عربي21 تحاور الباحث السمهوري حول خلافات الأمة في العقائد.. أسبابها وتداعياتها ومآلاتها
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
تعجُّ وسائل التواصل الاجتماعي بالجدل العقائدي الصاخب بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، وغالب تلك الاختلافات والمناقشات تتسم بالحدية، وهي لا تتعاطى معها تعاطيها مع الاختلافات الفقهية، التي تُدرجها في إطار اختلاف التنوع المقبول، بل تتعامل معها بوصفها لونا من ألوان اختلاف التضاد المذموم، فتخرجها من دائرة التصويب والتخطئة، وتنحو بها منحى التضليل والتبديع والتكفير.
ذلك التفريق في التعامل بين نوعي الاختلافات الفقهية والعقائدية يدفع إلى معرفة خلفياته، وتحديد نشأته، وتبين أسبابه، وهل في أدلة الشريعة ما يسند ذلك التفريق؟ إذ المعروف أن أسباب الاختلاف في مسائل الفقه من احتمالية النصوص، وعدم قطعيتها من جهة الثبوت والدلالة، وتفاوت أفهام ومدارك المجتهدين.. إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف هي ذاتها تنطبق على الاختلاف في مسائل الاعتقاد، الأمر الذي يثير تساؤلات وإشكالات حول ذلك كله.
إن ترحيل الخلافات العقائدية، الزائدة عن قطعيات الدين ومحكماته، وأركانه الإيمانية، ومبانيه التشريعية والتعبدية، فيما يدور حوله الجدل بين أتباع المذاهب العقائدية الإسلامية، كتفاصيل الصفات الإلهية.. وما إلى ذلك، من دائرة التضليل والابتداع والتكفير، إلى دائرة الخطأ والصواب، ينزلها منزلة المسائل الظنية الاجتهادية، فتكون مقاربتها بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر واحد.
ثم لماذا يغيب عن أذهان المنخرطين في ذلك الجدل أن انتشار المذاهب العقدية والفقهية في مراحل التاريخ الإسلامي المختلفة إنما يرجع في جزء هام منه إلى عوامل سياسية، إذ كانت الدول الإسلامية عبر الممارسة التاريخية في مجملها مذهبية، ومن تتبع نشأة المذاهب وانتشارها وصعودها أدرك مدى حضور العامل السياسي بمركزيته الطاغية، كما أسهم ـ على سبيل المثال ـ الوزير نظام الملك الطوسي السلجوقي في انتشار المدارس الأشعرية (المعروفة بالمدارس النظامية) والتي استمرت في دولة الأتابكة والدولة الزنكية والمماليك..
ومما ينبغي أن يكون محل بحث تدقيق النظر فيما يُطلق عليه "مذهب أهل الحديث" بوصفه مذهبا جامعا لعقائد الفرقة الناجية التي كان عليها السلف الصالح، فهل ثمة مذهب واحد يمكن القول إن كل مسائله واختياراته محل اتفاق عند كل من ينتسب لأهل الحديث، أم يوجد في طبقات المحدثين من ينتمي إلى اتجاهات عقائدية مختلفة ومتباينة؟ كما يستدعي المقام إطالة النظر في نشوء مصطلح (أهل السنة والجماعة) وفهمه في سياقاته التاريخية، التي تشي بأن العامل السياسي لعب دورا مركزيا في تكون المصطلح وشيوعه وانتشاره.
ولعل الأهم في ذلك كله، في سياق الاشتغال بالراهن الذي يهم الأمة الإسلامية، البحث في سبل وآليات التخلص من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها التي ما زالت تستحكم في عقول أتباع تلك المذاهب فتؤثر على ترتيب أولوياتهم، وتطغى على طبيعة اهتماماتهم الدينية والدعوية؟
لمقاربة هذه القضايا والمسائل، وغيرها كان هذا الحوار الخاص بـ "عربي21" مع الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور رائد السمهوري، المتخصص في أصول الدين، وقد صدرت له عدة دراسات وأبحاث وكتب، من أبرزها كتابه (نقد الخطاب السلفي.. ابن تيمية نموذجا)، وكتاب (السلف المتخيل.. مقاربة تاريخية تحليلية في سلف المحنة أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتُخيل).. فإلى نص الحوار..
س ـ ما هي طبيعة اختلافات المسلمين في العقائد.. وما هي أسباب تلك الاختلافات؟
ـ لا يختلف مسلمان حول كلمة التوحيد، ولا حول نبوة النبي، ولا حول القرآن، ولا حول فرائض الدين، ولا حول مجملات الإيمان، ولا حول الهدي العامّ، أعني الجانب الأخلاقي، ولكنهم يختلفون في تفاصيل، مثلًا: يتفق المسلمون جميعًا على أن الله على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه وحده الخالق المدبّر، وأنه الرزاق ذو القوة المتين. لكنهم في تفاصيل كثيرة يختلفون فيما بينهم.
ولهذا الاختلاف عوامل عديدة، منها الاختلاف الطبيعي في الفهم ومراتب العقول، فهذا يميل إلى أخذ الأمور "ببساطة"، كما يقال، وذاك لا يكتفي بظواهر الأمور، بل يحب التفتيش والتنقير والتفتيت. ومن عوامل الاختلاف الاحتكاك بأبناء الدول المفتوحة في بدوّ الإسلام وطلائع انتشاره، فقد دخل المسلمون بلادًا تعجّ بالديانات والمذاهب المختلفة، ولكل فريق تراثه العقلي واختلافاته، وفهمه، وفلسفته، فطرحت أسئلة، واجهها الفاتحون الجدد، وليس من الغريب أن يكون هناك تأثر وتأثير. بل دخل بعض أبناء تلك الدول وهو لا يزال يحمل فلسفات عقائده.
س ـ في تاريخية نشوء المذاهب العقائدية الإسلامية ما مدى حضور العامل السياسي في نشأتها وانتشارها فيما بعد، تبعا لتبني (السلطان) لهذا المذهب أو ذاك؟
ـ من أسباب الاختلاف الخلافات السياسية بين الصحابة وقد فتح هذا مجالًا كبيرًا للخلاف حول من الأحق بالخلافة؟ وهل وصّى رسول الله بالإمامة لأحد من بعده؟ وما حكم تولّي مرتكب الكبيرة؟ أهو فاسق أم كافر؟ وهل كان هذا الذي يجري بقضاء وقدر سابقين؟ أم أن الأمر أُنُفٌ؟ وهكذا تباينت الرؤى وامتزج فيها العقائدي بالسياسي. فهذا وعيدي، وذاك مرجئ، وذلك بين بين. وهذا عدلي، وذاك جبري، وذلك بين بين. تلك كانت فاتحة الخلاف الآتي، والمتشعّب، والمتفاقم بمرور الزمن. وتعددت المشارب، وتنوّعت التوجّهات.
تخلص المسلمين من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها لا تحله إلا السياسة الحكيمة. وظهر الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية. وتأسست بها توجهات عقائدية/ سياسية. ثم كلما كان يجري حدث سياسي هائل، تتوالد الفرق ويزداد الانشقاق، وتظهر مسائل لم يفكر فيها الصحابة ولا التابعون. من ذلك مثلًا محنة خلق القرآن، التي تولّاها ثلاثة خلفاء عباسيين، وأسهمت في تفرق جديد، وانشقاقات جديدة، وإذا بنا نسمع مصطلحات اعتقادية تصنيفية جديدة، فهذا واقفي (أي يتوقف فلا يقول مخلوق ولا غير مخلوق)، وذاك لفظي (يقول القرآن غير مخلوق ولكن ألفاظنا وحروفنا وأصواتنا به مخلوقة).
لا مجال هنا لتفاصيل كثيرة في هذا الأمر، ولكن باختصار: نعم، للعامل السياسي أثره المركزي في انتشار المذاهب العقدية والفقهية، فقد كانت الدول الإسلامية في التاريخ في مجملها دولًا مذهبية، فالدولة العباسية تارة تكون جهمية، وتارة زيدية، وتارة سنيّة، وتارةً أشعرية، ولا تنس الدولة الفاطمية الشيعية، والدولة المهدوية الأشعرية، ودولة المرابطين التي تعد سلفية، ودولة الزيدية الشيعية، ودولة عمان الإباضية. وعلى ذلك يقاس، والأمثلة كثيرة.
كان إذا تبنّى الخليفة، أو الملك الذي يكتسب شرعيته من الخليفة مذهبًا، ينتشر، ويقبل الناس عليه، لارتباط ذلك بالقضاء والوظائف العلمية، والأوقاف وغيرها. فقد أسهم الوزير السلجوقي نظام الملك على سبيل المثال في انتشار المدارس الأشعرية، التي استمرّت فيما بعد في دولة الأتابكيين، ثم الزنكيين، ثم الأيوبيين ثم المماليك. كل تلك الدول مثلًا اكتسبت شرعيتها من حيث هي دول سنية/ أشعرية، في مقابل الفاطميين/ الشيعة. وهكذا. فليس انتشار المذاهب لمجرد الاقتناع، بالضرورة، بل لذلك عوامل تاريخية، من أبرزها العامل السياسي.
س ـ ما هي السياقات التاريخية التي تشكل فيها مصطلح (أهل السنة والجماعة) وكذلك ما يوصف بـ"مذهب أهل الحديث"؟
ـ هذا له قصة طويلة جدًا، كان المسلمون على مسائل الإجماع لا ينقّرون في دقائق العقائد وتفاصيلها، وكان النبي يقبل من الناس الشهادتين وقواطع الدين وينتهي الأمر بلا دخول في تفاصيل. عرف المسلمون معنى السنة أنها طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وتقريراته، لكن بحسب استقرائي واطلاعي، ظهرت منذ أواسط القرن الثالث الهجري متون تجمع مقولات محدّدة، من اعتقدها وقال بها فهو سنّي، ومن ذلك مثلًا أنه يجب عليه أن يعتقد أن القرآن غير مخلوق، وذلك بسبب المحنة التي أجبرت الناس على اعتقاد أن القرآن مخلوق.
لم تطرح هذه المسألة في زمن الصحابة، وليس لهم فيها أي تصريح البتّة، لكنها مثلًا دخلت في عقائد سميت بعقائد أهل السنة، بل صار من لم يصرّح بأن القرآن غير مخلوق، واكتفى بأن يقول: "كلام الله"، جهميًا، في كفره قولان! أما خروجه من أهل السنة فلا مجال للشك فيه، هذا النوع من "التسنن" نوع جديد، ظهر في بغداد، ثم تطور بعد ذلك، وصارت أقوال معينة هي التي تحدد الانتماء، ثم تفاقم الأمر، فصار السنّي عند طائفة هو الذي يثبت قيام الحركات والحوادث بذات الله، وإن لم يعتقد ذلك فهو جهمي أو متجهّم، وعند طائفة أخرى هو الذي يثبت سبع صفات معنوية، ويؤول غيرها.
وهكذا صارت معايير "التسنن" مبنية على مثل هذه الأمور التي لا يفهمها عامة المسلمين، بل ربما لم تخطر للصحابة ببال، فضلًا عن دعوى إجماعهم عليها، والمقول هنا في عقائد أهل السنة، يقال بالضبط في عقائد المعتزلة والشيعة وغيرهم.
