لجريدة عمان:
2025-02-06@09:47:59 GMT

يوم مع بشير الديك

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

يحدث أن يسمي المرء يومًا من حياته باسم شخص كان له حضورٌ بارز في ذلك اليوم. وهكذا فيما يخصني سميتُ يوم الخميس 24 مارس 2016 "يوم بشير الديك"، ذلك أن هذا اليوم منذ صباحه الباكر وحتى غروب الشمس لم يترك شيئًا يمكن أن أتذكره به سوى لقائي بهذا السيناريست والمخرج المصري الذي رحل عن عالمنا قبل عدة أيام، عن عمر ناهز ثمانين عاما صنع خلالها اسمه كواحد من أبرز كتّاب السينما في العالم العربي.

لا أذكر في أي ساعة صباحية بدأت الندوة الاحتفائية بالديك، ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان مسقط السينمائي، ولكنها كانت على الأرجح العاشرة صباحا. كنتُ من العدد القليل الذي حضر الندوة، رغم أن المخرج أنيس الحبيب رحمه الله – أحد منظمي هذه الندوة - بعث رسائل هاتفية خاصة إلى ثلاثين شخصًا عدايَ، كما أخبرني، ولكنَّ قليلًا من هؤلاء حضر. كنتُ قد وصلتُ إلى قاعة فندق هرمز وفي مخيلتي أسئلة أزعم أنها نوعية، وتسبر تجربة الديك السينمائية متسلحًا بأسماء أفلام ونجوم وتواريخ. قبل طرحي السؤال الأول عرّفتُ نفسي بأنني مقدم برامج ثقافية في إذاعة سلطنة عمان، لكن أنيس الحبيب أضاف أنني روائي.

لاحظتُ ارتياح الديك لأسئلتي، فكان أن انتهزتُ الفرصة بعد الجلسة مباشرةً لأخبره برغبتي في محاورته إذاعيًّا، ولأن الحوار ستكون مدته ساعة، وسيمر على مسيرته السينمائية كلها فلا بد أن يكون في ستديوهات الإذاعة. ببساطة وتلقائية أجاب بالموافقة، ولكنه تحجج بارتباطه هذا اليوم بمؤتمر صحفي وانشغالات أخرى تخص المهرجان فاقترحتُ عليه الغد فوافق، ولكن بعد صلاة الجمعة، لأنه يريد أن يصلي في الجامع الأكبر كما قال. وطلب مني نسخة من روايتي التي أخبره عنها أنيس فوعدته بها.

كنتُ لا أزال في فندق هرمز عندما تذكرتُ فجأة أنني أوقعتُ نفسي في ورطة! لقد نسيتُ أن عليَّ أن أستقبل الليلة في مطار مسقط أخي محمود القادم من عمله في الأردن، ولأن رحلته متأخرة فهذا يعني أنني سأصل إلى صحم في الثانية صباحًا، وأن عليَّ أن أصحو في الغد مبكرًا لأعود أدراجي إلى مسقط قبل صلاة الجمعة، وهذا أمرٌ مرهق، بدنيّا وذهنيًّا. هداني تفكيري، وبتشجيع من الأريحية التي قابلني بها الديك أن أعود إليه وأقترح موعدًا آخر اليوم، فلا يصلح أن نؤجل إلى ما بعد غد لأنه سيكون قد سافر. ومن شدة تفاؤلي بموافقته أرسلتُ للزميل هلال المشيفري - مدير الإذاعة آنئذ – أن يجهّز لي تصريح دخول باسمه. وجدته واقفا في ردهة الفندق مع المخرج المصري عمر عبدالعزيز، لا أذكر ماذا كان عذري لطلب تقديم الحوار إلى الخميس بدلًا من الجمعة، لكني اقترحتُ عليه أن أحمله بسيارتي اليوم في أي وقت يشاء من الفندق إلى الإذاعة ثم نجري الحوار وأعيده إلى الفندق، فرحب بالفكرة، بل إنه قال "أيه رأيك نروح دلوقت؟"، فوافقت على الفور، لكن عمر عبدالعزيز ثبّطه بحجة أنهما متفقان أن يذهبا إلى كلية مزون، فكان أن ضرب لي موعدًا جديدًا هو الرابعة عصرا. وفي الحقيقة كان هذا الموعد أكثر مُناسبة لي من أي موعد آخر.

