#ما_قل_ودل
د. #هاشم_غرايبه
لا شك في أن حال أمتنا في هذا الزمان مؤلم، كثيرون منا مطمئنون الى أنه عُسرٌ من بعده يسر، وقليلون انهزموا من داخلهم فاستسلموا للأمر الواقع، لكن الفريقين كليهما في واقع الأمر لم يفعلوا شيئا باتجاه الخروج من هذا الحال، فالمطمئنون قعدوا ينتظرون نصر الله الموعود لأمته، ومن غير أن يقدموا ما أوجبه الله عليهم وفق سنته الكونية لشروط تغيير الحال، الخاضعة لقاعدتين: القاعدة العامة لكل البشر: ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”، والقاعدة الخاصة بالمؤمنين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”.
وأما الإنهزاميون فكانوا يطمعون بأن ينصر الله الأمة مجانا، ويعتقدون أنهم كونهم يؤدون الفرائض فقد استحقوا من الله النصر، فلما لم يحققه لهم انقلبوا على أعقابهم، والتحقوا بالغالب الكافر، بل بالغ بعضهم في غيّهم، فأخذوا يصدون عن دين الله ويحاربون منهجه.
خطأ الفريقين أنهم اعتقدوا أن الله تعالى عندما نصر المؤمنين الأوائل على قلتهم وضعفهم حينئذ، فتغلبواعلى الذين كفروا رغم كثرتهم وقوتهم، كان مكافأة فقط من الله لهم على إيمانهم، وليس لأنهم أخذوا بالأسباب المؤدية الى النصر أيضا.
أولئك النفر الذين أنشأوا المشروع العالمي الأهم في تاريخ البشرية، كانوا تلاميذ نجباء للمعلم الأكبر “محمد” صلى الله عليه وسلم، الذي تلقى الحكمة والعلم الخالص من لدن الخالق مباشرة، وليس من المدارس التجريبية التي تعتمد على التجربة والخطأ، فعلّمهم أن الكون يسير وفق كلمة من الله سبقت، وهي سنن إلهية ناظمة لسيرورة الأحداث، وتكون فيها النتائج مبنية على المدخلات العملية، وهي ثابتة ماضية في كل خلق الله، لا يغيرها ولا يعدلها لمصلحة أحد من البشر مهما علا شأنه وارتفع مقامه، فلا مبدل لكلماته، ولا راد لحُكمه.
فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزم بها، فعندما هاجر الى المدينة، ورغم أنه كان مطمئنا إلى أن الله حاميه “ما ظنك باثنين الله ثالثهما”، إلا أنه أخذ بأقصى ما استطاع من إجراءات التخفي عن عيون مطارديه.
وفي بدر كان الدرس الأبلغ، فعلّم المسلمين أن عليهم الإيفاء بشرطين: الأول جمع ما امكنهم من قوة، وليس شرطا القوة المكافئة، إذ لم تبلغ ثلث قوة قريش، والثاني صدق النية في نصرة منهج الله، وليس تحصيل المكاسب (التي هي غاية الحروب)، عندها يستحق العون الإلهي، أما بيان تفصيلات ذلك فقد أوضحه تعالى في سورة الأنفال:-
1 – من أوفى بما اشترطه الله استجاب لدعائه: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ”، والمدد هنا ليس المهم فيه العدد، فواحد من الملائكة كاف لهزيمة جيش من البشر، لكن رقم الألف لكي يبين الله أنه خصص لكل جندي من المشركين ملَكاً.
2 – الغاية من الإمداد بالملائكة ليس القتال نيابة عن المؤمنين، بل لتطمينهم بأن الله معهم: “وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”.
3 – لكن ما تكفل الله به هو ما لا يمكن لأحد فعله إلا هو، هو إرعاب الكافرين: “سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ” لأنه لا يتحكم بقلوب البشر غير الله، أما دور الملائكة فكان للمسلمين دعما معنويا: “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ”، وللكافرين إحباطا لفعلهم: “فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ”، وما فوق الأعناق فهي الرؤوس، وضربها لا يعني قطعها بل تشتيت الذهن وإذهاب التركيز، وضرب البنان الذي يتم فيه توجيه الفعل، يعني أن تطيش السهام والرماح بعيدا عن هدفها وتضعف ضربة السيف ولا تؤدي فعلها.
هكذا رأينا أن الملائكة لا تقاتل بالنيابة عن المؤمنين، كما أن الله لا يغير في سننه، ورغم أنه لا يخلف وعده: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ” [غافر:51]، وحتى بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدا، إلا أن نصره بقي موقوفا على الإيفاء التام بالأمرين: بذل قصارى الجهد في إعداد القوة، وإخلاص النية بالدفاع عن منهج الله، فعندما طمع المسلمون بالغنائم هُزموا في أحد، وعندما غرّتهم الكثرة هُزموا في حنين. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ما قل ودل هاشم غرايبه أن الله
إقرأ أيضاً:
العلماء يكشفون عن تشابه مذهل بين لغة البشر والحيتان
كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية "ساينس" أن الحيتان الحدباء تغني بطريقة تتبع نفس القوانين الإحصائية التي تحكم اللغات البشرية، مما يثير انتباه العلماء إلى الترابط بين لغات الكائنات الحية.
اعتمدت هذه الدراسة على تحليل تسجيلاتٍ لأغاني الحيتان الحدباء، استمرت ثماني سنوات في جزيرة كاليدونيا الجديدة الفرنسية الواقعة شرق أستراليا، واستخدم الباحثون طرقًا مستوحاة من الطرق التي يتعلم بها الأطفال لغتهم.
رغم التعقيد الهائل الموجود في اللغات البشرية، لكنها تخضع لنمط إحصائي غريب، إذ إن الكلمات الأكثر شيوعًا في أي لغة بشرية تُستخدم ضعف عدد المرات مقارنة بالكلمات التي تليها في الترتيب، وثلاثة أضعاف مقارنة بالكلمات التي تليها بعد ذلك، وهكذا.
هذا النمط يخلق توزيعًا تكون فيه بعض الكلمات شائعة جدًا ومكررة آلاف المرات، بينما هناك عدد كبير من الكلمات التي لا تتكرر إلا نادرًا. عُرف هذا النمط الإحصائي علميًا باسم "قانون زيف".
على سبيل المثال، إذا قمت بتحليل جميع الكتب الموجودة في مكتبتك، وعددت جميع الكلمات، ستجد أن أكثر كلمة شيوعا قد تكررت مليار مرة، في حين أن الكلمة التي تليها ستتكرر نصف مليار مرة فقط وهكذا.
يقول مدير مركز تطور اللغة "سايمون كيربي"، في جامعة إدنبره في أسكتلندا، والمشارك في الدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "لقد عرفنا عن هذا النمط (نمط زيف) في اللغات البشرية منذ ما يقرب من 100 عام، وهو ما دفع العديد من الباحثين إلى التساؤل عمّا إذا كان من الممكن العثور على نمط مماثل في طرق الاتصال الخاصة بالأنواع الأخرى. والمثير للدهشة أنه على الرغم من حقيقة أن جميع الكائنات الحية تتواصل، فقد ثبت، حتى الآن، أن هذا النمط من الصعب العثور عليه في أي مكان آخر في الطبيعة".
إعلان تحليل أغاني الحيتانكان التحدي الأساسي في إيجاد هذا النمط، هو تحديد الوحدات "الشبيهة بالكلمات" في أغاني الحيتان. الأمر نفسه في اللغات البشرية، فإذا كنت شخصًا مبتدئًا في اللغة الفرنسية وخاطبت شخصًا فرنسيًا بالصدفة، سيصعب عليك تحديد أين تبدأ الكلمات وأين تنتهي، فحديثه مسترسل والكلمات تنزل على أذنك كخيط متصل دون فواصل. لذا، ستحتاج إلى أن تخبره بضرورة التحدث ببطء أو كتابة ما يريد كي تفهم الكلمات التي ينطقها.
الأمر ذاته مع الباحثين، الذين واجهوا المشكلة ذاتها عند محاولتهم تقسيم تسلسلات الأغاني الطويلة للحيتان إلى وحدات صغيرة قابلة للقياس والعد لمعرفة مدى مطابقتها قانون زيف من عدمه.
يقول كيربي: "كان لزاماً علينا أن نتوصل إلى كيفية تقسيم هذه الأغاني إلى تسلسلات فرعية. واتضح أن الأطفال الرضع يواجهون هذه المشكلة بالضبط عندما يستمعون إلى الكلام البشري. فإذا استمعت إلى الكلام فستلاحظ أن الكلمات تأتي بلا فترات توقف بينها، ولا يوجد تكافؤ بين مسافات الكلمات، كما تجد في أغلب اللغات المكتوبة. فكيف إذن يستطيع الأطفال الرضع أن يحددوا أين تبدأ الكلمات وأين تنتهي؟"
لحل هذه المشكلة، استخدم الباحثون برنامجًا حاسوبيًا يحاكي الطريقة التي يستخدمها الأطفال الرضع في تعلم اللغة، حيث يعتمد على التنبؤ بالصوت التالي بناءً على التسلسل الحالي. عند تطبيق هذا البرنامج على تسجيلات أغاني الحيتان، تمكن الباحثون من تقسيم الأغاني إلى وحدات إحصائية متماسكة تشبه الكلمات البشرية.
إن وجود هذه الأجزاء المتماسكة إحصائياً، وتوزيعها على نمط زيف، يكشف عن قواسم مشتركة عميقة بين الحيتان الحدباء والبشر، على الرغم من أننا منفصلون بعشرات الملايين من السنين من التطور. يضيف كيربي: "يشير استخدامنا لطريقة مستوحاة من الأطفال إلى أن الحيتان قد تتعلم أغانيها أيضًا بطريقة مماثلة لتعلم البشر للغة. نحن نعلم أن الحيتان الحدباء تنقل أغانيها ثقافيًا، تمامًا كما ينقل البشر لغتهم ثقافيًا".
إعلانرغم هذا الاكتشاف المثير، إلا أن هذا لا يعني أننا سنتمكن من "التحدث بلغة الحيتان" أو فهم معاني أصواتها مباشرة. فبينما تتبع أغاني الحيتان نفس الأنماط الإحصائية الموجودة في اللغة البشرية، إلا أنه لا يوجد دليل على أن الحيتان تستخدمها لنقل معانٍ معقدة كما نفعل نحن.
يضيف كيربي: "إذا وجدنا أنماطًا مماثلة في الأنواع الأخرى، مثل الطيور، التي تنقل أغانيها ثقافيًا، فإن هذا من شأنه أن يدعم فكرة، أن البنية في الاتصالات المعقدة المكتسبة عبر الأنواع هي حالة من التطور المتقارب. لقد خلق التطور إشارات متسلسلة معقدة ومتطورة ثقافيًا عدة مرات في تاريخ الحياة، وربما في كل مرة فعل فيها ذلك، كان هذا النوع من البنية هو النتيجة الحتمية".
يؤكد الباحثون، أن هذا العمل المتعدد التخصصات لا يساعدنا فقط في فهم الحيتان، بل يسهم أيضًا في فهم أصول اللغة البشرية، فبمقارنة أنظمة الاتصال عبر الأنواع، يمكننا معرفة المزيد عن كيفية نشوء وتطور اللغة لدينا.