أحاديث في السياسة.. قراءة الحدث
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"قصص التاريخ لا تُحكى للأطفال لكي يناموا؛ بل تُحكى للرجال لكي يستيقظوا" فهمي هويدي.
**********
قراءة أي حدث سياسي تحيلك أولاً لقراءة التاريخ الحقيقي لجذور الحدث، وبداياته، متواصلات أحداثه، معتبرات تطوراته، مقتضيات أسبابه، متحولات أحواله، مصانع ظروفه، مناطق فحوى الظروف، متسقات الترابط، كل ماله وعليه حول هذه القراءة المفترض موضوعيتها، واستعلام كتب التاريخ عن تموضعات عناصر الحدث، ومشتقات محاوره، وتحسبات الواقع، وإرهاصات الوقائع.
يبحث المحققون الجنائيون في التفتيش عن المستفيد عند وقوع أية قضية جنائية؛ فالمستفيد قد يفضي إلى الخيط الأول لحل عقدة التحقيق، وكذلك الحال في أي حدث سياسي، فتش عن المستفيد، وستجد ملامح الحلول تتساقط سريعًا، في كل حدث وأي حدث، لا بُد من مُستفيد ومُفيد، وخاسر، خسران!
حدثت خلال الفترة القريبة الماضية تطورات سياسية تولدت منها ظروف جديدة جذرية في المنطقة، وتبين بما لا يدع مجالًا للشك وبعد قراءة الأحداث بتأنٍ أن معظم قضايا وتغيرات المواقع، هي باختصار استبدال زوج، بزوج آخر!
لا شك بإن كثير من السابقين غير مأسوف عليهم، وأساسا كان الكثير منهم لا يُعبر عن شكل البلد، وثقافته، بقدر ما كان مقاولا يبحث عن أفضل الأسباب وبأرخص الأسعار للبقاء ضمن مشروعه. فهل الجديد في الصورة كالسابق؟
أجزم أنه أيًا كانت المعطيات، فلن يكون الوضع أسوء من السابق، في معظم البلدان، صحيح الملامح على الأرض قد تبدو مريحة لأول وهلة، رغم وضوح تغير التحالفات، واختلاف الأيديولوجيا، من نقيض لنقيض، لكن التغيير أحيانا أفضل بكثير، وأصلا لا يقارن بما سبق.
مستجدات الظروف كانت بدايتها الفعالة منذ قرار البوعزيزي في الخضراء، وتدرجت الحوادث لعدد من الدول، و ثم بدأت تغييرات كبيرة في الشكل والمضمون في بعض البلدان المتغير وضعها السياسي، و وصل الأمر لتغييرات مضادة، قلبت الصورة في أثناء تواصل المشهد، و أستمرت بعدها وإن بهدوء ما قبل العاصفة، لكنه هدوء المراقب اللماح لأي ثغرة، وهكذا بدأت الرجال تتحرك بدعم من هذا وتصفيق من ذاك، وبمغامرات أشبه بالجنون، ولا أجن منها إلّا من يصفق!
تغير المشهد؟ نعم.. لكنه تغير محسوب، وواضحة معالمه، وواضح أن الأحداث تتم صياغتها بشكل دقيق وبما يحافظ على المصالح العامة لمن يخططها، لكن هل يتوقف قطار التغيير المثير للجدل؟
السياسة الدولية تُحرِّكها المصالح والمصالح أولًا، ومن يقرأ التاريخ سيفهم ذلك، لذلك مهم جدًا ما حدث من تواصل رفيع المستوى بين دول مجلس التعاون الخليجي والإدارة الجديدة في الجمهورية السورية، وأعتقد أن هذا التواصل تكمن أهميته في ربط دول مجلس التعاون بالحدث مباشرة، وحتى تكون لاعبًا مؤثرًا على تلك الساحة المهمة التي غابت عنها منذ زمن ليس قصير، حتى تم استغلالها ببشاعة من أطراف أخرى استفادت ثم تركت مفيدها لوحده يواجه مصيره؛ لأنه ببساطة تبدلت البنود، وتغير مسار البوصلة.
الساحة السياسية مليئة بالفرص، وتحتاج من يقتنصها بذكاء ودهاء، وفاعلية لربط المصالح المشتركة، من أجل تحقيق السلام والتطور التنموي للجميع؛ فالصراعات إن لم تضر فلن تنفع.