توجهتُ إلى الإذاعة وتأكدتُ من جاهزية التصريح باسم "بشير صِدّيق الديك"، وطبعتُ أسئلتي. وقبل الموعد المحدد بخمس دقائق كنتُ في ردهة الاستقبال لفندق هرمز. اتصلت بالغرفة رقم 4103 ولكن لم يصلني رد، فوضعتُ رسالة مفادها "مساء الخير أستاذ بشير. أنا سليمان من الإذاعة. أنتظرك في الريسبشن". وضعت السماعة وذهبت لأبحث عن مقعد أستريح فيه ريثما يهبط من غرفته، لكني تفاجأتُ به في وجهي.

تستغرق المسافة من فندق هرمز حتى الإذاعة حوالي عشرين دقيقة قضيناها في الحديث عن مصر وأوضاعها السياسية آنئذ. تحديدًا عن الإخوان والرئيس السابق محمد مرسي. قال إن عبارة مرسي: "الستينيات وما أدراك ما الستينيات" التي استهل بها خطاب توليه الحكم لاقت استياء كبيرًا من الشعب المصري. قلتُ: "ثمة من يرى أن الإخوان أساءوا الاختيار، فلو اختاروا شخصًا أكثر قبولا وأكثر كاريزما لربما كانت الأمور أفضل"، رد بأن المشكلة في الفكر لا في الشخص، وحكى لي عن دعوة الرئيس السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع جميع الأطراف للحوار وموافقة مرسي عليه، وكيف أنه – أي مرسي - عندما كان في الطريق لمقر وزارة الدفاع في اليوم المحدد للحوار تلقى اتصالًا من المرشد يطلب منه العودة وعدم الذهاب.

كنتُ قد سمعتُ هذه الحكاية من قبل ولكن هناك من يقول إن سردها بهذه الكيفية مقصودٌ لتبيان أن الرئيس مرسي لم يكن سيد قراره. قلت في محاولة لجس نبضه إن البعض في مصر مصدوم لأنه بعد ثلاث سنوات من سقوط حكم الإخوان لا يبدو أن الآمال الكبيرة التي علقها المصريون على خلَفه قد تحققت. أجاب أن الأمر ليس بهذه السهولة. "ليس من السهولة أن تحكم مصر بعد أن تعرضت لكل هذا التجريف طوال السنين الماضية. الفساد والبيروقراطية واللامبالاة تعم الجميع تقريبا. أنا أرى أنه لو تمت إحالة ستة ملايين مصري للتقاعد برواتبهم، ووظف من الشباب العاطلين 10% منهم فقط لاستطاعوا إنجاز كل الأعمال بجودة أكبر". وافقتُه على صعوبة حكم مصر لكني علقتُ على مسألة انتهاك حقوق الإنسان، فقال: "إننا نسمى هؤلاء سخريةً: النُشَتاء، لأن ما يدعونه لا أساس له من الصحة، وحتى الاختفاء القسري الذي يزعمون ليس صحيحا، فأولئك شباب هاجروا خارج مصر دون أن يُعلِموا أحدًا". ذكرتُه بحكاية مَنْ سُمِّيَ "معتقل التيشيرت" الذي تحدث عنه الروائي إبراهيم عبدالمجيد في لقائه بالرئيس السيسي قبل أيام، وقد أمر الرئيس بالإفراج عنه بمجرد علمه بالخبر. ثم تحدثنا عن إحدى القنوات الفضائية وأخبارها المضللة عن مصر، فعلق أن هناك شبابا عاطلين ممن لا يجدون عملًا يمشون في مظاهرة تصورها هذه القناة ثم يتفرقون!

وصلنا الإذاعة في حوالي الرابعة والنصف عصرا. وقبيل دخولنا ردهة استقبال الإذاعة قال لي: "تذكرني بشاب مصري موهوب يشبهك تماما اسمه عبدالرحيم كمال" لم يبدُ عليَّ أنني تذكرتُ الرجل. فأخبرني أنه هو الذي كتب سيناريو مسلسل "الخواجة عبدالقادر" ليحيى الفخراني. توجهنا مباشرة لاستديو 4. طلبتُ من الزميل المخرج مروان السعيدي أن يصورنا قبل أن يفتح المايكروفون ففعل. ثم انطلق الحوار. أجاب عن أسئلتي بالبساطة والتلقائية نفسها. واستمر الحوار إحدى وخمسين دقيقة.

في طريق العودة طلبتُ رقم هاتفه لأبعث له رابط الحلقة بعد البث، فاعتذر بأنه لا يحفظ رقم هاتفه. قلتُ: "طيب كرت؟". رد ضاحكا: "ولا كرت. كان لديّ كرت واحد قديم مازلت أحتفظ بنسخ منه إلى اليوم لأنني لا أوزعه، فهو لا يحتوي إلا اسمي. أما رقم منزلي فقد تغير، ولم يكن لديّ في ذلك الوقت هاتف نقال". اقترح أن يعطيني رقم زوجته فاستحسنتُ الفكرة، ثم قال: "الدنيا أول كانت سهلة وسلسة. أما فالآن كل شيء سريع". علقتُ مذكِّرًا إياه بشيء من إجابته عن أحد أسئلتي: "في الماضي لكي تُرِي نصك السينمائي لمصطفى محرم كان عليك أن تقطع مشوارًا الى البقال الذي سيعطي النصّ لحماة محرّم، والذي سيستلمه منها بدوره في أول زيارة لها، أما اليوم فبكبسة زر يمكنك أن تبعث نصك إلى أمريكا فيقرأه المرسَل إليه في اللحظة نفسها، وربما يبعث لك رأيه فيه أيضا". هزّ رأسه علامة الموافقة، وحكى لي حكاية ذات مغزى: "كنتُ وزوجتي نحبّ بعضنا بعضا، وعندما عدتُ إلى دمياط بينما كانت هي تدرس في الجامعة في القاهرة لم نجد طريقة للتواصل سوى أن نجلس في الساعة السادسة من مساء كل إثنين ويكتب كل منا رسالة للآخر، ولقد كنا نتواصل روحيًّا في هذا الوقت بالذات بالمعنى الحرفي للكلمة، وكانت رسائلنا تستغرق ثلاثة أيام حتى تصل لوجهتها".

وصلنا فندق هرمز، ودعتُه شاكرًا إياه هذا اليوم الذي منحني إياه، وقفلتُ عائدًا وأنا أنظر إلى ساعة السيارة أمامي، عادًّا الساعات المتبقية على وصول محمود.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ننشر أبرز المعلومات عن الإذاعي الراحل أحمد أبوزيد

كتب- عمرو صالح:
أعلن رضا عبدالسلام رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وفاة الإذاعي أحمد أبو زيد.

ويستعرض مصراوي خلال السطور التالية أبرز المعلومات عن الإذاعي الراحل أحمد أبوزيد:
- عمل بالإذاعة المصرية وإذاعة الشعب في عام 1988.
- وبعد تشعب إذاعة الشعب عمل كمذيع في إذاعة الشباب والرياضة.
- اختير في بعثة إعلامية بالصين آواخر القرن الماضي.

وقال رضا عبدالسلام إن الإذاعي أحمد أبوزيد إن كان رمزًا للأدب الجم، والتواضع، ونقاء القلب، مستعيدًا ذكرياته معه منذ بداية مشواره الإذاعي عام 1988، حين كان الراحل من أهم مذيعي الإذاعة المصرية وإذاعة الشعب.
وأضاف رضا عبد السلام ناعيًا صديقه الراحل: من أول يوم لي في الإذاعة عام ١٩٨٨ تعرفت عليه وكان وقتها من أهم مذيعي الإذاعة المصرية وإذاعة الشعب آنذاك فعرفت الأدب الجم والذوق الرفيع وطيبة القلب وطلاقة الروح وزكاة النفس وكان يعاملني كما يعامل الوالد ولده عطفا وحدبا وفي أولي خطواتي الوئيدة والصعبة في الإذاعة كان مناصرا ومدافعا ويشهد بذلك الراحل الأستاذ عطية السيد رحمه الله.
وتابع: كان الأستاذ أحمد أبو زيد ذا سمت هادئ وأخلاق عالية ووجه راض وبسمته الدائمة على وجهه سفير للأخوة بينه وبين كل من يعرفه وكل من يقابله وخطواته الآمنة التي كنت تحس أنه يمشي تواضعا في صورة مطابقة تماما للآية القرآنية التي تصف عباد الرحمن " يمشون على الأرض هونا " ولا انسي ولن انسي تعليقاته على بوستاتي بهذا اللقب الأثير والمحبب إلي قلبي " ابني الغالي ".
وأضاف: وأنا يا أبي بعد أبي أشهد أمام الله وأمام الناس أنك كنت مثالا للدين الحي والأخلاق العالية والذوق الرفيع وأسأل الله العلي القدير أن يناديك بهذا النداء الذي ينادي به النفوس المطمئنة بقوله سبحانه.
وفي الختام نعاه قائلًا: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)، إلي جنة الخلد أستاذي الحبيب إلي روح وريحان وعزائي لكل أسرته الطيبة وأحبائه جميعا ولانقول إلا مايرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون.

اقرأ أيضا..
5 معلومات عن الضبع المرقط بعد ظهوره النادر في مصر

هل اعتذر الشيخ محمود الشحات عن عزاء بسبب 30 ألف جنيه زيادة في أجره؟.. مصدر يكشف

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

أحمد أبوزيد الإذاعة إذاعة القرآن الكريم رضا عبدالسلام

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة موعد جنازة وعزاء الإذاعي الراحل أحمد أبوزيد أخبار رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق يعلن وفاة أحمد أبو زيد أبرز مذيعي الإذاعة أخبار بعد شكاوى المستمعين.. بيان لإذاعة القرآن بشأن الأذان بصوت الشيخ مصطفي إسماعيل أخبار المسلماني يكشف الخريطة الجديدة لإذاعة القرآن الكريم: 32 من القراء والمراجعة أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

ننشر أبرز المعلومات عن الإذاعي الراحل أحمد أبوزيد

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك 23

القاهرة - مصر

23 14 الرطوبة: 32% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • «شغل تسول».. بشير التابعي يعلق على مفاوضات الزمالك مع رمضان صبحي
  • شغل تسول.. تعليق مثير لـ بشير التابعي عن مفاوضات الزمالك مع رمضان صبحي
  • بشير التابعي عن مفاوضات الزمالك مع رمضان صبحي: " أيه شغل التسول ده ؟"
  • بشير التابعي عن مفاوضات الزمالك مع رمضان صبحي: " ايه شغل التسول ده؟"
  • بشير عبدالفتاح: إسرائيل لن تتنازل عن الضفة الغربية
  • نقابة القراء: لا صحة لتحويل الشيخ الطاروطي إلى التحقيق
  • مصر.. وفاة أحد أشهر مذيعي «القرآن الكريم»
  • رحلة «طائر الإذاعة المصرية المهاجر» تصل لنهايتها.. من هو أحمد أبو زيد؟
  • ننشر أبرز المعلومات عن الإذاعي الراحل أحمد أبوزيد
  • وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو زيد