آثرت الانتظار ولا أعلق على ما حدث فى سوريا الشقيقة.. وانهيار نظام بشار الأسد فى ليلة وضحاها.. أمام ميليشيات عسكرية دون أدنى مقاومة.. وما تلاها من مظاهر وتصريحات من القيادة الجديدة لسوريا.. والتعيينات التى جرت فى الحكومة المؤقتة وفى الجيش السورى ومنح أجانب رتباً عسكرية.
ما يجرى فى سوريا شبيه تماماً بما جرى مع صدام حسين، بغداد سقطت فى يد الأمريكان فى غمضة عين بنفس السيناريو وبنفس الطريقة وبنفس الخيانة وعلى ما يبدو أن حزب البعث بنى على الخيانة وليس المبادئ كما كان يزعم منظروه.
ولأن بشار رفض كل النصائح بإدارة حوار مع المعارضة المدنية ورفض فكرة توسيع الهامش الديمقراطى فى البلاد، وكلنا نتذكر قانون الأحزاب الذى أصدره فى بداية الثورة السورية كان يمنع قيام الأحزاب ومصادرتها، وما حدث لبشار درس لكل حاكم يرفض الديمقراطية والتعددية وحرية الرأى والتعبير ويحبس الناس على النوايا بقوانين ألفاظها مطاطة.. التداول السلمى للسلطة هو المنجى من هذه التقلبات.
والملاحظ أن جبهة النصرة هى التى سيطرت على مقاليد البلاد، وأبعدت كل فصائل المعارضة الأخرى مثل الائتلاف الوطنى وغيرها من الجماعات التى كون قياداتها ثروات كبرى نتيجة معارضة النظام السورى وهم لا صمتوا ولم يبدوا أى امتعاض على التعيينات والتشكيل الحكومى المؤقت والتعيينات فى الجيش والشرطة السورية. ولأن من كان يمول هذه الفصائل ارتضى بما يجرى فى سوريا، فكان صمت قادتها هو الأسلم لأن هناك نموذجاً جديداً يتشكل فى سوريا دولة دينية منفتحة نسبياً يحكمها تنظيم منذ أيام كان يصنف قائده بالإرهابى.. وتبنى القائد الجديد خطاباً يبدو منفتحاً ليس مثل خطاب طالبان فى أفغانستان ولا خطاب الإخوان فى مصر عندما حكموا فهو ما زال يتحدث عن فترة انتقالية قد تطول عن 3 أشهر لكنه يتعهد فى كل مرة بمشاركة كل أطياف الشعب السورى فى إدارتها رغم أن قراراته تؤكد العكس تماماً.
هذا النموذج الذى لن يعادى الكيان الصهيونى وهى الحجة التى يرددها قادة جميع الفصائل الإسلامية التى تحارب الأنظمة الحاكمة فى بلادها لأنها متخاذلة فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين كما يزعمون وحجتهم أن الاحتلال عدو بعيد وأن الأنظمة السياسية هى العدو القريب، أما الآن فسقطت هذه الحجة بينهم وبين إسرائيل، وأصبح العدو الإسرائيلى أمامهم مباشرة، ولكن منذ هروب بشار احتلت إسرائيل أراضى أكثر من سوريا وسط صمت تام من النظام الجديد فى دمشق والعناصر المتحالفة معه حتى لم يكلف قائده سفير سوريا فى الأمم المتحده تقديم شكوى فى مجلس الأمن.
الغرب يبحث عن دولة دينية إسلامية بجوار دولة دينية يهودية بينهما تعاون وعلاقات واتفاقيات ويكون نموذجاً يتمتع بالتسامح مع الآخرين ومع حقوق المرأة فى التعليم لكنه سيفرض قواعده الأخرى المتعلقة بالزى والعمل والسفر وغيرها من الحقوق الأخرى وهو النموذج الذى فشل فى أفغانستان ومصر فى حكم الإخوان.
