من بين كل الممثلات الفاتنات في القرن العشرين، يبقى للفنانة نادية لطفي بريقها وسحرها الخاص عند الجمهور المصري والعربي، فقد كانت من بين ممثلات جيلها الأكثر براعة في الأداء وحضوراً أمام الكاميرا، ولا تزال أصداء حياتها وفنها تلقى اهتماماً من الجمهور، رغم اختلاف الأجيال.

وفي ذكرى ميلادها، التي توافق الثالث من يناير (كانون الأول)، نتطرق للحديث عن ثنائية "نادية لطفي وعبدالحليم حافظ" التي لاقت قبولاً ونجاحاً واسعاً في السينما المصرية، من خلال فيلمي "الخطايا" و"أبي فوق الشجرة"، وامتدت أصداء تلك العلاقة بسبب الصداقة القوية التي جمعتهما خلف الكواليس.


لكن هذه العلاقة لم تكن جيدة طوال الوقت، بل شابها بعض الخلافات، التي وصلت إلى درجة صفعها على وجهها أمام الكاميرا، وهو ما تم الكشف عن تفاصيله في مذكراتها الصادرة عام 2021 بعنوان "اسمي بولا.. نادية لطفي تحكي"، كما روت تفاصيل صداقتها بسعاد حسني، التي كانت أكبر من المنافسة التي فرضتها عليهما الصحافة.

بداية التعارف

بدأت نادية حديثها في المذكرات عن اللقاء الأول الذي جمعها بعبدالحليم حافظ، قائلة إنه حدث عام 1960 على ظهر مركب في طريقهما إلى سوريا. حينها كانت ضمن وفد فني برعاية الإذاعي جلال معوض للمشاركة في حفل كبير بمناسبة زيارة الرئيس المصري جمال عبدالناصر إلى سوريا. وبالرغم من شهرتها المتزايدة آنذاك بعد نجاح فيلم "عمالقة البحار"، أبدت نادية خوفها من الرحلة، وحاولت الاعتذار باستخدام حيلة ارتداء ملابس الحداد مدعية وفاة والدتها، لكنها فشلت في التهرب، بعدما كشف جلال معوض خدعتها وأصر على مشاركتها في الرحلة.
على ظهر المركب، كانت نادية منشغلة بالتقاط الصور مع النجوم، خاصة صباح، التي كانت مطربتها المفضلة آنذاك، بينما لم تكن تهتم كثيراً بعبدالحليم الذي لم يكن ضمن قائمة مطربيها المفضلين في تلك الفترة، حيث كانت تفضل أغاني محمود شكوكو، وتحتفظ بدفاتر مليئة بكلمات أغانيه.

صداقة من نوع خاصة

ورغم بداية التعارف الفاترة بينهما، تطورت علاقة نادية لطفي بعبدالحليم وأصبحا صديقين مقربين. وتشير نادية إلى أن جلساتهما في بيت الشاعر كامل الشناوي كانت من أبرز ذكريات تلك المرحلة. ووصفت تلك الجلسات بـ"الجامعة"، حيث اعتاد عبدالحليم الجلوس مع كبار المثقفين مثل مصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وإحسان عبد القدوس، وكانت تلك اللقاءات تساهم في إثراء معارفه الثقافية.
وجاء التعاون السينمائي الأول بين نادية والعندليب في فيلم "الخطايا" عام 1962، وقد رشح المخرج حسن الإمام نادية لدور البطولة أمام عبدالحليم، وكانت وقتها نجمة صاعدة شاركت في 8 أفلام خلال 4 سنوات فقط.

صفعة لا تُنسى

جاء اللقاء الثاني بينهما بعد سنوات في فيلم "أبي فوق الشجرة" عام 1969، ورغم النجاح الأسطوري للفيلم الذي حقق أرقاماً قياسية في شباك التذاكر واستمر عرضه 36 أسبوعاً، لم يكن تصوير الفيلم سهلاً على الإطلاق بسبب خلافات عديدة بين نادية وعبدالحليم، خاصةً مع تعطلها عن المشاركة في أفلام أخرى بسبب طول مدة التصوير. ووصلت الخلافات بينهما إلى ذروتها عندما قاطع كل منهما الآخر خارج أوقات التصوير، إلا أن ذلك لم يمنعهما من تقديم أداء غرامي مُقنع للجمهور أمام الكاميرا.
وروت نادية تفاصيل المشهد الشهير، الذي شهد صفعها من عبدالحليم قائلة إنها فوجئت أثناء التصوير بأن الصفعة كانت حقيقية وقوية، لدرجة أفقدتها الوعي، وظل وجهها متورماً لأيام. وتعجبت لاحقاً من القوة التي امتلكها عبدالحليم أثناء تلك الواقعة، رغم معاناته من المرض آنذاك.
وحقق فيلم "أبي فوق الشجرة" نجاحاً استثنائياً، واعتبرته نادية لطفي نقلة كبيرة في مسيرتها الفنية. وأشارت إلى أن العلاقة بينها وبين عبدالحليم عادت إلى طبيعتها بعد الانتهاء من الفيلم، بل منحها عبدالحليم لقب "العندليبة الشقراء"، وهو لقب اعتزت به كثيراً. 

سعاد حسني ونادية لطفي

في مارس عام 1959، أطلت سعاد حسني على شاشة السينما لأول مرة من خلال فيلمها الأول "حسن ونعيمة"، بعد نحو 5 أشهر فقط من عرض فيلم نادية لطفي الأول "سلطان". هذا التزامن جعل بداية مشوارهما السينمائي متشابهة إلى حد كبير؛ فكما اكتشف المنتج رمسيس نجيب موهبة نادية ومنحها بطولة أولى من البداية، كان عبد الرحمن الخميسي هو من اكتشف سعاد، وأصر على أن يمنحها فرصة البطولة الأولى في فيلمه، لتبدأ كل منهما مسيرتها بخطوة جريئة وأداء لافت لبطولة أولى.
كذلك، تنتمي نادية وسعاد إلى جيل جديد من نجمات السينما ظهر بالتزامن مع ثورة يوليو وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية، حيث كانت السينما تبحث آنذاك عن وجوه نسائية تعبر عن التغيرات التي طرأت على المجتمع بعد الثورة، فكانت نادية وسعاد نموذجين للمرأة الجديدة، الجريئة والواعية والمتمردة.

صداقة أقوى من المنافسة

تكللت هذه البداية الواعدة بنجاح سريع ومبهر لكلتيهما، مما دفع المنتجين إلى استثمار هذا النجاح وجمعهما معاً في عدة أفلام، بدأها فيلم "السبع بنات" عام 1961 للمخرج عاطف سالم، الذي كان الفيلم الخامس في مسيرة نادية. وفي العام التالي، عادت التجربة مجدداً في فيلم "من غير ميعاد" للمخرج أحمد ضياء الدين، وشاركهما البطولة المطرب محرم فؤاد.
لكن المحطة الأبرز في تعاونهما كانت عام 1964 مع فيلم "للرجال فقط"، حيث أصبحت كل من نادية وسعاد أكثر نضجاً فنيّاً. وقدمتا في الفيلم شخصيتي فتاتين تضطران إلى التنكر في هيئة رجلين للعمل في حقل بترول، وهي الفكرة التي أتاحت لهما إظهار موهبتهما الكوميدية والتنافس في تقديم مواقف طريفة ومؤثرة. أخرج الفيلم محمود ذو الفقار، وشاركهما البطولة حسن يوسف وإيهاب نافع، وحقق نجاحاً لافتاً على المستوى الجماهيري والنقدي.

ومع توالي نجاحاتهما، حاولت الصحافة الفنية حينها، بدعم من شركات الإنتاج، خلق منافسة ساخنة بين نادية وسعاد، وصورهما الإعلام كأنهما "فرستا الرهان" الجديدتان في السينما، كما سبق أن فعل مع عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، أو فاتن حمامة وماجدة الصباحي. لكن هذه المحاولات لم تجد صدى بين النجمتين، حيث كانت كل واحدة منهما مشغولة بمشوارها الفني.

وبالنسبة لنادية، لم يكن لديها الوقت لمتابعة هذه "المنافسة الوهمية" على حد اعترافها في مذكراتها، فقد انشغلت بأعمالها السينمائية، إذ قدمت في عام 1963 وحده 7 أفلام دفعة واحدة، من بينها "الناصر صلاح الدين", "النظارة السوداء", و"حب لا أنساه"، لذلك لم تعر أي اهتمام لما تردد في الصحافة عن وجود منافسة بينها وبين سعاد.
وأكدت نادية أنها لم تشعر قط بأن سعاد كانت منافسة لها، فلكل منهما لون فني مختلف ومسار خاص. وقد برز هذا التمايز بوضوح في فيلم "للرجال فقط"، حيث قدمت كل واحدة منهما شخصية الرجل بشكل فريد، ولم يكن بينهما غيرة أو كراهية، مهما أشيع عن خلافات أو "كيد نسا".

انتحار سعاد حسني

رغم قلة الأفلام التي جمعتهما، إلا أن نادية حكت عن تجربة شخصية قربتها كثيراً من سعاد، وهي رحلة قادتهما إلى مدينة العريش في أوائل الثمانينيات بصحبة عدد من الفنانين، بهدف تخصيص قطعة أرض لإقامة مجمع فني. استمرت الرحلة 12 يوماً بدلاً من يوم واحد كما كان مخططاً، بسبب حب الجميع لأجواء العريش وهدوئها، وهناك عاشت نادية مع سعاد أوقاتاً لا تُنسى تقاسمتا فيها الضحكات والأسرار، لتخرج من تلك التجربة صداقة حقيقية ظلت مستمرة حتى رحيل سعاد.
واستمرت علاقة الود بينهما حتى آخر أيام حياة السندريلا، حيث كانت سعاد تحرص دائماً على التواصل مع نادية، حتى أثناء وجودها في لندن للعلاج. وكانت ترسل لها الهدايا والورود في المناسبات المختلفة، ولم تنسَ أبداً عيد ميلاد نادية، الذي كانت تحتفل به بطريقتها الخاصة.
وظلت نادية لطفي حتى رحيلها واحدة من الذين شككوا في رواية انتحار سعاد حسني، ورأت أن هناك العديد من الشبهات حول الحادث، خاصة مع عدم إغلاق الشرطة الإنجليزية لملف القضية بشكل نهائي. واستبعدت نادية فكرة الانتحار تماماً، لأن سعاد كانت في حالة معنوية جيدة، وتخطط للعودة إلى مصر، والعمل مجدداً في السينما، بل وكانت متحمسة لمشروع تسجيل رباعيات صلاح جاهين.

علاقة العندليب بالسندريلا

أما قصة الحب التي قيل إنها جمعت سعاد حسني بعبدالحليم حافظ، فأكدت نادية لطفي في مذكراتها أنها كانت قصة حقيقية وصادقة، إلا أن إتمام الزواج كان مستحيلاً بسبب اختلاف ظروف حياتهما وطموحاتهما. ورأت نادية أن ما جمع بين سعاد وحليم كان أكبر من مجرد حب أو زواج، فقد كان ارتباطاً روحياً عميقاً تخللته صعوبات حالت دون تتويجه بالزواج الرسمي.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عبدالحليم حافظ نجوم عبدالحليم حافظ عبدالحلیم حافظ نادیة لطفی سعاد حسنی حیث کانت فی فیلم لم یکن

إقرأ أيضاً:

فنانة أضاءت عالم الكوميديا والدراما.. ذكرى وفاة سعاد نصر

تحل اليوم ذكرى وفاة الفنانة  سعاد نصر، التي غادرت عالمنا في 5 يناير 2007 عن عمر ناهز 53 عامًا. 

