أنشودة البساطة.. محمود حامد يكتب: في حب يحيى حقي
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
من أين نبدأ حين يكون الحديث عن يحيى حقى، ونحن نحتفى به فى هذا العدد الذى يصدر قبل أيام من يوم مولده فى يناير ١٩٠٥، وبعد أيام من ذكرى وفاته فى ديسمبر ١٩٩٢؟.. نحن أمام ظاهرة قائمة بذاتها، فهو الروائى وهو مبدع القصة القصيرة، والناقد الأدبى والناقد المسرحى والناقد الموسيقى أيضًا، وهو الكاتب السياسى والدبلوماسى الذى بدأ حياته وكيلًا للنائب العام وعمل لفترة فى المحاماة؟.
ولعل عمله فى أكثر من وظيفة فى وزارات التجارة والخارجية والثقافة، وفى أكثر من مكان داخل مصر وخارجها، أكسبه القدرة على الكتابة بروح تستلهم الواقع، وبالأخص فى أحيائنا الشعبية بكل ما كان يدور فيها من عادات وتقاليد.. وليس من قبيل المبالغة حين نقول أن يحيى حقى أجاد بتمكن واقتدار التعبير عن الروح المصرية والأجواء الشعبية فى بلادنا وعن مكنون النفس البشرية أصدق تعبير وبدون تكلف أو ادعاء، فاستطاع عبر أدبه وقلمه أن يتواصل مع الرجل البسيط العامى ومع القارىء المتعمق الدارس لفنون الأدب ولكل ألوان الثقافة.
كان حقى تاسع من نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ١٩٦٩، ومنحته فرنسا وسام الفارس من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية (فرع الأدب العربي) عام ١٩٩٠.. لكن كل هذه الجوائز لم تغير من طبيعته التى اشتهر بها، فقد كان قمة فى تواضعه، عاش حياته على الفطرة الطيبة النقية بشكل يزيد عن الحد، وكان فى مسيرته هادئًا لم يًعرف عنه محاربة طواحين الهواء.. ورغم هدوئه هذا، رسم طريقه المستقيم وخط لنا سيرة كاتب فذ احتل عن جدارة ركنًا مهمًا من أركان قوتنا الناعمة التى تفخر بها مصر.
ومن غرائب الطبيعة، أنه وهو من هو، لم يكن من كُتاب «الأهرام» مع أقرانه وأصدقائه الذين جاءوا قبله أو بعده مثل توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ أو الدكتور حسين فوزى.. ولعل هذا الأمر يكشف لنا عن بُعد يؤكد بالفعل مدى تواضعه ومدى ارتباطه بأهل مصر الطيبيين، فقد كان يكتب مقالًا أسبوعيًا فى جريدة «التعاون» المعنية بمخاطبة الفلاحين، وحين دعته «الأهرام» للكتابة، اعتذر بأنه ارتبط بالعمل مع «التعاون»، وأن العمال والفلاحين وقراء «التعاون» يستحقون الاهتمام أيضًا.
وإذا كان يحيى حقى قد اشتهر بين الناس بأنه صاحب «قنديل أم هاشم»، فإن هذا التوصيف كان يضايقه كثيرًا وكان دائمًا ما يقول: «كما لو كنت لم أكتب غير هذه الرواية».. ورغم احتفاء المثقفين والنقاد بهذه الرواية، إلا أن صيتها ذاع عندما تحولت إلى فيلم سينمائى، وهذا يأخذنا إلى مدى تأثير الشاشة الفضية على المتلقى، وهى ظاهرة لا تخص مصر فقط، فالعديد من الأفلام أحدثت ضجة عند عرضها تفوق ما أحدثته الرواية المأخوذ منها الفيلم عند صدورها.. والأمثلة على ذلك كثيرة، لعل أشهرها رواية «الفراشة papillon» التى صدرت عام ١٩٦٩ للكاتب هنرى شاريير، وكانت محل اهتمام أهل الأدب، لكن تأثيرها الحقيقى كان مع تحويلها إلى فيلم عام ١٩٧٣ تناول محاولات الهروب من سجن جزيرة الشيطان المميت وظروف ذلك السجن فى أربعينيات القرن الماضى ومدى العذاب الذى يلاقيه السجناء.
الحديث عن يحيى حقى ذو شجون كما يقولون.. وقد حاولنا بهذا العدد الخاص أن نقدم باقة ورد إلى روحه الخالدة، ذلك أن أمثال يحيى حقى لا يموت ويظل عائشًا فينا من خلال كتبه وآرائه وأفكاره وإبداعاته وروحه المصرية الخالصة، كما يظل دائمًا واحدًا من صناع البهجة لأجيال متعاقبة تنهل من ميراثه الثرى والمرتبط أشد الارتباط بالكون والحياة التى نحياها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: يحيى حقي
إقرأ أيضاً:
محمد حامد جمعة: الطبي
زرت اليوم قلعت السلاح الطبي بأمدرمان . وإلتقيت اللواء طبيب محمد الفاتح محمد خير قائد ثاني السلاح الطبي بحضور العقيد
الفاتح عمر ادريس ركن استخبارات السلاح . وقفت سماعا ومشاهدة على تفاصيل ملحمة أخرى لسلاح في لحظة معينة تنقل أطبائه بين الدفاعات وغرف العمليات الجراحية . في الأولى بالسلاح مقاتلين يزودون عن شرف وحدتهم ومؤسستهم الجيش .وفي الثانية يعالجون الجروح والإصابات . تعرفت على ظروف إجراء عمليات على ضوء المصابيح . وقصف يقع أثناء العمليات فيسبق الطبيب الجريح للشهادة . علمت أن بمقابر الشهداء نحو 28 طبيب بعضهم من كبار الجراحين في تخصصات نادرة .بخلاف ضباط من المشاة قطعا (بلغو) للسلاح .وبخلاف العساكر . إستمعت إلى قصص ومشاهد في ذروة إندلاع الحرب كان زاد الرجال فيه كوب (مديدة) كتعبير جوازي وحتى هذه كانت تنعدم في أخر أيام الحصار ! ورغم هذا ظل السلاح الطبي أرضا حرام على المهاجمين الذي فشلوا في عبور متر منه .
2
الضباط وقيادة السلاح حينما كانت تتواصل معهم القيادة العامة أو قيادة المنطقة لتفقدوالأحوال كانوا فقط يطلبون أن يكون عزم كل الجيش ليس فك الحصار عن السلاح الطبي بل ملاحقة المعتدين الى ام دافوق وكل شبر كانوا يقولون نحن تمام .ما عندنا مشكلة !
وحدثني اللواء طبيب محمد الفاتح محمد خليل بلغة عرفانية مشحونة بالتقدير بأفعال بعض كرام أبناء هذا الشعب .حدثني عن سوداني يصل بهدوء إلى سفارة سودانية بالخارج ويستفسر عن إحتياجات طبية ليتكفل بدفع ثمنها . يتردد المسؤول للحظة فقد كان المبلغ كبيرا (حينما ذكرته شهقت ). لكن الرجل يدفعها وتنقل إلى السودان وتنقذ العشرات من المصابين .ويحدث دون أن يترك المتبرع لا اسمه او بطاقته .كأنه لم يحضر . وكل ينفق غال حسب وطنيته . وقد كان من حسن حظي أن امنا عوضية سمك كانت قد سبقتني للقلعة الحصينة أتت على عجالة واعتذرت بأنها لظروف صحتها لن تستطيع التجوال أو الصعود لبعض المكاتب لكنها ـ تعلن لمن قابلت ـ أنها ستخصص يوما حددته ليكون انتاج مطعمها لاهل السلاح الطبي والجرحى ..الجميع ومن حضر
3
ما راقني في حديث اللواء وضباطه أني اكتشفت أن ببلادنا مؤسسسة مرتبة للغاية . السلاح الطبي يدير ظرف الحرب وأثقال التكاليف الكبيرة عليه بنظام دقيق وشامل .ربما يكون يدير من امدرمان كتفا بكتف مع بقية التشكيلات أحوال الحرب .ساعد بساعد وبندقية ببندقية .قرية قرية وزقاق زقاق . لذا حينما إستفسرت بما نعين نحن كمواطنين فقال الجوانب الفنية نحن نحيط بها لكن الجرحى وتواصلكم مع أبطالكم فيما يلي ذلك هو مبذول لكل صاحب سبق وفضل قال نحن في هذه الحرب ايقنا أننا لسنا وحدنا ونحن بالجميع تتكامل . وقياسا ومنطلقا من هذا القول دعونا نضع عند السلاح الطبي في كل زاوية معلما وعون وعطاء . قطعة (شاش) قد ترد بعض الفضل .وقرش بر قد يعني شيئا لجريح تعافى ويرغب في الخروج .
4
هذه الحرب أدى فيها هذا الجيش أداء يفوق المعلوم مما نعلم . هذه معجزة وفضل ألهي وكرامة . ويبدو أن لكل منطقة و(سلاح) قصة بل قصص لم تروى . جمعها الرجل مثل بقايا (المهمات) كأنهم لم يفعلوا شيئا .وهم فعلوا كل شئ ! وزيادة . (هذا الذي أشاهد وأسمع يحتاج فعلا لألية توثيق هذا تاريخ جديد مجيد)
الما حضر معانا الملحمة دي نص عمره ..ضاع ????
محمد حامد جمعة نوار