يدخل الفلسطينيون عاماً جديداً يبدو من خلال مقدماته أنه استمرار للعام الذي مضى. غزة لا تزال تحارب تحت النار، من دون ظهور مؤشرات ولو ضعيفة لانطفائها، والضفة تُحارِب وتُحارَب لأنها الهدف الأساسي لحروب الجبهات السبع.
الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين تترافق مع اشتعالاتٍ تشمل مناطق عديدة من الشرق الأوسط، ما أدى على نحو أولي، ولكنه قاطع، إلى إنهاء مشروع السلام الذي انتظر منه الفلسطينيون دولة.
مآلات الحرب على غزة وإن لم تتبلور بصورة نهائية، إلا أنها تُقرأ على ضوء تطورات الميدان، بأنها ستعيد غزة بعد دمارها إلى وضع أقسى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب الراهنة، من حصارٍ خانق، وانتقالها من حربٍ عسكرية مباشرة، رأينا مفاعيلها على مدى خمسة عشر شهراً، إلى ما هو أشد صعوبة وهو إعادة البلد المدمر إلى الحدود الدنيا لصلاحية العيش فيه.
الحالة الفلسطينية تدخل العام الجديد وكل ما حولها يعمل ضدها، والأشد إيلاماً في ذلك هو العجز المطلق عن مساعدتها في الحرب الشرسة التي تتعرض لها، ما منح الاستفراد الإسرائيلي بها فرصاً ثمينة لتحقيق أجنداته، ليس في النطاق الفلسطيني وإنما في ما هو أوسع بكثير أي الشرق الأوسط والعالم.
ما يحيط بالحالة الفلسطينية بكل سلبياته هو أمرٌ متعودٌ عليه، إلا أن ما هو أشد إلحاقاً للأذى بهم وبقضيتهم هو وضعهم الداخلي الذي تجتمع فيه وتتداخل أزمات منها القديم ومنها المستجد، وفي كل الحالات لا حلول.
اللافت للنظر ويمكن اعتباره أزمة مستجدة، هو ما يجري في جنين من اقتتال ذي تسميات وعناوين مختلفة، تسمية السلطة له أنه عملية أمنية لإنهاء حالة الخروج عن القانون، ويسميه المقاتلون على الجهة المقابلة، معركة بقاءٍ للمقاومة، وبعضهم يذهب إلى اعتبارها معركة مصير قوى الممانعة ووحدة الساحات!
المأساوي في الحالة هذه هو أن دماً فلسطينياً سال فيها، وليس بفعل إسرائيلي، وكذلك طول مداها الزمني، إذ توشك على دخول شهرها الثاني، أو أنها دخلته بالفعل، أمّا مأساة المآسي فتجسدها طبيعة الدور الإسرائيلي فيها، الذي يتربص بمجرياتها، ومهما كانت نتائجها فهو أكثر المستفيدين منها، ما دام بوسعه التدخل وقتما يشاء وكيفما يشاء، ويقرر الخلاصات النهائية بقوة السلاح.
الشعب الفلسطيني بإجماله يبدو محيداً عن أي دورٍ في هذه المأساة، فلا برلمان يمثله في معالجتها ولا فاعلية للمبادرات التطوعية التي قامت بها قوى المجتمع المدني، رغم تنامي الخوف من أن تمتد الحالة المأساوية وتتسع لتطال مناطق أخرى من الضفة.
في جنين ومخيمها المكتظ يجري اشتباك بين طرفين مخذولين كلٌّ منهما بلا حلفاء ولا داعمين قريبين، السلطة تعمل في جنين تحت ضغطٍ إسرائيلي مكثف، يريد إنهاء المهمة للانتقال إلى مكان آخر، مع تواصل إجراءاته الهادفة إلى تقويض إمكاناتها، بما يفقدها دعم شعبها وتأييده ويفقدها ما هو أهم، أي الهيبة.
ومن تصفهم بالخارجين عن القانون فيعيشون عزلة عن الجهات التي تدعمهم وتتبنى جهدهم وتموله، وتراهن عليه، والذي يُشار إليه في هذا الصدد منظمة الجهاد، التي إن وصل مالها إليهم فلا مجال لمدهم بما هو أهم... العنصر البشري.
الجهاد ومن معها من فصائل حليفة يرون في الضفة وإشعالها تعويضاً عن الخسارات التي تكبدوها في غزة وغيرها.
إن ما يجري في المخيم يشبه صراعاً بين اثنين داخل سجن مغلق بإحكام، في حالة كهذه ليست مهمة الشعارات والتسميات، فالمهم بل الأهم أن خلف الأبواب والجدران تقف إسرائيل، التي أبادت غزة لتنهي وضع الضفة، والهدف الرئيس من كل ذلك منع قيام دولة فلسطينية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية جنين
إقرأ أيضاً:
اتهامات لأمن السلطة باعتقال وتعذيب رئيس الطورائ بمستشفى جنين
قالت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية إن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اعتقلت الدكتور قاسم بني غُرة رئيس قسم الطوارئ بمستشفى جنين الحكومي في الضفة الغربية منذ 5 أيام ويتعرض لتعذيب شديد داخل سجن الجنيد بمدينة نابلس شمال الضفة منذ اعتقاله.
ودعت اللجنة جميع المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية إلى الضغط على السلطة للإفراج عن الطبيب بني غرة وكافة المعتقلين.
وكانت مصادر محلية قالت للجزيرة أمس الجمعة إن فلسطينيا وابنه لقيا مصرعهما وأصيبت ابنته في إطلاق نار كثيف وقع في حي الحواشين وسط مخيم جنين، في الوقت الذي اتهمت فيه كتيبة جنين التابعة لـسرايا القدس، الجناح العسكري لـحركة الجهاد الإسلامي، أمن السلطة الفلسطينية "بقتل 16 مواطنا فلسطينيا بدم بارد"، بينهم الصحفية شذى الصباغ.
وفي وقت سابق الجمعة، أعلن الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب مقتل الرائد رشيد شقو من جهاز المخابرات العامة في "حادث عرضي خلال تأديته واجبه الوطني" في مخيم جنين.
وكانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية قد أعلنت في وقت سابق مقتل أحد عناصرها في العملية التي أطلقت عليها اسم "حماية الوطن" والمستمرة في المخيم منذ 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
إعلانويأتي ذلك مع استمرار حصار أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للمخيم منذ 28 يوما مما اضطر الأهالي إلى إقامة صلاة الجمعة أمس في ساحة المركز الاجتماعي في المخيم، رغم أصوات الرصاص أثناء الصلاة.
وتندلع عادة اشتباكات بين مقاومين وعناصر أمن السلطة في مدن شمال الضفة، خاصة جنين وطولكرم، تزامنا مع الاجتياحات المتواصلة لقوات الاحتلال واعتداءات المستوطنين والإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر.