جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-09@04:26:28 GMT

إذا أُصيب القوم في أخلاقهم

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

إذا أُصيب القوم في أخلاقهم

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

إذا أُصيب القوم في أخلاقهم // فأَقِم عليهم مأتمًا وعويلًا

الأخلاق عِماد المجتمع وحبله المتين لدوام الألفة والمحبة والتعاون والتكافل، وضمان استقراره، وتؤدي الأخلاق دورًا محوريًا في تشكيل المجتمع وبنائه، فهي بمثابة القواعد التي تضبط السلوك الإنساني وتوجهه نحو الصواب؛ مما يضمن وجود بيئة قائمة على الاحترام والعدالة، فالأخلاق ليست مجرد أٌقوال مثالية؛ بل هي ضرورة حياتية تسهم في تنمية الأفراد والمجتمعات.

ولا شك أن أخلاق مجتمعنا تعكس صورة نابعة من قيم هذا المجتمع المحافظ والمستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وكذلك الموروث من العادات والتقاليد الأصيلة.

وتأتي أهمية الأخلاق في تعزيز الثقة بين الأفراد؛ سواء في العلاقات الشخصية أو المهنية؛ فاحترام القيم مثل الأمانة والنزاهة يخلق بيئة قائمة على التعاون وإذا حضرت الأخلاق في المجتمع يتحقق العدل بعيدًا عن التعصب أو المحسوبية. ودون شك، فإن غياب الأخلاق يؤدي إلى انتشار الظلم والانقسام؛ مما يُضعف النسيج الاجتماعي ويتفشى الفساد وتغيب قيم النزاهة والأمانة، وتنتشر الممارسات الفاسدة التي تعيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك فساد الأخلاق يُفقد الناس الثقة في بعضهم البعض؛ مما يؤدي إلى تدهور القيم الإنسانية وتصبح المصالح الشخصية هي المعيار، وتفقد المجتمعات روحها وتتحول العلاقات إلى صراعات قائمة على الأنانية والجشع؛ مما يؤدي إلى في النهاية الى تعطيل المجتمع كله عن التقدم والازدهار.

وفي عصر التواصل الاجتماعي الرقمي، أصبحت الأخلاق عرضة للاختبار الكبير من أي وقت مضى فمع انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت تصرفات الأفراد تُعرض علنًا من خلال مقاطع الفيديو التي قد تعكس الجوانب الإيجابية أو تكشف السلوكيات غير الأخلاقية، هذه الظاهرة أثارت العديد من التساؤلات حول مدى التزامنا بالقيم الأخلاقية، وكيفية تأثير هذه التصرفات على نسيج المجتمع.

ما ساقني الى هذه المقدمة عن أهمية الأخلاق في مجتمع عُرف منذ القدم بالأخلاق، وليس أبلغ من شهادة النبي الكريم عن أهل عُمان عندما قال عنهم صلى الله عليه وسلم "لو أنك أتيت أهل عُمان لما سبوك ولا ضربوك".

لكن مع الأسف بعد حين وحين، تظهر لنا بعض التصرفات والسلوكيات، التي لا تمت لهذا المجتمع بأي صلة و تسيء إليه أيّما إساءة وحديثنا بالتحديد عن مقاطع الفيديو تلك التي تتنشر في وسائل التواصل الاجتماعي وهذه الفيديوهات وتوثيقها يعتبر من فساد الأخلاق لأنه يشوه سمعة المجتمع وينعكس ذلك على صورة المجتمع ككل، بالرغم من أنها توثق تصرفات فردية لبعض من أفراده ولا تمثل بأي حال من الأحوال المجتمع ككل، هذه الفيديوهات والمقاطع إذا لم تجد الرادع للمسوقين إليها وصناعها قد تشجع السلوكيات السلبية؛ حيث إن انتشارها قد يشجع الآخرين على تقليدها بدلاً من استنكارها.

أخلاق هذا المجتمع الأصيل ليست حكرًا على تصرفات بعض الأفراد، وإذا كنا لا نستطيع أن نراقب الأفراد في تصرفانهم وأفعالهم، وكذلك لا نستطيع أن نمنع أو نردع مثل هذه التصرفات حتى في ظل تطبيق قوانين صارمة في هذا الأمر؛ حيث يعتبرها البعض- مع الأسف- أنها تصرفات شخصية لا علاقة لها بمخالفة أي قانون، ولن نخوض بأمثلة عن مثل هذه الفيديوهات، لكن الكل بات يشاهدها ويعرفها وهي كثيرة ولن ندفن رؤوسنا كالنعام وننكرها، لكنها في المقابل هي لا تمت لهذا المجتمع بأي صلة حتى وإن كان هناك من يحاول أن يلبسها بهذا الثوب.

