عربي21:
2025-02-05@14:41:01 GMT

حين يكون الإرهاب أمريكيا محلّي الصنع

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

تكشف الساعات الأولى التي تعقب كل هجوم إرهابي يقع في الولايات المتحدة رسوخ الخطاب السائد عن الإرهاب ومعجمه ومفرداته في اللاوعي السياسي، فيردد الساسة والكتبة والمعلقون عموماً ما يتصادى مع الرواية الرسمية السائدة منذ عقود، التي ترسّخت بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، والتي تحيل العنف إلى «صراع الحضارات» وتخريجات تختزل وتبسط وتحصر العنف وتاريخه وتمظهراته بدين وثقافة دون غيرها.



لكن هناك، في بعض الحالات، تلكؤ أو تخبط وتردد يبيّن تناقضات هذا الخطاب وتهافته، وقد تجلّى ذلك بعيد الهجومين الأخيرين في مدينتي نيو أورلينز ولاس فيغاس في الأيام الأولى من هذا العام. حمل منفّذ الهجوم الأول شمس الدين جبّار، علم تنظيم «داعش» وكان قد أعلن ولاءه له، ممّا سهل وضع الهجوم ومنفّذه في خانة معروفة سلفاً.

لكن الكثيرين أشاروا بشيء من الاستغراب لكون جبّار أمريكي المولد وليس مهاجراً، لأن الافتراض طبعاً هو أن الإرهاب، ظاهرة أجنبية، منابعها ومصادرها خارج البلاد، وغريبة عن ثقافتها وتاريخها. وعبر الكثيرون عن استغرابهم من أن جبّار كان مجنداً في الجيش الأمريكي، لكن المعلومات التي رشحت في اليوم التالي للهجوم عن اعتناقه الإسلام مؤخراً وميله لنسخة محافظة ومتشدّدة منه تحرّم الكثير، طغت على عمله لسنوات طويلة في الجيش الأمريكي وفي العمليات الخاصة.

أما ماثيو لايفسبرغر منفّذ الهجوم الثاني في لاس فيغاس ضد أحد فنادق ترامب، ليل الأربعاء الماضي وباستخدام واحدة من سيارات حليفه الجديد أيلون ماسك، بعد أن ملأها بالمتفجرات، فلم يعلن ولاءه لتنظيم «داعش» ولا رفع علمه، ولم يعتنق الإسلام.

لكن ما يجمعه بجبّار هو الجيش الأمريكي. إذ أن لايفسبرغر يحمل رتبة عريف، وخدم في الجيش الأمريكي لتسع عشرة سنة، ثماني عشرة منها في القوات الخاصة ونفّذ هجومه أثناء إجازة رسمية من وحدته في ألمانيا. وكان قد حصل على خمسة أوسمة شجاعة، ووسام حملة أفغانستان بثلاثة نجوم، لشجاعته في القتال في ثلاث مراحل.

وتكررت لازمة عدم وجود أي دلائل على أي تنسيق بين الهجومين أو أي صلة تجمع منفذيهما باستثناء قتالهما في أفغانستان، مثل عشرات الآلاف من الأمريكيين. وذلك لطمأنة المواطنين إلى عدم وجود خطة منظمة لشن هجمات إرهابية داخل البلاد، لكن اللافت هنا هو القفز على حروب الولايات المتحدة ووحشية غزواتها، وكأن لا تأثير أو تبعات البتة لها ولعنفها على حيوات هؤلاء الجنود العائدين وأفعالهم. 
ليس لايفسبرغر أول جندي أمريكي يشن هجوما إرهابيا داخل الولايات المتحدة
وهذا القفز ضروري، بالطبع، لحراسة الحدود الخطابية بين عنف شرعي ومنطقي ومقبول، وعنف آخر يبدو عدميا بلا هدف ولا منطق. والنتيجة هي تنزيه وتعقيم إرهاب الدولة والإمبراطورية، الذي يمارس خارج الحدود ضد البرابرة، والذي يجب أن يفسّر دائماً بأنه عنف شرعي وضروري لحماية الحضارة، وبين الإرهاب المحض الذي يعزى لتخلف حضاري، أو عدمية أو كراهية، وقد ذكر أكثر من سياسي ومعلّق «الكراهية» في سياق التعليق على الهجومين.

