مرحلة جديدة في العلاقات التركية المصرية
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
في عصر العولمة الذي بلغ ذروته اليوم، تظل العلاقات السياسية بين الدول محدودة ما لم تتطور العلاقات الاقتصادية أولاً. ومن هذا المنطلق، نظم “منصة أبحاث واستراتيجيات أوراسيا” (ASAD) “منتدى الأعمال” في مصر بعد تونس. وكان توقيت المنتدى، الذي انعقد قبيل قمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8)، ذا أهمية خاصة.
شهد المنتدى مشاركة نحو 40 رجل أعمال تركي من مختلف القطاعات، بينما كانت المشاركة من الجانب المصري لافتة للغاية، حيث حضرت أكثر من 200 شركة مصرية لعقد لقاءات ومباحثات.
تعد مصر دولة ذات أهمية كبيرة تاريخيًا، إذ تقع في موقع استراتيجي شهد قيام واحدة من أعرق الحضارات في العالم القديم. وقد تم توقيع أول معاهدة مكتوبة في التاريخ، وهي “معاهدة قادش”، بين مصر والحيثيين. ويمكن القول إن ولادة الدبلوماسية المكتوبة حدثت أيضًا في مصر.
مصر بلد تجمعنا بها روابط تاريخية عميقة. كانت رسميًا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1914. إلا أنها وقعت تحت سيطرة فرنسا بين عامي 1798 و1801، ثم احتلتها بريطانيا في عام 1882، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، أصبحت مصر رسميًا تحت السيطرة البريطانية.
استمر تأثير السلالة التركية في مصر حتى إعلان الجمهورية في عام 1953.
النيل كل شيء بالنسبة لمصر
نهر النيل ليس مجرد مجرى مائي بالنسبة لمصر، بل هو شريان الحياة. رؤية كيف شكّل النيل ليس فقط تاريخ مصر بل حاضرها أيضًا كانت تجربة مدهشة. هذا النهر العظيم ليس فقط وسيلة نقل، بل هو قلب التجارة والزراعة والتفاعل الثقافي، حيث يحتضن كل الديناميكيات التي تؤثر على مصر وحتى إفريقيا. كلما ابتعدنا عن نهر النيل، تصبح الأراضي أكثر تصحرًا. ولهذا السبب، يُطلق على الجزء الخصيب من مصر “البلد الأسود”، بينما يُطلق على الجزء القاحل “البلد الأحمر”.
الاقتصاد المصري يكافح الصعوبات
يواجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة نتيجة عدة عوامل، منها: انخفاض قيمة العملة، تأثيرات الحرب الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا التي تسببت في تباطؤ الاقتصاد العالمي، إضافة إلى التوترات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وأشار تقرير البنك الدولي عن مصر إلى انخفاض حاد في الاحتياطات الرسمية والأصول بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ومن أجل التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار، لجأت الحكومة المصرية إلى إطلاق العديد من الحزم الاقتصادية. ومع ذلك، عندما لم تكن هذه الإجراءات كافية، طلبت الحكومة دعمًا من صندوق النقد الدولي.
يواجه الاقتصاد المصري مشكلة مزمنة تتمثل في العجز التجاري الخارجي، حيث يتضاعف حجم الواردات مقارنة بالصادرات. ومن أبرز وارداته الوقود المعدني والزيوت والآلات والأجهزة الميكانيكية. ورغم ثراء النيل، احتلت مصر المرتبة الخامسة عالميًا في استيراد الحبوب في عام 2023. (انظر الرسم البياني 1)
صندوق النقد الدولي: ترتيب الاقتصاد المصري عالميًا
يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2024 حوالي 380 مليار دولار، مما يجعلها تحتل المرتبة 43 كأكبر اقتصاد في العالم من بين 196 دولة. ومع ذلك، يتوقع أن تحتل المرتبة 135 عالميًا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
يمكن الشعور بهذا التفاوت في العديد من أنحاء العاصمة. فغالبية الشعب المصري تعاني من صعوبات اقتصادية. عند مغادرتنا المطار، لفتت الفوضى والمساحات المهجورة في المناطق السكنية على طول الطريق انتباه الجميع. وواجهنا المشهد نفسه في العديد من مناطق القاهرة. هذا الوضع دفعنا جميعًا للتحدث عن “التطوير الحضري”، خاصة أن تركيا تُعد من رواد قطاع البناء عالميًا، ولكن كونها دولة معرضة للزلازل يجعلنا نتساءل عن أولوية السلامة. عند رؤية المباني في بعض المناطق، من الصعب ألا تفكر في مدى هشاشتها أمام أي زلزال محتمل.
وفي الوقت نفسه، أوضح لنا المرشد السياحي أن هناك مناطق جديدة يتم إنشاؤها في القاهرة. عندما زرنا هذه المناطق لاحقًا، كان الاختلاف في مستوى المعيشة بينها وبين المناطق الأخرى واضحًا للغاية، مما جعلنا ندرك بوضوح عدم المساواة في توزيع الدخل.
السياحة: شريان حياة للاقتصاد المصري
تُعتبر السياحة عنصرًا حيويًا للاقتصاد المصري، حيث تجذب المواقع الأثرية القديمة وسواحل البحر الأحمر زوارًا من جميع أنحاء العالم. إذا حاولنا سرد التراث الثقافي لمصر، فلن يسعنا المجال هنا، وهذا ما يجعل قطاع السياحة من أبرز القطاعات الاقتصادية، حيث يساهم بنسبة تتراوح بين 10% و15% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل لملايين الأشخاص.
كان لنا الحظ في استكشاف جزء صغير من هذا التراث الغني، خاصة في القاهرة والمناطق المحيطة بها. هذه المدينة الساحرة تقدم مزيجًا فريدًا من الآثار القديمة ونمط الحياة الحضري الحديث. تحتاج إلى ثلاثة أيام على الأقل لاستكشاف القاهرة وحدها.
الأهرامات: أعجوبة هندسية
كانت محطتنا الأولى في رحلتنا أهرامات الجيزة. تعتبر هرم خوفو، أحد عجائب العالم القديم، بارتفاع يتجاوز 147 مترًا، تحفة هندسية تتحدى الخيال. ورغم اختلاف أحجام أهرامات خفرع ومنقرع المجاورة، فإنها تترك التأثير نفسه. وأثناء تأملنا لهذه الأهرامات، تبادر إلى أذهاننا السؤال: هل هي من صنع البشر أم أن للكائنات الفضائية دورًا فيها؟ .
إلى جانب الأهرامات، يجذب تمثال أبو الهول الانتباه بصفته رمزًا للغموض والعظمة. صمود أبو الهول أمام الزمن يثير التأمل في الأحداث التي شهدتها هذه الأرض عبر التاريخ.
اقرأ أيضافائدة جديدة مذهلة للقهوة
الجمعة 03 يناير 2025المتحف المصري الكبير: نافذة على الماضي
يقع المتحف المصري الكبير بجوار أهرامات الجيزة، وقد صُمم ليكون أكبر متحف أثري في العالم. ورغم أنه لم يُفتتح بالكامل بعد، فإن الأجزاء المفتوحة منه تقدم لمحة مذهلة عن تاريخ مصر القديمة. يبدأ الزائر رحلته بمواجهة تمثال رمسيس الثاني، الذي يقدم مقدمة مبهرة لعظمة مصر القديمة. يعكس المتحف ببراعة الحرفية المصرية القديمة وفهمها للجمال. إنه ليس مجرد معرض للآثار، بل تجربة تجسد تطور الحضارات ومسيرة التاريخ الإنساني.
خان الخليلي: قلب القاهرة النابض
في قلب القاهرة يقع خان الخليلي، السوق التاريخي الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر. خلال الحقبة العثمانية، كان يُعرف باسم السوق التركي. تجذبك الأزقة الضيقة بروائح التوابل والعطور الغريبة وأعمال النحاس والمجوهرات الذهبية. في خان الخليلي، لا تكتفي بالتسوق، بل تصبح جزءًا من تقليد يمتد لمئات السنين. ورغم سحر المكان، يمكنك أيضًا أن تلمس الإرهاق الذي حل به عبر الزمن، حيث تعاني بعض أجزائه من التدهور.
المصدر: تركيا الآن
كلمات دلالية: العلاقات التركية المصرية الناتج المحلی الإجمالی الاقتصاد المصری عالمی ا فی عام
إقرأ أيضاً:
لقاء نادر بين الحكومة المصرية ورجال أعمال.. وصفة إنقاذ أم مصالح خاصة؟
القاهرة – اجتمع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بمجموعة من كبار رجال الأعمال في خطوة لافتة للاستماع إلى آرائهم وتصوراتهم حول المشاكل الاقتصادية وسبل معالجتها.
لكن في ظل غياب مخرجات واضحة للاجتماع، برزت عدة تساؤلات، خاصة في ظل التزام مصر ببرنامج إجراءات اقتصادية مع صندوق النقد الدولي بزيادة دور القطاع الخاص وتقليص حضور الدولة، بما في ذلك تقليص دور المؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش.
وبينما طرح رجال الأعمال ما سموه "وصفة إنقاذ"، يبقى السؤال الأهم: هل تحمل هذه المقترحات حلولا حقيقية قادرة على إنقاذ الاقتصاد المصري من أزماته المتشابكة؟ أم أنها تخدم مصالح فئات بعينها على حساب رؤية وطنية شاملة؟
قناعات جديدةوأقر رئيس الوزراء المصري بأنه من خلال التجربة أصبح لدى الدولة قناعة بأن القطاع الخاص هو الأجدر على الإدارة والتشغيل نظرا لخبرته الكبيرة في هذا الشأن، مشيرا إلى أن هذا اللقاء يستهدف تحديد احتياجات مصر خلال الفترة المقبلة، بهدف التحرك بسرعة كبيرة في هذا الشأن.
ووصف مدبولي القطاع الخاص بأنه قاطرة التنمية في الدولة المصرية، مؤكدا أهمية استثماراته، لكنه أرجع تزايد دور الدولة إلى حالة عدم الاستقرار التي مرت بها مصر منذ عام 2011 وبالتالي تراجع دور القطاع الخاص وتخوفه من التوسع في الاستثمارات.
إعلانوخلال اللقاء كشف مدبولي أن مصر سددت 39 مليار دولار خلال عام 2024 (أقساط ديون وفوائد) وأن إجمالي الدين الخارجي يصل إلى نحو 152 مليار دولار، مضيفا أن سداد هذا الدين كان مصدر قلق شديد لكن الحكومة سدّدت كل التزاماتها.
أبرز التحديات
وطرح رجال الأعمال والمستثمرين خلال اللقاء بالحكومة أبرز التحديات التي تواجه القطاع الخاص وتعيق النمو الحقيقي للاقتصاد في بعض النقاط أبرزها:
ارتفاع الدين العام: سواء المحلي أو الخارجي، ما يشكل عبئا كبيرا على الموارد العامة، ويحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في المشاريع التنموية. ارتفاع أسعار الفائدة ما يؤثر سلبا على تكلفة التمويل للشركات، ويحد من الاستثمار الخاص. عجز الميزان التجاري: يعاني الاقتصاد المصري من عجز مزمن في الميزان التجاري وعجز دولاري، ما يؤدي إلى ضغوط على الجنيه المصري. ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي خاصة في قطاعات حيوية مثل البناء والتشييد. البيروقراطية المعقدة التي تعوق الاستثمار وعمل القطاع الخاص. الوصفة المقترحةتضمنت وصفة العلاج التي قدمها رجال الأعمال مجموعة من المقترحات، بعضها تقليدي وبعضها الآخر جريء:
تأسيس صندوق جديد وبيع أصول الدولة للبنك المركزي المصري وإسقاط مديونية الدولة. خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاستثمار. التركيز على تطوير قطاع السياحة ومضاعفة إيراداته. تبسيط الإجراءات البيروقراطية وتوفير بيئة استثمارية أكثر جاذبية. رفع القيود عن البناء من أجل زيادة معدلات نمو قطاع البناء والتشييد. عودة التوظيف للجهاز الإداري للدولة وتعيين خريجين شباب للتعامل مع تطورات القطاع الخاص. "مكلمة" أم "وصفة"؟ويرى الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري سابقا محمد فؤاد، أن الاجتماع لم يخرج عن كونه لقاء طبيعيا بين رئيس الوزراء وعدد من رجال الأعمال والمستثمرين النافذين للاستماع إلى آرائهم وليس لوضع وصفة لإنقاذ الاقتصاد المصري.
إعلانوقال فؤاد للجزيرة نت إن اللقاء لم يكُن مُحضرا له من قبل الجميع، كما أن الحكومة لم يكن لديها أجندة لإدارة اللقاء وبعض الحضور لم يكلف خاطره عناء تجهيز بيانات سليمة فبدا الأمر وكأنه "مكلمة".
وحسب فؤاد فإن مخرجات اللقاء جاءت متوافقة مع أولويات واحتياجات رجال الأعمال الخاصة، والتي قد لا تمثل بالضرورة المصلحة الأوسع للاقتصاد الوطني، ومع ذلك، أكد على أهمية الاستماع إلى آرائهم ووجهات نظرهم.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى تفاوت المصالح بين الأطراف، مستشهدا بالجدل حول أسعار الفائدة المرتفعة، فمن منظور مصلحة البلاد واستقرار الاقتصاد، يتطلب الأمر استمرار دورة التشديد النقدي، أما بالنسبة لمصالح الحضور، فتتمثل في خفض أسعار الفائدة لتخفيف الأعباء على أنشطتهم الاقتصادية.
القطاع الخاص يسهم بـ40% فقط من حجم الاستثمار في الاقتصاد المصري (الجزيرة) هيمنة أم شراكة؟قال وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية، الدكتور عبد النبي عبد المطلب إن "الهدف من هذا اللقاء ينقسم إلى شقين، أولهما رسالة إلى صندوق النقد بشأن تعهدات مصر بزيادة دور القطاع الخاص وتقليص دور الدولة، وثانيهما الاستعانة بخبرات كبار رجال الأعمال والمال في الاقتصاد المصري".
وأوضح للجزيرة نت، أن الدولة خلال السنوات العشر الماضية لعبت دور المستثمر الأكبر في الاقتصاد المصري، ما حدّ من فرص المنافسة الحقيقية، ومع ذلك، أدركت الدولة مؤخرا أهمية تعزيز دور القطاع الخاص، ومنحه مساحة أوسع للمساهمة في التنمية والمشاركة في صناعة القرار.
وفيما يتعلق بسيطرة رجال أعمال من حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك على اللقاء أشار عبد المطلب إلى أن بعض هؤلاء الأفراد يمثلون عائلات طبقة الرأسمالية منذ عقود في مصر سواء منذ حقبة مبارك أو ما قبلها وليسوا أصحاب صفقات، مشيرا إلى أن ما طالبوا به يُعد بمثابة "روشتة" (وصفة) عملية لحلحة الأوضاع الاقتصادية المعقدة لكنها بحاجة إلى تنفيذها على أرض الواقع من خلال عقول وخبرات اقتصادية.
إعلانيشار إلى أن مصر توصلت مع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي لاتفاق على مستوى الخبراء يتيح للقاهرة صرف شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار للقاهرة، ضمن برنامج إقراض قيمته 8 مليارات دولار.
وقالت إيفانا فلادكوفا هولار، التي ترأست وفد صندوق النقد الدولي للتفاوض مع السلطات المصرية، في بيان وقتها: "ثمة حاجة إلى الحد من مشاركة الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص".