صحيفة الخليج:
2025-01-05@17:00:49 GMT

دبي القابضة.. رؤية حضارية عنوانها القطاع الخاص

تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT

انطلقت مشاريع «دبي القابضة» قبل تأسيس الشركة بسنوات، مع إطلاق مدينة دبي للإنترنت عام 1999، وتوالت بعدها المشاريع العملاقة في دولة الإمارات وخارجها لتصبح دبي القابضة اليوم أكبر شركة وطنية في دبي بأصولها البالغة نحو 265 مليار درهم. والأهم أنها نموذج لنجاح إسهام القطاع الخاص
كشريك في التنمية.
شهدت البداية إنشاء مدن تغطي مختلف القطاعات الاقتصادية وتقوم على أسس تجارية تضاف إلى اقتصاد دبي، وذلك وفقاً لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.


القصة من البداية
في أواخر التسعينات، وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فريقه بقيادة محمد القرقاوي، بالعمل على مشاريع استراتيجية في دبي، بما في ذلك مدينة دبي للإنترنت في 1999 ومدينة دبي للإعلام في 2000. وقال سموه يومها: «لا أريد أن يكون مشروعاً استثمارياً تقليدياً، بل مبادرة استثمارية من منطقة الشرق الأوسط إلى الشرق الأوسط».
لم تكن مشاريع تقليدية تعتمد على رأس مال أو دعم حكومي مباشر، بل على قرض قيمته 200 مليون دولار، وتحمّل القائمون على تلك المشاريع الوليدة مسؤولية إرجاع مبلغ القرض وفق جدول زمني محدد وتوقيع كافة العقود القانونية. ومما رفع من مخاطر المشاريع إنشاؤها في مناطق صحراوية بعيدة عن مركز المدينة.
ومع الوقت، نمت هذه المؤسسات وتوسعت، لتنشأ من خلالها شركات كبرى مثل «دو» و«إمباور»، حتى تأسست «دبي القابضة» بشكل رسمي عام 2004، بصفتها مظلة جامعة لكل تلك المشاريع، ما أسهم في تحويلها إلى كيانات ضخمة ناجحة تعتمد على فلسفة تطوير استراتيجي مستدام.
وفي فبراير 2000، وفي مؤتمر «أوراكل في الشرق الأوسط» وبناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أعلن محمد القرقاوي مدير عام منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والإعلام حينها، تأسيس شركة قابضة تتولى إدارة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والإعلام، وتضم العديد من الشركات العاملة في قطاع تقنية المعلومات بمشاركة القطاع الخاص.
ومنذ إنشاء مدينتي دبي للإنترنت ودبي للإعلام، توالت المشاريع التي شكلت مُدناً متخصصة في قطاعات نوعية وشركات باستثمارات عالمية مثل مدينة دبي للإنتاج، ومدينة دبي للاستوديوهات، ومدينة دبي الطبية، وحي دبي للتصميم، ومدينة دبي الأكاديمية، ومدينة دبي الصناعية، ومجمع دبي للمعرفة، ومدينة دبي للتعهيد، ومجمع دبي للعلوم، ومجموعة جميرا، وشركة «إمباور»، وشركة الاتصالات المتكاملة «دو» وغيرها من المشاريع التي قامت على أسس تجارية.
مجموعة قابضة
في عام 2004، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تأسيس شركة دبي القابضة بهدف إدارة المشاريع الكبرى التي بدأت قبل ذلك الموعد ب5 سنوات، وتضمنت أهداف الشركة على المدى البعيد تحويل دبي إلى مركز أعمال عالمي ووجهة سياحية عالمية، فضلاً عن تطوير اقتصاد متنوع ومستدام ومستقبلي من خلال مبادرات تركز على القطاعات غير النفطية، وعيّن سموه محمد القرقاوي رئيساً لمجلس إدارة الشركة، التي تكوّنت من مجموعة شركات لها أصول ولها دخل وتحوّلت إلى دبي القابضة.
وشملت أعمال المجموعة استثمارات في قطاعات مثل الابتكار، والتعليم، والصحة، والتكنولوجيا، والعقارات، والطاقة، والفنادق، والإعلام، في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا وآسيا وإفريقيا، إضافة إلى مشاريع مجموعة جميرا التي تدير أصولاً بقيمة 130 مليار درهم حول العالم، ومنها كارلتون تاور جميرا، وجميرا لاوندر في لندن، وكابري بالاس جميرا في إيطاليا، ومنتجع جميرا بورت سولير في مايوركا بإسبانيا، وآخرها فندق «لو ريتشموند» العريق في سويسرا، كما أن لدبي القابضة مشاريع ضخمة في قارة إفريقيا، وتدير دبي القابضة للاستثمارات أصولاً خارجية بقيمة نحو 10 مليارات دولار، ما أسهم في تعزيز مكانتها بصفتها لاعباً عالمياً رئيسياً.
بنية تحتية متطورة
طورت دبي القابضة، مشاريع ذات بنية تحتية متطورة ومدناً متخصصة مثل مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام اللتين أصبحتا مجمّعات أعمال مزدهرة، إذ تحتضن مدينة دبي للإنترنت أكثر من 1600 شريك عمل بما في ذلك شركات مُدرجة ضمن قائمة «فورتشن 500»، التي تضم أكبر 500 شركة في المنطقة من حيث الإيرادات السنوية. وتضمنت المشاريع المنضوية تحت دبي القابضة كيانات دولية، لترسخ مكانة الدولة بصفتها وجهة عالمية رائدة للأعمال والاستثمار في مختلف المجالات، وتصبح محوراً استراتيجياً لجذب الشركات والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
كيان أكبر
اليوم، وبإشراف سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس مجلس إدارة دبي القابضة، بلغت قيمة أصول «دبي القابضة» بمختلف قطاعاتها حتى منتصف عام 2024 نحو 265 مليار درهم، حيث تنشط في 31 دولة حول العالم. كما مهد دمج كل من نخيل وميدان في المجموعة، لإنشاء كيان أكبر بخبرات تغطي مختلف القطاعات، قادر على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي.
يومها علّق سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، بقوله: «انطلاقاً من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تشرع دبي في كتابة فصل جديد لترسيخ نموها الاقتصادي. ضم شركتي نخيل وميدان تحت مظلة دبي القابضة سيسهم في تعزيز الكفاءة المالية وخلق تأثير عالمي أكبر. ومن خلال محفظتها المتنوعة التي تمتد عبر مختلف القطاعات، تتميز دبي القابضة بموقع جيد لتعزيز تنافسيتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، والمساهمة أيضاً في تحقيق مستهدفات رؤية دبي الاقتصادية 2033. أتشرّف بقيادة هذه المهمة الجديدة ومتفائل بالمستقبل الواعد لوطننا».


التحولات
وخلال العشرين عاماً الماضية، مرت دبي القابضة بعدد من التحولات والتغيرات التي أسهمت في ما وصلت إليه، فقد انطلقت أبرز المشاريع من مجرد أفكار وخطط إلى واقع ملموس، وشملت تطوير مناطق سكنية وتجارية وترفيهية متكاملة أصبحت اليوم أيقونات عالمية، مثل القرية العالمية، كوكاكولا أرينا، دبي باركس آند ريزوتس، حديقة الألعاب المائية، عين دبي، «جيه بي آر»، ذا جرين بلانيت دبي، روكسي سينما، السيف، بلو ووترز وغيرها، كما أدت دوراً محورياً في تطوير قطاع السياحة والضيافة في دبي بتأسيسها مجموعة فنادق ومنتجعات «جميرا» التي تُعد علامتها التجارية المحلية التي انطلقت من دبي إلى العالمية، إضافة إلى الشراكة مع أبرز مشغلي الفنادق حول العالم مثل هيلتون وماريوت وغيرهما.
شراكات استراتيجية
تعد دبي القابضة، عبر ذراعها المتخصصة في تطوير وتنفيذ استراتيجياتها الاستثمارية، دبي القابضة للاستثمارات، ثاني أكبر مساهم في بنك الإمارات دبي الوطني بحصة 14.8%، وثاني أكبر مساهم في إعمار العقارية، كما تمتلك 24% من أسهم «إمباور».
وشاركت دبي القابضة في إنشاء مركز ورسان لمعالجة النفايات، الأكبر عالمياً في توليد الطاقة من النفايات، كما طورت منتجع جميرا مرسى العرب الفاخر. وعقدت شراكة مع «الدار العقارية» لتطوير ثلاثة مشاريع في دبي.
المربع الذهبي
وفي مارس 2024 وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بضم كل من «نخيل» و«ميدان» تحت مظلة مجموعة دبي القابضة، لتشكيل كيان اقتصادي ضخم، بمحفظة بالغة التنوع من الأنشطة الاقتصادية الحيوية، والمرتبطة بشكل كبير بصناعة المستقبل، مثل التكنولوجيا، والإعلام، والاستثمارات المتنوعة.
وتتولى «دبي للعقارات» الإشراف على أهم المشاريع العقارية وأشهر الوجهات في دبي. وتسهم «مِراس» بدور جوهري في تطوير المجمّعات المتكاملة وتضم عدداً من أكثر المناطق المرغوبة للسّكن.
وتعد «نخيل» مطوراً عالمياً، وتعد مشاريعها محورية في تحقيق رؤية دبي.
أما «ميدان»، فقد انبثقت من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتضم مضمار ميدان، ومدينة محمد بن راشد آل مكتوم، والحي الأول، وميدان ون، وفندق الميدان.
30 مركزاً للتسوق
تملك دبي القابضة لإدارة الأصول محفظة قوية تضم: 25 مجمّعاً سكنياً، و15 وجهة للتجزئة والترفيه، و10 مراكز تسوّق تجارية، و20 مركز تسوّقٍ سكنياً، و10 وجهات أعمال.
وجهات التجزئة والترفيه تضمّ 15 وجهة، استقطبت مجتمعة أكثر من 140 مليون زائر في عام 2023.
وتضمّ محفظة دبي القابضة لإدارة الأصول 10 مراكز تسوّق بارزة في مختلف أنحاء دبي، إضافة إلى 20 من مراكز التسوق السكنية.
وتُعد دبي القابضة لإدارة الأصول المساهم الاستراتيجي الأكبر في مجموعة تيكوم.
كما تشمل محفظة «مساكن دبي» للمجمّعات السكنية المخصصة للتأجير، مساكن «نخيل» و«ميدان»، ما أسهم في توسيع نطاق المحفظة الموحّدة لتضم 40 ألف وحدة سكنية من الوجهات البحرية المتميزة إلى الأحياء السكنية العائلية لما يزيد على 150 ألف مقيم.
أشهر الوجهات السياحية
تُعد دبي القابضة للترفيه من أكبر المجموعات الترفيهية المتنوعة في المنطقة، وتلتزم بترسيخ مكانة الإمارة بصفتها واحدة من أكثر الوجهات السياحية المرغوبة في جميع أنحاء العالم.
تقدّم دبي القابضة للترفيه، مجموعة من الوجهات السياحية ومعالم الجذب وتشمل، أعلى عجلة مشاهدة في العالم، و«القرية العالمية» ودبي باركس آند ريزورتس وحديقة وايلد وادي المائية، أول حديقة مائية في دولة الإمارات تم افتتاحها عام 1999.
«جميرا».. درّة التاج
تعتبر مجموعة جميرا أول علامة تجارية محلية في قطاع الضيافة الفاخرة، تضم في محفظتها 42 فندقاً ومنتجعاً عالمياً تضم 10.000 غرفة فندقية.
ومنذ تأسيسها قبل عقدين من الزمن، كان لها تأثير كبير في السوق العالمي لقطاع الضيافة.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الإمارات دبي القابضة صاحب السمو الشیخ محمد بن راشد آل مکتوم مدینة دبی للإنترنت دبی القابضة ومدینة دبی فی دبی

إقرأ أيضاً:

الميزانية وأولويات المرحلة

حاتم الطائي

 

◄ أرقام "ميزانية 2025" تؤكد مواصلة السياسات المالية المُحافِظة

◄ زيادة الإنفاق الإنمائي والرأسمالي من عوامل دعم النمو الاقتصادي

◄ حاجة ماسّة وجوهرية لتحفيز القطاع الخاص وتمكينه من قيادة النمو الاقتصادي

 

لا شك أنَّ إعلان تفاصيل الميزانية العامة للدولة يُمثل في حد ذاته حدثًا يبعث على التفاؤل والشعور بالطاقة الإيجابية في مُستهل كل عام، على الرغم من التحديات التي ما تزال ترافقنا منذ سنوات، إلّا أنَّنا بشكل عام نُحرز تقدمًا، حتى وإن كان بطيئًا وغير ملموس بالصورة المأمولة.

والأرقام المليارية التي كشفت عنها وزارة المالية، فيما يتعلق بالإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2025، وما تتضمنه من إنفاق اجتماعي واستثماري وإنمائي، بجانب المصروفات الجارية، كلها تُؤكد أننا ماضون على الطريق الصحيح، حتى وإن كُنا نطمح للمزيد، ونأمل زيادة الإنفاق، بَيْدَ أننا في حقيقة الأمر نعلم يقينًا حجم التحديات التي تُحيط بِنا من كل صوب، وطبيعة المُتغيِّرات الاقتصادية التي تُهدد النمو الاقتصادي، ليس فقط بالنسبة لاقتصادنا الوطني، لكن لجميع الاقتصادات حول العالم.

استبشرنا خيرًا بالمخصصات المالية المُعلنة في الميزانية الجديدة، خاصة تلك المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية والتي تتجاوز بقليل الخمسة مليارات ريال، علاوة على المخصصات المالية لمبالغ الدعم المختلفة والتي تتخطى 1.5 مليار ريال، وهي مخصصات لا ريب أنَّها ستُساعد في تحسين مستوى معيشة المواطن، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وضعف القوة الشرائية لعدد كبير من المواطنين نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للدخل الشهري، في ظل زيادة أسعار العديد من الخدمات والسلع التي تمثل أساسيات في حياة كل مواطن.

استبشرنا خيرًا كذلك بتراجع الدين العام إلى 14.4 مليار ريال، أي ما يمثل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على تسجيل فائض مالي في الميزانية العامة لسنة 2024، بنحو 540 مليون ريال بدلًا من العجز الذي كان مُقدّرًا في بداية العام المنصرم عند 640 مليونًا، أي أننا نجحنا في تحويل العجز إلى فائض، بفضل ارتفاع أسعار النفط عمّا كان مخطط له.

استبشرنا خيرًا بتخصيص 50 مليون ريال لدعم مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل، وهي خطوة جديرة بالثناء في ظل أزمة التوظيف التي نعاني منها منذ سنوات، دون حلول جذرية، علاوة على أنها تفتح باب الأمل لأعداد كبيرة من المواطنين الساعين نحو الحصول على فرصة عمل لبدء مشوارهم العملي، وشق طريقهم في هذا المعترك الحياتي. ومما يزيد من التفاؤل الإعلان عن نية الحكومة توظيف 4 آلاف مواطن ومواطنة في قطاع التربية والتعليم، ضمن جهود تنمية هذا القطاع وتطويره، باعتباره العمود الفقري لأي تنمية حقيقية في المجتمع.

استبشرنا خيرًا بإعلان الحكومة نجاحها في السيطرة على معدل التضخم وإبقائه عند 0.6%، رغم أن المواطن ما زال يشعر أن الأسعار تفوق قدرته الشرائية، كما استبشرنا خيرًا بالإعلان عن اعتزام الحكومة استكمال إنشاء 20 مدرسة حكومية جديدة، وطرح مناقصات لإنشاء 22 مدرسة أخرى، في خطوة ستُساعد كثيرًا في جهود القضاء على الدراسة المسائية التي لا نعتقد أنها تتناسب مع تطلعاتنا لتطوير المنظومة التعليمية، ولا تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي والتطورات الرقمية والمعرفية. استبشرنا خيرًا كذلك بالإعلان عن ابتعاث 56 ألف طالب داخليًا وخارجيًا، وابتعاث 150 طالبًا للخارج ضمن "رواد عُمان"، وهي أرقام دون المأمول لكنها تتماشى مع التحديات المالية. كما استبشرنا بإعلان استكمال إنشاء 9 مستشفيات حكومية خلال هذا العام الجديد، فضلًا عن تقديم مساعدات سكنية لنحو 1200 حالة مُستحقة، واستكمال بناء الوحدات السكنية في المناطق المتأثرة بالأنواء المناخية، وتوجيه 468 مليون ريال لتعزيز الإنفاق الاجتماعي وتحفيز النمو الاقتصادي، بالتوازي مع الإعلان عن جذب 26.077 مليار ريال استثمارات أجنبية مباشرة بنهاية الربع الثالث من 2024.

ورغم ما سبق، إلّا أنَّ كُل من يقرأ ويطلع على الأرقام والإحصائيات التي تتضمنها الميزانية العامة للدولة، يُدرك أن هناك جهودًا حثيثة تُبذل من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، لكن في المقابل قد لا يشعر المواطن بتأثير مباشر من هذه المليارات على حياته اليومية، أو يملس أي تحسن حقيقي في مستوى معيشته، ويبدو لي أنَّ مرد ذلك تَرَكُّز السياسات المالية المُحافِظة على مسألة الاستدامة فقط وتفادي أي إنفاق إضافي لا تُقابله زيادة في الإيرادات العامة؛ إذ إن أي إنفاق إضافي يعني عجزًا ماليًا، ومن ثم اقتراض- سواء محلياً أو خارجياً- وسحب من الاحتياطيات لسد عجز الميزانية، وهو ما يتضح خلال السنوات الأخيرة أنه أمر غير مطروح على طاولة المعنيين بالسياسات المالية. غير أننا نرى نماذج اقتصادية أخرى تعتمد على مبدأ التوسع في الإنفاق من أجل زيادة النمو وتعظيم الناتج المحلي، حتى ولو كان ذلك على حساب زيادة الدين العام، خاصة وأن الدول التي تمضي وفق هكذا نهج تضع في حسبانها القدرة على السداد، وهي نظريات اقتصادية تختلف باختلاف صُنّاع القرار.