وليس لايفسبرغر أول جندي أمريكي يشن هجوما إرهابيا داخل الولايات المتحدة. ولعله كان يحاكي أو يقتدي بتيموثي ماكفي، الذي نفّذ أكبر هجوم إرهابي «محلي» في مدينة أوكلاهوما في 19 نيسان/أبريل عام 1998 في تفجير دمّر مبنى فدرالياً وقتل 167 وجرح 648.

وفي الساعات الأولى التي أعقبت الهجوم آنذاك أجمع المراقبون والمحللون على أن عملاً إرهابياً بذلك الحجم لا بد أن يكون من فعل العرب والمسلمين! خصوصاً أن الهجوم على مركز التجارة العالمي في 1993 كان ما يزال حياًّ في الذاكرة. وذكرت مذيعة شهيرة أن رجلاً بملامح شرق أوسطية شوهد وهو يهرب من مسرح الجريمة، لكن مكتب التحريات الفدرالية كشف أن الإرهابي كان شاباً أبيض، سبق أن حارب في الجيش الأمريكي.

التحق ماكفي بالجيش الأمريكي في العشرين من عمره وكان معجباً بمنظمة الـ«KKK» المعروفة بأيديولوجية التفوق العرقي العنصرية أثناء سني خدمته. وشارك في حرب الخليج عام 1991 وحصل على خمسة من الأنواط وأوسمة الشجاعة. بعد عودته من حرب الخليج تصاعدت نقمة ماكفي ضد سياسات الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة حتى إنه وصفها بأنها المتنمّر الأكبر.

وأخذ يتواصل مع ميليشيات يمينية. وأغضبه حصار واكو، في ولاية تكساس عام 1993، الذي فرضه مكتب التحقيقات الفدرالية على مجمع الطائفة الداوودية وزعيمها، ديفيد كوريش، والهجوم الذي أدى إلى حريق أودى بحياة العشرات، والذي عدّه ماكفي مثالاً آخر على تغول الحكومة الفدرالية. في مقابلة قبل إعدامه استعاد ماكفي ذكرياته عن حرب الخليج في 1991 التي حارب فيها، وكيف أطلق قذيفة من مدفع نحو جندي عراقي كان على بعد 1100 ياردة قطعت رأسه فوراً.

كما ذكر صدمته لمرأى جثث الجنود العراقيين المحترقة الذين قصفهم الجيش الأمريكي وحلفاؤه أثناء الانسحاب من الكويت على ما عرف في ما بعد بـ «طريق الموت». وهي واحدة من جرائم الحرب المنسيّة.. وما أكثرها.

تسابق الكتبة والساسة في الولايات المتحدة على استنكار الإرهاب وقتل المدنيين العزل الذي لا يمكن تبريره. إلا إذا كان المستهدفون في غزّة. فهناك دائماً استثناءات في العالم المتحضّر.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هجوم الولايات المتحدة هجوم الولايات المتحدة اورليانز فندق ترامب مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الجیش الأمریکی الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

كاد «ترامب» أن يكون..!

