هروب بشار الأسد.. سقوط الطغاة بين زيف القوة وحتمية الانهيار
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
مدخل.. الطغاة وأوهام الخلود
لطالما اعتقد الطغاة أن سلطتهم لا تُهزم، وأن شعوبهم، مهما انتفضت، ستظل أسيرة الخوف والولاء الزائف. لكن التاريخ أثبت مرارًا أن هذه الأنظمة، مهما بدت قوية، تحمل في داخلها بذور ضعفها. هروب بشار الأسد، كما في هذا السيناريو المتخيل، لم يكن مجرد قرار أناني أو لحظة فرار من مواجهة محتومة؛ بل كان تجسيدًا لانهيار مشروع سلطوي قائم على الخداع والتهديد.
الطغاة والهويات المسلوبة.. تحطيم أسطورة "حامي الطائفة"
لطالما قدّم بشار الأسد نفسه كحامٍ للطائفة العلوية، ضامنٍ لوجودها، وحاميها من المخاطر المزعومة. هذا الدور لم يكن مبنيًا على حماية حقيقية، بل على استغلالٍ متقن لسيكولوجية الخوف. نجح الأسد في ربط مصير الطائفة بمصيره، زارعًا في نفوس أبناء الطائفة شعورًا بأن سقوطه يعني نهايتهم.
هروب الأسد لم يكن مجرد فصل في كتاب الأزمة السورية، بل كان لحظة فاصلة قلبت موازين اللعبة. هذا الهروب أعاد تعريف السلطة في سوريا، ليس فقط من حيث سقوط الأسد، ولكن من حيث تفكيك بنية الخوف التي كان يعتمد عليها. الشعب السوري، الذي عاش لعقود تحت ظل الطغيان، وجد نفسه فجأة أمام فرصة لإعادة تعريف هويته ومستقبله. لكن الهروب الذي اختاره الأسد أفرغ هذه الرواية من مضمونها. لم يكن الأسد في لحظة اتخاذ القرار يملك الوقت للتفكير في الطائفة التي طالما ادّعى حمايتها. كان قراره فرديًا بحتًا، هدفه الوحيد هو إنقاذ نفسه. هذه اللحظة كشفت أن الطائفة العلوية لم تكن يومًا أكثر من أداة استخدمها لتعزيز قبضته على السلطة، وحين حانت لحظة الحقيقة، تركها تواجه مصيرها دون أدنى تردد.
الهروب بهذا الشكل كان بمثابة الصفعة التي أعادت للطائفة إدراكًا غاب عنها لعقود: أنها ليست أكثر من وقود استُخدم لإبقاء النظام حيًا. ولعلّ هذا الإدراك، رغم قسوته، كان بداية لتحرر الطائفة من عبء الولاء القسري وإعادة صياغة موقعها في المشهد السوري.
الهروب كفعل يفضح زيف القوة
من منظور أعمق، يمكن النظر إلى هروب الأسد كفعل يتجاوز السياسة ليصل إلى جوهر السلطة نفسها. السلطة ليست فقط سيطرة مادية على الناس، بل هي شبكة معقدة من الرموز والمفاهيم التي تمنح الحاكم شرعية ظاهرية. الأسد، الذي قضى سنوات يعتمد على هذه الشبكة لإبقاء قبضته على سوريا، وجد نفسه في لحظة حاسمة عاجزًا عن الاستمرار في لعب دوره كقائد.
الهروب كان بمثابة اعتراف ضمني بفشله في الحفاظ على وهم القوة. فالقوة التي لا تحمي أصحابها عند الأزمات ليست قوة حقيقية، بل قناع هش يسقط عند أول اختبار. الأسد، في لحظة هروبه، لم يهرب فقط من غضب الشعب أو ضغط المعارضة، بل هرب من عبء الدور الذي حاول أن يلعبه طوال حياته. لم يعد قائدًا، بل أصبح إنسانًا عاديًا محاصرًا بخوفه، ومن هنا، يمكن القول إن لحظة الهروب كانت لحظة سقوطه الإنساني قبل السياسي.
الأبعاد السياسية للهروب.. سيناريوهات الفشل والنجاة
إن أهمية هذا السيناريو لا تكمن فقط في فعل الهروب ذاته، بل في الخيارات الأخرى التي كان يمكن أن يتخذها الأسد، والتي كانت جميعها كارثية على سوريا:
1 ـ البقاء والموت.. أسطورة القائد الشهيد
لو قرر الأسد البقاء حتى اللحظة الأخيرة وقُتل، لكان موته قد خدم الطائفة كرمز للتضحية، ولكان ذلك سيعزز من انغلاقها على نفسها، متحولة إلى قوة رافضة لأي مشروع وطني جامع. هذا السيناريو كان سيؤدي إلى مزيد من الانقسام والتشدد داخل سوريا، مما يجعل تحقيق المصالحة الوطنية أكثر صعوبة.
2 ـ التنازل السلمي عن السلطة.. انقسام داخلي قاتل
التنازل عن السلطة، رغم أنه قد يبدو خيارًا عقلانيًا، كان ليؤدي إلى انشقاقات حادة داخل الطائفة نفسها. الانقسام بين مؤيدي الأسد ومعارضيه داخل الطائفة كان سيُضعف موقفها السياسي، مما يؤدي إلى تصاعد الصراعات الداخلية، ليس فقط داخل الطائفة، ولكن على المستوى الوطني أيضًا.
3 ـ الهروب.. النهاية التي تكسر السلاسل
الهروب، رغم أنه قرار أناني في ظاهره، كان الأكثر تأثيرًا إيجابيًا على مستقبل سوريا. فهو لم يكسر فقط صورة الأسد كقائد قوي، بل حرّر الطائفة العلوية من أسر الولاء له. كما أن غيابه المفاجئ أتاح للشعب السوري فرصة للتفكير في مستقبلهم دون قيوده، ودون الأساطير التي حاول ترسيخها حول نفسه.
الأثر العميق.. بداية لكتابة تاريخ جديد
هروب الأسد لم يكن مجرد فصل في كتاب الأزمة السورية، بل كان لحظة فاصلة قلبت موازين اللعبة. هذا الهروب أعاد تعريف السلطة في سوريا، ليس فقط من حيث سقوط الأسد، ولكن من حيث تفكيك بنية الخوف التي كان يعتمد عليها. الشعب السوري، الذي عاش لعقود تحت ظل الطغيان، وجد نفسه فجأة أمام فرصة لإعادة تعريف هويته ومستقبله.
بالنسبة لسوريا، كان هذا الهروب بمثابة لحظة ميلاد جديدة. لم تعد البلاد رهينة لطاغية، بل أصبحت أمام فرصة نادرة لإعادة بناء نفسها على أسس جديدة. أما بالنسبة للعالم، فإن هذا الحدث يبقى شاهدًا على حقيقة أزلية: الطغاة يسقطون دائمًا، ليس على يد أعدائهم فقط، بل تحت ثقل أوهامهم. غياب الأسد لم يُنهِ كل مشاكل سوريا، لكنه أزاح العائق الأكبر أمام بناء وطن جديد. فمع سقوط الرمز، بدأ الشعب يُدرك أن الوطن لا يُختزل في شخص أو طائفة، بل هو مشروع جماعي يقوم على العدالة والمساواة.
خاتمة.. هروب الطاغية وعودة الشعب
إن هروب بشار الأسد، رغم أنه جاء نتيجة لجبن فردي، كان يحمل في طياته دلالات أعمق بكثير. لقد كشف عن هشاشة الطغاة مهما بدوا أقوياء، وأظهر أن الشعوب، مهما طالت معاناتها، قادرة على الصمود والانتصار في النهاية.
بالنسبة لسوريا، كان هذا الهروب بمثابة لحظة ميلاد جديدة. لم تعد البلاد رهينة لطاغية، بل أصبحت أمام فرصة نادرة لإعادة بناء نفسها على أسس جديدة. أما بالنسبة للعالم، فإن هذا الحدث يبقى شاهدًا على حقيقة أزلية: الطغاة يسقطون دائمًا، ليس على يد أعدائهم فقط، بل تحت ثقل أوهامهم.
* عضو الهيئة العليا للمفاوضات السورية
@shamsieyad
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السياسة سوريا سوريا سياسة رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بشار الأسد هذا الهروب أمام فرصة التی کان لم یکن من حیث
إقرأ أيضاً:
سوريون ما بعد بشار.. كأنهم خرجوا من القبر ضاحكين
محمد خير موسى
دمشق– رغم التعب والإنهاك الذي يرتسم على وجوههم، تعلو الضحكات اللطيفة الخارجة من أعماق قلوب أهالي دمشق، وكأنهم خرجوا من القبر ضاحكين..
تأثير التحول الكبير الذي شهدته البلاد برحيل نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد جعل الدمشقيين كأنما يعيشون في حلم، فضلا عن رسائل الطمأنه التي تبثها القيادة الجديدة في نفوس الشعب السوري بكافة طوائفه وفئاته، والتي وجدت صداها يوم الأربعاء الماضي، حيث اتخذت قرارا بأن يكون يوم عطلة في سوريا احتفالا بأعياد الميلاد.
صعدنا جبل قاسيون صباحا، ولم يكن هناك موطئ قدم، حيث بدا الناس وكأنهم يتسابقون إلى هذه القمة التي حُرموا منها 14 عاما، تلك القمة التي كانت قبلة كل السوريين قبل الحرب تحولت بعدها إلى مسرح لمدافع النظام يقصف بها المدنيين الأبرياء في غوطة دمشق.
سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (رويترز) مهرجان كبيركان الآلاف على قمة جبل قاسيون، مجموعة منهم ترقص حول مكبر صوت وتغني معه، وأخرى تدبك، وثالثة تطلق الأهازيج.. ترفرف أعلام الثورة السورية ليتحول اليوم إلى مهرجان كبير يعبّر فيه السوريون عن حريتهم وإنهاء عهد البطش والدكتاتورية.
في دمشق، يعد سائق سيارة الأجرة من أهم مقاييس استقاء الرأي العام السائد، وكذلك كان سائقنا أمجد الذي سألناه "كيف تلقيت خبر سقوط النظام؟"، فأجاب "لم أصدق طبعا، أنا أعرف هذا النظام، إنه لا يسقط بسهولة بل يرتكب المجازر، بعد 3 أيام، خرجت خائفا أترقب، وقد غمرتني الفرحة والطمأنينة عندما وجدت البلدة تعيش حياة طبيعية، بل شعرت أنني وُلدت من جديد".
وفي يوم آخر، ركبنا مع سائق آخر يدعى رامي، قال إن ابنه طلب منه -بعد 3 أيام من سقوط النظام وهروب الأسد- أن نذهب لأصوره عند تمثال حافظ الأسد الذي حطمه الشعب، فقلت له "اصبر قليلا، أخشى أن يكون كل ما نعيشه مقلبا أو كاميرا خفية".
ساحة المسجد الأموي تشهد تجماعات يومية (وكالة الأناضول) بكاء الفرحأما الملتاعون بالفقد، فلم تخلُ مشاعرهم من غصة، وبين هؤلاء أمجد الذي قال "أنا درزي من السويداء، كنت أتمنى أن يعيش والدي لحظة سقوط النظام، وقد بكيت طويلا لأنه كان يتمنى أن يرى قبر حافظ الأسد وهو يحترق، فلطالما سمعته يدعو عليه (الله يحرق قبرك) من شدة ما آذاه وعذبه في المعتقل".
عودة الحياة إلى سوق الحميدية بالعاصمة دمشق (وكالة الأناضول)وأكثر ما يمتنّ له أهل دمشق أن مدينتهم تحررت دون دماء، ولعل هذا من أهم ما ميّزها، إذ إن قوات إدارة العمليات العسكرية حرصت عند دخول المدينة "فاتحين رحماء بأهلها".
إعلانويشعر الدمشقي، كغيره من السوريين، كأنه وُلد من جديد بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، فربما تكون قد أنهكته سنوات الحرب، والبرد والجوع، لكن ما أهلكه فوق ذلك كله هو الظلم والقهر والخوف.
وحتى الآن يقول بعض الشباب إنهم ما زالوا يلتفتون عند الحديث ويخفضون أصواتهم "لأننا تعودنا على هذا على مدى عقود، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى نتحرر تماما من غول الخوف الذي سكننا نصف قرن".