قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الله عز وجل قال {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنك إذا أردت أن يُستجاب الدعاء، وأن تصل إلى نجاح الطلب الذي تطلبه، والرغبة التي ترغب فيها، فيجب عليك أن تطلبها من ربك. وكان النبي ﷺ دائمًا يقول: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ»، يعيش دائمًا تحت سلطان الله، وتحت أمر الله سبحانه وتعالى.

يُعلمنا سيد الخلق المصطفى المختار ﷺ أن الأمور إنما نطلبها بالله رب العالمين.  

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما يسأل أحدنا أخاه في شيءٍ من أمور الدنيا، فيقول له: بالله عليك تفعل كذا، كان سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه عندما يسمع هذا، وعندما يأتيه الشخص ويقول له: بالله عليك تفعل كذا، فإنه يفعله. وكان بعضهم يقول له: هذا يخادعك، فكان يقول: مرحبًا بمن خدعني في الله، وخدعني بالله. يعني ما دام قال بالله عليك تفعل لي كذا، فإنه كان يبر قسمه تعظيمًا لله سبحانه وتعالى.  

فإذا أردت إنجاح مقاصدك ومطالبك في الدنيا، فعليك أن تطلبها بالله. وقد تطلب بالله من البشر. فإذا طلبت من الله سبحانه وتعالى، فهذا معناه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ أنك أفردت قلبك، وأخليته من كل توجهٍ وكل اعتمادٍ على غير الله سبحانه وتعالى.

هذا كله يحتاج منا إلى تربية، وإلى تدريب، وإلى أن نعيش هذه المعاني. لأننا لو عشناها، لوجدنا لها لذة، ولوجدنا لها أثرًا في الدنيا. يعني قضية الدعاء هذه قضية كبيرة جدًا، وتزيد من الإيمان. لأنك عندما يستجيب الله تعالى دعاءك، تجد أنه قد ثبتك في الإيمان، وحبّبك فيه. وتجد طريقةً هي طريقة مهمة في قضاء الحاجات في هذه الحياة الدنيا.  

دائمًا عندما نسأل الله بذاته، أو نسأل البشر بربنا سبحانه وتعالى، أو حتى نستعين بذلك في أنفسنا، نجد أن الأعمال قد تحققت. هذا دليلٌ آخر على وجود الله. وهذا دليلٌ آخر يسألنا عنه الملاحدة، ويقولون: أنتم لماذا تؤمنون بالله كل هذا الإيمان؟ ولماذا لا نؤمن نحن؟ وتأتي الإجابة بهذه الكلمة: أننا لنا تجربة مع الله سبحانه وتعالى.

نصلي فنشعر براحة، نذكر الله فنشعر براحة، ندعو الله سبحانه وتعالى فإذا به يستجيب. نلتجئ إليه في مناجاة فإذا به يتم المقصود، ويتم بصورة غريبة عجيبة.  

هذا هو الذي يجعلنا نتمسك كل يوم، ويزيد إيماننا كل يوم. فيقولون: نحن لم نجرب هذا، لم نصلِّ، لم نذكر، لم ندعُ. ولكننا بعقولنا هكذا نريد أن نتفلت، نريد ألا يكون علينا تكليف.  

هذا هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن. المؤمن توكل على الله، ومن تجربته الروحية والعملية كل يوم يرى الله سبحانه وتعالى، وكل يوم يزداد إيمانًا، وكل يوم يشعر بصدق هذا الوحي. فعندما ينظر إلى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} يجد قلبه فعلًا يطمئن بذكر الله. عندما يجد أن الإيمان له حلاوة في القلب، عندما يجد أن غض البصر له حلاوة في القلب، عندما يجد أن الخشوع في الصلاة له حلاوة في القلب، فإنه لا يستطيع أن يترك كل هذا من أجل قول قائلٍ لم يجرب.  

{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني أنه سبحانه كفايته. حسبنا الله ونعم الوكيل معناها: كفايتي ربي،  فهو الذي يكفيني، وهو الذي يستجيب دعائي، وهو الذي يحقق مطلوبي، وهو الذي يصلني إلى مقصودي. فهو سبحانه وتعالى قبل كل شيء، ومع كل شيء، وبعد كل شيء. هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وبكل شيء محيط.  

ربنا سبحانه وتعالى عندما يستجيب دعائي، وعندما أيضًا يسارع في تحقيق هواي – وهذه درجة أعلى – فعندما تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها لسيدنا رسول الله ﷺ: «أرى الله يسارع في هواك»، يعني ينفذ الشيء قبل أن يطلبه وقبل أن يدعوه.  

هذا حال الذاكرين المعلقة قلوبهم بالله رب العالمين، حال الذاكرين الذين يقال عنهم في الحديث القدسي: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أحسن ما أعطي السائلين». هذه الحالة، حالة المبادرة من الله سبحانه وتعالى قبل الطلب، تتأتى بإخلاص العبادة، وبأننا يجب أن نطلب من الله، بالله رب العالمين.  