لا أظنّ أن راصداً لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، منذ استقلالها في العام 1776م، سيجد في أضابير سجلاتها رئيساً جلس على الكرسي الكبير في البيت الأبيض، وحرّر في أسبوعه الأول فقط (350) أمراً تنفيذياً «مثيراً ومستفزاً» لكافة دول العالم بلا استثناء، غير دونالد ترامب، الذي حرّر كل هذه الأوامر في زمن قياسيّ غير مستثنٍ فيها الإنسان، والحيوان، والطبيعة، والجغرافيا، ومتعقباً بها سلفه بايدن، بالمسح والمحو، فما أبقى له من قرار سابق إلا وطمس عليه، ولا مخطط مرسوم إلا ونسفه نسفاً، في مشهد يعد «سابقة» في السياسة الأمريكية، التي ظل الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، يتناوبان في إنزالها على أرض الواقع بهامش اختلافات لا يفارق الثوابت، أو يخرج على الإطار المرسوم، حتى جاء الرئيس ترامب، في عودته الثانية، ليجعل من كل ذلك هباءً منثوراً، مواصلاً سيرته «المثيرة» إبان رئاسته الأولى.
وبالنظر إلى الأوامر التنفيذية التي أصدرها، والرسائل «الحامضة» التي تضمنتها، ووصلت بريد من تخصه، جاءت ردود الأفعال سريعة، متراوحة بين «صمتِ مترقبٍ»، و«همسِ متوجّسٍ» و«مؤاخذة ناقدة»، و«خروج عن العرف الدبلوماسي» المتوارث، كما في حال العضو الدنماركي بالبرلمان الأوروبي، أندرس فيستيسن، الذي تفوّه بعبارة «صاعقة»، ردّاً على ترويج ترامب لفكرة شراء غرينلاند، بينما كان الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو أكثر اتزاناً في رده على تغيير ترامب لجغرافيا المنطقة بتسمية «خليج بنما» بالخليج الأمريكي. 
أما الرئيس الكولومبي فقد جاء بـ«خريدة» أدبية في رسالة متداولة في الأسافير، إن صحة نسبتها إليه، فيما يتصل بالأمور الاقتصادية وترحيل المهاجرين غير الشرعيين..
ولو نظرنا لردة الفعل تجاه «الأوامر الترامبية» المثيرة، فالدهشة تعقد اللسان من انتياش ترامب لحلفائه في الاتحاد الأوروبي، وتكرار أسطوانته «الزانة» منذ ولايته الأولى، والآمرة بدفع «الإتاوات» وفرض الضرائب، لكل من تشملهم «الرعاية والحماية العسكرية والأمنية الأمريكية»، بزعمه، في صورة أقرب ما تكون درامياً إلى مشهد «الفتوة» في رواية «الحرافيش» للروائي العالمي نجيب محفوظ،
والمدهش أن المبرر لهذه الأوامر على لسان ترامب «لمنع استغلالنا ولن أسمح لأي دولة أن تستغل أمريكا»، فما كان أسرع الرد من المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، فالديس دومبروفسكيس، بالتأكيد على أن «الاتحاد الأوروبي مستعد للدفاع عن مصالحه إذا اقتضت الضرورة»، مبقياً على «شعرة معاوية»، بالقول «الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حليفان استراتيجيان، ونحتاج إلى العمل معاً، خصوصاً في هذا السياق الجيوسياسي المضطرب»، محذّراً من أن أي نزاع تجاري ستكون «كلفته الاقتصادية كبيرة على الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة، غير أن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، لم يتحرّز في إبداء مخاوفه من سياسة ترامب الاقتصادية تجاه حلفائه الأوروبيين بالقول «فرنسا والاتحاد الأوروبي قد تُسحقان بسبب السياسة المعلنة لدونالد ترامب، إذا لم يتحركا لمواجهتها». ومضى أبعد من ذلك بقوله إن «الولايات المتحدة قررت اتباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات وإذا لم نفعل شيئاً فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق والتهميش، والأمر مناط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين لاستعادة زمام الأمور».
على أن الأخطر من ذلك حملته مسؤولة البنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل بعدم استبعادها نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة، مؤكدة أنه أمر محتمل جداً في ظل رئاسة دونالد ترامب، محذّرة من أن هذا الأمر ستكون له عواقب سلبية على الحركة التجارية والأسعار.
على أن أوامر ترامب التنفيذية تجاوزت أهل السياسة والاقتصاد حتى بلغت أهل الدين، حيث تفاعل البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مع خطط دونالد لطرد أكثر من (88) ألف مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة، واصفاً ذلك بأنه «عار» إذا تحقق، وعلل ذلك بالقول إن ترامب سيجعل الفقراء الذين لا يملكون أي شيء يدفعون الفاتورة.
إن كل هذه القرارات المثيرة والمستفزّة حجبت عن الناس في الغالب النظر إلى قرار مهم وتاريخي لترامب، بإلغاء الأوامر التي أتاحت حقوقاً مستفزة للمثليين والمتحولين جنسياً، وتعهد حكومته بالاعتراف فقط بجنسين هما الذكر والأنثى، وعزمه على إيقاف «جنون التحول الجنسي»، وإخراج المتحوّلين جنسياً من الجيش ودور التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وأردف ذلك بأمر طريف قضى بأن تقضي «المتحوّلات جنسياً» عقوبتهن في سجون الرجال، ليدفعن بذلك ضريبة الخروج الطوعي من «نون النسوة»، إلى «واو الجماعة».
ولا شك عندي أنهن سيجدن من عنت هذه «الواو» ما يحرقهن ندماً على مفارقة «النون» ولات حين مندم أو سبيل للرجوع.
على العالم أجمع أن يوطّن نفسه لسنوات أربع لن يخلو يوم منها عن إثارة وقرار يرجّ أركان البسيطة رجّاً،
وهو ما سيفتح باب الاحتمالات واسعاً لبروز أقطاب جديدة، وتحالفات بديلة، ربما تعيد شيئاً من التوازن المطلوب والتدافع الحميد بوصفه واحداً من سنن الله الأصيلة في خلقه، والمستفيد الأكبر في هذه الحالة الدول المتوثبة بقدراتها لبلوغ ما تستحقه من مكانة، كفاء ما لها من قدرات وإمكانيات، بشرية ومادية قادرة بها على إحداث الفارق، والخروج من دوامة التبعية والارتهان لسطوة القطب الواحد في العصر الحالي،
ولست أومئ إيماءً بل أشير يقيناً إلى أن المملكة العربية السعودية برؤيتها المستشرفة (رؤية 2030) ستمثل رقماً مهماً في معادلة العالم المتغيّر، والمتحرّك بشكل فوّار ومائج، تبعاً لعهد «ترامب» الجديد، الذي سيدفع بالأمور إلى حواف المواجهة بصورة من الصور، بما يقتضي وعياً جديداً، وفهماً مغايراً واستعداداً بصيراً.

مقالات مشابهة

  • الرئيس أردوغان: الشعب السوري الذي ألهم المنطقة بعزيمته على المقاومة قادر على إعادة إحياء بلده 
  • بعض من مفارقات الإرهاب الأمريكي
  • الجيش الأمريكي يتخبّط في مواجهة صنعاء: الهروب من الهزيمة العسكرية إلى التصعيد الإعلامي
  • طالبه بمزيد من التنسيق لمحاربة الإرهاب في الساحل.. قائد الجيش الأمريكي يوبخ شنقريحة عبر الهاتف
  • الإرهاب الأمريكي عبر التاريخ: وقائع وأحداث تاريخية
  • لميس الحديدي: الكنيسة المصرية غالية على قلوب المصريين.. خاصة البابا تواضروس الذي واجه معنا الإرهاب
  • مصرف الرافدين تحت المجهر الأمريكي وسط اتهامات بـتمويل الإرهاب
  • مصرف الرافدين تحت المجهر الأمريكي وسط اتهامات بـتمويل الإرهاب - عاجل
  • كاد «ترامب» أن يكون..!
  • موسكو: منفذو الهجوم على "سودجا" من الجيش الأوكراني سيُقدمون إلى العدالة