استطاعت سعاد نصر خلال مسيرتها الفنية أن تترك بصمة مميزة في قلوب الجمهور المصري، سواء بأعمالها الكوميدية التي أضفت البهجة أو أدوارها الدرامية المؤثرة.


 

حياة شخصية مليئة بالتجارب

تزوجت سعاد نصر مرتين، الأولى من الفنان أحمد عبد الوارث، الذي أنجبت منه طارق وفيروز، ولكن اختلاف الطباع أدى لانفصالهما.

لاحقًا، تزوجت مهندس البترول محمد عبد المنعم، الذي وصفته بأنه “شريك حياتها الحقيقي”، وظلت معه حتى وفاتها.


شراكة فنية مع محمد صبحي


 صرّح الفنان محمد صبحي، صديقها المقرب، بأنها كانت توأمًا فنيًا له، وكان له دور كبير في مسيرتها الفنية. كما أكد صبحي أنه ساعدها في بداية مشوارها من خلال تدعيمها للدخول إلى معهد الفنون المسرحية، ومتابعتها حتى تخرجها. 

وقال خلال أحد اللقاءات التلفزيونية إنه بعد وفاتها قرر عدم استكمال الجزء الخامس من مسلسل "يوميات ونيس"، ولكنه عدل عن قراره وخصّص تصوير المسلسل لتكريمها من خلال وضع صورتها ضمن أحداث المسلسل.

الوصية الأخيرة 

قبل وفاتها بساعات،  أفاقت سعاد نصر من غيبوبتها، وطلبت من أسرتها تنفيذ وصيتها بسرعة، حيث طلبت أن يتم دفنها فوراً، وأن يجلس أفراد عائلتها أمام قبرها لمدة ساعة للدعاء لها.
 

رحيل مأساوي ووصية مؤثرة


 

رحلت سعاد نصر نتيجة خطأ طبي أثناء إجراء عملية شفط دهون، حيث أدخلتها جرعة مخدر زائدة في غيبوبة دامت عامًا كاملًا. ونتيجة لهذا الخطأ الطبي، تم محاكمة الطبيب المسؤول وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الإهمال الطبي، كان رحيلها مأساويًا وأدى إلى صدمة كبيرة لعائلتها وجمهورها.


 

أعمال لا تُنسى

على مدار مسيرتها، قدمت سعاد نصر أعمالًا حفرت اسمها في ذاكرة الجمهور، منها مسلسل “يوميات ونيس”، فيلم “الحياة منتهى اللذة”، ومسرحية “الهمجي”.

برحيلها، فقدت الساحة الفنية واحدة من ألمع نجومها، لكنها تركت إرثًا خالدًا يعكس موهبتها وإبداعها.


 

مقالات مشابهة

  • ذكرى وفاة سعاد نصر.. تفاصيل النهاية المأساوية لبطلة «يوميات ونيس» ووصيتها الأخيرة
  • في ذكرى وفاتها.. محطات فنية هامة في حياة سعاد نصر
  • في ذكرى رحيلها.. قصة وفاة سعاد نصر المأساوية ووصيتها الأخيرة
  • فنانة أضاءت عالم الكوميديا والدراما.. ذكرى وفاة سعاد نصر
  • في ذكرى ميلادها الـ88.. نادية لطفي تخلد السينما المصرية بـ6 أفلام ضمن قائمة الأفضل (تقرير)
  • في ذكراها| أهم المحطات بحياة نادية لطفي
  • نادية لطفي..ذكرى ميلاد أيقونة الفن السينمائي الراقي عبر الأجيال
  • نادية لطفي.. ذكرى ميلاد أيقونة الفن السينمائي الراقي عبر الأجيال
  • نجمة لا تغيب في سماء الفن.. صباح الخير يا مصر يحيى ذكرى ميلاد نادية لطفي