فكرة البطل وفهم معنى الفرصة:
عندما تضع فواصل طويلة بين الكلمات يصبح من الصعب أن تربط جملة مهما كان معناها واضحا أو ساميا، كذلك القيم مهما علت تضيع فاعليتها مع فواصل التخلف وعند وجود الدخيل الفاعل على المجتمعات بحيث تصبح القيم الأساسية مجرد تراث مقدس بذكره لكنه بلا فاعلية. وهذا لا يعني تبني القيم الدخيلة بل هي تركيبة متناقضة مشوهة تعطل بعضها بعضا، وتجد في المجتمع كثيرا من المسوخ التي تزعم أنها تعتقد كذا وكذا لتكون موضع الجدل لا العمل وتأخذ دور المعارضة المسفهة، وربما تتكلم باستعلاء في نقد العاملين الذين يقاتلون داخل أنفسهم وفي بيئتهم من أجل البر بها وإصلاحها.
* هذه الطبقة من التافهين تعرض نفسها وكأنها الأفضل وهي مهزومة ليست مستعدة للتضحية، ولم تضحِّ ولم تعمل وهربت من الظالم لتعود تستغل طيبة العامل، فهي تؤله ذاتها عن فراغ.
* هؤلاءء الناس يحتاجون إلى فهم معنى الفرصة، فليس مناسبا أن يستغل التغيير من طبقة غير مستعدة للتضحية، وإنما تجلس في مكان آمن تنتظر أن يسقط التمر من النخيل، وهذه الناس السلبية التي تتصور أن لها حقوق في الشجرة ولا تكلف نفسها لبذل الجهد لصعود النخيل لجني رطبها، وهم ناس لا يفكرون إلا بالثمر، لا بالبذرة ولا السقي ولا كري القنوات أو عزق النباتات الضارة، بل يأتون للفلاح ليلومونه ويوجهونه، وهو بالكاد يحافظ على توازنه لجني الشجر ويسخرون منه لأن العالم تقدم وهو ما زال يرفع نفسه بسلك بينما هنالك رافعات وأجهزة متطورة، هؤلاء الناس هم نوع من الأهل المرضى المؤلهين أنفسهم جهلا ويحتاجون لاحتضان.
* نوع آخر من التافهين الذين يمجدون البطل ليتحمل عنهم مسؤولية العمل ويمنون عليه أنهم أيدوه إن عجز عن تقديم شيء أو فشل.
ليس التافهون وحدهم بل النخب التي أحبطت أيضا في واقعنا؛ فحينما يأتي إنسان وهو محْتَسِب مُتَحَسِّب يحمل فكرة ويريد أن يقدمها للناس، الناس لا ينظرون إلى ما يقدمه وتفكر فيه بل ينقسم الناس في هذا إلى ثلاثة أقسام:
- قسم قليل يفكر فيما هو معروض من أفكار وتقييمها.
- قسم كبير يعتمد انطباعات سلبية ويرفض تصويبها بل لا يتوقع بهتانها أو مغادرتها.
- الغالبية ممن ترى أن تمجيد الناس برفعها إلى التنزيه والقدسية، وهذا هو موضوعنا المركزي في هذا المقال.
العدالة لا تتحقق إلا بقانون
البلدان في حالات الحروب والثورات هي في حالة ضعف بقدر لا يقل عما تبدو عليه من قوة، هي كالبراكين في قمم شماء عندما تثور تتحرك كينونة الجبل ليخسف بعضه ويزداد في أخاديد سفحه لكنه ليس قويا، وضعف البلدان هذا ليس بالمعيار العسكري وإنما بالمعايير المدنية والاستقرار. لذا لا نتوقع أن يتقدم بلد بكامل طاقته ويوجه موارده وطاقاته بشكل صحيح وهو مستمر في حالة الثورة أو في الحرب والصراعات، فلا يمكن أن تكون الحرب أو الثورة هدفا ولا القوة وعدم الاستقرار والتوجس الجماهيري قاعدة مثلى وصحيحة، وإنما التوقف في مرحلة تحقيق الهدف والغاية من الثورة إن كانت ثورة أو إمكانية الوصول لحل عادل بالمفاوضات لإيقاف الحرب إن كانت حربا، وهي لحظات تاريخية وصافرة رحلة لا يسمعها إلا رجال الدولة.
في التغييرات المجتمعية والثورات، هنالك ما يعرف بالعدالة الانتقالية لكن هذه تحتاج إيمانا بالقانون وتطبيقه، وإلا ستبدأ العملية الانتقالية التي تمثل حالة انتقام فردي لتتحول إلى تنشيط منظومة تنمية التخلف، حيث لا يرى الظالم نفسه ظالما بل هو صاحب الحق ويتأخر باكتشاف نفسه أنه حقق انتقامه لكن فقد آدمية.
التطرف كما العصبية كما رفض الآخر؛ تمثل أشكالا من الأنا الإبليسية التي أدت بإبليس شيطانا، وأدت بآدم إلى امتحان الدنيا كالتي نمر بها ورحلتها جميعا هي منظومة تنمية التخلف الفكرية التي شعارها "نحن نحب الظلم ونحب أن نظلم، ولكن نكره الظلم حين يقع علينا" وهذا تمام الجاهلية.
إن صناعة الآلهة أمر نجيده كأمة ونحن نقدس الأشخاص من التاريخ وننزههم عن الخطأ، وما كانوا منزهين إنما هم بشر يخطئون ويصيبون، كذلك أي إنسان أو مجموعة بشرية تنجح وتبدي تفوقا، وهذا أيضا يمثل السلبيات من العجز والإحباط والكسل وليس الحب للإله الذي نصنعه بتمجيده إلى أن نحوله إلى شيطان كما تحول إبليس، ثم نعيب عليه طغيانه وتألهه. وكيف لا نفعل ونحن موحدون! ناسين أننا من صنع التأله فيه لأننا أردنا منه عملا نكسل عن فعله.
استعادة الحياة:
الشعوب الواقعة تحت الظلم الخاضعة تستفز مصلحيها لانها لا تعرف حدود الحرية وأطرها لبناء المجتمع، وكأنها تريد اختبار تحملهم ومصداقيتهم أو التأكد من أن القيود قد انكسرت فتنطلق إلى أقصى الحدود بل وتتجاوز الحدود، فإن سعى المصلحون لإرضاء النزوات وأوهام الواهمين سيان قمعوها بأوهامهم لأنهم جزء من المجتمع المريض بالاستبداد ومن تشوهت عندهم المسارات، فهذا لن يجدي، إلا أن وضع مهدئات للثورة وترشيد السَكْرة لصالح الفكرة عند الجميع غاية في الأهمية، فالثورة الفرنسية تولى الاستبداد ثوارها، وفكر نابليون بالوراثة لنظامها، لكن في المجتمع المسلم يفرض قيمة للإنسان وينبغي أن يعرف ما حسابه لله وما للمجتمع، ومدى واجبك تجاه الناس ومعنى النصيحة، فلا تدخل في حياة الأفراد ما لم تشع فاحشة تؤثر فعلا على المجتمع، وليس من ضربات وقائية أو إجراءات وكالة عن الله، في ذات الوقت. أي ارتداد نحو الظلم ممنوع سواء بتحول المظلوم إلى ظالم أو عودة الظالم للتمكين وعودة حالة الحرب إلى المسالمين.
الاستعلاء من الطفيليات الذي يقوم به الكسالى والأنانيون، وأولئك الذين يؤلهون أنفسهم لمكانة دينية أو اجتماعية أو لمجرد عيشهم خارج بلدانهم كذلكم من يكون صاحب الفضل ويصنع منه العاجزون إلها، سيخلق حالة من التنافر والسلوك المكروه ممن كرهه، وهنا سيلجأ كل إلى دعم ما هو مضاد والتخندق ويخسر الجميع بمن فيهم من ليس له من الأمر شيء، فيضعف الانتماء حتما ليغدو البلد غنيمة ويمسي المواطنون عبيدا.. إن وضع كل حجر مكانه يحتاج زمنا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التطرف الظلم الآلهة طغيانه تطرف ظلم آله طغيان مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
رفضوا مغادرة بيوتهم.. سكان الخرطوم يروون للجزيرة ما عاشوه خلال الحرب
عندما كانت آلاف الأسر تغادر العاصمة السودانية بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها قبل أكثر من عام، رفض آخرون ترك بيوتهم وقرروا مواصلة العيش تحت أزيز الرصاص واحتمالات الموت الكبيرة.
عائلة الفاتح التي تسكن حي الصبابي بالخرطوم بحري، كانت واحدة من تلك العائلات التي رفضت مغادرة بيوتها، وقد عاشت شهورا طويلة مثقلة بالمرض وتداعيات القتال في واحد من أحلك فصول حياتها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بكثير من الفرح والأمل.. نازحو "ود مدني" يعودون لبيوتهم التي هجروها بسبب الحربlist 2 of 2عملية حاجز تياسير تحدث اضطرابا داخل إسرائيلend of listوتقول والدة الفاتح -لمراسل الجزيرة هيثم أويت- إن الحياة خلال فترة الحرب لم تكن إلا معاناة شديدة حيث كان بناتها يذهبن لجلب الدقيق من أحياء أخرى بعيدة حتى يتمكن من توفير الخبز.
وعندما يذهبن لقضاء المتطلبات الأساسية للحياة، كن يواجهن العديد من المخاطر والمصاعب، كما تقول السيدة الطاعنة في السن.
عودة مظاهر الحياة
وبعدما منعت الحرب الناس من التجمع والحديث إلى بعضهم البعض، بدأت هذه المظاهر العودة مجددا للبيوت بعدما تمكن الجيش من استعادة السيطرة على غالبية مناطق العاصمة.
ولكن الأيام التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المدينة لم تكن سهلة على هؤلاء، فقد نكلت هذه القوات بالرجال والشباب، كما تقول إحدى السيدات.
وحتى المستشفيات نالها ما نالها من التخريب خلال هذه الفترة، بما في ذلك مستشفى الخرطوم بحري الذي تقول السلطات الصحية إنها ستحاول تشغيله بما يتوفر لها من إمكانيات كما فعلت من مستشفيات أخرى.
إعلانووفقا لسهيل عبد القادر -مدير إدارة المستشفيات بوزارة الصحة ولاية الخرطوم- فقد تعرض المستشفى لنهب كبير جدا وجرى تحطيم معداته وتكسير مبانيه.
لكن هذه الأنقاض الكثيرة -التي خلفتها الحرب- لم تمنع الناس من العودة لاستئناف حياتهم مجددا، حيث بدأت طلائع النازحين في العودة للديار رغم استمرار المعارك في بعض مناطق العاصمة.
وبعد نحو عامين من الصمود في مواجهة الحرب وأهوالها وما خلفته من جوع ومرض وخوف وفقد للأحبة، يحاول سكان المناطق التي انحسر فيها القتال لملمة جراحهم وبدء حياة جديدة على أنقاض الماضي الذي لا تزال ظلاله حاضرة أمام عيون الناس وشظاياه عالقة في عقولهم.