ترتكز الكنيسة القبطية على أعمدتها الحضرية المشيدة على علوم أبائها وقديسيها الذين ساهموا في ترسيخ  العقيدة وتأكيد المكانة القبطية من بين جميع المنابر الشرقية أو الغربية. 

آباء الكنيسة يقدمون سبل الدعم عبر التاريخ


وعلى مر التاريخ الكنسي قدم الآباء تعاليم ومبادئ ساعدت في رفع الشأن الإيماني والمذهبي، ويحرص قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، على ترسيخ مبادئ الرعي الصالح وخلال الفترة الأخيرة يقدم في عظاته مناهج روحية تساعد على خدمة أبناء الكنيسة القبطية في مصر والخارج.

 

اسياسيات يجب توافرها في الراعي الصالح 

برز لدى الأقباط بعض الأساسيات لإعداد الآباء والكهنة من أجل رفع الدور التنموي للكنيسة من جانب الخدمة، خلال الاجتماع العام الذي أقيم الاربعاء الماضي، في  كاتدرائية البشارة ورئيس الملائكة غبريال بمحور المحمودية بالإسكندرية استكملًا لسلسلة "صلوات قصيرة قوية من القداس"، وتناول المزمور الأول في سفر المزامير، وأشار فيها  إلى طِلبة قصيرة من الطِلبات التي ترفعها الكنيسة أثناء صلوات التقديس.

شعار الراعي الصالح بالكنيسة القبطية


وضع البابا  شعارًا لهذه المبادئ وهو "الذين يرعونهم ثبّتهم"، وأوضح أن العلاقة التي تربط بين المزمور الأول والطِلبة المذكوره تكمن في توصيف سلوك الإنسان الصالح للرعية، وفسرها من خلال بعض الآيات  استهلها بـ (مز ١: ١)،"لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ" ، وأيضًا أن لا يقف مع الخطاة كما ذُكر في المزمور ذاته، ويجب أن تكون حياته جادة.
وأشار إلى بعض الصفات التي يجب توافرها في الإنسان والراعي الصالح، مشيرًا إلى وصف الكتاب المقدس  في  (مز ١: ٣) "فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاه، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ"، أي يكون كشجرة تُعطي ثمارًا جيدة في حينهن و أن يكون دائمًا مُغطّى بالنعمة، ويحرص على النجاح في كل مجال يعمله. 

 

الثبات في المسيح .. شرط الرعية الصالحة


وتناول البابا الأساسات التي ينبغي أن تثبت فيها الرعية الصالحة، والقائمة في مطلعها على "الثبات في المسيح"أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو ١٥: ٥)، وأيضًا الثبات في الوصية بقراءة الكتاب المقدس، كما ورد في مزمور (١يو ٣: ٢٤)،  ولابد أن يكون هناك ثبات في الكنيسة وأسرارها (يو ٦: ٥٦)، واختتم هذه الأساسيات بـ"المحبة" الثبات على هذا الشعور الإنساني كما ذكر (١يو ٤: ١٦) "اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ".  

 

البابا تواضروس تضع مبادئ يجب توافرها في كل مسؤول 


وعادة يحرص البابا على تأكيد أهمية بعض المبادئ في نفوس  كل راعي سواء بالكنيسة والمجتمع، وأن يقوموا بتثبيت الرعية في الفهم والمعرفة والنمو والتربية والإيمان، لأن مسؤولية الراعي أن يساهم في وجود مجتمعًا صحيحًا وثابتًا، مبنى على الصبر والثقة وحياة الطاعة الهادئة، وبهذه الكلمات اختتم البابا عظته الروحية قبل بدء زيارته في أوروبا التي بدأت صباح اليوم السبت.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الكنيسة القبطية البابا تواضروس الثانى

إقرأ أيضاً:

وداع البابا فرانسيس.. مشهد جنائزي تاريخي لرجل غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية

في مشهد مهيب على درجات كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، ودّعت الكنيسة الكاثوليكية البابا فرانسيس، أول بابا من أمريكا الجنوبية، الذي طبع حبريته، الممتدة على مدى اثني عشر عامًا، ببصمة إنسانية عميقة، ونظرة رعوية منفتحة على قضايا العصر. 

وترك رحيل فرانسيس أثرًا بالغًا في قلوب الملايين حول العالم، الذين رأوا فيه زعيمًا روحيًا سعى لجعل الكنيسة أكثر رحمة وانفتاحًا وشمولية في زمن يعصف به الانقسام والاضطراب العالمي.

حضور عالمي ووداع مؤثر

حسب صحيفة نيويورك تايمز السبت 26 أبريل 2025، في قداس مهيب أقيم يوم السبت، شيعت الكنيسة الكاثوليكية جثمان البابا فرانسيس، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عامًا، وجلس رؤساء الدول، والملوك، وقادة الكنائس الدينية، بجانب كرادلة وأساقفة بملابسهم الحمراء البراقة، حول نعش مغلق مصنوع من خشب السرو، وُضعت فوقه صفحات كتاب الأناجيل التي راحت تتمايل مع نسيم ساحة القديس بطرس.

وتدفقت جموع المؤمنين بكثافة إلى الساحة، وامتدت الصفوف الطويلة حتى ضفاف نهر التيبر. قبل الجنازة، انتظر أكثر من 250 ألف شخص لساعات طويلة لتوديع البابا، الذي وُضع جثمانه مرتديًا الثياب الحمراء التقليدية وحذاءً أسود متهالكًا أمام المذبح المركزي.

كنيسة بأبواب مفتوحة

شدد الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، عميد مجمع الكرادلة، في عظته خلال القداس، على أن جوهر حبرية البابا فرانسيس كان قناعته الراسخة بأن الكنيسة يجب أن تكون "بيتًا للجميع، بأبواب مفتوحة دائمًا".

ابتعد ري عن أي تلميحات سياسية مباشرة، لكنه أبرز النهج الرعوي للبابا، الذي تجسّد في البساطة، والفرح، والانفتاح. أشار إلى أن فرانسيس نشر الإيمان بفرح غير متكلف، وعفوية طبيعية، وروح إنصات وترحيب قلّ نظيرها. كما أضاف أن البابا شارك بصدق مشاعر العالم المعاصر، وآلامه، وتطلعاته في عصر يشهد اضطراب العولمة المتسارع.

صوت للمهمشين والمضطهدين

طوال سنوات حبريته، كان البابا فرانسيس صوتًا صريحًا للفقراء والمهاجرين والمهمشين. واليوم، مع رحيله، يغادر العالم في لحظة عصيبة، حيث تتزايد عمليات الترحيل الجماعية، ويتصاعد الاستبداد، وتتحول التحالفات العالمية التي لطالما نادى بحمايتها لضمان السلام.

جنازته، بحشدها الكبير ومكانتها الرمزية، شكّلت نهاية فصل لرجل لم يتوقف يومًا عن الدعوة إلى الرحمة والتسامح والانفتاح.

قادة العالم في وداع البابا

حضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجنازة، رغم تاريخه المليء بالخلافات مع البابا فرانسيس، الذي سبق أن شكك علنًا في إيمان ترامب.

وعقد ترامب لقاءً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل كاتدرائية القديس بطرس قبيل بدء المراسم، فيما وصفه البيت الأبيض بأنه "اجتماع مثمر للغاية".

شارك في الجنازة كذلك عدد كبير من القادة الأوروبيين، ورؤساء دول من مختلف أنحاء العالم، بينهم قادة من دول أفريقية وآسيوية كان البابا قد زارها، داعيًا إلى تعزيز السلام وحقوق الإنسان.

كما حضر الرئيس الأمريكي السابق جوزيف بايدن الابن، الذي سبق أن تلقى دعمًا ضمنيًا من البابا فرانسيس بالسماح له بتناول القربان المقدس، رغم مواقفه المؤيدة لحقوق الإجهاض، والتي كانت تثير الجدل داخل الأوساط الكنسية.

صمت يعانق الساحة

مع دقات الجرس التي أعلنت وفاة البابا رسميًا، خيّم صمت مطبق على الساحة، لم يكسره سوى صوت طيور النورس التي كانت تحلق فوق كاتدرائية القديس بطرس.

حمل أربعة عشر حامل نعش البابا نعشه عبر ممر الكرادلة، وسط مشهد اختلط فيه الأحمر القاني لملابس الكرادلة، مع الأسود القاتم للبدلات الرسمية التي ارتداها القادة والشخصيات العالمية البارزة.

وامتدت جموع المؤمنين في الساحة حتى حدود نهر التيبر، وقد غطتها ألوان الأرجواني والأبيض والأسود، في مشهد جنائزي هو الأضخم منذ جنازة البابا يوحنا بولس الثاني.

مفترق طرق بين الانفتاح والمحافظة

مع وفاة البابا فرانسيس، تجد الكنيسة الكاثوليكية نفسها أمام مفترق طرق: بين تيار يؤيد المضي قدمًا في مسار الانفتاح الذي دشنه فرانسيس، بما في ذلك قضايا مثل السماح للنساء بأن يصبحن شمامسة، والسماح لكهنة متزوجين بالخدمة، وتيار آخر ينادي بعودة إلى المزيد من المحافظة والالتزام الصارم بالتقاليد العقائدية.

تدور التكهنات أيضًا حول إمكانية انتخاب بابا من آسيا أو أفريقيا، حيث تشهد الكاثوليكية نموًا سريعًا، أو عودة الكرسي البابوي إلى إيطالي للمرة الأولى منذ قرابة قرن.

من شوارع بوينس آيرس إلى قمة الكنيسة

ولد خورخي ماريو بيرغوليو في حي شعبي متواضع بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. انضم إلى الرهبنة اليسوعية، وعُرف بتواضعه وقربه من الناس. صعد تدريجيًا عبر مراتب الكنيسة، حتى انتُخب بابا عام 2013، ليصبح أول بابا من نصف الكرة الجنوبي.

