الهاربون من نعيم الوطن إلى فخ اللجوء
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
خلال الأسبوع الماضي تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعًا مرئيًا لأحد الناجين من فخ اللجوء، وخلال هذا المقطع تحدث عمّا لقيه من عذاب، بمعناه الحرفي لهذه الأكذوبة التي يُروِّج لها المخادعون والخونة والمرتزقة، الذين جُنِّدوا من أجل ذلك، وباعوا أنفسهم لمن يتربص بأوطانهم. ومن المؤسف أن هناك من يعتقدون أنَّ اللجوء سوف يكون ملاذًا لهم وجنة يجدون فيها كل ما يتمنوه، وكل ما يظنون خطأً أنهم حُرموا منه في أوطانهم من حرية وديمقراطية وانفتاح وعمل وثراء وحياة أفضل وكل ما يحلمون به، أو ما شاهدوه في أفلام سينمائية أو سمعوه من قصص خيالية وروايات، ولكن الواقع يصدمهم عندما تتلاشى أوهامهم، ويصبح كل ما ظنوا أنه نعيمًا مجرد خيوط وهن تمسكوا بها فهوت بهم إلى رحلة الندم والضياع والمعاناة.
قصص كثيرة نسمعها عن الهاربين من نعيم أوطانهم إلى جحيم اللجوء في بلاد غريبة عنهم ومجتمعات لا تشبه مجتمعاتهم، توقعوا أن يجدوا فيها الحياة الكريمة والعيش الرغيد، وبدلًا من ذلك لم يجدوا إلا الاستغلال والغربة والوقوع في شباك الغواية وأصبحوا رهن خيارات محدودة لا يملكون تقرير مصيرهم، باعوا أنفسهم وأوطانهم لمن يتربص بها، فإما السمع والطاعة لمن بيده أمرهم أو محاولة الرجوع إلى الوطن الذي أساءوا إليه ولم يراعوا فضله عليهم، ولذلك تجد كثيراً منهم يكيل الشتم والذم والتشفّي لوطنه ورموزه ويتطاول عليه بلا خجل أو وجل، وانتهى الحال بالعديد منهم إلى الانتحار أو محاولة الانتحار، بعدما وصل إلى مرحلة الاكتئاب نتيجة الصراع النفسي الذي عانى منه.
قضية اللجوء التي بتنا نسمع عنها ونشاهد عيِّنات ممن غُرِّر بهم يُقبلون على هذه الخطوة دون وعي أو تفكير عميق أو حتى بحث حقيقي منهم قبل الإقدام عليها، وهنا يجب أن يُدرك الجميع أنَّ اللجوء نظَّمه القانون الدولي في معاهدة جنيف للاجئين 1951 وبرتوكولها في عام 1967 وقبلهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، وقد عَرَّفت هذه الاتفاقيات والقوانين من هو اللاجئ، وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، ومتى يكون الفرد لاجئًا وما التزامات الدولة المُستقبِلة تجاه طالبي اللجوء. والعملية ليست بكل تلك السهولة التي يظنها البعض، وأن مجرد طلبه للجوء فإنه سوف يجد الأذرع مفتوحة تستقبله بكل راحة وبدون أدنى إجراءات.
الوضع الذي يواجه اللاجئ من لحظة طلب اللجوء إلى الحصول عليه هو وضع مُعقد جدًا، من حيث مكان السكن والمعاملة والإثباتات التي يجب أن يقدمها للبلد اللاجئ إليه، وعليه أن يبرهن استحقاقه للجوء وفق الشروط التي حددها القانون الدولي الخاص باللجوء، والذي عرَّف اللاجئ بأنه هو الشخص الذي أُجبر على الفرار من بلده بسبب الاضطهاد أو الحرب أو العنف. وأن يكون لديه خوف من الاضطهاد لأسباب تتعلق بالعِرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي أو العضوية في فئة اجتماعية مُعينة، ولا يشمل التعريف مجرد الخوف من كل ما ذكر في التعريف إذ يجب أن يكون ذلك واقعًا مُثبتًا.
