أصدر المركز العالمي لأبحاث العلوم السياسية وشركاؤه، مؤخرًا، دراسة علمية ماتعة ومثيرة للجدل، حملت عنوان: لماذا يرفض الأفارقة فرنسا؟ وهو سؤال مهم ظل يطرح نفسه بقوة منذ سنوات بعد تنامي موجة الغضب الشعبي الرافض لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي خاصة، وفي غرب أفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية عامة. نستعرض في هذا المقال أهم ما جاء في هذه الدراسة الجديرة بالاهتمام.

الدراسة استطلعت آراء أكثر من خمسمائة شخصية في تخصصات مختلفة، وينتمون إلى خمس دول فرنكوفونية، هي: تشاد، بنين، ساحل العاج، الكاميرون والغابون. ويلاحظ أن هذه الدول تعتبر من دول التيار المعتدل في رفضها سياسات فرنسا في المنطقة، ويعتبر موقفها أقل تشددًا من دول المواجهة للسياسات الفرنسية، مثل النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي والسنغال، التي تتبنى مواقف شعبية ورسمية متشددة جدًا، ورافضة تمامًا سياسات فرنسا في المنطقة.

الشعور المعادي لفرنسا

حاولت الدراسة تقصي أسباب ودوافع ما أسمته الشعور العام المعادي لفرنسا، وهل هذا الشعور نتاج حملة تحريض إعلامي خارجية من أجل التأثير النفسي على الأفارقة، أم هو شعور تذكيه مراكز قوى وطنية داخلية لخدمة أغراض تخصها، أم هو بدوافع داخلية أخرى؟

إعلان

رفض معظم المستهدفين بالدراسة استخدام مصطلح الشعور المعادي لفرنسا، وأوضحوا أن هذا المصطلح من نتاج الآلة الإعلامية الفرنسية التي تحاول تبسيط الشعور الشعبي العام ضد فرنسا باعتباره موقفًا عاطفيًا متهورًا، لا يستند إلى أي منطق.

وأكد المستطلعون أن التيار الشعبي الرافض لفرنسا ليس بسبب حملات تشويه إعلامية لغسل الأدمغة، إنما يرتكز على حجج دامغة ومنطق قوي وراسخ.

واتفق المستطلعون على أن الرفض الأفريقي ليس ضد فرنسا عامة، أو ضد المواطن الفرنسي، وإنما هو رفض سياسات فرنسا الجائرة في المنطقة الممتدة منذ فترة الاستعمار الفرنسي وحتى الوقت الحالي.

وأشارت الدراسة بشكل واضح إلى أن الأفارقة لا يعادون المواطن الفرنسي، حيث يوجد عدد كبير من المواطنين الفرنسيين المقيمين في مختلف دول غرب أفريقيا دون الشعور بأي تهديد أو تمييز ضدهم.

وأجمع المستطلعون بأن الأفارقة أكثر تسامحًا من الفرنسيين، وتأكيدًا لذلك أنه لا يوجد أي حزب سياسي أفريقي يعادي الأجانب عامة أو الفرنسيين خاصة، بينما هناك تيار سياسي واسع من الأحزاب والتكتلات السياسية والشعبية والأكاديمية في فرنسا تجاهر بعدائها للأفارقة، وتطالب بطردهم من فرنسا.

وأشارت الدراسة إلى أن الذاكرة الجماعية الأفريقية تستحضر باستمرار تصريحات ومواقف العديد من السياسيين الفرنسيين من مختلف ألوان الطيف السياسي الفرنسي الذين ينتقدون الأفارقة ويسخرون من طريقة زيهم وسلوكهم ورائحة طعامهم.

وقالت الدراسة إن الحملات النشطة ضد المهاجرين إلى أوروبا عامة، قد عززت روح الرفض للغرب وسط الشباب الأفريقي الذي عانى الأمرّين من الهجرة غير المشروعة.

ماذا عن روسيا؟

تناولت الدراسة الدور الروسي في أفريقيا الفرنكوفونية، والذي بدأ يتمدد بشكل قوي وملحوظ في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تراجع الوجود الفرنسي الرسمي عسكريًا واقتصاديًا في دول مهمة، مثل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، والسنغال، بينما بدأت روسيا تتمكن في المنطقة.

إعلان

وفي سؤال حول ما إذا كانت الحملة الدعائية الروسية هي المحرك لتيار الرفض الأفريقي لباريس، استهجن المستطلعون هذا السؤال، وأشاروا إلى أن فرنسا أصبح لديها هوس شديد من تعاظم الدور الروسي في المنطقة، لدرجة أفقدتها المنطق في رؤية وتقييم الأشياء.

أكدت الدراسة أن هناك تنافسًا دوليًا معلومًا حول أفريقيا، وأن هناك تسابقًا دوليًا للحصول على أكبر قدر من الموارد الطبيعية والمعدنية الأفريقية، لكن ذلك لا يعني أن الأفارقة ليست لديهم المقدرة على تحديد مصالحهم دون تدخل الآخر. ورأت الدراسة أن شعور الأفارقة بعدم احترام فرنسا خياراتهم وتأويلها بأنها نتاج تأثير من الآخر، عزز من الشعور المعادي لفرنسا.

سلوك الرئيس ماكرون

حاولت الدراسة أن تبحث عن معالم السياسات الفرنسية التي عززت شعور الرفض الأفريقي لباريس، ووقفت عند عدد من المؤشرات المهمة: الأول هو ما أسماه المستطلعون السلوك المتغطرس والمتعالي للرئيس ماكرون، وأوضحوا أن الرئيس ماكرون لا يتعالى على المواطن الأفريقي البسيط فحسب، وإنما يمارس التعالي حتى على رؤساء الدول الأفريقية.

وأشاروا بشكل خاص إلى القمة الفرنسية الأفريقية لمكافحة الإرهاب التي عُقدت في مدينة بو الفرنسية في العام 2020، حيث تعامل ماكرون مع الرؤساء الأفارقة المجتمعين حوله كأنهم تلاميذ، وطلب من كل واحد منهم واجبات بعينها عليه القيام بها، ولم يكتفِ الرئيس الفرنسي بهذا السلوك المتعالي فحسب، بل هدد بسحب قواته من دول الساحل إذا لم يقم الرؤساء المجتمعون بواجباتهم التي حددها لهم.

المؤشر الآخر هو شعور المواطن الأفريقي بأن فرنسا لم تعد حليفًا عسكريًا يوثق به، وأنها عجزت عن توفير كل متطلبات شركائها العسكرية، مما عزز حالة الاضطراب الأمني، وعدم الاستقرار في المنطقة.

ويلاحظ الرأي العام الأفريقي أن فرنسا منذ تدخلها في مالي في العام 2012 لم تتمكن من بسط الأمن في هذا البلد، بل يرون أن حالة الأمن العام في المنطقة في تدهور مستمر بالرغم من تعدد القواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة.

إعلان

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن فرنسا ساعدت في إنشاء مجموعة دول الساحل الخمسة كوسيلة للأمن الجماعي ترعاها وتدعمها باريس، إلا أن المجموعة عجزت تمامًا عن القيام بدورها، حتى أدركها الفناء الطبيعي، وأن حركات مسلحة، مثل بوكو حرام، والقاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها، ظلت تتمدد في المنطقة بأريحية وتكسب أراضي شاسعة بالرغم من الوجود العسكري الفرنسي الضخم.

والخلاصة هي أنه لا القوات الفرنسية تمكنت بنفسها من بسط الأمن في المنطقة ولا هي دربت وأهّلت الجيوش الوطنية للقيام بهذا الدور.

ونتيجة لذلك أصبح الرأي العام الأفريقي يقارن بين الدعم الفرنسي العسكري الخجول، والدعم العسكري الروسي الفاعل، ويتداول مثل سائر يقول إن فرنسا تعطينا ما تريد هي، بينما روسيا تعطينا ما نريد نحن.

تناولت الدراسة كذلك مؤشرًا آخر، وهو رؤية الأفارقة لشعار الديمقراطية الذي ظلت ترفعه باريس، وتحث القادة الأفارقة عليه منذ قمة بيارتز في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران.