يقول تعالى: "فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر: 2).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إلى أين تمضي السياسة بالعالم؟
إلى أين يسير العالم مع حالة الفوضى السياسية المعاصرة؟ أهي مرحلة ضرورية لإرهاصات مستقبلية كبرى تتعلق بتغيير خريطة النظام العالمي (خاصة ما يتعلق بالسيطرة الاقتصادية والسياسية)؟ أم أنها حالة لا يرجى منها سوى استقطاع بعض الأوطان لصالح تجار الحروب على جسر من الجثث والدماء؟ ثم إلى أين تسير بنا كل هذه التغيرات في الواقع الجيوسياسي المعاصر؟ أما زال إنسان هذه المرحلة قادرا على التأثر متمكنا من التأثير؟ أم عطلت حواسه بفعل التشتيت والإلهاء، وهمش دوره السابق في توجيه قضايا إنسانية كبرى؟ هل انتقل الوعي المعرفي بطبيعة المخططات الاقتصادية السياسية على طاولة المصالح العالمية من المشرق إلى المغرب فصار مواطنو الغرب مدركين واعين بكل منطلقات السلطة وجشعها وإقصائها كل القيم الإنسانية والأخلاقية في سبيل الوصول إلى سلطة مطلقة بعد حسم معارك التدافع الاقتصادي والتصادم العسكري؟
هل نجحت وسائل التواصل الاجتماعي فعلا في تحويل المواطن العربي إلى مخلوق استهلاكي لا يعنى بغير المادة، سواء كانت تلك العناية طلبا أو استهلاكا؟ هل سلبت منه المدنية المعاصرة قدرته على التعاطف والمشاركة الإنسانية؟ وهل تشيأ بفعل تلك القيم الاستهلاكية المادية حدّ انعدام شعوره بالمخاطر والتحديات المعاصرة الكبرى المحدقة بعالمه العربي، وربما بوطنه الذي يعيش فيه؟ هل صارت الأوطان سلعة في أيدي الساسة وحلفائهم عابثين بمقدراتها، مستنزفين مواردها، مهجرين شعوبها سعيًا لمصالحهم المادية، وطموحاتهم التوسعية؟
كيف تجمّع آلاف المتظاهرين في مدن أمريكية عدّة للتعبير عن رفضهم لسياسات الرئيس دونالد ترامب، فيما اعتُبر أكبر موجة احتجاج منذ توليه المنصب في يناير؟ ثم كيف خطط منظمو الاحتجاجات الأمريكية حملة مظاهرات «ارفعوا أيديكم» لإقامة مظاهرات في نحو 1200 موقع، شملت جميع الولايات الأمريكية الخمسين؟ ثم خروج حشود غفيرة في مدن مثل بوسطن وشيكاجو ولوس أنجلوس ونيويورك وواشنطن العاصمة، إضافة إلى مدن أخرى، يوم السبت، مظاهرات عديدة عبّر المتظاهرون خلالها عن اعتراضهم على سياسات ترامب التي طالت مجالات متعددة، من القضايا الاجتماعية إلى الملفات الاقتصادية والسياسية خاصة ما يتعلق بفلسطين وملاحقة الطلاب والأكاديميين المناهضين لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط.
تضمنت المظاهرات آراء ساخرة من كثير من قرارات ترامب الأخيرة، ومنها تحديد الرسوم الجمركية الأخير، الذي أوردته صحيفة واشنطن بوست في محاولة لفهم أسباب ومبررات القرار في مقالة بعنوان «ما الذي يسعى ترامب لتحقيقه تحديدًا برسومه الجمركية؟» للكاتبة ميغان ماك أردل؛ وصفت المقالة مبررات الرئيس لفرض رسوم جمركية مرتفعة بأنها «واهية»، وأن استعراض الرئيس وحالة الفوضى التي أعقبت القرار يزيدان الأمر سوءًا، وقالت الكاتبة إنها قضت ساعات طويلة تتأمل جدول الرسوم الجمركية الجديد لإدارة ترامب في محاولة لاستيعاب منطقه، واستوقفها فرض رسوم على جزيرتي هيرد وماكدونالد، حيث لا يوجد فيهما أي نوع من الحيوانات، باستثناء طيور البطريق، وهي الملاحظة التي اتخذها كثير من المحتشدين في المظاهرات وسيلة للسخرية من سياسات ترامب رافعين صور البطاريق المحتجة على فرض الرسوم الجمركية عليها، إذ لا تستورد البطاريق أي سلع فضلا عن تصديرها!
وهل زاد فرض الصين رسومًا جمركية بنسبة 34% على السلع الأمريكية اعتبارًا من 10 أبريل من المخاوف من حرب تجارية طويلة الأمد؟ هذا الرد الموازي هو ما تعوّدته الصين على أي حال في تعاملاتها مع أمريكا في مجالات مختلفة رافضة دور الرقابة الأمريكية ومهدداتها.
ختاما: لا يملك أحدنا اليوم إلا النجاة بوعيه عن معارك التسطيح ويوميات الإلهاء، ثم النجاة بشعوره عن معارك التشييء والتحول المادي، علّ هذا الوعي المتدارك يمكّننا مستقبلا من إعادة صياغة مرحلة قادمة من الواقع العالمي يُحتَرم فيه الإنسان، وتُقدّر فيه القيم ويُعلى فيه شأن الأوطان حقيقة لا ادعاءات وشعارات، ثم علّ هذا الشعور المتدارك ينهض بعالم متكامل ينتصر للوعي وينجو بتشارك المعرفة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية