تنتابك أحيانا حالة من عدم الاستقرار النفسي عندما تجد موظفا نصب نفسه متخصصا في «وضع المقترحات فقط» دون أن يحرك ساكنا أو يكلف نفسه مشقة إيجاد الحلول المناسبة عندما يستقبل مشكلات المراجعين سواء في تذليل الصعوبات التي من شأنها أن تؤخر من إنجاز معاملاتهم أو البحث عن سبل تيسر عليهم العناء والانتظار الطويل.
قد تواجه بعضا من الموظفين الذين يتسببون في إيجاد صدمة كبيرة بالنسبة لك ولغيرك، يتكلم كثيرا وتحس من حديثه بأنه غاية في السعادة لأنه اكتشف شيئا سيمنعه من مواصلة عمله في إتمام المعاملة التي بين يديه، ولكثرة حديثه سيبدأ في طرح المقترحات العامة التي يستوجب عليك اتباعها حتى تظفر بالإنجاز المرتقب.
يبدأ حديثه بأن المعاملة التي بين يديه لا تعنيه من قريب أو بعيد، ويشير إلى أن هناك جهة أخرى هي المعنية بذلك، رغم أن الإجراءات يمكن إنجازها بسهولة من خلاله، وعندما يحتدم النقاش ما بين الموظف وبعض المراجعين، يتهرب الأول من خلال طرح سيل من المقترحات التي لا أساس لها من الصحة أو الواقع المتبع، فقط لأنه يريد تحقيق أمرين لا ثالث لهما، الأول هو أن يتخلص من المراجع بأي شكل من الأشكال، الأمر الثاني هو لا يريد أن يعمل بضمير أو يكلف نفسه إنجاز معاملة الآخرين رغم أنها من صميم عمله ومن اختصاصاته، كل ما في الأمر هو أنه يدعي أنه مشغول حتى أخمص قدميه.
مثل هذا الموظف وغيره هم أشخاص في مواقع العمل، والمثير للدهشة أن المعاملة ربما تأخذ مجرى مختلفا عن طبيعتها أو المتعارف عليه سابقا، فـ«المراجع (المغلوب على أمره) كمن يتعلق بقشه حتى ينجو من الغرق»، يظن بأن كل ما يطرحه الموظف من «اقتراحات وتوجيهات» هي السبيل الوحيد لاختصار الوقت وإنجاز المعاملة، يتفاجأ بعض المراجعين بأنهم يعودون ثانية إلى الموظف ذاته «الناصح الأمين» لهم في البداية، يحتدم النقاش بينهما ولكن لا فائدة من كل ذلك، الموظف بأسلوبه وتصرفاته قد أوقف إنجاز المعاملة، واستهلكت واستنزفت المعاملة مدة زمنية في عملية «اللف والدوران» التي أشار إليها الموظف بمقترحاته الوهمية واختراعه لإجراءات لم تكن موجودة في السابق.
حوارات التعقيد والتشدد من بعض الموظفين تأتي من عدم رغبتهم في تخليص المعاملات لأي سبب غير مقنع، بالطبع هذا التصرف «غير المسؤول» هو إعاقة متعمدة لدورة العمل وتأخير جائر من بعض الموظفين الكسالى عن أداء الواجب الوظيفي والوطني، وهذا يعكس صورة سيئة للغاية في أذهان المراجعين ويجعلهم يفكرون آلاف المرات قبل أن يخطوا خطواتهم في التعامل مع هذه الدوائر التي هي في نظرهم تتسم بـ«التعقيد وطول الإجراءات».
ليس من المنطق أو العقل أن نقترح أشياء لا تنص عليها الأنظمة أو اللوائح، وليس من العدالة أن يتكبد المراجع مشقة العناء والتنقل من دائرة إلى أخرى بسبب «مزاج موظف كسلان»، ومن الظريف أيضا أن بعض الموظفين يريد المراجع هو من يقوم بأعمال ليست مناطة به مثل مخاطبة دائرة أخرى ليتأكد من معلومة أو استيضاح لأمر معين، بالرغم من أن الموظف ذاته يعمل في المكان نفسه الذي يشير إلى المراجع الذهاب إليه.