ويرى الأفارقة أن فرنسا تتبنى ديمقراطية المصالح، أي أن فرنسا تدعم الديمقراطية إذا كانت تخدم مصالحها في أفريقيا. وضرب المستطلعون مثلًا بما يجري في جمهورية تشاد، حيث ضغطت باريس من أجل تنصيب محمد كاكا خلفًا لوالده الرئيس إدريس ديبي الذي اغتيل في العام 2021، وحرص ماكرون شخصيًا على الحضور إلى إنجمينا لدعم تنصيب كاكا، دون أدنى اهتمام بالرأي العام التشادي، وذلك لأن تشاد تمثل فضاء إستراتيجيًا هامًا لباريس.

وهناك أمثلة أخرى، حيث تشددت باريس في وجه عسكر النيجر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد بازوم أحد حلفاء باريس الأساسيين، بينما تسامحت مع العسكر في انقلابهم ضد الرئيس المنتخب علي بونغو في الغابون. وهكذا يرى الرأي العام الأفريقي أن باريس تطبق سياسة الكيل بمكيالين، وأن كل رئيس يخدم مصالحها ويسير حسب توجيهاتها، فهو ديمقراطي مطبوع.

إعلان

وأخيرًا؛ تناولت الدراسة الجانب الاقتصادي، واستطلعت مواقف الرأي العام الأفريقي من التعامل بالفرنك الأفريقي. والمعلوم أن فرنسا فرضت على كل مستعمراتها السابقة التعامل بالفرنك الأفريقي الذي يحظى بتغطية البنك المركزي الفرنسي منذ العام 1945، أي قبل استقلال هذه الدول.

أكدت الدراسة أن هناك إجماعًا على أن التعامل بالفرنك الأفريقي غير عادل، وهو سبب رئيس وراء ضعف وهشاشة اقتصادات الدول الفرنكوفونية. ويرى أكثر من 95% من المستطلعين ضرورة خروج بلدانهم من نظام الفرنك الأفريقي الذي يعتبر أكبر دليل على أن فرنسا لا تأبه بسيادة الدول الأفريقية على مواردها واقتصاداتها.

تأتي أهمية هذه الدراسة من كونها اهتمت باستطلاع آراء شريحة واسعة من المواطنين في مجموعة دول كانت جميعها مستعمرات فرنسية سابقة، فهي إذن تعكس رأي ورؤية الشعوب، على عكس الكتابات الكثيرة الأخرى التي حملت آراء محللين ودارسين مهتمين بالموضوع والمنطقة. ومن الملاحظ أيضًا أن الدراسة استعرضت آراء مواطنين من دول لا تزال حكوماتها وثيقة الصلة بفرنسا، مثل الغابون والكاميرون وساحل العاج. ومع ذلك، جاءت آراء المستطلعين حاسمة في رفض سياسات فرنسا في بلدانهم. وبما أن الدول الفرنكوفونية الأخرى، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي أسميتها "دول المواجهة"، تقف رسميًا وشعبيًا في خط المواجهة مع فرنسا، فإن خلاصة هذه الدراسة الهامة تؤكد أن موجة الرفض المتصاعدة لسياسات فرنسا ليست انفعالًا عاطفيًا، وإنما هي نتيجة إيمان وقناعة شعبية حقيقية غذّتها سياسات فرنسا الاستعمارية الظالمة في المنطقة. وعلى نفسها جنت براقش.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سیاسات فرنسا الدراسة أن فی المنطقة أن فرنسا فرنسا فی من دول

إقرأ أيضاً:

مصر وفرنسا إرث ثقافي ممتد عبر العصور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تتشارك مصر وفرنسا إرثا ثقافيا وحضاريا ممتدا عبر العصور، وتتميز العلاقات بين البلدين بعمقها وامتدادها وخاصة على المستوى الثقافي، فهي تعكس تقاربًا حضاريًا وثقافيًا بين شعبين تجمعهما رؤى مشتركة في مجالات الفنون والفكر والإبداع.
ونستعرض في هذا التقرير، قامات مصرية خالدة، تأثرت بالثقافة والتاريخ الفرنسي وهو ما ظهر واضحا من خلال كتابتهم، التي كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس
ومن أبرز هذه الشخصيات: الشاعر الكبير أحمد شوقي 
التحق أحمد شوقي في عمر الرابعة بــ كُتّاب الشيخ “صالح” وتعلّم هناك القراءة والكتابة وحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، أنهى أحمد شوقي دراسته الثانوية مبكرًا ففي عمر الـ 15 التحق بمدرسة الحقوق والترجمة (كلية الحقوق حاليًا) وانتسب الى قسم الترجمة وبعد تخرجه ذهب إلى فرنسا في بعثة دراسية على نفقة الخديوي توفيق الخاصة وقد ترجم شوقي قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين"، كما ترجم مقطعات للفرنسي "ألفريد دي موسيه".
وكتب شوقي قصائد عن معالم فرنسا؛ منها: قصيدة "غاب بولونيا"، وكتب قصيدة "ذكرى هيجو" في الذكرى المئوية لميلاد "فيكتور هيجو" صاحب "أسطورة القرون"، "البؤساء"، "الشرقيات".
كما نسج شوقي شعر الحكمة على لسان الحيوان متأثرًا بـ"خرافات" للشاعر الفرنسي "لافونتين"، تشبه كتاب "كليلة ودمنة" لـ"بيدبة" الهندي، وترجمة "ابن المقفع".

