بوابة الوفد:
2025-04-10@20:54:00 GMT

فصل فى «التناكة» و«التواضع»

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

 

كثيراً ما يضطرنى حظى التعس إلى أن أتعامل مع نوعية من الأشخاص سواء فى العمل أو الحياة الشخصية ممن يطلق عليهم لفظة «تِنِك»، حيث يتصف تعامله معك بالصلف والغرور المتناهيين، الذى إن بحثت وراء تفسير له فلن تجد له سوى «العدم».

نعم، «العدم» أو الفراغ هو بالتأكيد ما بداخل نفوس هؤلاء ممن يعتقدون أنهم بسبب «كرم ربنا لهم» بالمال أو المنصب أو حتى «العلم»، «يا ما هنا يا ما هناك»، فيمشى الواحد منهم فى الأرض «مرحاً» متبختراً نافخاً أوداجه كالبالون الذى يوشك على الانفجار ويكتسب صوته نبرة غريبة دلالة على الاعتزاز المغالى فيه بالنفس، بل وينظر لك نظرة ملؤها الاستخفاف أو لا ينظر لك من الأساس، فتمتلئ عجباً وتسأل نفسك: ماذا أصاب هؤلاء؟!!

وإزاء الحيرة والفضول اللذين ملآنى فى تفسير تلك الظاهرة، «التناكة»، وجدت نفسى أسعى لمعرفة أصل هذه الكلمة، لأعرف من أين جاءت وكيف غدت وصفاً لهؤلاء الأشخاص ممن يعتقدون أنهم سوف يخرقون الأرض ويمتلئون خيلاء وصلفاً فى التعامل مع الآخرين، فوجدت أن كلمة «تَنْك» تعنى «وعاء من الصّفيح يُحفظ فيه البنزين أو الزيت ونحوهما»، و«تَنَك» هو مَعْدِنٌ أبْيَضُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ الحَدِيدِ الْمَمْزُوجِ بِالقَصْدِيرِ، ولا أدرى ما علاقة هذا بتلك الصفات التى يوصف بها مثل هؤلاء وقد يكون تشبيهاً لهم بأنهم مثل الوعاء الفارغ الجعجاع الذى يمتلئ بالهواء لا غير.

هذا على المستوى اللفظى المباشر للكلمة، أما بالنسبة للمستوى الأعمق لتفسير ظاهرة «التناكة»، فثمة مبرر ذو بعد نفسى أجده مقنعاً إلى حد كبير بأن تصرفات الشخص «التنك» بسبب شعوره بالنقص إزاء شىء ما داخل أعماقه سواء فى الشخصية أو النشأة وذلك الشعور بالنقص يلح عليه، فيحاول أن يعوضه بسلوكه هذا المفرط فى الصلف، وقد يكون هذا النقص بسبب فشله التعليمى مثلاً أو نشأته فى بيئة منحلة أخلاقياً أو فى أسرة غير مستقرة أو يكون شعوراً بالنقص صاحبه فى الطفولة بأن حُرم من شىء ما يتمثل فى الحنان الأسرى.. إلخ فيحاول تعويض هذا النقص بسلوكه هذا.

وصور «التناكة» عديدة لا تشمل الصلف فقط فى التعامل وإنما هناك ثمة أشخاص يصح أن نطلق عليهم «تنك» فى أمور «العلم» أيضاً أو حتى «الدين»، فتراه يحدثك بخيلاء ليست لها حدود فى أمر ما سواء فى اللغة أو السياسة أو الفلسفة فى قضية ما وما إن تدلى برأيك فى هذا الأمر حتى يسارع بشجب رأيك بل ويسفهه معتقداً أنه حاز من العلم ما لا يدركه أمثالك ولا يعترف بخطأ رأيه وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة، ومثل هؤلاء موجودون أيضاً فى شتى المجالات، حتى فيما يختص بالأمور الدينية، فيعتقد هذا أو ذلك أن فهم الدين مقصور على أمثالهم فقط لمجرد أنه أطلق لحيته و«قراله حديثين» أو حفظ بضع سور من القرآن، فأصبح الدين وفهمه حكرًا عليه وكل من حوله لايفقهون شيئاً وغدا هو حامى الدين الأول!!

وعلى النقيض من هؤلاء الذين أصيبوا بمرض «التناكة»، أجد صنفاً آخر تعاملت معهم على المستوى الشخصى وضربوا أروع الأمثلة فى التواضع، رغم ما بلغوه من علم غزير أو مال وافر أو منصب ووجاهة، وأذكر أحد هؤلاء ممن أعطاه الله الكثير من المال والجاه فلم يزده ذلك إلا تواضعاً، فصوته خفيض راق محترم رغم كل ما بلغه من نِعَم إلا أن خلقه التواضع الجم وأذكر واقعة خلال تعاملى الشخصى معه أنه فى إحدى المرات تغيب ساعى الشركة التى يملكها هذا الشخص، ففوجئت به بين موظفيه يصنع بيده كوب الشاى رافضاً أن يساعده أحد الزملاء ضارباً لنا جميعاً مثالاً عظيماً فى التواضع، فهكذا يكون العظماء الناجحون، فمن تواضع لله رفعه، والأمثلة على ذلك كثيرة تجدها فى سِيَر الأنبياء والصالحين من كل حدب وصوب.. وعلى النقيض من هؤلاء تجد هؤلاء ممن أصابهم داء «التناكة» مصيرهم الفشل واللعنات إلى مزبلة التاريخ إلى حيث ألقت، والآن ماذا ستشعر به إن قابلت شخصاً «تِنك»، أعتقد أنك بالتأكيد ستشعر بالشفقة تجاهه لا أكثر!!

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التواضع العلم

إقرأ أيضاً:

مصر.. هل يأثم مانع الصدقة عن المتسولين في الشارع؟.. أمين الفتوى

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— وضّح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عويضة عثمان، الحكم الشرعي بموضوع الصدقة ومن يمكن له أن يطلبها وتحولها إلى مهنة بالنسبة للبعض في الشارع.

وقال عثمان في مقطع فيديو من مقابلة على قناة القاهرة والناس المصرية: "سؤال خطير، لأن بعض الناس أصبحت تمتهن التسول لأنه باب سهل، وسيدنا النبي قال إن الصدقة لا تجوز لسوي، أو لا تجوز لغني.."

وتابع قائلا: "في هذا الوقت يقومون بتدريب الأطفال على التسول في أماكن معينة ودي مصيبة كبيرة أن نحن نساعد هؤلاء، لذلك لابد أن يكون هناك موقف من هؤلاء، وتجد الآن شباب يمكن أن يروح يجيب ويبيع ويشتري.."

وأضاف: "الإسلام يدعونا للعمل مش للتسول ومد الأيد هذه الفكرة فكرة خاطئة ان نحن نعود شبابنا الي يتزنق يمد يده.. وفي السماء رزقكم زما توعدون.. وهزي إليك بجذع النخلة، القرآن علمنا أنه حتى في فترة الضعف اسعى واشتغل.."

مقالات مشابهة

  • الخرطوم حقت أبو منو؟!
  • عملية لـأمن الدولة في الجنوب.. هؤلاء وقعوا في قبضتها
  • قد يكون وقت تناول الطعام أهم من وقت النوم لقلبك.. هذه أبرز المعلومات
  • سقطتم في امتحان الإنسانية!
  • مصر.. هل يأثم مانع الصدقة عن المتسولين في الشارع؟.. أمين الفتوى
  • لن يكون هناك مُتضرّر | تفاصيل جديدة حول القانون الجديد للإيجار القديم.. إيه الحكاية؟
  • متى يكون فرط التعرق خطراً؟
  • الجنجويد ليس لديهم القدرة على ضبط أنفسهم إذا ما رأوا قوة من الزرقة
  • الحب أخلاق قبل أن يكون مشاعر
  • ماكرون: لا يجب أن يكون لحماس أي دور في حكم غزة