من هنا يأتي دور الإعلام الذي يقع عليه عبءٌ كبيرٌ في تعزيز الأخلاق عبر تقديم محتوى يكرّس القيم الإيجابية وينبذ السلوكيات الضارة وكذلك يقع على كاهل المجتمع نفسه المسؤولية؛ فعلى أفراد المجتمع الوعي بهذه التصرفات والسلوكيات وعدم المساهمة في نشر مثل الفيديوهات المسيئة، بحيث يجب أن تقف مثل هذه الفيديوهات عند المستلم ولا يساهم في نشرها حتى ولو بقصد الاستنكار أو النقد.

في الختام.. الأخلاق ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه؛ بل هي أساس بقاء المجتمعات واستقرارها وفساد الأخلاق يعني انهيار الكثير من المعاني والقيم الجميلة، ولذلك يجب أن نعمل جميعًا على تعزيزها في حياتنا اليومية لنضمن مستقبلاً أفضل لنا ولأجيالنا القادمة؛ فالأخلاق هي السد المنيع الذي يحمي المجتمعات من التفكك والانحدار، خاصة في عصر التواصل الرقمي، وبدلاً من أن تكون الفيديوهات وسيلة لتوثيق التصرفات غير الأخلاقية، يمكن أن تتحول إلى نافذة مُشرقة تعكس أجمل ما في المجتمع من قيم ومبادئ، ومسؤوليتنا اليوم أن نكون دعاة للأخلاق سواء في أفعالنا اليومية أو في تفاعلنا في وسائل التواصل الاجتماعي.

وأختم كما بدأت بقول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت // فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«تربية الأجيال على الأخلاق وحب الوطن» في ندوة توعوية بالبحيرة

نظمت العلاقات العامة ووحدة السكان بالمحمودية، في البحيرة، ندوة توعوية بعنوان:«تربية الأجيال على الأخلاق والقيم الحميدة وحب الوطن»، وذلك بمدرسة فزارة الابتدائية.

تاتي الندوة في إطار المبادرة الرئاسية لبناء الإنسان المصري التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي ضوء حرص الدولة على تعزيز الخدمات الصحية والاجتماعية للأسرة المصرية بهدف خلق جيل واع ومتماسك للنهوض بالمجتمع في كافة المجالات.

جاءت الندوة برعاية الدكتورة جاكلين عازر، محافظ البحيرة، بإشراف اللواء محسن الجندي، رئيس مركز ومدينة المحمودية، وبمتابعة عبد الوهاب خلاف، مدير إدارة العلاقات العامة والسكان بالمركز، وحضور كل من: الشيخ محمد المزين، واعظ أول بالأزهر الشريف، شامة النحال، وكيل مدرسة فزارة الابتدائية.

تناولت الندوة الحديث عن تربية الأجيال على الأخلاق والقيم الأساسية* مثل الاحترام، الأمانة، والعدالة، والتأكيد على أهمية تلك القيم في تعزيز التعاون والتفاهم بين الأفراد، مما يقلل النزاعات ويعزز التماسك الاجتماعي، وأوضحوا أن الالتزام بالأخلاق يساهم في بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام، مما يؤدي إلى خلق بيئة مستقرة ومنظمة تسهم في رفاهية الجميع.

كما تناولت الحديث عن حب الوطن كواجب شرعي وديني وأخلاقي، كما تمت الإشارة إلى أن الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو جزء من وجدان الإنسان وشعور فطري يلازمه أينما ذهب.

شهدت الندوة حضورًا مكثفًا من طالبات وطلاب المدرسة، في ختام الندوة فتح باب المناقشة والحوار حول الموضوعات المطروحة، مما لاقى استحسان الحضور نظرًا لأهمية الموضوعات التي تم تسليط الضوء عليها.

مقالات مشابهة

  • قسنطينة: توقيف شخص متورط في النصب والاحتيال على مواقع التواصل الاجتماعي
  • الابتزاز الإلكترونى.. تهديدات خفية على أبواب الفضاء الرقمى وعقوبات صارمة
  • حرب منصات التواصل الاجتماعي.. هل بيكسل فيد قادرة على منافسة إنستغرام؟
  • «تربية الأجيال على الأخلاق وحب الوطن» في ندوة توعوية بالبحيرة
  • عمرو أديب: لازم نسمع نصيحة ماكرون ونبعد عن مواقع التواصل الاجتماعي
  • ضبط 4 أشخاص لقيامهم بالترويج لبيع الأسلحة البيضاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • تفعيل ملف المشاركة المجتمعية بوحدة صحة الأسرة بأحياء البحر الأحمر لتعزيز التواصل مع المواطنين
  • ملف عقود 7000.. ماذا وراء الفيديوهات المثيرة للجدل في ديالى؟
  • 3.3 مليار مشتروات المستثمرين الأفراد
  • الاقتصاد الاجتماعي.. رافعة لتمكين التنمية المحلية في سلطنة عمان