س ـ هل ما يُطلق عليه "مذهب أهل الحديث" في العقائد هو بالفعل مذهب واحد فيمكن القول إن كل مسائله واختياراته محل اتفاق عند كل من ينتسب لأهل الحديث؟
ـ أهل الحديث مذاهب لا مذهب واحد، فمن المحدثين مرجئة، ومنهم قدرية، ومنهم شيعة، ومنهم ناصبة يبغضون علي بن أبي طالب، فكيف يقال إن أهل الحديث لهم مذهب واحد محدد؟ هذا من التخيلات التي لا يسعفها التاريخ. ظهر تعبير "اعتقاد أهل الأثر" أو "اعتقاد أهل الحديث" بحسب تقديري منذ أواسط القرن الثالث الهجري فما يليه. وانظر مثلًا ما نقله ابن قتيبة في كتابه عن مسألة اللفظ بالقرآن، حول اختلاف أهل الحديث في مسألة "اللفظ بالقرآن"، وكيف كفّر بعضهم بعضًا، بحيث تجاوز النزاع الانتماء إلى أهل السنة، بل صار حول الانتماء إلى الإسلام! هل بعد هذا يقال إن هناك اعتقادًا واحدًا يجمع أهل الحديث؟
س ـ إذا كانت تفصيلات كثير من المسائل الاعتقادية حدثت في أجيال متأخرة، ولم يعُرف عن الصحابة أنهم تكلموا في شيء من ذلك.. فمن أين جاءت دعاوى غالب الاتجاهات العقائدية الإسلامية بأن مذاهبهم ما هي إلا امتداد لما كان عليه الصحابة؟
ـ كل دعاوى الإجماع تلك على غير المتواتر القطعي الذي يتفق عليه جميع المسلمين هي دعاوى لا يمكن إقامة الدليل عليها، وهذه حقيقة، هل كان الصحابي الذي يأتي مسلمًا يعقل معنى أن الذات الإلهية تقوم بها سبع صفات وجودية؟ أو كان يعقل أن الصفات هي عبارة عن أحوال لا موجودة ولا معدومة؟ وأن كلام الله قديم النوع ولكنه حادث الأفراد؟ هل كان يعي أي صحابي أسلَم بين يدي النبي هذه الأمور؟ قطعًا ويقينًا: لا، وكلا، فمن أين جعلها الجاعلون عقيدة إسلامية؟! كل الفرقاء يريدون نسبة أنفسهم إلى الصحابة، ولو سألت صحابيًا عن معنى تلك العقائد لحار في الجواب، ولربّما حمّلته ما لا يطيق، وقد أعجبتني كلمة قالها العلّامة صالح بن مهدي المقبلي في كتابه الشهير "العلَم الشامخ"، قال: "وكل واحدٍ ذهب إلى أي مذهب؛ قال: هو مذهب سلف الأمة"!.
س ـ لماذا لا يُقبل الخلاف والتنوع والاجتهاد في المسائل الاعتقادية كما يُقبل في المسائل الفقهية.. فيجري على الخلافات العقائدية الخطأ والصواب، وليس الحق والباطل، والضلال والابتداع؟
ـ من تناقضات المتكلمين أنهم يقولون: "لا تقليد في أصول الدين"، أي إن أصول الدين محلّها الاجتهاد الفردي وإعمال العقل للوصول إلى الحق، ولكن المتكلمين أنفسهم، أعني الخط العامّ منهم، يرمون من لم يقلّد وأعمل عقله ووصل إلى نتائج مختلفة بأنه مبتدع، وقد يكون كافرًا، فلماذا لا تقولون: قلّدنا وإلا فأنت مبتدع؟ فيريحونا ويستريحوا؟
المسائل التي تسمّى "اعتقادية" نوعان: نوعٌ وردت به النصوص القطعية، مثل وحدانية الله وأنه قدير وعليم وكريم وحليم لم يلد ولم يولد، وأن النبي رسول الله، والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين، وغير ذلك مما يعرفه كل مسلم، هذه العقائد القطعية التي جاء بها النبي، هي التي لا يكون المرء مؤمنًا مسلمًا بدونها.
المذاهب العقائدية الإسلامية خارج الإجماعات القطعية اجتهادية تدور بين الصواب والتخطئة، وليس التفسيق والتبديع والتكفير. لكن المشكلة عند أصحاب المذاهب الاعتقادية، أنهم يجعلون فهومهم وهي في الغالب فلسفية عويصة وكلامية دقيقة من ذوات الاصطلاحات المعقدة، معيارًا للحكم بالابتداع. فهل هي عقائد إسلامية أصلًا؟ أم هي اجتهاداتهم لفهم الكتاب والسنة بما يتجاوز المتواتر الذي أجمع عليه عوام الأمة؟
كل هذا ليس من الدين حتمًا، ولئن كان من حق كلٍّ أن يجتهد إذا آمن بما يؤمن به الكافة، فعلام يزعم أن اجتهاده هو عين الدين وهو حقيقة الإسلام؟ لأنه إذا قطع بتلك الاجتهادات فلا مناص من أن تكون اجتهاداته هي الدين، ثم إذا قطع كل فريق باجتهاداته فقد أضحى لدينا عدة أديان لا دين واحد!
إذا علمنا إذًا أن أقوال أصحاب المذاهب الاعتقادية مما هو خارج دائرة المتواترات والإجماعات القطعية، إنما هو اجتهادات، فحق الاجتهادات أن تدور بين التصويب والتخطئة، لا بين التبديع والتكفير والتفسيق.
س ـ في تقديرك كيف يمكن للمسلمين التخلص من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها التي ما زالت تستحكم في عقول أتباع تلك المذاهب فتؤثر على ترتيب أولوياتهم، وتؤثر في طبيعة اهتماماتهم الدينية والدعوية؟
ـ هذا أمر لا تحله إلا السياسة، انظر مثلًا حال الإخوة في السلطنة العمانية، كيف قضت حكمة السياسي فيها على كل خلاف اعتقادي وآثاره بين مكوّنات المجتمع فالكل مسلمون، والكل إخوة، والكل مواطنون عمانيون، لكن على النقيض لا يزال لدينا دول تتبنى عقائد دينية مذهبية تكتسب بها شرعيتها كأننا لا نزال في عهود المماليك، والخلاصة أن الحل كثيرًا ما يكون بيد السياسي قدّس الله سرّه!
أما طلاب العلم ونزاعاتهم الهوائية، فهذا خروج عن قضايا العصر تمامًا، وغياب تام عن تاريخ نشوء المذاهب وتطورها، وذهول شديد عن أن الإسلامي الذي فيها هو موطن إجماع الأمة، وهذا ما به الاشتراك، أما ما به الامتياز، فقضايا لم تحل منذ ألف سنة، وخذ منّي هذه البشرى السعيدة؛ لن تحل بعد ألف سنة! ما لم يعلم المسلمون ما به على الحق والحقيقة كان الصحابة مسلمين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الخلافات الحوار المسلمون مسلمون حوار خلافات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أهل السنة ولا حول
إقرأ أيضاً:
عربي21 تبرز نتائج الحرب بغزة.. هل يتوقّف عد الجرائم بعد 466 يوما؟
علت التكبيرات، وصدحت مختلف المناطق بغزة بعبارات البهجة التي طال انتظارها؛ منذ اللحظات الأولى من إعلان التوصل لاتّفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي، لتطبيقه على ثلاث مراحل، انطلاقا من يوم الأحد المقبل.
مشاهد رصدتها "عربي21" كثيرة ومؤثّرة، توثّث مزج لفرحة الغزّيين الممتزجة بالكثير من الدموع والتكبيرات وأيضا الزغاريد، وشعارات النصر؛ مشاعر إنسانية طالما أجلّت لتنفجر اليوم، أمام مرأى العالم، على الرغم من آثار الحرب التي أدمت كامل القطاع، على مدار 467 يوما.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
صمود وأمل
"انتصرت إرادة غزة، رغم كافة مشاهد الدمار والأسى" بهذه الجملة أعرب عدد متسارع من المتابعين للمشهد الفلسطيني، الأربعاء، عن فرحته باتفاق وقف إطلاق النار على كامل القطاع المكلوم، مشيرين إلى أنّ: "الدمار سوف يُبنى، والقلوب ستُجبر ولو بعد حين، المهم أن غزة انتصرت".
وخلّفت الحرب الهوجاء التي واصل الاحتلال الإسرائيلي، شنّها على كامل قطاع غزة المحاصر، الكثير من الأثر المادي والنفسي، إذ جعلت الأحياء تبدو كأنه كومة دمار، سيطول أمد إعادة إعمارها، ناهيك عن قلوب الغزّيين الصامدين طويلا، رغم العدوان الدّامي.
جرّاء ذلك، علت عبارات الصمود والأمل، حسابات الغزّيين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، داعين الاحتلال الإسرائيلي للتوقّف الفعلي لإطلاق النار، والكفّ عن القصف الذي لايزال مستمرا عليه بعدد من مناطق القطاع، على الرغم من الإعلان عن التوصل للاتّفاق، اليوم الأربعاء.
يجعل لا حد فرح غيركم
الله اكبر ✌️
فرحة عارمة للأطفال في غزة ، قبيل الإعلان الرسمي عن اتفاق وقف إطلاق النار pic.twitter.com/xxid46hDQl — Osama Dmour (@OsamaDmour5) January 15, 2025 غزة تفرح لأول مرة منذ 15 شهراً
فرحاً بحجم التضحيات pic.twitter.com/KVxwxlfPIz — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) January 15, 2025
يشار إلى أن الحرب الشرسة التي عايشها الغزّيين، قسرا، لم تُحدث جروحا في الأجساد فقط، بل مسّت النّفسية. النساء والأطفال في غزة هم الأكثر تأثرا، حيث يعانون من اضطرابات نفسية حادّة مثل القلق والاكتئاب، لكن الرّجال أيضا، مسّهم الأذى، بات كل من على القطاع يُعاني من الأسى.
وعقب الإعلان عن وقف إطلاق نار، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد؛ استشهد عدد من المدنيين في سلسلة غارات شنتها طائرات الاحتلال على محافظتي غزة وشمال القطاع؛ فيما أبرز شهود عيان أن الغارات استهدفت مناطق متفرقة، دون أن تتضح المواقع المستهدفة بشكل دقيق.
كذلك، ساعات قليلة فقط من الإعلان عن الإتّفاق، تداول عدد من رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، من قلب فلسطين، خلال الساعات القليلة الماضية، منشورا لإنذار سكان جباليا شمالي قطاع غزة بإخلائها تمهيدا لغارات جوية.
وخلال أقل من أسبوع فقط، كانت حصيلة العدوان على قطاع غزة قد ارتفعت إلى أرقام جديدة وغير مسبوقة، على إثر استمرار مجازر الاحتلال، ودخول العدوان البري على جباليا يومه الـ100 على التوالي.
لا حول ولا قوة إلا بالله…
في الساعات الأخيرة من العدوان على غزة، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي صديقي العزيز أحمد أبو الروس، صاحب المبادرات المشهودة بالخير والعطاء.
الحبيب الشهيد رافقته في سنوات الدراسة وكان في العدوان خير ممثل لغزة وأهلها. pic.twitter.com/5oO9nQ7VBZ — أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) January 15, 2025
جرائم اقترفت.. هل سينتهي العد؟
"74 في المئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، و100 ألف خيمة من أصل 135 ألفا بحاجة إلى تغير فوري وعاجل نتيجة اهترائها"، هكذا حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من كارثة إنسانية باتت تواجه مليوني نازح فلسطيني في مناطق مختلفة بالقطاع مع حلول فصل الشتاء.
وأبرز المكتب الحكومي، في الوقت نفسه، أنّ "إغلاق إسرائيل للمعابر منع إدخال قرابة ربع مليون خيمة وكرفان". وهو ما اتّفق معه فيه المتحدث باسم منظمة العفو الدولية، رامي حيدر، بالقول: "إعادة إعمار القطاع في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب ستأخذ 10 سنوات على الأقل".
وكان عدد من الغزّيين قد وصفوا لـ"عربي21" أنّ ما يعايشوه، قسرا، هو: "جريمة حرب يجب أن تحاسب عليها دولة الاحتلال"، في إشارة إلى أن القانون الدولي الإنساني يلزم أطراف النزاع بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، إذ يجب الحفاظ عليها، كي لا يتضرر المدنيون بسبب انقطاع الإمداد بالخدمات الحيوية مثل: الغذاء والتعليم والمياه والكهرباء، وكذا الصرف الصحي والرعاية الطبية..
" وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون "
الحمدلله على كل حال انتهت احدى أشنع الحروب والمجازر في التاريخ الحديث ، وتم الإعلان عن وقف اطلاق النار في غزه
لا أعرف ما أقول لكن هنيئًا لكم يا أهل غزه هذا الوعد الرباني " وجزاهم بما صبروا جنةً وحريرًا " pic.twitter.com/To8N1QIy4P — أبو تركي (@hjbtny1) January 15, 2025
أيضا، استهدف الاحتلال الخلايا الشمسية، التي تعدّ المصدر الوحيد للطاقة المتبقي في غزة، فيما منع كذلك إدخال الوقود للقطاع، على الرغم من المناشدات المستمرة، وهو ما نتج عنه توقّف للخدمات الأساسية القائمة على الوقود، خاصة في كل من: المشافي ومحطات ضخ وتحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي.
