عربي21:
2025-03-10@03:20:30 GMT

سوريا وإدارة المرحلة

تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT

تحتاج سوريا اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، إلى إدارة رشيدة وعقلانية ومنفتحة، فالبلاد التي خرجت من رحم حرب مدمرة ومنهكة على كافة المستويات، وعانت من تدخلات خارجية كبيرة، وشهدت ولادة العديد من التيارات والتوجهات، هي بحاجة ماسّة اليوم لإدارة توازنات معقّدة بكثير من الحكمة والتبصر.

بمنطق ديفيد إيستون في تحليله النظمي الشهير، ثمة ضغط مطلبي هائل على النظام السياسي الجديد، وتوقعات داخلية مرتفعة بحجم الحاجة في بلد مزقته واستنزفته الحرب؛ للخدمات وتحسين الوضع المعيشي، وإظهار توجهات سياسية جديدة تطمئن الجمهور الذي ضحّى سنين طويلة للخلاص من نظام التهميش والتطفيش، عن مكانته ودوره المستقبلي في صنع السياسة ومعرفة الآليات التي ستنظم مشاركته في إطار النظام السياسي الصاعد، وكل ذلك بالتزامن مع تلبية الخدمات المستعجلة، في ظل حالة من التأييد الواسع لهذا النظام، وهذا التأييد يأتي قبل كل شيء من الاعتقاد بأن من يبرزون في واجهة الحدث الآن، وحتى وإن بدوا بمثابة طيف واحد له سبغة أيديولوجية معروفة، إلا أنهم خلاصة مخاض سوري عسير لم يتسن له الولادة إلا على هذه الشاكلة.



أول شيء تحتاج له سوريا اليوم والمستقبل هو إعادة بناء الوطنية السورية، إذ ليس سرا أن هذه الوطنية تعرضت على مدار نصف قرن من حكم الأسدين إلى تشويه ضاعت معه معانيها ومضامينها وركائزها، وأكثر من ذلك، انهار البناء الوطني الذي تشكّل في مراحل تأسيس الكيان السوري، وجرى استبداله بانتماءات طائفية وعرقية وعشائرية ومناطقية
في المقابل من ذلك، ثمة مطالب خارجية، إقليمية ودولية، تشكل ضغطا هائلا على المنظومة، التي ستتحول إلى نظام سياسي وحوكمة وآليات سلطوية، إما بقصد المساهمة في صياغة نمط الحكم الذي ستنتجه المرحلة القادمة، والذي تحرص الأطراف المتضاربة المصالح والرؤى على أن يكون متوائما مع مصالحها الأمنية والسياسية، ومتوافقا إلى حد بعيد مع ترتيباتها على مستوى المنطقة ورؤيتها للمشهد الجيوسياسي الذي تطمح له، والذي ستؤثر به إلى حد بعيد مخرجات المرحلة الراهنة التفصيلية في السياسة والاجتماع والاقتصاد وأطرها الدستورية والقانونية.

أمام هذه اللوحة العريضة من المطالب، فإن أول شيء تحتاج له سوريا اليوم والمستقبل هو إعادة بناء الوطنية السورية، إذ ليس سرا أن هذه الوطنية تعرضت على مدار نصف قرن من حكم الأسدين إلى تشويه ضاعت معه معانيها ومضامينها وركائزها، وأكثر من ذلك، انهار البناء الوطني الذي تشكّل في مراحل تأسيس الكيان السوري، وجرى استبداله بانتماءات طائفية وعرقية وعشائرية ومناطقية، وتتطلب المرحلة الحالية، لاحتواء التحولات السورية على مختلف المستويات، تعزيز أسس الوطنية السورية قبل أي شيء آخر، لكن ذلك لن يتم بالآليات المجربة في سوريا وغالبية دول الإقليم، عبر الشعارات والأغاني الحماسية وتمجيد القيادات السياسية، فهذه العدّة انتهت صلاحيتها منذ عقود، كما أنها غير صالحة للعمل في مشهد سوري معقد ومشتبك بالأصل مع أسئلة مفتوحة على حساسيات وانتماءات ومصالح متضاربة.

بالإضافة لذلك، هناك خارج يراقب المشهد بعناية، ويعيد تقييم قراءته للتحولات السورية بدقة، فالمسألة ليست مجرد إزاحة نظام واستلام نظام آخر مكانه، بل توازنات انهارت ومنظومة قيم جديدة على وشك التموضع في الحيز السوري وتداعيات محتملة لكل ذلك، لا سيما وأن تجربة الربيع العربي التي أنتجت سلسلة تداعيات غير محسوبة؛ أثرت بشكل كبير على نمط الاستقرار الذي ظل سائدا لعقود في المنطقة وانطوى على معادلات صاغتها نخب المنطقة الحاكمة وكلفت موارد وجهود هائلة على مدار الحقبة الماضية.

ثمة فرص ومخاطر كبيرة تلوح أمام الفاعلين الجدد في المشهد السوري، ستحددها كيفية إدارتهم للمشهد وقدرتهم على مراعاة الحساسيات المختلفة لسد الذرائع وتدعيم الخواصر الرخوة، على الصعيدين المحلي والخارجي، وهنا يتوجب التحذير من الحرتقات السياسية واللعب على الحبال واتباع عقلية التاجر السوري، وبدلا من ذلك اتباع سياسات شفافة وواضحة تعزّز الاحتضان الشعبي لهم ومن كافة الفسيفساء السورية، والابتعاد عن سياسات التهميش والاستقواء بطرف ضد آخر
لن ينتظر الداخل والخارج كثيرا ليرى ما ستؤول إليه الأمور في دمشق، الوضع بنظر هؤلاء رخو وقيد التشكّل ويمكن التأثير به، قبل أن يصبح صلبا ويصعب التأثير به أو تغيير بعض أجزائه. فثمة نخب قديمة حكمت في سوريا يُراد لها أن تتقاعد وتتنازل عن مصالحها التي لا يمكن مراعاتها في العهد الجديد لأنها تأسست في الغالب على منطق وآليات لم يعد ممكنا القبول بها، وإلا سنكون ليس فقط أمام إعادة إنتاج المشهد القديم وحسب، بل والتنازل عن مطالب القطاعات الأوسع في المجتمع التي شكلت الروافع الأساسية لهذا التحوّل وتضييع مصالحها، وهي قطاعات باتت وعبر تجربتها المديدة في الثورة أكثر وعيا سياسيا وقدرة على إنتاج أنماط اعتراض ومقاومة إذا لم يتم تلبية توقعاتها.

أيضا البيئتان الإقليمية والدولية لن ترحما أولئك القادمين للسلطة في سوريا، انطلاقا من حقيقة وضع سوريا المركزي في المنطقة وتأثيره على المشهد الجيوسياسي العام وانعكاسه على أوزان الفاعلين الإقليميين، إذ إن سوريا بنظر غالبية اللاعبين الدوليين هي لقمة كبيرة على لاعب أو اثنين، وبالتالي فإن حصصها يجب أن تكون متساوية بينهم، كما أن أغلب الأطراف لها استثمارات، بطريقة أو أخرى، جرى بناؤها في العقد الأخير، ولن يقبل أي طرف التنازل عن حصته.

إزاء ذلك، ثمة فرص ومخاطر كبيرة تلوح أمام الفاعلين الجدد في المشهد السوري، ستحددها كيفية إدارتهم للمشهد وقدرتهم على مراعاة الحساسيات المختلفة لسد الذرائع وتدعيم الخواصر الرخوة، على الصعيدين المحلي والخارجي، وهنا يتوجب التحذير من الحرتقات السياسية واللعب على الحبال واتباع عقلية التاجر السوري، وبدلا من ذلك اتباع سياسات شفافة وواضحة تعزّز الاحتضان الشعبي لهم ومن كافة الفسيفساء السورية، والابتعاد عن سياسات التهميش والاستقواء بطرف ضد آخر، وعليهم أن يدركوا أن الثورات المضادة تقف على الباب بوصفها الاحتمال الأرجح القابل للتفعيل في مواجهتهم.

x.com/ghazidahman1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا بناء طائفية الثورة سوريا بناء ثورة طائفية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من ذلک

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة

أكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد بهاء حلال أن المشهد في سوريا لا يزال معقدًا جدًا، وأن التطورات الأخيرة تمثل جزءًا من سلسلة أحداث متواصلة، وليست مجرد عملية واحدة انتهت بإعلان الاستقرار في الساحل السوري.

وأشار العميد، خلال مداخلة مع الإعلامية آية لطفي، ببرنامج "ملف اليوم"، على قناة "القاهرة الإخبارية"، إلى أن التدخلات الأمنية العنيفة ضد المدنيين، بالإضافة إلى الاشتباكات المسلحة بين القوى المختلفة داخل البلاد، زادت من حالة عدم الاستقرار، كما أوضح أن السقوط السريع للنظام السابق أدى إلى ارتدادات داخلية، كان من أبرزها ظهور رامي مخلوف الذي حاول توجيه رسائل إلى الطائفة العلوية، متهمًا بعض ضباط الفرق العسكرية بالتسبب في الأوضاع الحالية.

وأضاف أن النهج المتبع حاليًا لا يختلف كثيرًا عن سياسات النظام السابق، رغم طرح السلطات الجديدة مرحلة انتقالية سياسية، إلا أن غياب إشراك كل الفئات والمكونات السورية في الحوار الوطني تسبب في زيادة التوتر.

كما أشار إلى أن إسرائيل تسعى لتحقيق توازن بين روسيا وتركيا في سوريا، وتعمل على فرض سيطرتها جنوب البلاد، بينما تضغط الولايات المتحدة على روسيا لإبقاء قواعدها في الساحل السوري، موضحًا أن هذه التحركات تشير إلى صراع على سوريا وليس مجرد صراع داخلها، حيث تسعى كل قوة إقليمية ودولية إلى تحقيق مصالحها على حساب وحدة واستقرار البلاد.

وحذر العميد بهاء من أن الأحداث الأخيرة ليست سوى مقدمة لمواجهات أعنف مستقبلاً، خاصة مع وجود مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة مثل الأفغان والإيجور، الذين يشتبه في أنهم مدفوعون بأجندات استخباراتية دولية لزعزعة الاستقرار داخل سوريا.

وختم حديثه بالتأكيد على أن دول الجوار، مثل لبنان والأردن، ستكون في عين العاصفة إذا ما استمر التصعيد أو حدث تقسيم لسوريا، مشيرًا إلى أن الأوضاع القادمة قد تكون أكثر تعقيدًا مما هو متوقع.

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدًا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • المشهد السوري اليوم!
  • أمريكا تندد بالمجازر التي حدثت في الساحل السوري
  • من هو مقداد فتيحة الذي ارتبط اسمه في إشعال الساحل السوري؟!
  • الرئيس السوري:ما يحصل في سوريا متوقع ويجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • المشهد السوري: معارك في مناطق الساحل ومستقبل غامض
  • ما الذي يجري في سوريا؟
  • السعودية تدين الجرائم التي قامت بها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا وتؤكد وقوفها إلى جانب الحكومة السورية