بوابة الوفد:
2025-02-05@14:48:30 GMT

فصل فى «التناكة» و«التواضع»

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

 

كثيراً ما يضطرنى حظى التعس إلى أن أتعامل مع نوعية من الأشخاص سواء فى العمل أو الحياة الشخصية ممن يطلق عليهم لفظة «تِنِك»، حيث يتصف تعامله معك بالصلف والغرور المتناهيين، الذى إن بحثت وراء تفسير له فلن تجد له سوى «العدم».

نعم، «العدم» أو الفراغ هو بالتأكيد ما بداخل نفوس هؤلاء ممن يعتقدون أنهم بسبب «كرم ربنا لهم» بالمال أو المنصب أو حتى «العلم»، «يا ما هنا يا ما هناك»، فيمشى الواحد منهم فى الأرض «مرحاً» متبختراً نافخاً أوداجه كالبالون الذى يوشك على الانفجار ويكتسب صوته نبرة غريبة دلالة على الاعتزاز المغالى فيه بالنفس، بل وينظر لك نظرة ملؤها الاستخفاف أو لا ينظر لك من الأساس، فتمتلئ عجباً وتسأل نفسك: ماذا أصاب هؤلاء؟!!

وإزاء الحيرة والفضول اللذين ملآنى فى تفسير تلك الظاهرة، «التناكة»، وجدت نفسى أسعى لمعرفة أصل هذه الكلمة، لأعرف من أين جاءت وكيف غدت وصفاً لهؤلاء الأشخاص ممن يعتقدون أنهم سوف يخرقون الأرض ويمتلئون خيلاء وصلفاً فى التعامل مع الآخرين، فوجدت أن كلمة «تَنْك» تعنى «وعاء من الصّفيح يُحفظ فيه البنزين أو الزيت ونحوهما»، و«تَنَك» هو مَعْدِنٌ أبْيَضُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ الحَدِيدِ الْمَمْزُوجِ بِالقَصْدِيرِ، ولا أدرى ما علاقة هذا بتلك الصفات التى يوصف بها مثل هؤلاء وقد يكون تشبيهاً لهم بأنهم مثل الوعاء الفارغ الجعجاع الذى يمتلئ بالهواء لا غير.

هذا على المستوى اللفظى المباشر للكلمة، أما بالنسبة للمستوى الأعمق لتفسير ظاهرة «التناكة»، فثمة مبرر ذو بعد نفسى أجده مقنعاً إلى حد كبير بأن تصرفات الشخص «التنك» بسبب شعوره بالنقص إزاء شىء ما داخل أعماقه سواء فى الشخصية أو النشأة وذلك الشعور بالنقص يلح عليه، فيحاول أن يعوضه بسلوكه هذا المفرط فى الصلف، وقد يكون هذا النقص بسبب فشله التعليمى مثلاً أو نشأته فى بيئة منحلة أخلاقياً أو فى أسرة غير مستقرة أو يكون شعوراً بالنقص صاحبه فى الطفولة بأن حُرم من شىء ما يتمثل فى الحنان الأسرى.. إلخ فيحاول تعويض هذا النقص بسلوكه هذا.

وصور «التناكة» عديدة لا تشمل الصلف فقط فى التعامل وإنما هناك ثمة أشخاص يصح أن نطلق عليهم «تنك» فى أمور «العلم» أيضاً أو حتى «الدين»، فتراه يحدثك بخيلاء ليست لها حدود فى أمر ما سواء فى اللغة أو السياسة أو الفلسفة فى قضية ما وما إن تدلى برأيك فى هذا الأمر حتى يسارع بشجب رأيك بل ويسفهه معتقداً أنه حاز من العلم ما لا يدركه أمثالك ولا يعترف بخطأ رأيه وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة، ومثل هؤلاء موجودون أيضاً فى شتى المجالات، حتى فيما يختص بالأمور الدينية، فيعتقد هذا أو ذلك أن فهم الدين مقصور على أمثالهم فقط لمجرد أنه أطلق لحيته و«قراله حديثين» أو حفظ بضع سور من القرآن، فأصبح الدين وفهمه حكرًا عليه وكل من حوله لايفقهون شيئاً وغدا هو حامى الدين الأول!!

وعلى النقيض من هؤلاء الذين أصيبوا بمرض «التناكة»، أجد صنفاً آخر تعاملت معهم على المستوى الشخصى وضربوا أروع الأمثلة فى التواضع، رغم ما بلغوه من علم غزير أو مال وافر أو منصب ووجاهة، وأذكر أحد هؤلاء ممن أعطاه الله الكثير من المال والجاه فلم يزده ذلك إلا تواضعاً، فصوته خفيض راق محترم رغم كل ما بلغه من نِعَم إلا أن خلقه التواضع الجم وأذكر واقعة خلال تعاملى الشخصى معه أنه فى إحدى المرات تغيب ساعى الشركة التى يملكها هذا الشخص، ففوجئت به بين موظفيه يصنع بيده كوب الشاى رافضاً أن يساعده أحد الزملاء ضارباً لنا جميعاً مثالاً عظيماً فى التواضع، فهكذا يكون العظماء الناجحون، فمن تواضع لله رفعه، والأمثلة على ذلك كثيرة تجدها فى سِيَر الأنبياء والصالحين من كل حدب وصوب.. وعلى النقيض من هؤلاء تجد هؤلاء ممن أصابهم داء «التناكة» مصيرهم الفشل واللعنات إلى مزبلة التاريخ إلى حيث ألقت، والآن ماذا ستشعر به إن قابلت شخصاً «تِنك»، أعتقد أنك بالتأكيد ستشعر بالشفقة تجاهه لا أكثر!!

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التواضع العلم

إقرأ أيضاً:

الحق قديم لن يسقط بالتقادم…ويا كاتل الروح وين بتروح

 

الحق قديم لن يسقط بالتقادم…ويا كاتل الروح وين بتروح

حيد المكاشفي

مرور عشرون عاما على أحداث مجزرة بورتسودان وعودتها الى الواجهة، لا يعيد الى الأذهان ذكرى تلك المأساة الحزينة وحدها، بل يعيد معها ذكرى كل المجازر التي حدثت طوال الخمسة وثلاثين عاما الماضية، والى مجازر القتل والسحل وجز الاعناق وتهشيم الرؤوس وبقر البطون التي ما تزال تتوالى مع استمرار هذه الحرب القذرة، وليس اخرها الحادث البشع الذي ذبحوا فيه رئيس حزب الامة القومي بمحلية أم روابة ذبح الشاة، وتركوه غارقا في دمائه لساعات أمام أعين الناس، وطالما ان الحرب القذرة مستمرة ستتواصل هذه البشاعات، وكل هذه الاحداث البشعة والشنيعة التي تكشف عن نفوس مريضة وغير سوية ولا انسانية، تعيد معها أيضا ذكرى سيئة الذكر (لجان التحقيق)، التي كانوا يعلنون عن تكوينها عند وقوع أية مجزرة، وأحسب عندك أحداث بورتسودان المؤسفة والمحزنة التي راحت بسببها نيف وعشرون نفساً عزيزة، وأحداث العيلفون التي سقط بسببها عشرات الطلاب من منسوبي الخدمة الإلزامية غرقاً في النيل، وحجاج مدينة القضارف الذين راحوا هدراً جراء انهيار سور متهالك عليهم فأودى بحياتهم بين غمضة عين وانتباهتها، وشهداء كجبار والعوج وأم دوم وشهداء هبة سبتمبر وشهداء ثورة ديسمبر وشهداء انقلاب اكتوبر، والحلفايا وبحري وسنار ومدني والكنابي و……..و……الى حادثة أم روابة الشنيعة، ورغم مرور كل هذه السنين العجاف الطويلة على كل هذه  الجروح النفسية الغائرة، إلا أن لجان التحقيق الرسمية التي قيل إنها كونت للتحقيق في هذه الحوادث الأليمة المفزعة لم تخرج على الناس بأي خبر، ولم تقل شيئاً ولم توضح للناس لماذا سقطت كل هذه الأعداد وبأية وسيلة وعلى يد من وكيف يمكن جبر الخواطر وتهدئة النفوس التي لم ولن تهدأ ولن تنسى مهما تطاول الوقت ومرت السنون، فمثل هذه القضايا لا تنسى ولا تنمحي من الذاكرة خاصة إذا وجدت التجاهل ولم تعالج آثارها وتضمد جراحها. وكل هذه الأحداث الأليمة التي كونت لها لجان تحقيق لم تفعل فيها شيئاً غير أنها قتلتها، خاصة عندما يصبح تشكيل لجان تحقيق للنظر في الأخطاء والكوارث أو توقيع اتفاقيات وتفاهمات مثاراً للتندر وبمثابة (طرائف) يتهكم بها الناس على عدم الجدية وضياع المصداقية، فكل ذلك مقروءاً مع ذكرى أحداث بورتسودان وكل الاحداث السابقة واللاحقة يعيد إلى الذاكرة معضلة اسمها لجان التحقيق التي رغم كثرتها إلا أنها كانت وستظل كغثاء السيل ما لم تكن هناك جدية عند تكوينها واختيار المؤهلين الشجعان لعضويتها، وإعلان نتائجها بكل شفافية ومن ثم امتلاك الارادة الحقيقية لمحاسبة ومحاكمة من تسببوا في الخطأ أو ارتكبوا الكارثة. وخذ عندك فقط تسليم مدينة ود مدني وكل ولاية الجزيرة تسليم مفتاح للدعم السريع..

