سوريا الجديدة.. من خطاب التخويف إلى مشروع وطن للجميع
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
المشهد السياسي في سوريا أربك الذهنية العربية؛ فلم يعتد العرب على أن يحدث تغيير دون إراقة الدماء، ولم يعتادوا دخول قادة جدد لا يقتلون على الهوية، فسوريا اليوم تعيش لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي، حيث يتبدل المشهد الذي هيمن عليه الخوف والانقسام لعقود طويلة، لتبرز ملامح وطن جديد يسع الجميع.
لعقود، اعتمد النظام السوري، بقيادة الراحل الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الأسد الذي غادر، استراتيجية تقوم على استثمار مخاوف الأقليات لضمان بقائه، فخلق النظام صورة ذهنية تربط أمن هذه المكونات باستمراريته، وروج لفكرة أن سقوطه سيؤدي إلى مذابح طائفية وانهيار للنسيج الاجتماعي.
هذا الخطاب زرع الهلع في نفوس الأقليات وعزز الانقسامات الطائفية، حيث أصبحت مفردات مثل "الأقليات" و"الأغلبية" جزءً من لغة سياسية يومية تهدف إلى تكريس التعصب والخوف المتبادل.
لكن مع بروز القادة الجدد، تغيرت المعادلة بشكل مفاجئ. تبنوا خطاباً سياسياً مغايراً يقوم على التسامح والشراكة الوطنية رافضين استخدام لغة الطائفية أو الاستقطاب، انتقل الحديث من "حماية الأقليات" إلى "بناء وطن مشترك"، ومن "الأمان تحت النظام" إلى "الأمان عبر سيادة القانون".
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الخطاب، بل تم ترجمته إلى ممارسات فعلية تؤكد الالتزام بالمواطنة المتساوية وتنبذ الانتقام.
لأول مرة منذ عقود، بدأ السوريون يتنفسون الحرية في وطن يرى الجميع فيه مواطنين متساوين دون إقصاء أو تمييز.
في المقابل، واجه هذا التحول مقاومة شرسة من بعض قنوات الإعلام العربي الرسمي، الذي لعب دوراً محورياً في شيطنة القادة الجدد.
استثمر الإعلام في خلق صورة نمطية سلبية لكل من يحمل مرجعية إسلامية، وقدمهم كتهديد وجودي للأقليات وللمجتمع ككل، هذا الخطاب التضليلي كان يهدف إلى إقناع المواطن العربي بقبول استبداد العسكر كضمانة للاستقرار، ولكن مع مرور الوقت وانكشاف الحقائق، بدأ هذا الخطاب يفقد مصداقيته، وأدرك السوريون، ومعهم المواطنون العرب أن الاستبداد لم يكن أبداً ضمانة للأمن، بل كان السبب الرئيسي في تفكك النسيج الاجتماعي.
اليوم، تبدو سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، حيث تتلاشى روايات التخويف لتحل محلها قيم المواطنة والشراكة الوطنية، الوطن لم يعد حكراً على فئة أو طائفة، بل أصبح فضاءً جامعاً يتسع للجميع دون استثناء.
هذه التحولات ليست مجرد إنجاز سياسي، بل هي بداية مشروع وطني يعيد بناء الهوية السورية على أساس التعددية والمساواة.
التجربة السورية تقدم درساً عميقاً للعالم العربي، إنها تبرز أن الخوف والانقسام ليسا قدراً محتوماً، وأن تجاوزهما ممكن بوجود رؤية جامعة وقيادة حكيمة.
سوريا اليوم تثبت أن الألم يمكن أن يتحول إلى أمل، والانقسامات إلى وحدة، والخوف إلى شراكة وطنية. إنها دعوة لإعادة التفكير في مفهوم الدولة والمواطنة، وبناء أوطان قائمة على العدالة والمساواة، "وطن للجميع وفوق الجميع ويتسع الجميع"، وطن فوق كل انتماء أو اختلاف.
ahmedalameri@live.com
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القومي العربي يعتزم إطلاق حملة عالمية لحق العودة ردا على مشروع ترامب
أعلن المؤتمر القومي العربي، أنه يعتزم إطلاق حملة عربية وإسلامية وعالمية من أجل حق العودة باعتباره الرد العملي الأسلم على مخططات اقتلاع الفلسطينيين.
جاء ذلك في اجتماع للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي مساء أمس الخميس ترأسه حمدين صباحي الأمين العام للمؤتمر، وشارك فيه الأمناء العامون السابقون وعدد من أعضاء المؤتمر القومي العربي.
ودعت الأمانة العامة للمؤتمر إلى أوسع دعم عربي لمصر والأردن ولبنان في مواجهة الضغوط الأمريكية، وتوسيع حركة المقاطعة العربية والإسلامية والدولية للعدو وداعميه، كما إلى عقد قمة عربية وإسلامية دفاعاً عن كل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ورفضاً قاطعاً لمشروع ترامب ودعماً لموقف مصر والأردن الرسمي والشعبي منه، وللمساهمة الجادة في إعمار غزّة ولبنان قياماً بما يفرضه واجب الأخوة من جهة، وتعطيل استخدام الإعمار كوسيلة للابتزاز السياسي.
وفي هذا الإطار أقرّت الأمانة العامة للمؤتمر خطة عمل من أجل إطلاق حملة عالمية من أجل حق العودة وضعها عضو الأمانة العامة أ. أحمد كامل البحيري، وكلفت اللجنة التنفيذية بوضع الآلية التنفيذية لها بالتعاون مع كل الفعاليات العربية والإسلامية والعالمية المهتمة بإقرار حق العودة باعتبارها الرد السياسي على مخططات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم، كما يحاول الرئيس الأمريكي ترامب أن يسعى إلى تحقيقه.
كما دعت الشعب العربي إلى مقابلة مشروعي التطبيع والديانة الابراهيمية بوعي وإرادة شعبية موحدة تحول دون تحقيق أي تقدم في أي ساحة عربية.
وناقش المجتمعون الأوضاع السياسية في الوطن العربي في ظل التطورات التي شكلت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير فلسطينيي قطاع غزة، كما ناقش سبل دعم وتعزيز صمود الشعب العربي في غزة وفي جنوب لبنان.
وأكدت الأمانة العامة للمؤتمر القومي أن "الأمة العربية تمر بحقبة تاريخية ذات أهمية استثنائية، صنعتها نضالات ومجاهدات المقاومة في فلسطين ولبنان، عبر عقود من الزمن، وعزّزته الجهود اليمنية والعراقية، وتُوجت من خلال تراكم مدافعاتها المخلصة والناجزة في ملحمة "طوفان الأقصى" الذي أثبت قدرة المقاومة العربية الباسلة على إفشال أهداف الاحتلال برغم الاختلال في موازين القوة المادية، وأكدت جدارتها في فرض معادلات قوة جديدة في تاريخ الصراع بين الحق والباطل".
وشدد المجتمعون على أن ملحمة "طوفان الأقصى"، وعبقرية وحدة الساحات، والصمود التاريخي لشعبنا في غزة والضفة ولبنان، وضعت المشروع الصهيوني في فلسطين، والقدرات الغربية الداعمة له أمام أختبار حقيقي، أنتج إنجازات كبيرة في مسرح العمل العسكري ومسرح العمل السياسي، وفتح آفاقاً لإنهاء هذا المشروع ولعودة الحقوق العربية في فلسطين ولبنان، كما حقق دفعاً نوعياً في مسار الحرية والعدالة على المسرح الدولي".
ودعا المجتمعون إلى البناء على ما تحقق من إنجازات، والتحسّب لمواجهة ما ينتظر الأمة من تحديات، وفي مقدمتها مشروع ترامب الهادف إلى تهجير فلسطينيي غزة، ومشروع التطبيع المصحوب بمشروع الديانة الابراهيمية.
إقرأ أيضا: FP: خطط ترامب لتملك غزة جنونية وسيرفضها الفلسطينيون
ومساء الثلاثاء، كشف ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عزمه الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، ما أثار ردود فعل إقليمية ودولية رافضة واسعة.
وفي تصريحاته الثلاثاء، لم يستبعد ترامب إمكانية نشر قوات أمريكية لدعم إعادة إعمار قطاع غزة، متوقعا أن تكون للولايات المتحدة "ملكية طويلة الأمد" في القطاع الفلسطيني.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروّج ترامب لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
للإشارة فالمؤتمر القومي العربي هو منظمة تجمع شخصيات عربية ذات توجه قومي، تأسس عام 1990 في تونس، ويُعتبر امتدادًا للمؤتمر العربي الأول الذي عُقد في باريس عام 1913.
يهدف المؤتمر إلى تعزيز العمل القومي العربي وتوحيد الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة للأمة العربية. يُعقد المؤتمر سنويًا في دولة عربية مختلفة، حيث يتم مناقشة القضايا والتحديات التي تواجه العالم العربي.
في دورته الثالثة والثلاثين التي عُقدت في بيروت عام 2024، دعا المؤتمر إلى تأسيس "الصندوق العربي لإعمار ودعم فلسطين"، مؤكدًا دعمه للمقاومة الفلسطينية.
إقرأ أيضا: مصر تبدأ حملة دبلوماسية ضد مقترح ترامب بتهجير سكان غزة.. "معاهدة السلام في خطر"