أما الأرض التى احتلتها إسرائيل فى سوريا ودخولها العمق السورى، فقد يكون هناك اتفاق مع القيادة الجديدة تمهيداً لنقل مواطنى غزة والضفة إلى هذه الأراضى بعد الموقف المصرى والأردنى الرافض لعمليات التهجير القسرى وتصفية القضية الفلسطينية.. إسرائيل والولايات المتحدة يمهدان الطريق إلى هذا الهدف وهذه المرة سيكون على يد الدواعش والنصرة والقاعدة والجماعات الإسلامية والسلفية وحتى الإخوان.
المشهد السورى الحالى والتطورات القادمة ستكون هى المحرك الأساسى فى المنطقة وعلى ضوء السيناريو الحالى سوف يتحدد مصير المنطقة كلها وكذلك مصير التنظيمات المتطرفة فى المنطقة والعالم وعلينا أن نراقب ما يحدث بدقة حتى لا تفاجأ بانهيار دول أخرى فى المنطقة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الثورة السورية فى سوریا
إقرأ أيضاً:
إسرائيل ومعرض الكتاب
يبدو أن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لم يساعده أحد من أسطول الخبراء المحيطين به والمتخصصين فى تاريخ الشرق الأوسط من القراءة الصحيحة لتاريخ مصر جيداً، فجاءت تصريحاته بشأن تهجير نحو 1.5 مليون فلسطينى من غزة إلى سيناء والأردن، نوع من الغشاوة السياسية، فالحقيقة الثابتة تاريخيا تقول: عندما تسقط بغداد ودمشق فهذا يعنى ان نهايتهم على أبواب مصر.
لذلك كان من الطبيعى أن يتلقى «ترامب» هذه العبارة الناجزة من الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى والتى تتكون من خمس كلمات لا سادس لهم: «تهجير الفلسطينيين إلى مصر خط أحمر»،
فلطالما كانت ضربات مصر موجعة ومدهشة لعدوها الصهيونى، فبعد ثلاث سنوات فقط من نكسة 1967، يطرح الفنان عبدالسلام الشريف، أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر، فكرة إقامة معرض دولى للكتاب على الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة فى تلك الفترة، فتنتفض عقول مصر ومثقفيها وناشريها، وتدعو العالم بأسره إلى أقامة أول معرض دولى للكتاب على أراضيها والأول فى الوطن العربى أجمع، فى إعلان واضح وصريح أنها قوة ثقافية لا يستهان بها، وكنز بشرى لا يخضع لأحد.
إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب جاء ضربة قوية للعزل الثقافى الذى فرضته إسرائيل، وكان بمثابة أول هزيمة ساحقة لها، فمع تدفق الناشرين العالميين والإقبال الكبير من دور النشر على المشاركة، ثبتت القاهرة مكانتها كعاصمة ثقافية عالمية، الأمر الذى زاد من عزيمة المصريين فى مواجهة التحديات على كل الأصعدة، الثقافية والسياسية.
ووفقاً للباحث محمد سيد ريان صاحب كتاب «حكاية أول معرض دولى للكتاب»، أن الدورة الأولى كانت حدثاً ثقافياً فريداً من نوعه، فى رد عملى على الغطرسة الصهيونية بشتى ميادين القتال.
ظلت إسرائيل تتساءل بدهشة: كيف يكون ذلك؟ لقد هزمناهم، ودمرنا بنيتهم التحتية وطائراتهم، واحتللنا أرضهم، ورغم كل ذلك، نجدهم ينظمون حدثا ثقافيا مهما لأول مرة فى تاريخهم.. كيف استطاعوا جمع دور النشر العالمية وجعلها تشارك فى هذا الحدث الكبير؟ كيف تمكنوا من تحويل الهزيمة إلى قوة، والإعاقة إلى انطلاق، ليكونوا فى هذا الموضع من الريادة الثقافية؟
دورات معرض القاهرة الدولى للكتاب كانت بمثابة صفعات متتالية على وجهة الكيان الصهيونى، حيث قدم عشرات الباحثين المصريين والعرب كتب، دراسات بحثية، روايات أدبية، ودواوين شعر مستفيضة من خلال دور النشر المصرية والعربية وحتى الترجمات عن لغات أجنبية مشاركة فى المعرض تتناول وتفند العقلية الصهيونية وبداية نشأتها وسياسة إسرائيل فى المنطقة العربية وأطماعها.
وهو ما جعل الكيان الصهيونى يمنع المشاركين فى المعرض فى دورته الأولى عام 1969، من نشر كتبهم وأتاحتها فى إسرائيل.
على المستوى السياسى ووفقاً لاتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل استطاعت الأخيرة أن تخترق العزل الاجتماعى والنفسى الذى يحيط بسفيرها فى القاهرة، ففى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 1981، توجه السفير الإسرائيلى فى القاهرة «إلياهو بن اليسار» إلى السراى رقم 7 التى يقع فيها جناح توكيل «إدكو إنترناشيونال» الذى تعرض من خلاله الكتب الإسرائيلية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب الثالث عشر « يناير 1981»، حسب توثيق «شهدى عطية» لهذا الحدث فى صفحته على موقع «فيسبوك»، مضيفاً: «كان ذلك الجناح يتلاصق مع جناح «الفتى العربى» الفلسطينى والذى يرفع علم فلسطين على كل شبر من واجهته الملاصقة للجناح الإسرائيلى، ما دعا مسئول الأمن فى السفارة الإسرائيلية إلى محاولة تغطية العلم الفلسطينى بلافتات تحمل طوابع بريد إسرائيلية، أثناء قيام السفير الإسرائيلى بافتتاح الجناح أمام عدسات التليفزيون الإسرائيلى.
كان المعرض فى أرض المعارض بالجزيرة، وكان الشاعر صلاح عبدالصبور هو رئيسه باعتباره رئيساً للهيئة المصرية العامة للكتاب، وحسب «عطية»: «كان أول تجربة واقعية لقياس رد فعل الشعب المصرى للتطبيع مع إسرائيل، ومنذ اللحظة الأولى بدأت المواجهة»، ويشير إلى أن حضور السفير الإسرائيلى استفز الجمهور، فاندفعت فتاة لتنتزع اللافتات الإسرائيلية، وهنا سقطت اللافتة فوق رأس السفير الإسرائيلى الذى هرول فى ذعر خارج أرض المعرض، وتم إنزال العلم الإسرائيلى بالقوة، وتحولت ساحة المعرض منذ اللحظات الأولى لحرب إعلامية ضد إسرائيل، وتوالت البيانات من حزب التجمع والعمل والأحرار، ودعت البيانات إلى المطالبة برفع العلم الفلسطينى على جميع دور العرض، ووقع على البيانات لطفى وأكد «نائب رئيس حزب التجمع»، وفؤاد نصحى عن حزب العمل، وكامل زهيرى، نقيب الصحفيين، وأحمد نبيل الهلالى، عن مجلس نقابة المحامين، وعبدالعظيم مناف، وسمير فريد، وغيرهم.
فشلت محاولة التطبيع الثقافى هذه المرة، وتكررت مرة ثانية وأخيرة أثناء حكم مبارك فى يناير 1985، حيث خصص القائمون على المعرض جناحاً خاصاً لإسرائيل، واحتج الكثير من المثقفين على اشتراك إسرائيل فى المعرض، وقال فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد آنذاك، فى هذا الصدد: كيف تسمح الحكومة المصرية باشتراك إسرائيل التى تنشر كتبها الكاذبة وتقف أمام مصالح الدول العربية؟ وطالب «سراج الدين» الحكومة المصرية بنشر صور توضح المذابح التى تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى.