمزية عميقة في تاريخ الإنسانية. كان قائدا روحيا يعرف كيف يخاطب قلوب العالم بتواضع وقرب وإنسانية عميقة”.

في حين أن فيليبي برغوليو، حفيد شقيق البابا البالغ من العمر 21 عاماً، فهو لاعب كرة قدم في نادي كاستيجليونينسي 1919 الإيطالي، بحسب صحيفة “لا ديريشا ديايرو”.

فيليبي بيرغوليو، ابن أخ البابا فرانسيس البالغ من العمر واحدا وعشرين عاما.

وكان فيليبي قد صرّح في مقابلة مع صحيفة “لا ناسيون” في أغسطس الماضي أنه لم يلتقِ بالبابا شخصيا، لكنه كان يتابع أخبار العائلة عبر والده، ابن عم البابا. وقال: “رغم بعد المسافة بين بوينس آيرس وقرطبة، إلا أن العلاقة بيننا كانت دائماً موجودة”. وذكرت التقارير أن شقيقيه الأكبر سنا، ماتيو وبنجامين، التقيا البابا بالفعل.

المصدر: “نيويورك بوست”

مقالات مشابهة

  • العشاء الذي أسهم في إنقاذ أوروبا
  • الذي يأتي ولا يأتي من الحـافلات
  • دعاء الذي يقال عند بلوغ سن الاربعين
  • مصر تعرب عن تعازيها لايران في ضحايا الانفجار الذي وقع جنوب البلاد
  • ما الذي نعرفه عن عائلة البابا فرنسيس؟ ومن حضر تشييعه منهم؟
  • محمد معز رئيس المالديف الذي منع الإسرائيليين من دخول بلاده
  • ياويل عبدالرحيم دقلو الذي لن يجد جحراً يلوذ به
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • شاهد بالفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع (ياجوج وماجوج) يلتقي بالفنان محمد بشير ويشكو له من (جرح داخل قلبه)
  • ما الذي ستكشف عنه قوات صنعاء في بيانها بعد اقل من ساعة..!