لكن وبعيدًا عن الخوض في النظريات الاقتصادية والسياسات المالية، أعتقد جازمًا أننا في أمس الحاجة لتحفيز القطاع الخاص، الذي يجب أن يكون قاطرة النمو الاقتصادي، وليس الشركات الحكومية. وتحفيز القطاع الخاص يتم من خلال توظيف أدوات ومُمكنات جديدة، وبناء شراكة حقيقية بين القطاعين، تعمل على إسناد جميع المشروعات إلى هذا القطاع، وعدم مزاحمة الشركات الحكومية له. كما نأمل أن تطرح الحكومة حزم تسهيل نقدي وتمويل مُيسر حتى يتمكن القطاع الخاص من النمو وتوسيع أنشطته، ومن ثم توظيف أعداد أكبر من المواطنين، وتخطي حالة الركود والانكماش التي يُعاني منها منذ سنوات.

ولا ريب أنَّ ترسيخ مكانة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، كقطاعٍ قويٍ ومُبادِر، يجب أن يكون نهجا استراتيجيا للحكومة، لا غنى عنه، بصرف النظر عن طبيعة التحديات المالية والاقتصادية، ولا بُد أن يُعاد النظر إلى القطاع الخاص، ومحو الصورة النمطية القديمة عنه باعتباره "تابِعًا للحكومة"، ليكون شريكًا استراتيجيًا، ولاعبًا أساسيًا في نمو الاقتصاد وبناء الوطن. والنماذج الاقتصادية حول العالم تؤكد أن دعم وتحفيز القطاع الخاص يعود بالنفع على المالية العامة ويحقق النمو الاقتصادي؛ إذ إن توسُّع القطاع الخاص يعزز من الإيرادات الضريبية للشركات ويسهم في زيادة عائدات الرسوم ويدعم عمليات التصنيع والإنتاج، علاوة على توظيف الباحثين عن عمل. وهنا نقترح على الحكومة أن تضع هدفًا بزيادة أعداد مؤسسات القطاع الخاص، لا سيما الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إلى مليون شركة خلال سنوات الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي ستبدأ العام المقبل 2026 وحتى عام 2030، وإذا ما وظفّت كل شركة عدد مواطنين اثنين، ستنعدم البطالة في بلادنا، وسينمو اقتصادنا بأعلى المعدلات.

ويبقى القول.. إنَّ أولويات المرحلة الراهنة تتطلب من الحكومة العمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وتجاوز حالة الركود التي تؤثر على العديد من القطاعات، لا سيما القطاعات الواعدة التي كان من المفترض أن تكون المحرك الحقيقي للنمو والأكثر استيعابًا للباحثين عن عمل، ولذلك لا مناص من تنمية القطاع الخاص وتوجيه المزيد من المخصصات المالية لتنفيذ مشاريع نوعية تعتمد على الشراكة بين القطاعين، ومواصلة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأنها الأقدر على تحقيق النمو السريع وتوظيف المواطنين.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • رسميًا.. الثلاثاء المُقبل إجازة مدفوعة الأجر للعاملين في القطاع الخاص
  • الميزانية وأولويات المرحلة
  • إجازة عيد الميلاد كم يومًا لـ القطاع الخاص؟
  • "برنامج الشيخة هند بنت مكتوم للأسرة".. رؤية جديدة للمستقبل
  • الإعلان عن أولى المشاريع الكبرى التي ستنفذها تركيا في سوريا
  • مبادرات.. محمد بن راشد آل مكتوم
  • وصفها بـروح دبي.. الشيخ محمد بن راشد يعبّر عن شكره للشيخة هند بنت مكتوم
  • حزب الوعي: مشروعات القطاع الزراعي نقلة حضارية ساهمت في دفع عجلة الإنتاج والتصدير
  • تصريح معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، بمناسبة الذكرى الـ 19 لتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، مقاليد الحكم في إمارة دبي