لقد سهلت التكنولوجيا الحديثة إنجاز المعاملات بشكل إلكتروني، وهذه التعقيدات والتشديدات التي يريد أن يطبقها بعض الموظفين أصبحت لا قيمة لها، لكن تصعيب الأمور وتضخيم الأشياء لدرجة مبالغ فيها تأتي من أشخاص ليسوا جادين في العمل، ومن المحزن أيضا أن يكون المسؤول عن هذا الموظف شخص يغلب العلاقة الشخصية على المصلحة العامة، خاصة إذا لجأ المراجع إلى من يتولى الإشراف على الدائرة التي يعيق أحد الموظفين أمورها، وهذا بالطبع ليس صفة عامة، وإنما هي حالات فردية - وهذا من حسن الطالع طبعا- أن يكون الأمر فرديا، ولكن الغالب أن المسؤول الواعي يتبنى مواقف إيجابية تمنع الموظفين الكسالى من التمادي أو إعاقة دورة العمل بشكل متعمد.
العمل في أي مكان كان هو أمانة يتحملها الموظف والمسؤول معا، وتبسيط الإجراءات وإنجاز المعاملات هي أمور أصبحت سهلة للغاية خصوصا مع دخول المعاملات «الجانب التقني والرقمي الحديث» سواء في المخاطبات أو الإجراءات التسلسلية، فكل هذه الأدوات جعلت الأمور غاية في السرعة والدقة في الأداء والإنجاز.
بعض الموظفين حتى هذه اللحظة يعتقد بأن عملية التعامل مع الحاسوب هي أمر صعب واختراع حديث، ولذا يستثقل فتح المعاملات والبت فيها أو تحويلها إلى الأقسام الأخرى، ولذا من الممكن أن تظل المعاملة عالقة عند موظف معين لفترة ليست بالقصيرة، وكل حديثه ينصب على أن ضغوطات العمل تقع على رأسه، وكل المعاملات تسير حسب الدور وأسبقية الوصول إليه، وهو أمر لا مصداقية فيه أبدا لأن هذا الموظف يحتاج إلى رقابة وحزم أكثر من غيره.
بوجه عام، علينا كموظفين وعاملين في أي قطاع كان أن نتقي الله تعالى ونخشى عقابه، ونحاسب أنفسنا أولا قبل أن يحاسبنا من نقع تحت مسؤوليته، فكل عمل ننجزه بصدق وأمانة هو مفخرة لنا ونثاب عليه، أضف إلى ذلك، أن تبسيط الإجراءات يزيد من ثقة المراجعين والمترددين على المؤسسة أو الهيئة أو الوزارة التي نعمل فيها، وعلى عملنا هذا نتقاضى أجرا ماليا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بعض الموظفین
إقرأ أيضاً:
وزير الشئون النيابية: ضمان استدامة تمويل منظمات العمل الأهلي لتأمين الموظفين يحمي المؤسسات والعاملين بها
حضر المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، جلسة مجلس النواب، التي عُقدت صباح اليوم الأحد الموافق 9 مارس 2025، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، وبحضور الوزير محمد جبران، وزير العمل.
وخلال الجلسة، وافق مجلس النواب على تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتبي لجنتي الدفاع والأمن القومي، والشئون العربية عن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 570 لسنة 2024 بشأن الموافقة على اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
اشتراط الموافقة على نقل المحكوم عليهموفي هذا السياق، أوضح الوزير محمود فوزي في معرض تعليقه على استفسارات أحد السادة النواب، بشأن اشتراط موافقة المحكوم عليه على نقله، أن هذه الاتفاقيات لها قواعد عادة ما تكون موحدة في معظم الحالات، وبالعودة نجد أن معظمها تتضمن موافقة على النقل من المحكوم عليه، والحقيقة أن الأسباب هنا معترف بها دوليًا، وتشمل تعزيز إعادة التأهيل في التنفيذ في بلد المحكوم عليه، بحيث توفير بيئة أفضل للمسجون، وتخفيف معاناته، ومعاناة أسرته، وتسهل زيارته، وتخفف العبء على الدولة التي صدر فيها حكم الإدانة ويتم فيها التنفيذ قبل طلب النقل.