ومنذ لحظة انتخابه، شدد فرانسيس على ضرورة أن تكون الكنيسة "مستشفى ميداني" للمجروحين، لا محكمة تصدر الأحكام. غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية بأسلوبه القريب من الناس، وبمحبته للفقراء والمهمشين.

بناء الجسور بدل الجدران

استعاد الكاردينال ري خلال عظته موقفًا رمزيًا للبابا الراحل، عندما وقف على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، داعيًا إلى "بناء الجسور لا الجدران"، في رسالة واضحة لدعم المهاجرين واللاجئين.

جلس الرئيس ترامب قريبًا خلال العظة، وهو الذي بنى جزءًا من برنامجه السياسي على وعود ببناء الجدران لمنع المهاجرين.

سعى البابا فرانسيس إلى تبسيط مراسم جنازته. فألغى القيود التقليدية التي كانت تحصر المشاركة في الجنازات البابوية بالكرادلة والبطاركة، وفتح الباب أمام مشاركة جميع رجال الدين، تأكيدًا على أن الكنيسة بيت للجميع دون تمييز.

كانت هذه الرؤية التبسيطية جزءًا من مساعيه الدائمة لتقديم صورة أكثر تواضعًا وإنسانية للكنيسة الكاثوليكية.

إرث أخلاقي عالمي

في عالم تراجعت فيه أصوات الدفاع عن حقوق المهاجرين والمستضعفين، بقي البابا فرانسيس صوتًا صادحًا بالحق. قال الأب أنطونيو سبادارو، أحد المقربين منه: "لقد كان الزعيم الأخلاقي العالمي الوحيد الذي كان لدينا."

ورغم تواضعه الذي كان يدفعه إلى السخرية من نفسه أحيانًا، لم ينكر البابا فرانسيس هذا التوصيف في آخر أيامه.

وتمنى البابا أن يُدفن في قبر بسيط بجوار أيقونة العذراء مريم في كنيسة سانتا ماريا ماجوري. وُضع في نعشه التقليدي البسيط إلى جانب ميداليات تذكارية ونص يروي حكاية حبريته، إلى جانب رداء الباليوم الأبيض التقليدي.

بالمقارنة، كانت جنازته أكبر بكثير من جنازة سلفه بنديكت السادس عشر الذي استقال في خطوة تاريخية، ودفنه فرانسيس بنفسه لاحقًا.

يوم روما توقفت فيه

مع حلول مساء الجمعة، أغلقت الجسور والشوارع في العاصمة الإيطالية أمام حركة المرور.
حلقت المروحيات فوق المدينة منذ فجر السبت، فيما تعالت صفارات الإنذار استعدادًا للجنازة، قبل أن يعمّ الصمت التام خلال القداس، في مشهد نادر الحدوث.

بعد انتهاء القداس، أعيد نعش البابا فرانسيس إلى داخل بازيليكا القديس بطرس، ثم نُقل في السيارة البابوية الشهيرة، التي جاب بها العالم لعقد كامل، إلى مثواه الأخير.

اختتم الكاردينال ري العظة قائلاً: "صورة البابا الدائمة ستكون ظهوره على شرفة القديس بطرس يوم أحد الفصح، عندما أصرّ رغم مرضه على تقديم البركة للجماهير. لقد كان راعيًا حقيقيًا، وسيبقى في قلوبنا إلى الأبد."
وداع البابا فرانسيس لم يكن مجرد وداع لرجل دين، بل وداع لحقبة كاملة أعادت تعريف معنى القيادة الروحية في زمن معقد.

طباعة شارك البابا فرنسيس جنازة البابا فرنسيس الفاتيكان البابا فرنسيس

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس: أزمة العالم ليست اقتصادية.. بل في نقص المحبة
  • لقاء الأبناء مع أبيهم.. البابا تواضروس يلتقي أقباط بولندا وأبناء الكنيسة الإثيوبية
  • البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تسير في خط مستقيم منذ أيام المسيح
  • البابا تواضروس يجيب على 6 أسئلة تشغل بال الأقباط
  • لقاء الأبناء مع أبيهم.. البابا يلتقي أقباط بولندا وأبناء الكنيسة الإثيوبية |صور
  • وداع البابا فرانسيس.. مشهد جنائزي تاريخي لرجل غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية
  • وفد من الكنيسة الأرثوذكسية يقدّم التعزية في «بابا الڤاتيكان» بالقاهرة | صور
  • وفد الكنيسة الأرثوذكسية يحضر جنازة "بابا الڤاتيكان"
  • ميناسيان: البابا فرنسيس قام بخطوة كبيرة للتجدد في الكنيسة الكاثوليكية
  • الكنيسة والمشهد اللبناني في غياب البابا فرنسيس: دعم قوي لعون والطائف