سوريا الجديدة .. بين اكتساب الشرعية ومواجهة التحديات
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
القاهرة 'د ب أ": يوما بعد يوم يزداد الحراك الدبلوماسي الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، مع تقاطر الوفود العربية والأجنبية على دمشق للقاء مسؤولي الإدارة الجديدة، وهو ما يضفي عليها نوعا من الشرعية.
وزراء خارجية ودبلوماسيون ومسؤولون رفيعو المستوى ذهبوا إلى سوريا ما بعد الأسد بأسباب وتوجهات مختلفة، ولكن تلك الزيارات في حد ذاتها تمثل اعترافا ضمنيا بالإدارة الموجودة حاليا وهو ما يشكل قوة دفع لها.
ويرى مراقبون أن إكساب الشرعية لتلك الإدارة يمثل فرصة جيدة لها لتثبيت أركانها، ربما لم تتوفر في حالات سابقة كثيرة أطيح فيها بأنظمة حاكمة، وكانت الإجراءات العقابية كتعليق العضويات في منظمات دولية حاضرة، بدلا من الاعتراف بالحكام الجدد.
لكن ربما يفسر البعض ازدواجية المعايير في التعامل مع حالات مماثلة لكون نظام حكم الأسد لم يكن يحظى بقبول معظم اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية، في حين يذهب فريق آخر لكون تغيير أنظمة الحكم في معظم الأحيان يجري عبر تحركات من المؤسسات العسكرية، ولكن المفارقة مع النموذج السوري هو أن من أطاح بنظام الأسد هي فصائل مسلحة تضم في صفوفها أجانب ومعظمها مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية حتى الآن، وفي مقدمتها ما تعرف بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ورأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن السقوط المفاجئ والصادم لنظام الأسد على يد "هيئة تحرير الشام" أثار ابتهاج السوريين الذين عانوا 13 عاما من ويلات الحرب الأهلية وعقودا أخرى من الحكم القمعي، لكنها ألقت الضوء على التحديات التي ربما تواجه الإدارة الانتقالية.
وذكرت المجلة أنه "مع تبلور حكومة جديدة في دمشق، يشعر السوريون والمراقبون الأجانب على حد سواء بالقلق بشأن مدى شموليتها وتمثيلها ، فالقائد الفعلي للبلاد، أحمد الشرع، هو مقاتل سابق في تنظيم القاعدة، على الرغم من أنه قال أنه نبذ الإرهاب. هيئة تحرير الشام نفسها مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة".
وتابعت: "هناك مخاوف من أن التوترات التي لم يتم حلها بين الجماعات العرقية والدينية في سوريا يمكن أن تعرقل جهود الشرع لتوحيد البلاد وتوطيد حكمه".
واعتبرت فورين أفيرز أن الخيارات التي ستتخذها الولايات المتحدة على المدى القريب "ستؤثر على قدرة النظام الجديد على بسط سلطته في جميع أنحاء سوريا وإعادة الإعمار".
وأشارت المجلة إلى أن "هناك أسبابا تدعو إلى منح القادة الجدد في سوريا ميزة الشك. أحدها هو حالة البلد الذي مزقته الحرب: فأكثر من 70 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 60 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار منذ عام 2011، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة الإعمار 400 مليار دولار".
ومضت المجلة تقول إن الشرع "أثبت أيضا قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة، فبعد استيلائه على محافظة إدلب السورية عام 2017، مضى في بناء دولة أولية من الصفر، وطرد العديد من المقاتلين الأجانب من هيئة تحرير الشام لتبني أجندة وطنية سورية. وتبرأ من الطموحات السلفية السابقة لكسب الدعم العسكري والمالي الخارجي ، الأمر الذي مكن هيئة تحرير الشام من الزحف نحو دمشق في نهاية المطاف. كما تواصل الشرع مع المجتمعات المسيحية والدرزية الصغيرة في المحافظة وتبنى تعليم المرأة، وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية".
ولعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن هو أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا تحققت إلى حد كبير، فحكم الأسد انتهى وانسحبت القوات الإيرانية والروسية من البلاد، بحسب المجلة التي رأت في التغيير الذي شهدته سوريا خسارة كبيرة بالنسبة لإيران، على وجه الخصوص، وقالت إن "خسارة حكومة صديقة في سوريا تشكل ضربة كبيرة.