وقال المستشار محمود فوزي: "اطمئن النائب المحترم أن هذا الشرط شرط نمطي متكرر، وموجود في معظم الحالات ويحمل في طياته صدق وحسن النوايا، وحسن إدارة العدالة بأن طلب النقل ليس قسريًا، وليس رغما عن المسجون".
مشروع قانون الحكومة بإصدار قانون العملاستأنف المجلس مناقشاته حول تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة، ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والخطة والموازنة عن مشروع قانون مُقدم من الحكومة بإصدار قانون العمل.
ويستهدف مشروع قانون العمل المقدم من الحكومة، وضع رؤية جديدة لحقوق العمال وأصحاب الأعمال، دون الإخلال بمبدأ التوازن بين جميع الأطراف، ويأتي مشروع القانون تماشيًا مع المتغيرات الجديدة والتطورات الكبيرة التي شهدتها مصر في بنيتها التحتية في جميع القطاعات ومنها الصناعة والتجارة والزراعة، وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتعزيز دور القطاع الخاص، حيث نظر المجلس بجلسة اليوم المواد من المادة 2 إلى المادة 35، وتتعلق المادة 2 بالتعاريف، في حين تنظم المواد من 3 إلى المادة 15 الأحكام العامة، وتضمنت المواد من 16 إلى 35 الأحكام الخاصة بالتدريب وسياسات التشغيل.
وفى هذا السياق، أكد المستشار محمود فوزي، أن قانون العمل هو الشريعة العامة، وعندما يرد التحرش والتنمر داخل الشريعة العامة، وجب على المنشأة أن تضع جزاء لهذا في لوائحها، التزامًا بالقانون، ومنظمة العمل الدولية من بعد عام 2019 تشجع التشريعات المحلية في قانون العمل على مواجهة مسألة التحرش والتنمر، وبالتالي فإن استجابة المشرع المصري لهذا الأمر هي استجابة للمعايير الدولية.
حماية العمال من الفصل وتأمين عقودهموأكد وزير الشئون النيابية، أن المادة 11 من مشروع القانون نصت صراحة على أنه لا يترتب على إدماج المؤسسة، أو تقسيمها، أو انتقالها بالإرث، أو الوصية، أو الهبة، أو البيع، ولو كان بالمزاد العلني أو الإيجار، أو أي تصرف إنهاء عقود عمال المنشأة، بل يكون الخلف مسئولًا بالتضامن مع أصحاب الأعمال السابقين عن تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة عن هذه العقود.
لا نزول لعمال المنظمات الأهلية عن الحدود الدنياوأوضح أن العمال طبقا لتعريفات مجلس النواب هو كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب العمل، وبالتالي منظمة العمل الأهلي بالنسبة للعامل هي صاحب عمل، ومن ثم لا يجوز استثناؤه والنزول بالعامل عن الحدود الدنيا الواردة في هذا القانون لمجرد أنه بيعمل لدى منظمة عمل أهلي، وأي إقرار عكس ذلك سيدخلنا في شبهة جدية بعدم الدستورية.
ضمان استدامة تمويل منظمات العمل الأهلي لتأمين الموظفينوذكر الوزير محمود فوزي، أننا نحتاج إلى استدامة العمل الأهلي، كونه العمل الذي يتكفل بالإنفاق على أسر العاملين بمؤسساته، مثل ممرض في مستوصف، لا يمكن أن يعمل مجانًا، لمجرد أن المستوصف خدمي ولا يهدف للربح، ومن ثم لا يمكن النزول بالحدود الدنيا للعاملين في الجمعيات الأهلية عن العاملية بأي عقد عمل عادي، فهناك شبهة عدم دستورية، فضلا عن أنه ليس في صالح استدامة العمل الأهلي، لذا يجب أن نفكر في كيفية استدامة تمويل لمنظمات العمل الأهلي لتأمين الموظفين بها، وتأمين عملهم باستقرار على مدار السنة.
حق الإعفاء من المصروفات والتوازن بين المصالح المتعددةوشدد المستشار محمود فوزي، على أن المشرع الرشيد هو المشرع الذي يستطيع أن يوازن وبدقة بين المصالح المتعددة، والتي قد تكون متعارضة، وحق التقاضي من الحقوق العامة المكفولة للجميع، وبالتالي لا يجوز التمييز ما بين الناس وبعضها في حق التقاضي، ولكن يجوز _ لاعتبارات يقدرها المشرع_ منح بعض الأفضلية، شرط أن يتمتع بها الجميع، والمادة صريحة أنها في صالح العمال، ولو حذفنا البند، هنعود لقاعدة أن كل من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها، ومن ثم فالحذف يضر بالعامل ولا ينفعه، ولو أردنا إعفاء العامل من المصروفات في كل الحالات، فأين التوازن مع احتمال التعسف في استخدام الحق في التقاضي، علمًا بأن للقاضي حق الإعفاء من المصروفات وفقا لملابسات التي ينظرها، ولكن ربما يتسبب الإعفاء الدائم في تفرغ العمال للدعاوى القضائية، وبالتالي من أجل كبح جماح التعسف في استعمال الحق يجب اعطاء القاضي هذه السلطة.
تشكيل المجلس القومي للأجوروعن تشكيل المجلس القومي للأجور، قال المستشار محمود فوزي، إنه يتكون من تشكيل متناسب ما بين أصحاب الأعمال والوزراء والعمال، وليس هناك تحديد لجهة أخرى قادرة على ممارسة هذا الدور بشكل أكفأ من المجلس، مشيرًا إلى أن مقترح الحكومة في هذا الشأن كان محل إشادة من منظمة العمل الدولية، ويتوافق تمامًا مع المعايير الدولية، والفقرة الثالثة تتحدث عن أن من يضع النظام تنسيق من الوزارات المختلفة.
اختصاصات المجلس الأعلى لتنمية مهارة الموارد البشريةالمستشار محمود فوزي، أوضح أن المجلس الأعلى لتنمية مهارة الموارد البشرية مجلس مهم وله اختصاصات، والحكومة بعد مشاروات، تطلب إضافة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة إلى التشكيل، والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، والأول له باع طويل في مسألة التدريب وتطوير المهارات البشرية، ولإحداث التوازن لا يمكن أن يزيد أو يختل توازن تمثيل الأعضاء الحكوميين، لذا نطلب أيضًا تعديل العدد في تمثيل ممثلي منظمات أصحاب الأعمال من 6 إلى 7 وكذلك بالنسبة للمنظمات النقابية العمالية.
وعن تنظيم مسألة الاستعانة بذوي الخبرة في المجلس ، قال وزير الشئون النيابية والقانونية، إن الاستعانة سلطة تقديرية، ولا إجبار على المجلس أن يستعين بذوي الخبرة، والكلمة هنا تساوي المتخصصين، خبرة عملية أو أكاديمية، لذا نحاول توحيد التشريعات، وهذه هي المصطلحات التي جرت عليها السنة التشريعية في تشريعاتنا.
وعن تحديد مدة المجلس الأعلى لتنمية مهارة الموارد البشرية، قال الوزير فوزي، إن تشكيل المجلس يعتمد على تراكم الخبرات، ويتكون من نوعين، أولهم موجودين بصفتهم في الحكومة، واستمراره يتوقف على وجوده في المنصب، أما باقي الأعضاء فالحرص على توفر تراكم الخبرة.
وأوضح الوزير محمود فوزي، أن الجمعيات الأهلية في تطبيق أحكام هذا القانون هم من أصحاب الأعمال، كونه يوظف العمال، وقانون العمل يقوم على التوازن بين ثلاثة محاور، أولهم الدولة، وثانيهم أصحاب الأعمال، والعمال هم المحور الثالث، وبالتالي تمثيل الجمعيات موجود ضمن أصحاب الأعمال.
وفى الختام، وافق مجلس النواب على المواد المشار إليها بعد مناقشات موسعة لاقتراحات التعديل التي قدمت في شأن جانب كبير منها من السادة النواب ومن الحكومة، حيث وافق المجلس على هذه المواد كما وافقت عليها اللجنة المشتركة عدا المواد (10)، (14)، (17)، (18)، (19)، (22)، (25)، التي ووفق عليها معدلة.