توصف لقطة آلة التصوير لأي صورة بأنها اللحظة الهاربة؛ ذلك لأنها لن تتكرر بنفس تفاصيلها التي أخذت بها في تلك اللحظة، وخاصة للصور المتحركة، وغير الثابتة، وما ينطبق على هذا المعنى بالنسبة للصورة، فإن الفكرة ذاتها تذهب إلى حيث اللحظة الزمنية التي تتقاطر عليها الأحداث من كل حدب وصوب، فما هي إلا تلك لحظتها الزمنية الحاضرة فقط، فما إن تجاوزت ثانيتها إلا وتتشكل أحداث أخرى، وتتخذ مواقف أخرى، وتتغير قناعات أخرى، وأتصور من هنا تأتي مقولة: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» والقطع هنا ليس ذلك الفهم التجريدي أو الفيزيائي للمعنى، وإنما يذهب إلى معنى استغلال الفرص، واستثمار اللحظة، فالرهان يبقى على ذات اللحظة، وضرورة عدم التفريط فيها.
ولذلك كثير من الناس يخسرون لحظتهم الراهنة، ويندبون حالهم، وتسمعهم يرددون: «يا ليت وافقت»، «يا ليت استغليت العرض»، «يا ليت بعت، أو شريت» وغيرها من الألفاظ التي يندم فيها كثير من الناس من عدم التوافق مع ظروف لحظتهم تلك قبل أن تهرب من بين أيديهم، فالهروب هنا معناه ضياع الفرصة، ومعناه عدم تكرار ما كان موجودا قبل قليل، فمتى ينفض السامر، تخلُ الساحة من مباهج صورها الاحتفالية، وأصفها بالاحتفالية لأنه متاح فيها أن تستعرض الكثير مما هو مرغب فيه للأطراف الحاضرين، وللمقاربة تذهب الفكرة إلى أبعد من ذلك، فإن الحياة -عموما- بمقاييسها المادية هي صورة احتفالية بامتياز، وما يذهب إلى النقيض يبقى أقل في العدد والتأثير، وبالتالي فمتى استغل العمر البيولوجي للإنسان الفرد في كثير من المتاح في هذه الحياة، يعتبر ذلك لحظة ذهبية ليس يسيرا تكرارها، ومن يفرط في هذه اللحظة الذهبية أو تلك يخسر الكثير، ويبقى التعويض صعب جدا إن لم يكن مستحيلا، ولذلك قيل أيضا: «لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد» لأن ما تستطيع إنجازه اليوم بظروفك المتاحة من الصحة، والفرص المواتية، وتوفر سبل الإنجاز، قد لا يتحقق ذلك لك غدًا، وبالتالي فسوف تسقط نفسك من حيث لا تدري في «اللحظة.. الحاضرة الهاربة» وهذه الصورة في مجملها متاحة للجميع، وليست لها خصوصية، أو ظروف خاصة لكل فرد على حدة، نعم، قد يبدو بعض ما نطمح إليه صعب التحقيق في الوقت الذي نريده، ولكن عندما نملك ما نستطيع تملكه لماذا يؤخرنا جانب التلكؤ والانتظار، والبحث عن خيارات نعتقد أنها الأفضل؟
«اللحظة.. الحاضرة الهاربة» يمكن أن نقول عنها مشروع فردي، أو اجتماعي، أو حتى مشروع دولة، لمَ لا؟ فكثير ما يتاح للدول كما هو الحال للأفراد الفرص الذهبية، ولكن لأن هناك بيروقراطية في اتخاذ القرار، تولي الفرص الذهبية دبرها باحثة عمّن يستغل فرصتها المتاحة، ولذلك تجد كثيرا من الأنظمة - في مجالات السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة - تخسر مشاريع مهمة، بعوائد أكثر أهمية؛ لأن صاحب القرار في صورها تلك ليست عنده القدرة على استشراف أفق المستقبل، فلا يزال متموضعًا عند سننه التقليدية التي تخيم عليها الكثير من الصور النمطية، ومعروف عن الأثر السلبي التي تعكسه تموضعات الصور النمطية على الفكر الإنساني بشكل عام، حيث تحد من قدرته على التحرر، والبحث عن سبل ومخارج ومنافذ ذات أفق أكثر حداثة، وأكثر جرأة، وأكثر مغامرة، ولذلك فالإدارات التقليدية في كل شيء لا تقدم مكسبا تنمويا يشار إليه بالبنان، حيث تبقى تكرر ما كان عليه من كان قبلها وكفى.
يلتحم التطور -غالبا- بالحياة الحاضرة المتجددة، التي يصل فيه مستوى التفاعل نسبا عاليا جدا، حيث تكون فيه الرهانات لما يتجاوز نسبة الـ(90%) ومن يتمكن من أن يحجز له مساحة في هذه النسبة فهي البطولة بامتياز، وهنا لن يكون للحظات الحاضرة فرصة للهروب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أبو نمو: محبط من سلوك حكومتنا التي فاقت النبي أيوب في صبرها تجاه دولة تشاد المعادية
قال وزير المعادن السوداني محمد بشير أبو نمو إنني محبط من سلوك حكومتنا التي فاقت النبي أيوب في صبرها تجاه دولة تشاد المعادية. وإنه آن الأوان للتفاكر حول عمل تنسيقي للتعاطي الأمني والإعلامي والدبلوماسي لمواجهة هذا العدوان.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب