روسيا "السورية" في مأزق الحفاظ على الموقع والدور، ولو جرى ترتيب لمسألة القاعدتين الجوية والبحرية في سوريا.
ومن السهل على الرئيس فلاديمير بوتين القول إن "روسيا لم تخسر في سوريا، وهي حققت أهدافها"، لكن من الصعب تجاهل الوقائع، بصرف النظر عن التوقعات في المستقبل، فالنظام الذي أنقذه بوتين بعملية عسكرية كبيرة عام 2015 سقط، ورئيسه هرب إلى موسكو تاركاً كل شيء ينهار بعده، إلى جانب خروج إيران خاسرة وروسيا في ورطة.
وهو، في الأساس، لم يقدم على العملية العسكرية إلا بعدما تراجع الرئيس باراك أوباما عن ضربة مقررة مع باريس لدمشق التي تجاوزت الخط الأحمر الأميركي عبر استخدام الأسلحة الكيماوية، في غوطة دمشق.
كان تفسير أوباما للتراجع "فلسفياً" بالقول لمعاونيه "إن "إلقاء القنابل على شخص ما لإثبات أنك راغب في إسقاط قنابل هو أسوأ سبب لاستخدام القوة"، وكان بوتين نفذ تكتيك لينين الذي خلاصته "اضرب الجدار بقبضة ناعمة، فإذا كان صلباً تراجع، وإذا كان ليناً اضرب بقوة".
المفارقات مذهلة، كانت على الطاولة صفقة أمريكية معروضة على موسكو حول إخراج إيران من سوريا في مقابل مكاسب مهمة للروس، لكن حرب أوكرانيا بدلت اللعبة، لأن روسيا صارت في حاجة إلى طهران والمسيرات والصواريخ التي تنتجها، فتوسع الدور الإيراني كثيراً في الجغرافيا ودخل في النسيج الاجتماعي السوري إلى جانب القواعد العسكرية والأمنية.
وها هو التبدل الثاني، سقوط النظام السوري أخرج إيران من دون دور روسي، ويكاد يخرج موسكو. لا بل إن الاتحاد الأوروبي يصر على إخراج روسيا من سوريا كشرط لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات وشطب هيئة تحرير الشام من لائحة المنظمات الإرهابية، كما جاء على لسان كايا كارس، المسؤولة العليا عن السياسة الخارجية والأمن.
والسؤال هو، هل يساعد الرئيس رجب طيب أردوغان صديقه بوتين أم يعود للدفاع عن الدور الأطلسي لتركيا؟ وما ثمن الحفاظ على القاعدتين الروسيتين بالنسبة إلى حكام سوريا الجدد؟ وماذا لو فعل الحكام الجدد مع بوتين ما فعله الرئيس السادات حين أخرج القوات السوفياتية من مصر عشية الحرب؟
مهما يكن، فإن بوتين يخسر شيئاً في سوريا ويربح أشياء في أوكرانيا، حيث اللعبة الكبيرة مع الغرب والأطلسي. والمعروف أن الرئيس حافظ الأسد لم يسمح للأسطول الروسي إلا بالتزود بالوقود والماء في ميناء طرطوس، قبل اضطراره إلى معاهدة الصداقة مع موسكو، وقبل أن يفتح خليفته بشار كل شيء أمام الروس والإيرانيين، لكن روسيا لم تخسر الشرق الأوسط، فهي موجودة وعلى علاقات جيدة مع ليبيا والجزائر والعراق ومصر والسودان. وإذا سحبت أصولاً من قاعدة طرطوس، فإن قاعدة بنغازي جاهزة لاستقبالها.
وإذا كان بوتين يتكل على دعم الصين وكوريا الشمالية حتى في إرسال عسكر كوري شمالي للقتال في كورسك الروسية التي تحتل أوكرانيا أجزاء منها، فإن الحاجة إلى إيران لا تزال قائمة، لكن التطور الجديد الذي يضعه الجميع في الحسابات هو عودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض مع تشدده مع إيران ورغبته في علاقات جيدة مع بوتين، بعدما وصلت العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى أخطر نقطة في المواجهة مع الرئيس جو بايدن. فما يجمع بين بوتين وترامب، كما تقول "إيكونوميست" البريطانية، هو الحرص على تقسيم السياسات الأوروبية. بوتين لأنه يريد تقسيم أوروبا، وترامب لأنه يريد إضعاف أوروبا في المفاوضات الاقتصادية.
ليس حديث ترامب عن إنهاء حرب أوكرانيا باتصال هاتفي سوى "فانتازيا" ترامبية، فعندما اقترب الجد قال ترامب إن "مشكلة أوكرانيا أصعب من مشكلة الشرق الأوسط"، فضلاً عن أن ترامب مصر على ضغوط أقصى من كل من عرفته إيران، إذ سيطلب، بحسب "إيكونوميست"، من "إيران" التخلي عن طموحاتها الإقليمية، وإلا كان احتمال القيام بعمل عسكري مع إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني، وربما تغيير النظام. وهناك من يتصور أن كل ما يريده ترامب هو صورة مع المرشد خامنئي، كما فعل مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
وفي رأي مارا كارلين من جونز هوبكنز فإن "حرب أوكرانيا والشرق الأوسط في اتجاه الحرب الكلية عبر كل المصادر وحشد المجتمعات، وإعطاء الأولوية لمسائل الحرب على نشاط الدولة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية روسيا سقوط الأسد
إقرأ أيضاً:
موسكو: السلطات السورية الجديدة مهتمة بالتواجد الروسي
قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن السلطات السورية الجديدة ترسل إشارات، تفيد بأنها مهتمة باستمرار التواجد الروسي في سوريا.
وحسب موقع "روسيا اليوم" الإخباري، أوضح نيبينزيا في تصريحات صحفية لوسيلة إعلامية روسية: "تربط روسيا وسوريا علاقات صداقة لا تعتمد على أي نظام".
The new Syrian authorities are sending signals that they are interested in Russia's continued presence, although there are no specifics yet, Russian Permanent Representative to the UN Vassily Nebenzia said. pic.twitter.com/85c258Cr2F
— Sputnik (@SputnikInt) January 3, 2025وأضاف "يرسل القادة الحاليون في سوريا إشارات، بما في ذلك في سياق الوجود الروسي في سوريا، مفادها بأن السلطات السورية الجديدة مهتمة باستمرار وجودنا. ولكن فيما يتعلق بالتفاصيل، لم تصل الأمور إلى هذا الحد".
ولفت نيبينزيا إلى أن السلطات السورية الجديدة، تسعى إلى تقديم نفسها على أنها قادرة على ضمان مصالح جميع السوريين.
وتابع "بالطبع، تريد السلطات الفعلية رفع العقوبات عنها، وتقدم نفسها باعتبارها السلطات التي تهتم بمصالح جميع السوريين. يجب أن أعترف بأنها تتصرف بكفاءة تامة اليوم".