تعجُّ وسائل التواصل الاجتماعي بالجدل العقائدي الصاخب بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، وغالب تلك الاختلافات والمناقشات تتسم بالحدية، وهي لا تتعاطى معها تعاطيها مع الاختلافات الفقهية، التي تُدرجها في إطار اختلاف التنوع المقبول، بل تتعامل معها بوصفها لونا من ألوان اختلاف التضاد المذموم، فتخرجها من دائرة التصويب والتخطئة، وتنحو بها منحى التضليل والتبديع والتكفير.



ذلك التفريق في التعامل بين نوعي الاختلافات الفقهية والعقائدية يدفع إلى معرفة خلفياته، وتحديد نشأته، وتبين أسبابه، وهل في أدلة الشريعة ما يسند ذلك التفريق؟ إذ المعروف أن أسباب الاختلاف في مسائل الفقه من احتمالية النصوص، وعدم قطعيتها من جهة الثبوت والدلالة، وتفاوت أفهام ومدارك المجتهدين.. إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف هي ذاتها تنطبق على الاختلاف في مسائل الاعتقاد، الأمر الذي يثير تساؤلات وإشكالات حول ذلك كله.

إن ترحيل الخلافات العقائدية، الزائدة عن قطعيات الدين ومحكماته، وأركانه الإيمانية، ومبانيه التشريعية والتعبدية، فيما يدور حوله الجدل بين أتباع المذاهب العقائدية الإسلامية، كتفاصيل الصفات الإلهية.. وما إلى ذلك، من دائرة التضليل والابتداع والتكفير، إلى دائرة الخطأ والصواب، ينزلها منزلة المسائل الظنية الاجتهادية، فتكون مقاربتها بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر واحد. 

ثم لماذا يغيب عن أذهان المنخرطين في ذلك الجدل أن انتشار المذاهب العقدية والفقهية في مراحل التاريخ الإسلامي المختلفة إنما يرجع في جزء هام منه إلى عوامل سياسية، إذ كانت الدول الإسلامية عبر الممارسة التاريخية في مجملها مذهبية، ومن تتبع نشأة المذاهب وانتشارها وصعودها أدرك مدى حضور العامل السياسي بمركزيته الطاغية، كما أسهم ـ على سبيل المثال ـ الوزير نظام الملك الطوسي السلجوقي في انتشار المدارس الأشعرية (المعروفة بالمدارس النظامية) والتي استمرت في دولة الأتابكة والدولة الزنكية والمماليك..

ومما ينبغي أن يكون محل بحث تدقيق النظر فيما يُطلق عليه "مذهب أهل الحديث" بوصفه مذهبا جامعا لعقائد الفرقة الناجية التي كان عليها السلف الصالح، فهل ثمة مذهب واحد يمكن القول إن كل مسائله واختياراته محل اتفاق عند كل من ينتسب لأهل الحديث، أم يوجد في طبقات المحدثين من ينتمي إلى اتجاهات عقائدية مختلفة ومتباينة؟ كما يستدعي المقام إطالة النظر في نشوء مصطلح (أهل السنة والجماعة) وفهمه في سياقاته التاريخية، التي تشي بأن العامل السياسي لعب دورا مركزيا في تكون المصطلح وشيوعه وانتشاره.

ولعل الأهم في ذلك كله، في سياق الاشتغال بالراهن الذي يهم الأمة الإسلامية، البحث في سبل وآليات التخلص من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها التي ما زالت تستحكم في عقول أتباع تلك المذاهب فتؤثر على ترتيب أولوياتهم، وتطغى على طبيعة اهتماماتهم الدينية والدعوية؟

لمقاربة هذه القضايا والمسائل، وغيرها كان هذا الحوار الخاص بـ "عربي21" مع الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور رائد السمهوري، المتخصص في أصول الدين، وقد صدرت له عدة دراسات وأبحاث وكتب، من أبرزها كتابه (نقد الخطاب السلفي.. ابن تيمية نموذجا)، وكتاب (السلف المتخيل.. مقاربة تاريخية تحليلية في سلف المحنة أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتُخيل).. فإلى نص الحوار..
 
س ـ ما هي طبيعة اختلافات المسلمين في العقائد.. وما هي أسباب تلك الاختلافات؟

 ـ لا يختلف مسلمان حول كلمة التوحيد، ولا حول نبوة النبي، ولا حول القرآن، ولا حول فرائض الدين، ولا حول مجملات الإيمان، ولا حول الهدي العامّ، أعني الجانب الأخلاقي، ولكنهم يختلفون في تفاصيل، مثلًا: يتفق المسلمون جميعًا على أن الله على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه وحده الخالق المدبّر، وأنه الرزاق ذو القوة المتين. لكنهم في تفاصيل كثيرة يختلفون فيما بينهم.

ولهذا الاختلاف عوامل عديدة، منها الاختلاف الطبيعي في الفهم ومراتب العقول، فهذا يميل إلى أخذ الأمور "ببساطة"، كما يقال، وذاك لا يكتفي بظواهر الأمور، بل يحب التفتيش والتنقير والتفتيت. ومن عوامل الاختلاف الاحتكاك بأبناء الدول المفتوحة في بدوّ الإسلام وطلائع انتشاره، فقد دخل المسلمون بلادًا تعجّ بالديانات والمذاهب المختلفة، ولكل فريق تراثه العقلي واختلافاته، وفهمه، وفلسفته، فطرحت أسئلة، واجهها الفاتحون الجدد، وليس من الغريب أن يكون هناك تأثر وتأثير. بل دخل بعض أبناء تلك الدول وهو لا يزال يحمل فلسفات عقائده.

س ـ في تاريخية نشوء المذاهب العقائدية الإسلامية ما مدى حضور العامل السياسي في نشأتها وانتشارها فيما بعد، تبعا لتبني (السلطان) لهذا المذهب أو ذاك؟

 ـ من أسباب الاختلاف الخلافات السياسية بين الصحابة وقد فتح هذا مجالًا كبيرًا للخلاف حول من الأحق بالخلافة؟ وهل وصّى رسول الله بالإمامة لأحد من بعده؟ وما حكم تولّي مرتكب الكبيرة؟ أهو فاسق أم كافر؟ وهل كان هذا الذي يجري بقضاء وقدر سابقين؟ أم أن الأمر أُنُفٌ؟ وهكذا تباينت الرؤى وامتزج فيها العقائدي بالسياسي. فهذا وعيدي، وذاك مرجئ، وذلك بين بين. وهذا عدلي، وذاك جبري، وذلك بين بين. تلك كانت فاتحة الخلاف الآتي، والمتشعّب، والمتفاقم بمرور الزمن. وتعددت المشارب، وتنوّعت التوجّهات.

تخلص المسلمين من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها لا تحله إلا السياسة الحكيمة. وظهر الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية. وتأسست بها توجهات عقائدية/ سياسية. ثم كلما كان يجري حدث سياسي هائل، تتوالد الفرق ويزداد الانشقاق، وتظهر مسائل لم يفكر فيها الصحابة ولا التابعون. من ذلك مثلًا محنة خلق القرآن، التي تولّاها ثلاثة خلفاء عباسيين، وأسهمت في تفرق جديد، وانشقاقات جديدة، وإذا بنا نسمع مصطلحات اعتقادية تصنيفية جديدة، فهذا واقفي (أي يتوقف فلا يقول مخلوق ولا غير مخلوق)، وذاك لفظي (يقول القرآن غير مخلوق ولكن ألفاظنا وحروفنا وأصواتنا به مخلوقة).