من جهتها، أوضحت منظمة الصحة العالمية، أنّ "الحرب المستمرة تسبّبت في دمار غير مسبوق يحتاج إصلاحه عقودا من الزمن، والقصف المكثف أدى لتدمير ما بين 70 و80 في المئة من البنية التحتية المدنية، بما فيها المنازل والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه التي تهدمت أو تعرضت لأضرار جسيمة".
غزة في صورة !! pic.twitter.com/KUVPsXstXS — محمود الحسنات ALHASANAT (@mahmoudalhsanat) December 28, 2024
"كارثة إنسانية"
التدمير الهائل الذي يعيش على إيقاعه القطاع المحاصر، أكثر من عام كامل، فاقم من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية، على قلّتها، لسكان المناطق الأكثر تضررا. خاصة من المحاصرين في قلب شمال غزة، حيث إنّ وصف "كارثة إنسانية"، لم يعد قادرا على إبراز المشهد.
من جهتها، المنظمات الإنسانية، سواء كانت محلية أو دولية، تعمل في خضمّ ظروف بالغة الصعوبة في غزة. أبرزها: الهلال الأحمر الفلسطيني، مع شريكته الصليب الأحمر الدولي، ومنظمة "الأونروا".. يبذلون جهدا مُضاعفا لتقديم الإغاثة، غير أن عملهم يتم عرقلته في الغالب من الاحتلال الإسرائيلي.
غزة المنسية !
طفل قتلته اسرائيل بينما كان نائماً متجمداً وحوله بطانية لا تحميه من شيء!
لا تنسوا غزة، لا تنسوا الأبرياءhttps://t.co/NXqFGfSfRK — MO (@Abu_Salah9) January 5, 2025
إلى ذلك، فيما قدّرت وزارة الصحة الفلسطينية في مايو أن هناك نحو 10 آلاف جثة مفقودة تحت الركام. أوضحت الأمم المتحدة، أنّ "إزالة 40 مليون طن من الركام الذي خلّفه القصف الإسرائيلي قد تستغرق 15 عاما، وتكلف ما بين 500 إلى 600 مليون دولار".
وبحسب وكالة "بلومبيرغ" نقلا عن عدّة خبراء، فإن "عملية إعادة إعمار قطاع غزة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من 10 أشهر".
من جهتها، كشف تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي، أنّ الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار، وأثّرت على المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
815 مسجدا دمّر كليا
أمام مرأى العالم، وبتقنية المُباشر، جحافل من الدبّابات والمدرّعات والجرّافات، تأخذ راحتها في الذهاب يُمنة ويسارا، وقصف مُتواصل يستهدف المدنيين، من النساء والأطفال والكبار في السن، وأيضا الأطباء والمسعفين والإعلاميين، وغيرهم من الفئات، وصلت إلى قلب دور العبادة من مساجد وكنائس، التي تجرّم القوانين الدولية استهدافها في الحروب.
وبين الهدم والتدمير للمساجد في قطاع غزة المحاصر، والاقتحامات والتدنيس لمساجد أخرى وكنائس بالضفة الغربية، ناهيك عن القيود على أداء العبادة والاعتداء على المصلين، مسلمين ومسيحيين، توالت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، لأكثر من عام كامل.
وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في فلسطين، قد أكدت، الأحد الماضي، أن الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة منذ بداية العام الماضي، دمّر 815 مسجدا تدميرا كليا، و151 مسجدا بشكل جزئي.
وتابعت الوزارة، عبر تقرير خاص، شرح "انتهاكات الاحتلال على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 2024"، أنه دمّر 19 مقبرة بشكل كامل، وانتهك قدسيتها من خلال الاعتداء عليها ونبش قبورها وإخراج الجثث، واستهدف ودمَّر 3 كنائس في مدينة غزة.
أيادي المحتل الإسرائيلي لم ترحم لا بشرا ولا حجرا، على مدار أكثر من عام مُتواصل، على قطاع غزة المحاصر، حيث لم تتهاون في محاولة البطش بهم، حتى وهُم في قلب الأماكن المقدّسة والمحمية أساسا بموجب القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان. واليوم تُرفع أماني الغزّيين بانتهاء الحرب، عاليا، لينعموا بالحياة التي يستحقّوها.