وتحضرني بهذه المناسبة المؤسفة كلمة لاختصاصي الطب الشرعي د. علي الكوباني رحمه الله رحمة واسعة، مؤداها أن كاتل الروح طال الزمن أم قصر لازم ينال عقابه في الدنيا قبل الاخرة..قد يفتكر انو نجا وهرب بعملته بعد ان قتل الارواح ودفن الاجساد كما تُدفن جيف الهوام والكلاب..رغم انهم انبل واطهر واشرف من قاتليهم، علمتني الحياة في سنيني الطويلة في الطب الشرعي بحمد الله انو (الروح ما بتروح)، والدم ببراك دنيا وآخرة مهما (حدث ما حدث)..والقصاص لاحق والديان لا يموت. في كل جثة شرحناها او نبشناها (في جريمة قتل) يرينا الله كل العلامات والاسباب..ويتحدث معنا الميت جسدا او رفاة بلغة خاصة مفرداتها الاثار التشريحية والنسيجية ليخبرنا عن من قتله وكيف ومتين ووين، واحيانا القاتل منو ذااتو، نوعا ما اختصنا الله بعلم (موسوي) خاص وتأهيل (لدني) لكي نعرف سبب وطريقة ونوع الوفاة..ونحدد ما اذا كانت جنائية ام لا، مهما كان حال الجثة، حديثة الوفاة ام متحللة تماما. فيدبرالله ويسخر لك العلم لتحق الحق وتظهر كيد الخائنين والقتلة والمارقين كيف لا، ورب العزة هو القائل: (إِذا قتلتم نَفْسًا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون) البقرة 72.. والتفسير الميسر: (واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنها كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل، والله مخرج ما كنتم تخفون من قَتْل القتيل). حكى لي احد المحكومين بالاعدام..وقال لي:تصدّق يا دكتور انا الزول الحاكموني فيهو بالاعدام ده والله ما كتلتو..لكن انا زمان كتلت لي نفرين في الخلا وما في زول جاب خبري..وانا متأكد انو الحصل لي ده حقهم.. اليوم وبعد ان أصاب اليأس أُسر الشهداء والمفقودين، واصابت الهواجس شعبنا الابي، فإذا باللجنة التي كونها النائب العام للتحقيق في شأن المفقودين برئاسة مولانا (الطيب العباس) يُكلل جهدها بالنجاح، ويُظهر الله مقبرة دفن جماعي والتي قالوا انها غالبا ما تكون لجثث الشهداء المفقودين في جريمة فض الاعتصام، رحمهم الله وانزلهم عالي الجنان. نتمنى ان يقوم النائب العام بمخاطبة رئيس الوزراء ليستعينوا بفريق من خبراء الامم المتحدة المتخصصين في نبش مقابر الدفن الجماعي، وفيهم اطباء شرعيين وعلماء في علم الاجناس الشرعي وفي علم الاثار الشرعي وعلماء في البصمة الوراثية والاسنان والاعيرة النارية وغيره، ولهم خبرات متراكمة في هذا العمل في العديد من الدول التي شهدت مثل هذه الجرائم واكثر، بالإضافة الى ما لهم من اجهزة متقدمة رادارية واشعاعية وموجات صوتية، ومعينات معملية شاملة ودعم لوجستي غير محدود، وعليه ستكون تقاريرهم صلدة لا تخر المويه، بالاضافة للحيادية ودون التأثر بأي ضغوط أو خوف من أي مخلوق! ده الاقتراح القلناه من قبل، وده المفروض يحصل، وحتى لو فيو إلتزامات مالية يجب على الدولة تنفيذه دون تردد، وهو اقل واجب على الحكومة بحق الشهداء الكرام، الذين بفضلهم ترَّيس وتسيَّد وتحكَّم من هم على سدة الحكم الان.. فوق وتحت..

وبعد…فالشاهد ان دماء هؤلاء الشهداء ستبقى معلقة على رقبة السلطات ولن تسقط الى يوم الدين، ولكن لا تزال للأسف قضايا كل هؤلاء الشهداء معلقة تنتظر العدالة، اذ ما تزال قضايا كل هذا الرتل من الشهداء الكرام تراوح مكانها بلا حسم، وتجري محاولات يائسة لـ(دغمستها) وطيها وتسجيلها ضد مجهول باللعب على الزمن ولكن هيهات، ان كل هذا العدد الكبير من الشهداء الذين ظلوا يتساقطون منذ انقلاب الاسلامويون في يونيو 1989 ومرورا بانقلاب 25 اكتوبر 2021، والى يوم الحرب هذا، قتلوا بواسطة قوات مدججة بالسلاح، ولهذا يبقى من المؤكد أن هناك (أشخاصا ما) أو (جهة ما) تعلم هؤلاء القتلة علم اليقين، بل المؤكد أيضا أن هؤلاء الأشخاص أو تلك الجهة هم أو هي من دفعتهم لارتكاب هذه المجازر المحزنة، وعلى كل حال، فان قضية كل هؤلاء الشهداء لن تسقط بالتقادم الى يوم الدين، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش، ويقول كل أحد نفسي نفسي حيث لا ينفعه تنظيم ولا حزب ولا تجيره مؤسسة مدنية أو عسكرية، وما أصدق المثل الشعبي الذي يقول (يا كاتل الروح وين بتروح)..

 

 

 

 

 

الوسومالتقادم الحق بورتسودان حيدر المكاشفي مجزرة

مقالات مشابهة

  • هروب الفئران من السفينة!!
  • طفح الكيل ولم يعد في الصبر متسع!
  • المعلمون بين الجوع والتهميش: هل يُترك صنّاع الأجيال لمصيرهم؟
  • بدءًا من اليوم.. هؤلاء اللاعبون يشاركون في صفوف الزمالك
  • محمد عثمان إبراهيم يكتب: تقدم وتسول
  • كاد «ترامب» أن يكون..!
  • إن اردت السلام فتجنب هؤلاء
  • الحق قديم لن يسقط بالتقادم…ويا كاتل الروح وين بتروح
  • للطبيعة أحكام!!
  • حزب الله: قررنا أن يكون 23 شباط موعداً لتشيع نصر الله وصفي الدين