وعددت المجلة الأسباب التي ربما تفسر موقف واشنطن وعدم حاجتها إلى الإبقاء على وجودها العسكري أو العقوبات الساحقة التي كانت تهدف في البداية إلى إضعاف نظام الأسد، فتحدثت عن إلحاق القوات الأمريكية وما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، أضرارا بالغة بتنظيم داعش في شمال سوريا.
وفي ظل مخاوف وجدل أثارته قرارات وتصريحات لمسؤولين في حكومة الأمر الواقع في سوريا خلال أسابيع قليلة من توليها زمام الأمور، رأت المجلة الأمريكية أن أفضل سيناريو لسوريا الجديدة وجيرانها هو قيام "دولة موحدة ومتماسكة يمكنها التفاوض على اتفاقات دبلوماسية تعزز الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل".
وحذرت من أن البديل هو "سوريا ضعيفة ومنقسمة ومعرضة للصراع، وهي نتيجة قد تتطلب وجودا عسكريا أمريكيا طويل الأمد ومكلفا بشكل متزايد في المنطقة، وتخلق مشاكل لتركيا (حليفة الولايات المتحدة)، وتعرض عملية إعادة البناء الحساسة في العراق للخطر، وينجم عنها موجة أخرى من الهجرة السورية".
ورأت أنه لتجنب هذا السيناريو "ينبغي على الولايات المتحدة أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، وعليها أن تسحب قواتها من البلاد، مما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، تحتاج واشنطن أولا إلى ضمانات بأن لدى الشرع وهيئة تحرير الشام القدرة والإرادة لإبقاء داعش تحت السيطرة، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة أكراد سوريا ودمجهم، وإذا لزم الأمر تنأى بنفسها عن أنقرة للقيام بذلك".
وقالت المجلة إن رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة "سيسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي".
ويرى محللون أنه يتعين الآن على الشرع ورجاله استغلال الفرصة وإثبات أنهم خرجوا من عباءة التنظيمات المسلحة إلى آفاق أرحب لبناء دولة جديدة تتسع لجميع مكوناتها، وعدم السماح لتضارب المصالح بإدخال سوريا في دوامة جديدة ربما تكون أشد وطأة مما شهدته خلال السنوات الماضية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام فی سوریا
إقرأ أيضاً:
محلل يتحدث عن الفراغ الأمني في سوريا وما تخشاه الولايات المتحدة
قال تيم ليستر، المحلل في شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في تحليله الأخير، إن تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان قد سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق في وقت سابق، لا يزال يشكل تهديدا مقلقا رغم تراجع الخلافة التي أعلنها التنظيم لنفسه، لافتا إلى مخاوف الولايات المتحدة من الفراغ الأمني في سوريا.
وأضاف ليستر أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد كيانا موحدا ومرتبطا كما كان في الماضي، بل أصبح شبكة غير مركزية تتوزع خلاياها على أكثر من 12 دولة حول العالم. ورغم هذا التوزع، لا يزال التنظيم يحظى بقدرة كبيرة على التحفيز والدعم لعدد من الخلايا النائمة في أوروبا وروسيا، والتي قد تشن "هجمات إرهابية" مدمرة في أي وقت.
وأشار ليستر إلى الهجوم الذي وقع في موسكو في آذار /مارس 2024 والذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 150 شخصًا وإصابة أكثر من 500 آخرين.
بحسب المحلل، فإن هذا الهجوم أعاد التنظيم إلى دائرة الضوء، وأكد على قدرته على تنفيذ عمليات عالية التأثير في مدن كبيرة، رغم تراجعه الميداني.
وأوضح المحلل أن تنظيم الدولة الإسلامية أصبح أكثر اعتمادا على تحفيز الهجمات التي يُنفذها أفراد متطرفون، بدلا من الاعتماد على هجمات منسقة وكبيرة كما كان الحال في ذروة قوته.
وفي هذا السياق، أشارت مساعدة العميل الخاص في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، أليثيا دنكان، إلى أن المشتبه به في هجوم نيو أورليانز كان قد نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل الهجوم مباشرة، تُظهر تأثره بمنظومة تنظيم الدولة الإسلامية.
واعتبر الكاتب أن هذا الحادث مثالا آخر على تهديد "الذئب المنفرد"، وهو أحد أساليب الهجوم التي تبناها تنظيم الدولة في السنوات الأخيرة، حيث يقوم الأفراد الذين استلهموا أيديولوجيته بتنفيذ هجمات منخفضة التقنية، مثل الطعن أو الدهس بالسيارات، وهي أساليب يصعب اكتشافها أو التصدي لها.
وكان قد تم تنفيذ مثل هذه الهجمات في عدة مدن حول العالم، مثل نيس وبرشلونة وبرلين ونيويورك، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، وفقا لما أورده التحليل.
وأشار ليستر أيضا إلى التحولات التي تشهدها المنطقة، حيث يرى المحللون أن الهجمات التي شنتها "الجماعات الإرهابية"، وعلى رأسها تنظيم الدولة، قد تزايدت بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023.
وأوضح أن تنظيم الدولة دعا بشكل علني في عدة مناسبات إلى استهداف اليهود والمسيحيين، بالإضافة إلى حلفائهم من "المجرمين"، في خطوة تهدف إلى إشعال المزيد من الاضطرابات في الغرب.
لكن التهديد الأكبر الذي يواجهه العالم حاليًا يتمثل في الفراغ الأمني الذي تعاني منه سوريا بعد سنوات من الحرب والدمار، وهو ما يُشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة والدول الغربية، وفقا للتحليل.
وأشار الكاتب إلى أنه بعد الانتصارات العسكرية ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، يرى المسؤولون الأمريكيون أن هناك خطرا حقيقيا من أن يؤدي هذا الفراغ إلى إعادة التنظيم وتجميع صفوفه مجددا، خاصة مع تزايد الهجمات في سوريا التي بلغت أرقاما قياسية في عام 2024.
وقال الجنرال إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في وقت سابق من هذا العام إن تنظيم الدولة يمكن أن يستفيد من الوضع الأمني المتدهور في سوريا، مما يُتيح له فرصًا للانتشار والتوسع.
وأكد كوريلا في تصريحاته أن الولايات المتحدة لن تسمح لتنظيم الدولة بإعادة تشكيل صفوفه والاستفادة من الفوضى في سوريا. ومع ذلك، فإن المعطيات على الأرض تشير إلى أن الهجمات الإرهابية في سوريا تضاعفت ثلاث مرات في عام 2024 مقارنة بالعام السابق.
وقدرت تقارير محللين في مركز "صوفان" غير الربحي أن الهجمات التي شنها تنظيم الدولة في سوريا قد زادت بشكل ملحوظ من حيث تطور العمليات واتساع نطاقها الجغرافي.
وفي ظل هذه الظروف، يعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن احتمال فرار أكثر من 8000 من عناصر التنظيم المحتجزين في سوريا، خاصة بعد تزايد الضغوط على القوات الكردية التي كانت تراقب وتؤمن السجون التي تحتجز فيها هذه العناصر، على حد قول الكاتب.
وحذر كوريلا من أن بعض مقاتلي التنظيم قد يتمكنون من الهروب، مما يشكل تهديدا كبيرا ليس فقط لسوريا ولكن أيضا للدول المجاورة مثل تركيا، وحتى لأوروبا الغربية.
وأشار ليستر إلى أن تنظيم الدولة في فرعه في خراسان، المتمركز في أفغانستان، قد وسع نطاق عملياتها في السنوات الأخيرة ليشمل دولًا مثل روسيا وألمانيا، مما يعكس الطموحات العالمية لهذا التنظيم.
وأوضح أن تنظيم الدولة في خراسان، الذي استفاد من التوترات السياسية والصراعات في آسيا الوسطى، أصبح أكثر عدوانية في محاولة لتوسيع نفوذه، وقد تم الكشف عن مؤامرات في عدة دول أوروبية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك ألمانيا وسويسرا.
في الختام، أكد المحلل تيم ليستر أن القلق الأمريكي بشأن التهديد المستمر من تنظيم الدولة لا يقتصر على سوريا فقط، بل يمتد إلى جميع المناطق التي يظل التنظيم نشطا فيها.
كما أن الصورة التي يسعى التنظيم لتقديمها كمنظمة قادرة على تنفيذ هجمات على مستوى عالمي لا تزال تروج وتدعم شبكاته في جميع أنحاء العالم، ما يفرض تحديات كبيرة على الأمن العالمي، حسب ليستر.