بعد ذلك يأتي دور الدولة المستقبلة التي تقع عليها واجبات ضمن الاتفاقيات المذكورة سابقًا، ولكن علينا أن ندرك أنه لا توجد دولة مُستعدة لقبول لاجئين بشكل مُطلق ومُريح للغاية، فمشكلة اللاجئين تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول خاصة مع انتشار الصراعات الدولية في مناطق مختلفة من العالم، لذلك عقَّدت كثير من الدول إجراءات قبول اللاجئين، وخاصة فيما يتعلق بالسكن والإيواء والغذاء؛ حيث خصَّصت مخيمات اللجوء التي تفتقر لكثير من الخدمات، خاصة في تلك الدول التي باتت هدفًا للنازحين من مناطق الصراع أو حتى الباحثين عن الهجرة من أوطانهم، وقد يكون هذا الواقع الذي يصادفه اللاجئ الحالم بعالم وردي هو أول الصدمات التي يتلقاها في طريق الهروب من وطنه.
هذا جزءٌ يسير مِمَّا ينتظر اللاجئ الذي سوف يخضع لاحقًا لسلسلة طويلة من الإجراءات التي عليه أن يثبتها وأن يقدم الكثير من الإثباتات التي تؤكد تعرضه للاضطهاد بناء على عرقه أو دينه أو جنسه أو آرائه السياسية أو انتمائه لجماعة، لذلك يلجأ الكثير من طالبي اللجوء إلى إيهام الدول المستقبلة بأنهم يتعرضون لكل ذلك، خاصة الجانب السياسي من خلال المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها في الترويج لادعاءاتهم، معتقدين أن ذلك سوف يؤثر في سبيل حصولهم على اللجوء، ولكن للأسف يدركون متأخرين أن ملفات اللجوء لا تعامل بهذه الطريقة السطحية، وإنما هناك سلسلة طويلة جدًا من التحقيقات والبحث والتحري والتدقيق والتواصل مع المنظمات الدولية والدول فيما بينها، وهذا أمر بديهي يجب أن يدركه الناس قبل أن يفكر أي فرد في الدخول إلى هذا النفق المظلم.
اللجوء ليس سيئًا بالمُطلق فقد يكون ملاذًا حقيقيًا للمُضطهدين والمُحارَبين في أوطانهم وهو السبيل الوحيد أمام الفارين من مناطق الصراع والبلدان التي تجتاحها فتن الطائفية والقبلية والعنصرية والاضطرابات السياسية وسياسات القمع والعنف ضد الآراء والأفكار، أما بخلاف ذلك فهو الحمق بعينه والغباء الذي يقود صاحبه إلى التهلكة الحقيقية، ولذلك يعجب المرء عندما يجد من يترك بلدًا مثل بلدنا ينعم اهلها بالأمن والأمان والاستقرار وسط مجتمع مُتكافل مُتراحم مُحافظ على قيم ومبادئ الدين الحنيف ويُراعي أفراده تعاليم الإسلام ويتحلوا بالأخلاق الحسنة والخصال الحميدة، ويعيش الناس بين حريص على القيم ومتسامح مع الآخرين ومتعايش مع الاختلاف ومُتقبِّل للرأي.
هذا الوطن الذي لم يُسجَّل في سجونه مُعارِضًا سياسيًا ولم يخرج من ابنائه من ينادي بالطائفية، ولم يكن يومًا مُصادِرًا للفكر والرأي عندما يُطرح في سياقه الصحيح الهادف، وعندما يُقال في موضعه دون تطاول وبذاءة واتهام وتجنٍ، هذا الوطن الذي عرفت قيادته بالحكمة والصفح منذ أول يوم أُطلقت فيه عبارة "عفا الله عمَّا سلف" إلى يوم قيل "إننا سوف نرتسم خطى السلطان الراحل"، كان التسامح مبدأً، والعفو عن مقدرةٍ منهجًا، والتعامل بالتي هي أحسن نبراسًا؛ فكانت علاقة القيادة بالشعب علاقة الوالد بأبنائه الذين يُخطئون ليتحملهم ويصفح عنهم ويأخذ بأيديهم إلى طريق الصواب، فهل مثل هذا الوطن يُترك ويُعق ويُشتم، ويخرج من ذي لب وعقل وقلب سليم؟ وهل مثل هذه القيادة الرشيدة تُقابل بالنكران والجحود؟ فهل من مُعتبر؟!
أن تُغرف نفسك في الديون والقضايا، وأن تتورط في حقوق العباد، وأن تخسر تجارتك وأملاكك فهذا أمر وارد جدًا ويحصل في كل مكان وزمان، ولكن أن تفقد القيم والاخلاق والمروة وترمي كل أخطائك على الوطن وتتحول لشخص ناقم يُسيء إلى وطنه من خارج الحدود وتدعو أبناءه إلى سلوك مسلكك، وأنت تعلم علم اليقين أن ما وقع بك هو نتيجة أخطائك، فهذا هو الحمق بعينه.
