آخر تحديث: 4 يناير 2025 - 8:43 صبقلم: سمير داود حنوش هل ثمة إمكانية لأخذ العبرة من التاريخ بعد أن أصبحت الديمقراطية في العراق فضيحة؟ يخبرنا التاريخ السياسي لهذا البلد بأن أصحاب السلطة دائمًا ما كانوا تلاميذ سيئين، بل حمقى في استلهام الدروس من الماضي، ليتحول بعدها الحاضر إلى فصل دراسي مكرر وممل ونسخة مشوهة أو مستنسخة من الماضي بعد أن تتم إعادة تدوير الاستبداد.

المعارضون لذلك الماضي وتكراره لمرات عديدة، هل فهموا اللعبة؟ لا نظن ذلك، فما إن يبلغوا مرحلة النضج والحكمة والوعي بحقائق التاريخ حتى تكون الفرصة قد ضاعت من بين أيديهم.الحرية والديمقراطية وحرية الرأي ما هي إلا إكسسوارات ما بعد عام 2003 لكل الحكومات المتعاقبة من أجل تجميل الدكتاتورية الجديدة.ملخص الحكاية أن التاريخ الاستبدادي في العراق يعيد نفسه مرات عديدة، لكن الفرق هو أن قبل 2003 كانت الدكتاتورية تتلخص في الحاكم الأوحد، أما بعد 2003 فقد تعددت الدكتاتوريات وتوزّع الاستبداد والتنكيل ما بين السلطة وأدواتها القمعية وميليشيات مسلحة وسلاحها المنفلت. رأينا ذلك البطش والقتل في ساحة التحرير خلال تظاهرات الشباب المنتفض عام 2019، وكيف اخترقت الدخانيات الحارقة رؤوسهم الطرية وتحولت الرصاصات المطاطية إلى إطلاقات نارية استقرت في قلوب الفتيان والفتيات، حين كانت السلطة تتهم “الطرف الثالث” بالقتل متناسية أنها المسؤول الأول عن حياة أولئك المتظاهرين.الصحافيون في العراق عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا مروجين للسلطة ويستفيدوا من مغانمها وهباتها أو مطرودين من نعيمها تلاحقهم الدعاوى القضائية بسبب نقدهم للفساد وطغيان المتنفذين يأتي بعدها سلاح الكاتم للفاسدين وأذرعهم في إسكات أي صوت حر يطالب بالقصاص واجتثاث الفساد، فطوال عقدين من احتلال بغداد كانت وسائل الإعلام المختلفة تضج بقصص ضحاياها من صحافيين وإعلاميين وكتّاب تضرجت شوارع العراق وأرصفته بدمائهم الزكية بعد أن اغتيلوا في لحظة غدر خفافيش الظلام.لا تزال جريمة اغتيال الصحافيين في انتفاضة 2019 التي اندلعت ضد الفساد وسوء الأوضاع الاقتصادية ماثلة، ومنهم الصحافي أحمد عبدالصمد والصحافي رائد الفهد اللذان قُتلا في محافظة البصرة أثناء تغطيتهما للاحتجاجات، وغيرهم من عشرات الناشطين الذين كان من بينهم إيهاب الوزني الذي تم اغتياله في كربلاء 2021، ولا ننسى هشام الهاشمي الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية والباحث في قضايا الميليشيات والتنظيمات المسلحة المدعومة من إيران الذي اغتيل أمام منزله في منطقة زيونة في بغداد من قبل مسلحين مجهولين على دراجات نارية، ليكون ذلك الاغتيال رسالة تحذير لكل من يتجرأ على انتقاد تلك الميليشيات وترسيخ مفهوم إسكات الأصوات المعارضة، ولم يغفل سجل الأحداث عن دعوى الكاتب سمير داود حنوش المؤجلة منذ سنين في أروقة القضاء بسبب الفساد وتسلط متنفذين ومحاولات كيدية لمنع القضاء من أخذ دوره بمحاكمة الذين تسببوا في بتر إحدى قدميه. لا يختلف واقع حكومة محمد شياع السوداني عما سبقه من الحكومات سوى أن الأخير بدأ يستخدم سيف القضاء للتنكيل بكل الأصوات المنتقدة والرافضة للسياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومة، بل وصل الحال بالحكومة إلى أنها بدأت تضيّق الخناق إلى درجة قطع أرزاق الصحافيين والإعلاميين على اعتبار أن قطع الأرزاق أفضل من قطع الأعناق، لذلك قامت بطرد الإعلامي والمدرّس قصي شفيق من القناة الفضائية والجامعة التي يعمل بها بدعوى أن منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي تُثير استفزازات السلطة لما تحويه من حقائق ومعلومات، علمًا أن صاحب قرار الفصل هو وزير التعليم العالي الذي ينتمي إلى عصائب أهل الحق. ولم تتوقف سلسلة الفصل والطرد وقطع الأرزاق؛ فقد قامت شبكة الإعلام العراقي، التي من المفترض أن تكون حيادية في عملها وألا تخضع للحكومة، بتوقيف المذيع صالح الحمداني عن العمل في الشبكة بشكل رسمي بعد تدوينة للحمداني فُسّرت على أنها دعوة إلى إسقاط الحكومة العراقية على غرار ما حدث في سوريا. الغريب في سلطة الإسلام السياسي هو وقوفها ندا وخصما للإعلامية زينب ربيع التي تلقّت إشعارا برفع دعوى قضائية بحقها من قبل رئيس الوزراء السوداني، في الوقت الذي تنادي فيه تلك السلطة بحقوق المرأة وضرورة حمايتها. تأكيدًا لما يجري في واقعنا الغارق بالتناقضات، لا تجد الحكومة -حين تشتد الأزمة السياسية في الواقع العراقي- غير الحلقة الأضعف المتمثلة في الإعلاميين والصحافيين والمدونين للضرب بكل قوتها، متناسية هموم البلد ويبدو أن حكومة السوداني لم تتوقف عند الحدود العراقية، بل تخطّت تلك الحدود إلى الكويت حيث شهدت المحاكم دعوى قضائية ضد الإعلامية الكويتية فجر السعيد.وتتناسى السلطة أن حرية الرأي تُعد أحد الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور العراقي لعام 2005، حيث جاء في المادة 38 من الدستور: “تكفل الدولة بما لا يخلّ بالنظام العام والآداب حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي.” وكشفت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة “PFAA” في تقريرها السنوي لعام 2024 عن انتهاكات وصِفت بـ”غير المسبوقة” بحق الصحافيين العراقيين، حيث سجل التقرير وقوع 457 انتهاكا، توزعت بين القتل والاعتقال والاحتجاز والتهديد والاعتداء والإقصاء من العمل والدعاوى القضائية ومنع التغطيات، ويشير التقرير إلى محاولات فرض الوصاية على وسائل الإعلام بالإنذار، وحجب ظهور شخصيات بحسب أهواء وأمزجة المتنفذين، وهو ما يؤكد أن العراق يسير باتجاه الهاوية في سياسة تكميم الأفواه وإعادة سيناريوهات الدكتاتورية والاستبداد. الصحافيون في العراق عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا مروجين فاشلين للسلطة ويستفيدوا من مغانمها وهباتها، أو مطرودين من نعيمها بسبب نقدهم للفساد وطغيان المتنفذين، تلاحقهم الدعاوى القضائية والشكاوى وتلك هي أهون المتاعب.يمر على الذاكرة المثل الشعبي القائل “أبوي ما يكدر بس على أمي” كلما مرت بعض المواقف التي تتخذها السلطة في رفع دعاوى قضائية ضد صحافيين ومدونين إعلاميين. وتأكيدًا لما يجري في واقعنا الغارق بالتناقضات، لا تجد الحكومة -حين تشتد الأزمة السياسية في الواقع العراقي- غير الحلقة الأضعف المتمثلة في الإعلاميين والصحافيين والمدونين للضرب بكل قوتها، متناسية هموم البلد ونقص الخدمات وانعدام السيادة وكوارث اقتصادية واجتماعية تحيط بالشعب.الطرافة في ذلك السؤال الساخر الذي يطرحه بعض الصحافيين وهو: هل خصصت الحكومة مكاتب وميزانية مالية وموظفين لمراقبة كل الآراء المنشورة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتركت واجباتها الأصلية؟ فإذا كان الأمر كذلك حقًا فـ”شرّ البليّة ما يُضحك.”

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: فی العراق

إقرأ أيضاً:

رئيس الدولة: بناء الشراكات مع الدول الأفريقية والعالم سياسة إماراتية متواصلة

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، «حفظه الله» إن بناء الشراكات التنموية مع الدول الأفريقية والعالم سياسة إماراتية متواصلة من أجل الازدهار للجميع.
وأضاف سموه، على منصة «إكس» للتواصل «شهدت اليوم في أبوظبي وفخامة فوستان آرشانج تواديرا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تهدف إلى الارتقاء بالتعاون الاقتصادي واستثمار كل الفرص المتاحة لتحقيق التنمية المشتركة للبلدين».
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة أن «بناء الشراكات التنموية مع الدول الأفريقية والعالم سياسة إماراتية متواصلة من أجل الازدهار للجميع وتلبية تطلعات الشعوب إلى التنمية والرخاء».

أخبار ذات صلة رئيس الدولة ورئيس أفريقيا الوسطى يشهدان توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين رئيس الدولة ورئيس أفريقيا الوسطى يبحثان علاقات التعاون بين البلدين

شهدت اليوم في أبوظبي وفخامة فوستان آرشانج تواديرا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تهدف إلى الارتقاء بالتعاون الاقتصادي واستثمار كل الفرص المتاحة لتحقيق التنمية المشتركة للبلدين. بناء الشراكات التنموية مع الدول الأفريقية والعالم… pic.twitter.com/GuiryGX03r

— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) March 6, 2025

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • عودة الكاظمي: الأمل الكاذب الذي لا يحتاجه العراق
  • حماس: سياسة التجويع الإسرائيلية تطال الأسرى في غزة
  • حملة لمقاطعة البضائع الأمريكية في السويد ردًا على التغيير في سياسة واشنطن
  • تعليق الحكومة العراقية على إنهاء الإعفاءات عن الغاز الإيراني
  • رونالدو يصل لهدفه الـ926.. أهدافه قبل سن الـ30 تتساوى مع ما بعدها
  • مظاهرات في واشنطن احتجاجا على سياسة ترامب بشأن خفض التمويل المخصص للمجال العلمي
  • وزير الخارجية الإيراني: لن نتفاوض مع أمريكا في ظل سياسة الضغوط القصوى
  • السعودية تدين الجرائم التي قامت بها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا وتؤكد وقوفها إلى جانب الحكومة السورية
  • رئيس الدولة: بناء الشراكات مع الدول الأفريقية والعالم سياسة إماراتية متواصلة
  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري