السودان… عام آخر من الحرب!
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
السودان… عام آخر من الحرب!
ناصر السيد النور
قد لا يبدو عنوان المقال أكثر تشاؤما مما تجسده أزمة السودان واقعيا بعد عامين من الحرب بعد أن انخرط السودانيون أو مكونات الدولة السودانية العسكرية في صراع دموي غير محدود أو مسبوق تخطى التوقعات بازدياد وفقد فيها السودان موارده ومكوناته البنيوية التي تجعل من وصف الدولة وانقسمت مكوناته الاجتماعية قبل السياسية والعسكرية خلال ما يقرب من العامين إلا قليلا.
ويودع السودانيون عاما كالذي سبقه حين باغتتهم حرب ضروس على حين غرة في الخامس عشر من ابريل/نيسان 2023م تجاوزت كل ما عرفته الحروب من وصف وتعريف. واختطت الحرب مسارا لا يشابه ما عرفه السودانيون من حروب اقعد ببلادهم عن ركب الأمم، ومع ذلك تبقى الحرب وأسبابها وأطرافها الفاعلة والملتحقة بها والاستمرار في خوضها بعض من ألغازها العصية على التفسير. وإن يكن الصراع وطبيعته صراع حول السلطة كما بدا في الأيام التي سبقت الحرب بقليل فيما بدا تنازعا وجدل حول نقاط لم تكن مقرراتها لا تقود إلا إلى الحرب، وقد كان دون أن يستصبر الساسة السودانيون مآلاتها الشاخصة.
فما الذي حدث خلال العام المنصرم وماذا يعني عام جديدا في رزنامة الحرب السودانية؟ فمنذ اندلاعها بالشكل الذي استمرت عليها ظلت الأزمة السودانية الأزمة الوحيدة بين أزمات دول العالم التي انتجت ما يجمع عليه من آثار التخلف، وأدت إلى نزوح جماعي ومجاعة وأمراض فتكت بالسكان. ومع الانهيار الذي كان نتيجة حتمية لكل محاولات الحلول والوساطات والمبادرات لم تنفتح مسارات تفضي إلى مخرج يحد من هول النتائج الكارثية للعمليات العسكرية التي يخوضها الطرفان مع مجامع شعبية ومليشيات وحشود شعبية موظفة في حرب لا هدف لها أو نهاية؛ فطوال العام المنصرم راوحت الازمة السودانية مكانها كما بدأت في العام الذي قبله.
وفي سياق تحليل موقف الطرفين في الحرب بين الجيش والدعم السريع وبما أن المعادلة لا ترق للكثير من السودانيين بين ما يفترض مليشيا تمردت على الدولة وبين نتائج محققة ما يمكن عدها بمنطق الحروب هزائم ألحقتها المليشيا بقوات دولة مؤسسات أو هكذا بحكم خروج ولايات وتجمعات عسكرية خارج سيطرة الدولة. ولكن بالتحول الذي احدثه الطرفان طوال الفترة الممتدة بين 2023 و2024 من اقتتال مستمر لم يتوقف سيجعل من الأزمة تدخل عاما جديدا حاملة عوامل هدمها التي باتت في فكاك عن أي التزام قانوني أو عرف أخلاقي أو قوة تحد من وحشتيها.
وبالرصد والتحليل للمواقف السياسية للتنظيمات السياسية السودانية لم يطرأ جديدا على خارطتها وموجهاتها التي لم تختلف كثيرا وان تباينت حول موقف آحادي بين أن تستمر الحرب أو تتوقف. وهو موقف رغم مفارقته إلا أنه يشير إلى فقدان البوصلة في سلم أولويات السياسات السودانية ومدى فهمها للأمن القومي أو مبدأ السيادة وهي عناصر تقتضي مسؤولية أخلاقية قبل أن تسجدها سياسات راشدة كما هو متعارف عليها في دول العالم حتى في ظل الحروب. ولأن المساحة الوحيدة التي حددت أولية السياسات في الدولة السودانية بشكل القائم تقف ورائها جماعات اتخذت من السلطة القائمة واجهة وقوة ضاربة استعادة لسلطة أي تكن حجم الخسائر وقد أدت الحرب هذه المهمة ولا زالت. واتضح أن الموقف من الحرب بين فرقين على المستوى السياسي فالجهات المدنية التي تدعو إلى وقف الحرب منها أحزاب تاريخية (حزب الأمة، اليسار، الديمقراطيون) وما يشكل مجموعة تحالفات تنسيقية القوى المدنية تقدم التي يترأسها الدكتور عبد الله حمدوك. وهي مجموعة مدنية لا تملك من قوى قادرة على التدخل المؤثر بغير القوى الإسلامية التي تدعم للجيش ومعها مجموعات بما فيها المكونات القتالية ذات الطابع الجهوي والقبلي.
