البرش.. صلابة حكيم في شمال غزة الدامي (بورتريه)
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
يرفض أن يغادر "ميدان الشرف"، بحسب قوله، رغم المجاعة والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.
يواصل الحمد والشكر على النعماء والضراء، لأن "العيش في غزة هاشم يكفي للحمد.. صابرون لا يهمهم من خالفهم"، كما يقول.
ابن جباليا شمالي قطاع غزة، حيث ولد منير البُرش في عام 1971، وفيها تلقى تعليمه الأساسي.
التحق بجامعة "ياش" برومانيا وحصل منها على بكالوريوس في الصيدلة، ثم حصل على درجة الماجستير في الإدارة والسياسات الصحية من جامعة القدس الفلسطينية.
وقبل توليه منصب المدير العام لوزارة الصحة، تنقل في العديد من المناصب الحكومية، منها منصب المدير العام للصيدلة لمدة 12 عاما.
عرف البرش بنشاطه المجتمعي والخيري الواسع، حيث يرأس مجلس إدارة "الجمعية الوطنية للتطوير والتنمية"، وهو رئيس مجلس إدارة "مؤسسة نماء للتنمية والتطوير"، و مجلس إدارة "كلية نماء للعلوم والتكنولوجيا"، ومجلس إدارة "نادي نماء الرياضي"، و مجلس إدارة "دار القرآن الكريم" في جباليا، ومدير مكتب "الندوة العالمية للشباب الإسلامي".
برز خلال الحرب الهمجية والمتوحشة والموحشة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كأحد أهم الوجوه التي تكافح الاحتلال وتكشف جرائمه، رغم المخاطر الشديدة التي تواجهه، وخاصة خلال حصار مستشفى الشفاء.
وعقب خروجه مجبرا من "الشفاء"، واصل البرش نضاله وكفاحه وصموده الطبي والإنساني، حيث توجه إلى مشافي شمالي قطاع غزة، وخاصة المستشفى الإندونيسي ومستشفى كمال عدوان، وظل صوت غزة الذي لم يهدأ.
وقف بشجاعة نادرة لدى وصول الدبابات الإسرائيلية إلى مداخل المستشفى، قصف عنيف لسطح المستشفى مستهدفا ألواح الطاقة الشمسية بهدف قطع التيار الكهربائي عن المجمع الطبي، ثم استهداف كل من يتحرك بالقرب من النوافذ.
وحين اتصل أحد ضباط الاحتلال بالدكتور البرش مبلغا إياه أن الجيش سيقتحم المستشفى بعد قليل، طالبا منه النزول لمقابلته، رفض وقال له "لن أسلمك رقبتي لتقتلني في الخفاء، إذا أردت أن تقابلني أنا موجود في الأعلى".
كان البرش حينها على الهواء على قناة "الجزيرة مباشر" ومع رغبة البرش في إنهاء المداخلة لورود اتصال جديد من الجيش، سأله المذيع كيف نطمئن عليكم؟ أجابه البرش سريعا: "إذا بقينا أحياء سنتواصل، وإذا استشهدنا نلتقي في الجنة".
اقتحم الجيش المستشفى، قتل واعتقل المئات، وأجبر من تبقى على النزوح نحو جنوب القطاع، لكن البرش توجه إلى الشمال والتحق بمستشفى كمال عدوان ليمارس عمله، وما هي إلا أيام قليلة حتى شن الاحتلال هجوما على المستشفى.
غارات لإرهاب الجرحى والنازحين والفرق الطبية، ثم حصار، قبل قيام جرافات جيش الاحتلال بتدمير خيام كان يتواجد بها جرحى في ساحة المستشفى، ثم جرفها بمن فيها تحت الركام، شهود العيان نقلوا أن أصوات صراخ الجرحى كانت تملأ آفاق الساحة أثناء دهس جرافات الاحتلال لأجسادهم المنهكة قبل أن تدوسهم الجرافات.
بعد خروج مستشفى كمال عدوان عن العمل، توجه البرش إلى مركز طبي في مخيم جباليا لإكمال رسالته، بعدها بأيام، بدأ الاحتلال اقتحام جباليا، وكما جرت العادة، كان أول ما يريد الجيش تدميره هو المراكز الطبية، وقاموا بحرق المركز الطبي.
ودفع الدكتور البرش ثمن صموده وتحديه لجيش الاحتلال بأن أصيب بجروح مع جميع أفراد عائلته، واستشهدت ابنته جنان في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في جباليا في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وظهر البرش في مقطع مصور وهو يعانق ابنته الشهيدة، رغم إصابته وعدم قدرته على الحراك، في لحظات مؤلمة انتشرت بشكل واسع في منصات التواصل الاجتماعي.
وقال البرش خلال وداعه ابنته: "هذه ابنتي نامت بحضني وفدتني بروحها".
وأضاف "اللهم هذه ابنتي وهبتها إليك. هذه ابنتي حفظت كتاب الله وكانت تريد أن تسرد القرآن على جلسة واحدة في صفوة الحفاظ. أخذتها شهيدة فاقبلها يا رب".
واضطر البرش لاستخدام الكرسي المتحرك، بعدما تعرض لكسر في الفقرة الرابعة في العمود الفقري، الأمر الذي استدعى تدخلا طبيا وعملية جراحية استمرت 6 ساعات متواصلة.
ونقل إلى إحدى النقاط الطبية بعد ما حطم جيش الاحتلال جميع مرافق المنظومة الصحية في شمال غزة.
ويشن الجيش الإسرائيلي، وفق مؤسسات صحية وحقوقية، حملة شرسة وممنهجة ضد مستشفيات غزة والقطاع الطبي بكامله، وأخرج كامل القطاع من الخدمة، منذ بداية حربه على غزة، ما جعل مئات الآلاف من الجرحى والحوامل والأطفال والمرضى المزمنين، بلا خدمات صحية.
وهناك أكثر من 25 مستشفى من أصل 38 دمرها الاحتلال وأخرجها عن الخدمة، في الوقت الذي أصبحت فيه محافظة الشمال خاوية كأنها أطلال.
يكشف البرش أن الاحتلال يستخدم أنواع من الأسلحة في شمال قطاع غزة للمرة الأولى "تجرب علينا أسلحة لا نعرفها، تلقي قنابل بأصوات مرعبة وعندما يقترب منها الشخص مسافة 200-300 متر يتبخر الشخص".
وأضاف بأن هذه الأسلحة عندما تلقى على بنايات سكنية تجعلها قطع صغيرة وفتاتا "نحن نحتاج إلى لجنة تحقيق دولية حتى تكشف لنا ماذا تفعل إسرائيل بنا". كما يقول البرش.
ولا يتوقف البرش أبدا عن الحديث عن مستشفى كمال عدوان ومديره الدكتور حسام أبو صفية المعتقل في "سدي تيمان" المسلخ البشري بصحراء النقب. كاشفا بأن الاحتلال خدع المنظمات الدولية وأوهمها بإدخال مساعدات لمستشفى كمال عدوان قبل اقتحامه.
وأكد أن الاحتلال اعتقل الدكتور أبو صفية بعد ضربه بشكل مبرح وبشكل وحشي وأجبره على خلع ملابسه، كما استخدم الاحتلال مدير المستشفى درعا بشريا بعد أن ألبسوه ملابس الاعتقال.
ولا يعرف حتى الآن مصير 10 من الكوادر الطبية في مستشفى كمال عدوان الذين اعتقلوا مع أبو صفية. كما أن هناك أشخاصا كانوا في المستشفى استشهدوا حرقا بعدما حاولوا إخماد النيران بأقسامه.
البرش يحذر من أن الاحتلال يعمل الآن على إخلاء المستشفى الإندونيسي بعد أن دمر البنى التحتية فيه، وأخرج ما يقارب 30 مريضا منه.
وبدعم أمريكي يرتكب الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 153 ألف شهيدا وجريحا، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
ويواصل الاحتلال مجازره متجاهلا مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بينما وصفته الأمم المتحدة وسلطات القطاع بأنه "كارثة إنسانية غير مسبوقة".
البرش لم يفقد إيمانه أو صلابته برغم قسوة الظروف والأوضاع التي لا تطاق حين نصفها فكيف بالمعاناة اليومية لنحو 2.0 مليون فلسطيني يعانون أهوالها منذ أكثر من 14 شهرا.
ويصف البرش المعاناة بغزة بشكل أكثر دقة ووجعا: "بينما يموت أطفال غزة من البرد، ينعم أطفال العالم بالدفء".
ويشكو النازحون في هذه المنطقة المفتوحة المطلة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط من الأجواء الباردة جدا خلال فصل الشتاء.
ويعاني النازحون داخل الخيام المصنوعة من القماش والنايلون من ظروف معيشية قاسية جراء شح مستلزمات الحياة الأساسية والملابس والفراش والأغطية، حيث تتفاقم مع فصل الشتاء.
ويدرك الدكتور منير البرش تماما بأن مصيره لن يختلف عن مصير رفاقه، حيث قتل الاحتلال أكثر من 1000 من العاملين في القطاع الصحي. لكنه يجد نفسه أمام اختبار الإيمان وحسن الظن، أمام لحظة الحقيقة التي تبقى خالدة على مر الزمن، وهي البقاء بين شعبه حتى النصر أو الشهادة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الفلسطيني غزة البرش الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال المستشفيات البرش بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مستشفى کمال عدوان أن الاحتلال مجلس إدارة قطاع غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
موت بطيء.. معركة حياة لمرضى السرطان في غزة وسط الدمار
مع استمرار العدوان الإسرائيلي والحصار المفروض على قطاع غزة، تتفاقم معاناة مرضى السرطان الذين وجدوا أنفسهم بلا علاج، وسط انهيار النظام الصحي ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، والمستشفيات المدمرة، وانعدام الخيارات العلاجية، وإغلاق المعابر.
وداخل مستشفى غزة الأوروبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يرقد مرضى السرطان في أجنحة تعاني نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وسط حصار الاحتلال الإسرائيلي خانق ومنع تام لسفر المرضى للعلاج، مع عملية الإبادة والتطهير العرقي التي ترتكبها تل أبيب بدعم أمريكي.
على أحد أسرة المستشفى، تجلس الفلسطينية أم سامر بجوار طفلها الصغير سامر عصفور، الذي يواجه سرطان الدم بجسد نحيل ووجه شاحب، بلا علاج أو رعاية صحية مناسبة.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في منشور على إكس، إن "مخزون الإمدادات الإنسانية آخذ في النفاد بقطاع غزة، والوضع يزداد سوءا، ويجب إنهاء الحصار الإسرائيلي والسماح بإدخال المساعدات".
وقالت الأم، وهي تحاول كتم دموعها وبجانبها طلفها: "طفلي يعاني سرطان الدم، ووضعه الصحي سيئ للغاية، لديه نقص حاد في المناعة ولا يتوفر علاج له".
وترفع الفلسطينية صوتها بنداء عاجل إلى المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية لإنقاذ طفلها الوحيد قبل فقدان حياته.
غير بعيد عن سرير سامر، يرقد خالد صالح أحد مرضى السرطان الذين توقفت رحلتهم العلاجية بسبب الإبادة وتدمير المنشآت الصحية، وعلى رأسها المستشفى التركي الفلسطيني في غزة، الذي كان يعد المركز الوحيد المختص بتقديم العلاج الكيميائي.
وقال خالد بصوت ضعيف: "كنا نتلقى علاجنا في المستشفى التركي بغزة، وهو أهم مستشفى وكانت إمكاناته ضخمة، لكن كل شيء انتهى بعد تهجير المرضى واعتقال الأطباء، ولم تعد العلاجات متوفرة".
وأوضح أنه انتقل إلى مستشفى غزة الأوروبي، وهو الآن الملاذ الأخير لمرضى السرطان.
ولفت إلى أن المستشفى يعاني نقصا في الأدوية وأجهزة الفحص، ولا سبيل أمامنا سوى السفر لتلقي العلاج في الخارج، لكن المعابر مغلقة بسبب الإبادة الإسرائيلية.
الاحتلال ينسف ويدمّر مستشفى الصداقة التركي، المستشفى الوحيد لرعاية مرضى السرطان في غزّة. pic.twitter.com/1igDRpocbX — Meqdad Jameel (@Almeqdad) March 21, 2025
وفي 2 آذار / مارس الماضي، أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابر غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية للقطاع، ما تسبب في تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية.
من جانبه، أكد رئيس قسم الأورام السرطانية في مستشفى غزة الأوروبي الدكتور موسى الصباح، أن المستشفى هو الوحيد حاليا في القطاع الذي يقدم خدمات طبية لمرضى السرطان.
وأوضح، أن المستشفى يفتقر إلى العلاجات الكيماوية الأساسية، والأدوية التلطيفية، وحتى بعض الأجهزة الحيوية لم تعد تعمل، وهناك مرضى حالتهم تتدهور.
ولفت الصباح إلى أن إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر يمنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، ويحول دون خروج المرضى للعلاج في الخارج، في ظل تصاعد الإبادة.
والأحد، أعلن وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش، نفاد 59 بالمئة من الأدوية الأساسية، و37 بالمئة من المستلزمات الطبية.
وحذر خلال لقائه بغزة منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة بالإنابة سوزانا تكاليتش، من أن القطاع الصحي وصل إلى "مستويات خطيرة وكارثية"، وسط الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي.
مستشفى الصداقة التركي المخصص لعلاج مرضى السرطان في قطاع غزة تحول إلى "ثكنة عسكرية اسرائيلية" على محور نتساريم.
نفس العدو الذي اتهم المقاومة باستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية!! pic.twitter.com/SJnbPOqaEJ — #القدس_ينتفض ???????? (@MyPalestine0) May 3, 2024
ومنذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، دمر الاحتلال الإسرائيلي 34 مستشفى من أصل 38، منها حكومية وأهلية، تاركة 4 مستشفيات فقط تعمل بقدرة محدودة رغم تضررها، وسط نقص حاد بالأدوية والمعدات الطبية، بحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
كما أخرجت الغارات الإسرائيلية 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، إلى جانب تدمير 162 مؤسسة طبية أخرى.
وبدعم أمريكي مطلق يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
مريض سرطان يتلقى جرعات العلاج "الكيماوي" أمام المستشفى جنوب قطاع غزة في ظل انعدام الإمكانات واستمرار معاناة مرضى السرطان والأمراض المزمنة pic.twitter.com/Htxhni5p5x — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) March 27, 2025
ومطلع أذار / مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 كانون الثاني / يناير الماضي، وتنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من بدء مرحلته الثانية.
وسعى نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، لإطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين بغزة دون تنفيذ التزامات المرحلة الثانية، ولا سيما إنهاء حرب الإبادة والانسحاب من القطاع بشكل كامل.