أن تُسيء لرموز الوطن وترمي التهم جزافًا لكل من لا يروق لك، وانت تعلم علم اليقين أن هذا مُخالف للنظام الأساسي للدولة والقوانين والأنظمة، ومخالف لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع، وعندما تُحاسب باسم القانون تخرج للعالم لتُصوِّر نفسك مُضطهدًا ومظلومًا وتظن أن اللجوء هو بوابة الفرج والخلاص؛ فهذا هو الجحود ودناءة الخُلق التي لا يتقبلها ابناء هذا الوطن العزيز.
تحيةً لأولئك الذين وضعوا الوطن في قلوبهم حيثما كانوا، الذين تحمَّلوا شظف العيش وعندما تعرض الوطن لأزمة وشِدة تذكروا خير الوطن عليهم وما قدمه لهم؛ فصبروا وكانوا السند والحارس الأمين.. تحية لأولئك الذين خرجوا من الوطن بحثًا عن الرزق فكانوا خير رُسل.. تحية للأبلاء والأجداد الذين علَّمونا أن الوطن لا يُقدَّر بثمنٍ ولا يُساوم عليه بسعرٍ.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشيخ نعيم قاسم: مقاومة الشعب متجذرة ولن تُهزم
يمانيون../
أكد الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم، أن مشاركة الناس في تشييع سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، وصفيه الهاشمي، السيد هاشم صفي الدين، كانت استثنائية، معبرًا عن شعورهم بالاستمرار والتمسك بالعهد.
وأشار إلى أن هذه اللحظة تعكس العلاقة العميقة بين السيد الشهيد والناس، حيث قال: “أحسست في هذه الفترة أن هؤلاء الناس يعشقهم الإنسان”.
وفي مقابلة مع قناة المنار، دعا الشيخ قاسم الناس إلى الاحتفاظ برؤوسهم مرفوعة، مؤكدًا أنهم أبناء السيد نصر الله والمقاومة والشهداء. وأوضح أن التشييع ليس مجرد وداع لشخصين، بل هو إعلان عن المستقبل وصلة بين الأمينين العامين.
وشدد على أن المقاومة فكرة متجذرة في العقول، وأن جمهورها صلب وصادق، مستعد للوقوف في الأوقات الصعبة. وأكد أن الأعداء يحلمون بهزيمة هذا الشعب، الذي أثبت وجوده في الميدان.
وأشار الشيخ قاسم إلى تعقيدات الظروف التي أحاطت بتشييع السيد هاشم صفي الدين، حيث قرروا تأجيل الدفن بسبب الخطر على الناس، مما أتاح لهم فرصة دعوة الجمهور للمشاركة. ووجه التحية للشعب العراقي والمرجعية العراقية، وللشعب الإيراني، وللفلسطينيين واليمنيين وكل من شارك في التشييع.
وتحدث عن آخر لقاء له مع السيد حسن نصر الله في 18 سبتمبر، والاتصال الذي أجراه بعد اغتياله.
وأشار إلى أنه بعد استشهاد السيد هاشم، شعر بزلزال في حياته، لكنه لم يشعر بالقلق، بل بالتسديد الإلهي.
وأكد الشيخ قاسم أن المقاومة استعادة السيطرة بعد 10 أيام من العدوان، مشيرًا إلى الصمود الإسطوري للشباب وقدرتهم على ضرب “تل أبيب”.
وأوضح أن المقاومة كانت قادرة على قصف أي مكان في الكيان، لكنهم اختاروا استهداف المواقع العسكرية فقط.
وفيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار، أكد أنه لا يوجد اتفاق سري، ولفت إلى أهمية انسحاب “إسرائيل” واعتبار كل العدوان خروقات.
وأشار إلى أن “إسرائيل” تسعى إلى التوسع، وتأكيدًا لذلك، دعا إلى مواجهتها بالجيش والشعب والمقاومة.
وتوجه الشيخ قاسم إلى العدو بالقول: “حتى لو بقيتم في النقاط الخمس، كم ستبقون؟”، مؤكدًا أن هذه المقاومة لن تدعهم يستمرون.
وردًا على تصريحات وزير الخارجية اللبناني، قال إنه يقدم الذريعة لـ”إسرائيل”، حيث سجلت نحو 2000 خرق إسرائيلي.