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التوكل على الله التواكل على جمعة المزيد الله سبحانه وتعالى کل شیء کل یوم

إقرأ أيضاً:

عندما يغيب والدك عن صلاة التراويح

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

مع حلول رمضان شهر الرحمة والغفران والقرآن، يعود إلينا عبق الذكريات، وتمتلئ المساجد بالمصلين، وتصدح المآذن بخشوع التراويح، لكن هناك وجوهٌ لم تعد بيننا، وأرواح افتقدناها في هذه الليالي المباركة.

كنتُ صغيرًا حين كنتُ أمسك بيد والدي في طريقنا إلى المسجد لأول مرة في حياتي لأداء صلاة التراويح، كأني ما زلت أراه يبتسم لي بحنان، ويعلّمني كيف أضبط نية الصيام، وكيف أخشع في الصلاة، والآن، وأنا أقف بين الصفوف، التفت حولي فأبحث عنه، عن هيبته بين الرجال، عن صوته الهادئ وهو يردد "آمين"، عن دعائه الطويل بعد كل قيام، لكنه مع الأسف لم يعد هنا ولم يعد موجوداً بيننا فقد غيبه الموت وودع هذه الدنيا ورحل.

مضت سنوات منذ أن رحل أبي عن دنيانا وغيّبه الموت، لكن حضوره كما كان، لم يتلاش، وأراه في كل سجدة، وأسمع صدى صوته في آيات الإمام، وأشعر بظلّه يرافقني حين أخطو نحو المسجد وحدي من دونه هذه المرة. كم أفتقد دعواته الصادقة وهو يرفع يديه إلى السماء، كم أشتاق لكي أقبل رأسه كما أعتدت كلما أراه، كم أشتاق ليديه تمسحان على رأسي بعد الصلاة، ولتلك اللحظات التي كنتُ ألتصق به، أقتدي به، أتعلم منه كيف يكون الإنسان قريبًا من الله ومحباً للصلاة، فقد كان أبي معلمي الأول وعضدي وسندي، ودعائي الأول، ومدرستي في الحياة.

لكن الغياب لا يقتصر على أبي وحده؛ بل يمتد إلى وجوهٍ أخرى كانت جزءًا من روح الجامع، أولئك الآباء من الرعيل الأول من رجالات الحارة، الذين كانوا يسبقون الجميع إلى الصفوف الأولى، يبتسمون للصغار، في الإفطار يتبادلون التمر والماء قبل الأذان، ويحيطون المكان ببركة أحاديثهم الطيبة، وكنّا نراهم؛ بل كنَّا نشعر بوجودهم كجزءٍ من طقوس رمضان، لكنهم رحلوا واحدًا تلو الآخر، وأصبحت أماكنهم فارغة، كأنها ترفض أن يملأها غيرهم.

في كل ليلة من ليالي التراويح، نشعر بأننا نصلي مع أرواحهم نلتفت يمينًا ويسارًا، نعتقد أنهم ما زالوا هنا موجودين بطريقة ما، في دعائنا، في دموع الخشوع التي تنزل كلما تذكرناهم، في تلك اللحظات نتمنى فيها لو يعود الزمن ولو لركعة واحدة نصليها بجانبهم، فهم لم يكونوا مجرد عدد من المصلين؛ بل كانوا جزءًا أصيلا في حياتنا جزءًا من أرواحنا؛ بل الأغلى منها، وكانوا كذلك جزءًا من دفء رمضان، ومن طمأنينة القلب في الدعاء والابتهال الى الله في طلب الرحمة والمغفرة.

في الختام.. رحمك الله يا أبي، كم افتقدك كثيرًا في كل وقت وكل حين، فأنت كنت من يُضيء لي هذه الحياة، وكم هي قاسية تلك السنين التي أتت من بعد فراقك، وكم هو إفطار رمضان ينقصه الكثير بغيابك وسيظل المكان الكبير الذي تملأه في قلبي فارغًا ما حييت.

رحم الله كل من غاب عن هذه الدنيا لكنه بقي حيًّا في قلوبنا، وأسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته، في جنات الخلد؛ حيث لا فراق، ولا حزن، ولا وداع.

ورمضان كريم، وتقبل الله صيامكم وقيامكم.

مقالات مشابهة

  • كانت 50 وأصبحت 5.. أحمد عمر هاشم يكشف أسرار فرض الصلاة على المسملين
  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!
  • هل صلاة الفجر غير صلاة الصبح ؟.. الإفتاء توضح
  • في أمان الله
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد 1446هـ
  • الإقلاع عن التدخين بمناسبة الشهر الفضيل
  • عندما يغيب والدك عن صلاة التراويح
  • في محاضرته الرمضانية السابعة: قائد الثورة: نحن بحاجة دائمة إلى رعاية الله سبحانه وتعالى وبدونها ينتهي الإنسان
  • ما مفهوم القلة والكثرة في القرآن؟ ومتى تكون محمودة ومذمومة؟
  • سر استجابة الدعاء سريعا.. 4 أمور اغتنمها في أول جمعة من رمضان