د. المعشر يكتب : دعم الديكتاتوريات.. أم العمل نحو التعددية؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
#سواليف
#دعم_الديكتاتوريات .. أم العمل نحو #التعددية؟
د. #مروان_المعشر
حالة دعم الديكتاتوريات في #الوطن_العربي ظاهرة قديمة، خاصة من الشعوب التي تقطن خارج البلدان السلطوية البطشية. أسباب عديدة أدت إلى ذلك في منطقتنا العربية، فالعديد من الناس في البلدان التي لم تكتو بنار الديكتاتوريات انبهرت في الماضي، إما بمحاربة هذه الديكتاتوريات للإسلام السياسي، أو لادعائها بحماية الأقليات، أو لمعارضتها اللفظية لإسرائيل، حتى لو لم تترجم هذه المعارضة لأية أفعال حقيقية تقاوم #الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية.
وها هي الاحتفالات العفوية التي عمت مختلف المدن والمحافظات السورية، تعبر عن حقيقة مشاعر الناس الذين عانوا من النظام، مقارنة بمشاعر البعض ممن يعيشون خارج سوريا وممن دعموا النظام السابق لأسباب يجدون اليوم من الصعب تبريرها.
إسقاط أنظمة بطشية خطوة ضرورية لمستقبل أفضل، ولكنها ليست خطوة كافية، حان الوقت لإعادة الاعتبار للتعددية وللتشاركية وللديمقراطية
مقالات ذات صلة ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على قطاع غزة إلى 45.658 2025/01/03كيف نفسر هذه الظاهرة التي تكررت مرات عديدة في العالم العربي منذ الاستقلال في العصر الحديث؟ هل تنبهر الشعوب العربية بالحاكم القوي، حتى حين يمارس هذه القوة ضد شعبه؟ ولماذا يتم تجاهل ذلك؟ هل تنخدع هذه الشعوب بالوقوف اللفظي لهذه الأنظمة ضد إسرائيل بينما لم تطلق رصاصة واحدة من النظام السوري ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان مثلا؟ هل تتجاهل هذه الشعوب استعمال الأسلحة الكيماوية في العراق ضد الأكراد والبراميل المتفجرة ضد المدنيين في سوريا والسجون البشعة في كلا البلدين؟
يبدو لي إننا أقدر على التبرير السلبي لدعم الأنظمة البطشية من الدعم الإيجابي. أعني بهذا أن العديد منا يدعم أنظمة لوقوفها ضد فكرة أو تيار معين، كالإسلام السياسي أو إسرائيل مثلا، أكثر من دعمنا لما تقدم هذه الأنظمة من مشاريع إيجابية لدفع بلدانها نحو التقدم والازدهار. لم يكن الدعم السلبي يوما كافيا لبلورة مشاريع تحاكي احتياجات الناس وتؤدي لدعمها لأنظمتها السياسية. لقد وحدت المعارضة للوجود السوري في لبنان، على سبيل المثال، الكثير من مكونات المجتمع اللبناني، ولكن حين فشلت هذه المكونات في تقديم مشروع لبناني إيجابي لمستقبل البلاد، فقدت هذه المعارضة الكثير من زخمها. حان الوقت في نظري للانتقال من حالة الدعم السلبي لأنظمة سلطوية بطشية، إلى العمل نحو، بل الإصرار على، أنظمة تحترم تعددية مجتمعاتنا الجندرية والدينية والثقافية والإثنية. لقد سفه العديد منا مثل هذه الأفكار التي رأوا فيها تهديدا لمجتمعاتهم، حتى أصبحت الديمقراطية والتعددية لديهم قيمة سلبية. وبشر العديد منهم بانتهاء الربيع العربي الذي رأوا فيه عامل هدم وخراب، ولكنهم في المقابل، لم يتقدموا بمشروع إيجابي لمعالجة المشاكل التي أدت للاحتجاجات العربية، بل اكتفوا بالتخويف من الإسلام السياسي، أي مرة أخرى بالدعم السلبي، من دون تقديم حلول إيجابية. والنتيجة أتت واضحة. لن تبقى الشعوب ساكنة إلى الأبد بينما لا تعالج مشاكلها، ولن ينجح البطش والقبضة الأمنية في حمل الناس على الخنوع اللامتناهي. لعل ذلك من أكبر الدروس التي تعلمنا إياها الحالة السورية، كما حاول أن يعلمنا إياها العديد من حالات انهيار الأنظمة في الكثير من الدول العربية، مثل ليبيا واليمن وغيرهما. أن إسقاط أنظمة بطشية خطوة ضرورية لمستقبل أفضل، ولكنها ليست خطوة كافية، حان الوقت لإعادة الاعتبار للتعددية وللتشاركية وللديمقراطية. إعادة الاعتبار هذه تعني إعادة تركيز البوصلة نحو الإصرار على نظم تعددية تحترم مكونات المجتمع كافة. لقد وقفت شخصيا ضد ممارسات النظام السوري طيلة حياتي السياسية، وفي الوقت نفسه فإن حكمي على النظام الجديد مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى التزامه الفعلي، لا اللفظي، بالتعددية، أي نظام جديد لا ينظر إلى النساء أو العلويين أو الأكراد أو الدروز أو المسيحيين، أو أي مكون آخر من مكونات المجتمع السوري، نظرة متساوية، نظام لا يستحق الدعم.
في زمننا هذا، لا يجوز أن يدعي أحد احتكار الحقيقة، أو يحاول أي كان فرض نظام حياته على باقي المجتمع. من حق المسيحيين، بل من واجبهم، التظاهر إن أحرقت شجرة عيد الميلاد، ومن حق العلويين، بل واجبهم، الوقوف ضد أي محاولة للانتقام الجماعي منهم لمجرد أن بشار الأسد علوي. كما آن الأوان للاعتراف بالأكراد كمواطنين ومواطنات سوريين لهم كامل حقوق المواطنة كما عليهم كامل واجباتها.
هكذا يبنى المجتمع السوري الجديد، ليس بالبطش، ولكن بالتشاركية. على المجتمع السوري، والمجتمعات العربية كافة، واجب اليوم بعدم الاكتفاء بالانتظار ريثما تتضح معالم النظام السوري الجديد، ولكن بإعلاء الصوت والوقوف الواضح مع الالتزام بالتعددية، بل واحترامها والاحتفاء بها، ومعارضة كل من لا يقوم بذلك في المستقبل. لنعطي التعددية والديمقراطية ما تستحقان من احترام.
وزير أردني سابق
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف التعددية مروان المعشر الوطن العربي الاحتلال سجون النظام السوري المخلوع معاناة مکونات المجتمع النظام السوری العدید من
إقرأ أيضاً:
عن تعطيل القدرات الفكرية العربية
علينا أن ندرك أن المجتمعات الغربية في القرن الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر الميلادي، كانت تعاني من أزمات وجودية، ومن حروب وصراعات مدمرة، وقاتلة, تماماً كالذي يحدث عندنا اليوم، ومثل هذه المقارنة الذهنية تقول أن العرب والمسلمين يعيشون أزمنة تجاوزها المجتمع الإنساني منذ قرون، واستطاع من خلال مفكريه الكبار أن يبدعو واقعاً جديداً لينعموا بقدر من الهدوء والاستقرار من خلال التأكيد على الاحتياجات البيولوجية والسيكولوجية للإنسان، وتحقيق القدر اللازم من الأمن النفسي والاجتماعي، وهي حاجات لم يكن القرآن بغافل عنها ولا المنهج المحمدي من خلال تأكيدهما على خاصية الأمن من الخوف, والأمن من الجوع .
فما الذي يحدث في المجتمعات العربية ؟
الذي يحدث في المجتمعات العربية كما هو معلوم لكل ذي لب أو بصيرة هو الامتثال للنص، وتعطيل خاصية التفكير والابتكار، وبسبب ذلك شاعت الاشتراكية في المجتمعات العربية كقيمة كلية نصية غير قابلة للتجزئة، وفي مقابلها شاعت الحركات الدينية كاجترار تاريخي نصي غير قابل للحوار مع المستويات الحضارية الجديدة، ونشأت فكرة القومية العربية رفضاً لثنائية الهيمنة والخضوع للمستعمر، وعلى وفق ذلك دارت حركة المجتمع وتوازنه في حالة اغتراب زماني ومكاني وثقافي وحضاري، فهي لم تلب الاحتياجات الأساسية للإنسان، فالعدالة الاجتماعية عند قوى اليسار الاشتراكي كانت شعاراً لم يتجاوز شكليته بهدف الوصول إلى السلطة وليس أكثر من ذلك، والقومية العربية لم تتجاوز مفرداتها، ومثل ذلك ينزاح إلى حركة «الإخوان المسلمون « الذين دارت شعاراتهم في مربعات حاكمية الله في الأرض، ولم يصلوا إليها، وكانت فلسفتهم ترى أن صلاح الأمة في هذا الزمان لا يتحقق إلا وفق المقاسات الأولى للدعوة الإسلامية في زمنها القديم كما ورد في أدبياتهم، وتبعاً لذلك كان الصراع هو ديدن المجتمع العربي الإسلامي الذي لم يبتكر جديداً، واستسلم للفوارق الحضارية في مستوياتها المتعددة، وهو يستجر النظريات اللغوية، والثقافية، والاجتماعية، والعلمية، بعد أن كان مصدراً لها ومبتكراً لكل تموجاتها، وكل الدراسات الحديثة تؤكد أن ملهم الغرب في الوصول إلى المستويات الحضارية كان ابن رشد وغيره من العلماء الذين أخذوا العلوم من اليونان والاغريق ثم أضافوا وابتكروا وساهموا في صناعة واقع جديد في حياة البشرية جمعاء.
وبالقفز على كل الأزمنة والتطورات التي حدثت في المجتمعات وصولاً إلى الحالة اليمنية التي لم تك بمنأى عن ظلال ما سلف بيانه، فالاشتراكية التي حكمت في الجنوب (23 ) عاما من (67_90 م) عملت على تعطيل القدرات، والإمكانات، وساهمت في ترميد حركة المجتمع، وكانت تخوض صراعاً مع الجماعات الدينية بشقيها السلفي و الإخواني، والصراع بين تلك القوى لم يتجاوز الشعارات، ولذلك رأينا كيف تلاشت الحركة الاشتراكية إلى درجة فقدان التأثير، والفاعلية، الذي كانت عليه في النصف الثاني من القرن العشرين، ومثلها الحركة القومية، ولم يعد لهما من وجود يذكر حين القياس على الواقع اليوم, وها هي حركة الإخوان تعلن عن غروبها بعد أن أصبح شعارها شعاراً قاتلاً لا يحمل الخيرية للبشرية وقد وصلت ذروة نكوصها باشتغالها على التفجيرات وممارسة الإرهاب الذي يهدد الإنسانية جمعاء بالفناء والعدمية، ولم تكن هذه النتيجة بدون مقدمات منطقية بل ساهمت الأجهزة الاستخبارية العالمية في صياغتها بطريقتها حتى تستمر مصالحها في المجتمعات التي كانت تخضع لسلطتها الاستعمارية في القرن الواحد العشرين وما قبله .
وبالتأسيس على ما سبق بيانه, وفقا لحركة التاريخ، نرى أن المجتمعات الحية والفاعلة في حركة المجتمع التاريخية تفرز واقعاً جديداً كما تقتضيه حركة التدافع بين الخير والشر والفساد والإصلاح وفق التعبير القرآني والإسلامي, وقد جاءت حركة أنصار الله كنتيجة منطقية و طبيعية لمقدماتها التي بدأت عند مطلع الألفية وبالتحديد منذ الحرب الأولى على صعدة عام2004م وصولاً إلى حالة تفجر الحدث في عام 2011م وحركة أنصار الله كانت هي التعبير الأمثل عن القوى الإسلامية الجديدة، والقوى المستضعفة التي جاءت وفق سنن الله في كونه من حيث المظلومية والاستضعاف ومن حيث تحقيق وعد الله بنصرة وتأييده وبالتمكين لهم في الأرض, وهذه الحركة ترى في القرآن الكريم منهجاً ونظرية …. يمكن السير في طريقها للخروج من المسالك المظلمة وهي محقة في ذلك, فقد كانت سورة الأعراف تحمل مقاصد الله من خلال سرد متواليات الحدث وبيان انحرافه عن مقاصد الله ووجوب عقوبته، ولذلك قالت سورة الأعراف بشكل مجمل بحاجات الإنسان ومقاصد الله وتحدثت عن العقوبات التي إنزالها على الأمم، بسبب فقدان المعيارية الأخلاقية من الحق والعدل والوجود والحرية وبيان ذلك في سياق السورة ليس خافياً على كل ذي لب ومن خلال البعد النظري لمقاصد الله .
ووفق الحالات التاريخية المماثلة فكل مشروع ثقافي حين يحتك بقضايا الواقع وإشكالاته يحتاج إلى رعاية وتشذيب ويحتاج وقوفاً ونظراً في أثره ودراسات عميقة حتى يجتاز العثرات، فالثبات في الفكرة ضررها أكبر من العناية والتشذيب والبتر حتى تؤتي أكلها ولذلك يقال «أن التفكير السليم هو الذي يتناقض مع نفسه لا الذي يمتاز بالثبات» لأن الفكرة في حالة تحول دائم بسبب الضرورات التي يفرضها الواقع، فالظروف التي تنشأ فيها الفكرة تتغير وتتبدل وكل مرحلة تاريخية تفرض شروطها التاريخية، والقرآن الكريم حين وقف أمام تغيرات المجتمع المسلم في مراحل التبدل والتغيير عالجها وفق مقتضيات الحال، لذلك نشأ مبدأ عند مفكري الفقه الإسلامي يرى ما هو عام يراد به العموم وعام يراد به الخصوص وعام مخصوص ومبدأ قطعي الدلالة أو ظني الدلالة وما سوى ذلك من القواعد عند أرباب العلوم الاسلامية .
وأمام هذا الواقع الذي وصلنا إليه اليوم يتطلب منا تنشيطاً للقدرات الذهنية والفكرية كي تبدع واقعاً جديداً ومستوى حضارياً ملائماً ومتناغماً مع إرثنا الثقافي وبما يحفظ وجودنا وقدراتنا واسهامنا الفاعل في عالم اليوم .