لا مجال هنا لتفاصيل كثيرة في هذا الأمر، ولكن باختصار: نعم، للعامل السياسي أثره المركزي في انتشار المذاهب العقدية والفقهية، فقد كانت الدول الإسلامية في التاريخ في مجملها دولًا مذهبية، فالدولة العباسية تارة تكون جهمية، وتارة زيدية، وتارة سنيّة، وتارةً أشعرية، ولا تنس الدولة الفاطمية الشيعية، والدولة المهدوية الأشعرية، ودولة المرابطين التي تعد سلفية، ودولة الزيدية الشيعية، ودولة عمان الإباضية. وعلى ذلك يقاس، والأمثلة كثيرة.

كان إذا تبنّى الخليفة، أو الملك الذي يكتسب شرعيته من الخليفة مذهبًا، ينتشر، ويقبل الناس عليه، لارتباط ذلك بالقضاء والوظائف العلمية، والأوقاف وغيرها. فقد أسهم الوزير السلجوقي نظام الملك على سبيل المثال في انتشار المدارس الأشعرية، التي استمرّت فيما بعد في دولة الأتابكيين، ثم الزنكيين، ثم الأيوبيين ثم المماليك. كل تلك الدول مثلًا اكتسبت شرعيتها من حيث هي دول سنية/ أشعرية، في مقابل الفاطميين/ الشيعة. وهكذا. فليس انتشار المذاهب لمجرد الاقتناع، بالضرورة، بل لذلك عوامل تاريخية، من أبرزها العامل السياسي.

س ـ ما هي السياقات التاريخية التي تشكل فيها مصطلح (أهل السنة والجماعة) وكذلك ما يوصف بـ"مذهب أهل الحديث"؟

 ـ هذا له قصة طويلة جدًا، كان المسلمون على مسائل الإجماع لا ينقّرون في دقائق العقائد وتفاصيلها، وكان النبي يقبل من الناس الشهادتين وقواطع الدين وينتهي الأمر بلا دخول في تفاصيل. عرف المسلمون معنى السنة أنها طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وتقريراته، لكن بحسب استقرائي واطلاعي، ظهرت منذ أواسط القرن الثالث الهجري متون تجمع مقولات محدّدة، من اعتقدها وقال بها فهو سنّي، ومن ذلك مثلًا أنه يجب عليه أن يعتقد أن القرآن غير مخلوق، وذلك بسبب المحنة التي أجبرت الناس على اعتقاد أن القرآن مخلوق.

 لم تطرح هذه المسألة في زمن الصحابة، وليس لهم فيها أي تصريح البتّة، لكنها مثلًا دخلت في عقائد سميت بعقائد أهل السنة، بل صار من لم يصرّح بأن القرآن غير مخلوق، واكتفى بأن يقول: "كلام الله"، جهميًا، في كفره قولان! أما خروجه من أهل السنة فلا مجال للشك فيه، هذا النوع من "التسنن" نوع جديد، ظهر في بغداد، ثم تطور بعد ذلك، وصارت أقوال معينة هي التي تحدد الانتماء، ثم تفاقم الأمر، فصار السنّي عند طائفة هو الذي يثبت قيام الحركات والحوادث بذات الله، وإن لم يعتقد ذلك فهو جهمي أو متجهّم، وعند طائفة أخرى هو الذي يثبت سبع صفات معنوية، ويؤول غيرها.

وهكذا صارت معايير "التسنن" مبنية على مثل هذه الأمور التي لا يفهمها عامة المسلمين، بل ربما لم تخطر للصحابة ببال، فضلًا عن دعوى إجماعهم عليها، والمقول هنا في عقائد أهل السنة، يقال بالضبط في عقائد المعتزلة والشيعة وغيرهم.

س ـ هل ما يُطلق عليه "مذهب أهل الحديث" في العقائد هو بالفعل مذهب واحد فيمكن القول إن كل مسائله واختياراته محل اتفاق عند كل من ينتسب لأهل الحديث؟