وفي جرد حساب لما أنجزته الأزمة السودانية في العام المنصرم وهي تدخل عاما آخر لم يختلف كثيراً إلا على مستوى التدهور المريع وما وصلت الأزمة الإنسانية بصورتها الماثلة شملت كافة ولايات السودان بما فيها المناطق أو الولايات التي تعرف بالآمنة. فلم تعد يوميات العمليات العسكرية وضحاياها وانتهاكاتها ضد المدنيين وما تخلفه من اضرار يشغل بال طرفي النزاع بقدر عزمهما على سحق كل منهما للآخر ولو بدا أن تحقيق معقدا في ظل الواقع الانقسامي الذي أوجدته الحرب بين المكونات السودانية التي تقدمت في مشاريعها الانقسامية إلى درجة ما يعد التراجع عنها ممكنا في المدى المنظور.
وقد كان العام الماضي قد شهد أبرز المواجهات الداخلية على النطاق العسكري وكذلك سوح الدبلوماسية على الصعيد الأممي فقد جاءت قرارات الأمم المتحدة ومجلس امنها الدولي بكل ما حملت البيانات والتقارير من وصف وإدانة لما يجري في حرب السودان إلا أنها لم تؤثر في مجريات الأمور بالداخل. وبلغت ذروة التصعيد الاعتراض الروسي باستخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وسيراليون في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات. وهو انقسام في الموقف الدولي بين قوى دولية ابرزت صراع المحاور الذي وصلت إليه الأزمة السودانية. فأصحبت بالتالي أزمة متعددة الأقطاب من الموقف الإقليمي لدول مجموعة الإيغاد في شرق أفريقيا إلى جامعة الدول العربية إلى المواجهة بين الحكومة القائمة ودول بعينها أفريقية (كينيا، تشاد، يوغندا) وعربية (دولة الامارات) بينما الطرف الآخر الدعم السريع خرج قائده في اتهام مباشر لدولة مصر بمشاركتها الفاعلة في الحرب بسلاح الطيران.
وإذا ظن الطرفان أن حربهما لا تؤثر أو تتأثر بما يجري في العالم والمحيط الجغرافي للسودان فإن ذلك يعد من بين الأخطاء الاستراتيجية الفادحة في التحكم بمصائر الحرب. فتعدد الأطراف من الخارج والداخل لم يعمق من الأزمة وحسب بقدر اتساع نطاقها وبعدها عن أي حل يأمل فيه المتضررون من الحرب. ومع المساعي الدولية التي انطلقت بعيد اندلاع الحرب وصلت جميعها إلى طرق مسدودة على الرغم من حجم الدول ووزنها (السعودية، الولايات المتحدة) إلا أنها لم تتمكن من اختراق في ملفات الأزمة، غيرها من منابر تفاوضية آخرها مفاوضات جنيف التي توقفت عقب تدهور الوضع العسكري في الداخلي.
إن ما يمكن أن ينقذ الموقف المأزوم في السودان لن بأي حال استمرار الحرب على وتيرتها الحالية مهما كانت الدواعي والمبررات التي يسوقها الطرفان، وتأكد فشل آلية الحرب في حسم الصراع وما لم يتبقى إلا التوصل بآلية تفاوضية قد تتفق عليها الأطراف المتنازعة. ومع استبعاد فرض احتمال مثل هذا الطرح في واقع الحرب الدائرة إلا أن الاستمرار الذي يتجاهل حقائق الواقع سيقود إلى وضع أكثر قد لا ينتهي بتفكيك الدولة السودانية على ما تبقى منها من خرائب. فالأمر الذي لم تفطن إليه أطراف الحرب وهي تخطط أو تسعى لحرب غير محسوبة النتائج في غياب المؤسسات السياسية الشرعية أن القاعدة الدارجة في شن أن تبدأ الحرب بتوقيت ما ولكن يعصب التحكم بمصيرها ومداها الزمني. فالعام الجديد القادم قد لا يحمل من بشريات السلام إذا ظلت الحرب الملجأ الأخيرة للحل.
الوسومالجيش السوداني الدعم السريع حرب السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان
إقرأ أيضاً:
ما الذي يخطط له حزب الله؟
كتب طوني عيسى في" الجمهورية": تخشى المعارضة صدمة في جلسة 9 كانون الثاني. فـ "حزب الله" وحلفاؤه يعملون لجمع 65 صوتاً على الأقل، لكي يوصلوا مرشحاً يناسبهم إلى رئاسة الجمهورية. وصحيح أن هذا المرشح لن يكون من صلب بينة "الحزب" السياسية، كالوزير السابق سليمان فرنجية، لكنه ضمن مروحة أسماء مصنفة توافقية"، ويثق "الحزب" في أنه يستطيع أن "يمون" على أركانها لمنع تغيير "ستاتيكو" السلطة الحالي.
هناك تطوران أساسيان يوحيان أن هواجس القوى المعارضة في محلها
1- في الأسابيع الفائتة كانت هذه القوى تعتقد أن الحرب أدت إلى خسارة الحزب، جميع حلفائه خارج الطائفة الشيعية، بمن فيهم التيار الوطني الحر، الذي يفترض أن يجد مصلحة في اعتماد تموضع آخر. ولذلك بدت المعارضة في تلك الفترة أكثر ثقة في قدراتها.
واعتبرت أن موقع رئاسة الجمهورية خرج من حضانة الحزب ليصبح بين خيارين إما قائد الجيش العماد جوزف عون، وهذا الخيار تعتبره المعارضة جيداً، وإما إيصال أحد صقور المعارضة نفسها، وهذا الخيار هو الأفضل لأنه يتكفل بالإمساك برئاسة الجمهورية فيما يكون الجيش ممسوكاً بقيادته الحالية.
وتشير مواقف الحزب إلى أنه ما زال يحتفظ بأوراقه السياسية في الداخل، وأنه قادر على تثميرها بمقدار وافر من المرونة، ولذلك، رفع مستوى التحدي على السنة كوادره، بإعلانه أنه سيواجه أي محاولة لقلب المعادلات السياسية الداخلية وأنه مستعد لإعادة خلط الأوراق سياسياً وعسكريا، أيا كانت النتائج والأكلاف. 2 أطلق «حزب الله في الأيام الأخيرة، عبر مسؤوليه مقاربة جديدة عالية السقف لاتفاق وقف النار، إذ هند إسرائيل بأنه في اليوم الـ 61، سيتصرف بنحو مختلف ما لم توقف انتهاكاتها، وتزامنا، بدأ يكشف تدريجا مفهومه للتعاطي مع الاتفاق، فهو غير مستعجل للتخلي عن سلاحه في جنوب الليطاني، ورافض تماما للمشي به في شمال هذا الخط، وفوق ذلك، بدا أن الوعد الذي أطلقه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قبل أسابيع، بتدبير أقنية جديدة لإيصال المؤن إلى الحزب، بعد سقوط الأسد يتسم بالجدية والسرعة ولعل الضجة المثارة حول الطائرة الإيرانية التي قيل إنها تنقل أموالاً إلى الحزب.
هي إحدى الإشارات إلى ما يفكر فيه.
وفي أي حال، خلال كانون الثاني الجاري، ستظهر قدرات الحزب على حقيقتها من خلال استحقاقين الموعد المقرر الانتخاب رئيس للجمهورية، الخميس المقبل وانتهاء مهلة الـ 60 يوما، في 27 من الجاري إذا لم يتدارك الوسطاء هذا الموعد ويسارعوا إلى تمديدها خوفا من الأسوا.
طبعاً، يخطط حزب الله للبقاء في عرش السلطة في لبنان، وعدم التنازل عن نقاط القوة التي يتمتع بها. ويعمل للاحتفاظ بمرونة تسمح له بالبقاء لاعبا أساسيا على رغم من التحولات وحتى الآن، هو نجح في تحقيق هذا الهدف إلى حد معين. لكن السؤال هو: هل سيبقى لـ الحزب، هذا الهامش إذا استؤنفت الحرب وواصلت إسرائيل ضرباتها في شمال الليطاني واجتياحها في جنوبه؟ وهل سيتمكن من الاحتفاظ بهذه الميزات إذا وصلت الحرب الإسرائيلية - الأميركية إلى إيران نفسها وأدت إلى إضعاف نظامها وفق ما يهدد بنيامين نتنياهو و دونالد ترامب؟