 ـ أهل الحديث مذاهب لا مذهب واحد، فمن المحدثين مرجئة، ومنهم قدرية، ومنهم شيعة، ومنهم ناصبة يبغضون علي بن أبي طالب، فكيف يقال إن أهل الحديث لهم مذهب واحد محدد؟ هذا من التخيلات التي لا يسعفها التاريخ. ظهر تعبير "اعتقاد أهل الأثر" أو "اعتقاد أهل الحديث" بحسب تقديري منذ أواسط القرن الثالث الهجري فما يليه. وانظر مثلًا ما نقله ابن قتيبة في كتابه عن مسألة اللفظ بالقرآن، حول اختلاف أهل الحديث في مسألة "اللفظ بالقرآن"، وكيف كفّر بعضهم بعضًا، بحيث تجاوز النزاع الانتماء إلى أهل السنة، بل صار حول الانتماء إلى الإسلام! هل بعد هذا يقال إن هناك اعتقادًا واحدًا يجمع أهل الحديث؟

س ـ إذا كانت تفصيلات كثير من المسائل الاعتقادية حدثت في أجيال متأخرة، ولم يعُرف عن الصحابة أنهم تكلموا في شيء من ذلك.. فمن أين جاءت دعاوى غالب الاتجاهات العقائدية الإسلامية بأن مذاهبهم ما هي إلا امتداد لما كان عليه الصحابة؟

 ـ كل دعاوى الإجماع تلك على غير المتواتر القطعي الذي يتفق عليه جميع المسلمين هي دعاوى لا يمكن إقامة الدليل عليها، وهذه حقيقة، هل كان الصحابي الذي يأتي مسلمًا يعقل معنى أن الذات الإلهية تقوم بها سبع صفات وجودية؟ أو كان يعقل أن الصفات هي عبارة عن أحوال لا موجودة ولا معدومة؟ وأن كلام الله قديم النوع ولكنه حادث الأفراد؟ هل كان يعي أي صحابي أسلَم بين يدي النبي هذه الأمور؟ قطعًا ويقينًا: لا، وكلا، فمن أين جعلها الجاعلون عقيدة إسلامية؟! كل الفرقاء يريدون نسبة أنفسهم إلى الصحابة، ولو سألت صحابيًا عن معنى تلك العقائد لحار في الجواب، ولربّما حمّلته ما لا يطيق، وقد أعجبتني كلمة قالها العلّامة صالح بن مهدي المقبلي في كتابه الشهير "العلَم الشامخ"، قال: "وكل واحدٍ ذهب إلى أي مذهب؛ قال: هو مذهب سلف الأمة"!.

س ـ لماذا لا يُقبل الخلاف والتنوع والاجتهاد في المسائل الاعتقادية كما يُقبل في المسائل الفقهية.. فيجري على الخلافات العقائدية الخطأ والصواب، وليس الحق والباطل، والضلال والابتداع؟

 ـ من تناقضات المتكلمين أنهم يقولون: "لا تقليد في أصول الدين"، أي إن أصول الدين محلّها الاجتهاد الفردي وإعمال العقل للوصول إلى الحق، ولكن المتكلمين أنفسهم، أعني الخط العامّ منهم، يرمون من لم يقلّد وأعمل عقله ووصل إلى نتائج مختلفة بأنه مبتدع، وقد يكون كافرًا، فلماذا لا تقولون: قلّدنا وإلا فأنت مبتدع؟ فيريحونا ويستريحوا؟

المسائل التي تسمّى "اعتقادية" نوعان: نوعٌ وردت به النصوص القطعية، مثل وحدانية الله وأنه قدير وعليم وكريم وحليم لم يلد ولم يولد، وأن النبي رسول الله، والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين، وغير ذلك مما يعرفه كل مسلم، هذه العقائد القطعية التي جاء بها النبي، هي التي لا يكون المرء مؤمنًا مسلمًا بدونها.

المذاهب العقائدية الإسلامية خارج الإجماعات القطعية اجتهادية تدور بين الصواب والتخطئة، وليس التفسيق والتبديع والتكفير. لكن المشكلة عند أصحاب المذاهب الاعتقادية، أنهم يجعلون فهومهم وهي في الغالب فلسفية عويصة وكلامية دقيقة من ذوات الاصطلاحات المعقدة، معيارًا للحكم بالابتداع. فهل هي عقائد إسلامية أصلًا؟ أم هي اجتهاداتهم لفهم الكتاب والسنة بما يتجاوز المتواتر الذي أجمع عليه عوام الأمة؟

كل هذا ليس من الدين حتمًا، ولئن كان من حق كلٍّ أن يجتهد إذا آمن بما يؤمن به الكافة، فعلام يزعم أن اجتهاده هو عين الدين وهو حقيقة الإسلام؟ لأنه إذا قطع بتلك الاجتهادات فلا مناص من أن تكون اجتهاداته هي الدين، ثم إذا قطع كل فريق باجتهاداته فقد أضحى لدينا عدة أديان لا دين واحد!

إذا علمنا إذًا أن أقوال أصحاب المذاهب الاعتقادية مما هو خارج دائرة المتواترات والإجماعات القطعية، إنما هو اجتهادات، فحق الاجتهادات أن تدور بين التصويب والتخطئة، لا بين التبديع والتكفير والتفسيق.

س ـ في تقديرك كيف يمكن للمسلمين التخلص من إرث المذاهب العقائدية وخلافاتها وصراعاتها وآثارها التي ما زالت تستحكم في عقول أتباع تلك المذاهب فتؤثر على ترتيب أولوياتهم، وتؤثر في طبيعة اهتماماتهم الدينية والدعوية؟

 ـ هذا أمر لا تحله إلا السياسة، انظر مثلًا حال الإخوة في السلطنة العمانية، كيف قضت حكمة السياسي فيها على كل خلاف اعتقادي وآثاره بين مكوّنات المجتمع فالكل مسلمون، والكل إخوة، والكل مواطنون عمانيون، لكن على النقيض لا يزال لدينا دول تتبنى عقائد دينية مذهبية تكتسب بها شرعيتها كأننا لا نزال في عهود المماليك، والخلاصة أن الحل كثيرًا ما يكون بيد السياسي قدّس الله سرّه!

أما طلاب العلم ونزاعاتهم الهوائية، فهذا خروج عن قضايا العصر تمامًا، وغياب تام عن تاريخ نشوء المذاهب وتطورها، وذهول شديد عن أن الإسلامي الذي فيها هو موطن إجماع الأمة، وهذا ما به الاشتراك، أما ما به الامتياز، فقضايا لم تحل منذ ألف سنة، وخذ منّي هذه البشرى السعيدة؛ لن تحل بعد ألف سنة! ما لم يعلم المسلمون ما به على الحق والحقيقة كان الصحابة مسلمين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الخلافات الحوار المسلمون مسلمون حوار خلافات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أهل السنة ولا حول

إقرأ أيضاً:

عوامل نهوض الأمة في مواجهة الأعداء من منظور خطاب السيد القائد

يمانيون../
سؤال أثاره السيد القائد في ضوء تجليات المرحلة وما يعصف بالمنطقة والعالم من متغيرات، وهو السؤال ذاته الذي يعيد تكراره على مسامع الأمة قادة وشعوباً من وقت لآخر: كيف لا يستغل العرب والمسلمون ما تمخض عن صمود غزة وما رافقه من تجليات إقليمية وعالمية تزيح الستار عما لم يكن في حسبان العدو في كل الساحات، بما فيها ساحة العدو وداعميه في أوروبا وأمريكا؟!

ولماذا يستمر الخذلان العربي الإسلامي للمقاومة، بينما عوامل كثيرة تظهر أن بإمكان العرب والمسلمين أن يستغلوا فرصة اليوم حيث تهيئ لعزة وكرامة أمة؟!

لقد لخص السيد القائد جملة عوامل هي في صالح الأمة لمواجهة مشروع سحق وتدمير العرب والمسلمين ومواجهة مشروع الصهيونية ونموذج اليمين المتطرف، حيث الإيمان بقتل وتشريد من طالته يد القتل من العرب والمسلمين، واستعباد من بقي منهم.

في عام ونصف من توحش صهيوني بغزة – أرهق أحرار الأمة بما فيه من دموية عدو، ومعه عون أمريكا وجزء من الغرب المتصهين، وحلف أعرابي – كانت التجليات تشير إلى أنه رغم ما حصل لسيف العروبة والإسلام من ثلم، إلا أنه بمقدوره أن يخوض معركته، حيث بشائر النصر تلوح في زحام الجرح وغضب الدم.

تناول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- العوامل التي رافقت حرب غزة وما مزجته من آلام وانتصار معًا، ولخصها في عوامل الصمود، والصحوة العالمية، وأزمات الداخل الصهيوني، وأزمات أمريكا العاصفة، والنموذج اليمني النهضوي المقاوم.

وبعرضه لهذه العوامل التي تظل روافع بناء، يشير إلى أنها كعناصر قوة تهدر حتى اللحظة؛ بدءًا بالصمود الفلسطيني الأسطوري للمقاومة والشعب معًا، والصحوة العالمية التي خرجت لتساند الحق الفلسطيني في كل أصقاع العالم، وما صاحبها من إعادة رسم الصورة الحقيقية للعدو الإسرائيلي الدموية في الذهنية الغربية، كذلك الأزمات المعقدة التي تعيشها أمريكا الداعم والشريك الرئيسي للكيان في حرب الإبادة بغزة وأحد أسباب استمرار مآسي العرب وتعطيل مشروع النهضة العربية.

النموذج اليمني المقاوم، برز بقوة إلى واجهة المشاريع التحررية، كأيقونة من أيقونات النضال العالمي، الذي جمع في تركيبته جانبًا فكريًا مقاومًا وجانبًا عمليًا يمثل عنصر القوة المادي، والمفترض أن يكون نموذجًا وباكورة يستند عليها أي مشروع نهضوي عربي إسلامي، في ظل مبادرة اليمن بعرض مساعداته للدول والشعوب العربية الإسلامية، والاستعداد لنقل تجربته الرائدة لشعوب الأمة، بعد أن حققت ما حققته من نجاح في مواجهة الهيمنة والاستكبار الأمريكي، والمشروع الصهيوني العالمي.

والواقع أن هذه العوامل برزت كفرص في صالح الأمة، لكن لا أحد بادر للأخذ بها من قادة هذه الأمة التي تبدو غير مكترثة بالمصير الذي يبشر به الصهاينة (الذبح) لأمة الإسلام.

عامل الصمود الذي برز في عام ونصف من عدوان صهيوني متوحش على قطاع غزة، هو في حد ذاته أحد روافع تحقيق النصر وكسر شوكة العدو الإسرائيلي، إذا ما عززت الأمة حضوره بالدعم والإسناد. لقد كان الصمود “الأسطوري” للمجاهدين في غزة، كما -يقول السيد القائد- هو في حد ذاته عامل من عدة عوامل مساعدة يجب أن تشجع الأمة على النهوض بمسؤوليتها.

فالمقاومة بهذا الحضور الفاعل كان تأثيرها واضحًا، وانعكس في اتجاهات ومستويات عدة، ففي الساحة الداخلية، مثل الصمود عامل ضغط ما زال يفعل فعله داخل كيان العدو، ومعه اتسعت رقعة الخلافات السياسية والاجتماعية والدينية بين المغتصبين، وهذا واضح جدًا فيما يتعلق بخلافات قادة العدو، حيث تتعالى الأصوات من أن هذا النهج الصهيوني والذي يقابله صمود فلسطيني، يقود العدو الإسرائيلي إلى الهاوية، بينما يتسع الشرخ داخل المجتمع الصهيوني، في ظل استمرار أزمة الأسرى التي تؤجج مزيدًا من النار، بينما تتآكل الثقة بقادة الكيان المحتل، وصولًا إلى مستوى الاستنزاف الذي يقرب هذا الكيان من حافة الهاوية ثم السقوط في حرب أهلية، كثير من القراءات تتوقعها من حين لآخر.

لهذا جاء تساؤل السيد القائد: أما كان هذا “الثبات العظيم عامل قوة مهم يفترض أن يُبنى عليه تحرك ودعم”؟!

ما يمكن أن نسميه “صحوة عالمية” كان عاملًا قويًا وما يزال إن أمكن أن يبنى عليه مشروع نهضة عربية إسلامية، قد لا يتكرر في هذه المرحلة.

هذه الصحوة، بحسب السيد القائد، “أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة اهتمام العالم”، وأصبحت مادة لاختبار “إنسانية” العالم والتزامه بـ”مبادئ حقوق الإنسان”، ضمن شعارات الحرية والمساواة والعدالة التي رفعها الغرب كشعار جديد لأوروبا والغرب المتحضر، الأمر الذي كان يفترض من قادة الأمة ومفكريه ونخبه البناء عليه، حيث أصبحت الشعوب في مختلف العالم تنظر إلى الكيان الصهيوني “أنه مجرم ظالم محتل يرتكب الإبادة الجماعية”، ووصلت هذه الصحوة الإنسانية إلى الساحة الأمريكية نفسها، حيث إن أكثر من نصف الأمريكيين، بحسب استطلاعات الرأي هناك، لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، والأمر كذلك في أوروبا.

وخلال فترة حصار غزة منذ 2007، أتاحت الهوامش الديمقراطية الغربية مجالًا لحراكات إنسانية لدعم غزة، مثل سفن كسر الحصار على سبيل المثال، لكنها لا تصل إلى ما وصل إليه الحراك الشعبي المؤيد لفلسطين منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم. بحسب الاستطلاعات الأمريكية مؤخرًا، هناك تنامي في مشاعر معاداة اليهود، وهي كذلك في الغرب الأوروبي.

ومن العوامل التي يذكرها السيد القائد للأمة على أنها فرصة للعرب والمسلمين للأخذ بها والبناء عليها، ومنها في إطار الصحوة ومناهضة المشروع الصهيوني، أن “بعض الأنظمة الأوروبية والأمريكية اللاتينية أعلنت عن مواقف متقدمة نسبياً متضامنة مع فلسطين”,

و يمكن إدراك أن هذا الموقف العالمي هو الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني والأقرب لإنصاف القضية الفلسطينية من أية مرحلة أخرى”.. لهذا يستغرب السيد القائد كيف لا يستثمر قادة هذه الأمة هذا العامل المهم، فيما الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أي وقت مضى للوقوف مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يُستثمر هذا من أجل مشروع إنقاذ الأمة وبناء مشروعها الحضاري؟

إن التخاذل الحاصل في واقع الأمة، والذي سببه قادتها أولاً ونخبها ثانياً، لن يدوم طويلاً، فتاريخ الأمة يقول لنا إن هذه الأمة سرعان ما تنفض ضعافها من قادة وزعامات، ثم تستعيد موقعها، وهذا التوقيت في سياق الأحداث وتطوراتها لن يطول، بل سيجبرون عليه وإن كلفها كثيراً من التضحيات.

المسيرة : إبراهيم العنسي

مقالات مشابهة

  • برهوم ينتقد عجز ملياري مسلم عن تقديم دعم حقيقي لغزة
  • القليب يشارك في احتفالات مجلس الأمة التركي  
  • هل يجوز للمريض جمع صلاتين؟.. الإفتاء تفند رأي المذاهب الأربعة
  • وكيل الأزهر: عقول الشباب وأجسادهم مستهدفة
  • غازات المعدة والانتفاخ.. أسبابها وطرق التخلص منها
  • عوامل نهوض الأمة في مواجهة الأعداء من منظور خطاب السيد القائد
  • باحث: حظر جماعة الإخوان في الأردن جاء بعد إجراءات كثيرة .. فيديو
  • حكم من ترك الجهر في الصلاة الجهرية.. هل يؤثر في صحتها؟.. أزهري يجيب
  • عربي21 تستعرض تاريخ 80 عاما من العلاقة بين الإخوان والدولة في الأردن
  • الحرب النفسية وتداعياتها