محمد حسين هيكل
ينفرد الدكتور محمد حسين هيكل بين أبناء جيله، وكلهم هامات سامقة في عالم الأدب والفكر، بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة "زينب"، بعد عودته من فرنسا سنة 1914 وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ. 
من كفر غنام إلى باريس

في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وُلِد محمد حسين هيكل في 12 أغسطس عام 1888، وبعد أتم حفظ القرآن الكريم انتقل وهو في السابعة بمدرسة الجمالية الإبتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الإبتدائية سنة (1319هـ = 1901م)، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة (1327هـ = 1909م) سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة.
واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة 1912 عن دين مصر العام.
يذكر أن محمد حسين هيكل ألف رواية " زينب" بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة وأن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب.

طه حسين
تأثر عميد الأدب العربي طه حسين تأثرا كبيرا بالثقافة والأدب الفرنسي، وبدأ نبوغه الأدبي بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1919 عن أطروحته "الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون"، والتي أشرف عليها عالم الإجتماع والفيلسوف الفرنسى الكبير اميل دوركايم، إلا أن طه حسين أثر أيضا في الثقافة الفرنسية.
ويتضح هذا الأثر الذي تركه عميد الأدب العربي في عدد مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية، فمن نحو 25 مؤلفا لطه حسين قام الناشرون الفرنسيون بترجمة أحد عشر عملا له، على الرغم من عدم حصوله على أية جائزة أدبية عالمية، مما يؤكد مكانته في الأدب العالمى، علما بأن حركة ترجمة أعمال الأدباء العرب المعاصرين كانت ضعيفة آنذاك.
وبدأ الإهتمام بمؤلفات عميد الأدب العربي منذ صدور رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون في طبعة عن دار نشر "ا. بيدون"، ثم قامت دار نشر "اكسيلسيور" في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من رواية "الأيام" والتي ترجمها جان لوسيرف، ثم نشرت دار "جايمار" عام 1947 ترجمة الجزء الثاني من الرواية وقام بترجمته جان لوسيرف وجاستون ويد، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد.
كما صدرت عام 1949 الترجمة الفرنسية من رواية "دعاء الكروان" عن دار نشر "دينويل"، والتي أصدرت طبعة ثانية من الرواية عام 1989 وصدرت طبعتان فرنسيتان من رواية "أديب" عن "دار المعارف" المصرية عام 1960 وعن دار نشر "كلانسييه-جينوه" الفرنسية عام 1988.
وأصدرت دار المعارف المصرية عام 1964 الترجمة الفرنسية لرواية "شجرة البؤس"، وصدرت ترجمة "الفتنة الكبرى-عثمان بن عفان" عام 1974 عن دار نشر "فرين" الفرنسية، وترجمة "شهرزاد" عام 1997 عن دار نشر "ديالوج" الفرنسية، وكان آخر الأعمال المترجمة لعميد الأدب العربي إلى الفرنسية هي "مع أبي العلاء المعري في سجنه" عام 2009 عن دار نشر "ميليلي" الفرنسية.
ولم يقتصر أثر طه حسين في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله، بل تعدى ذلك إلى نشر دراسات عنه، فقد نشرت دار المعارف المصرية عام 1963 دراسة باللغة الفرنسية للباحث الفرنسي ريمون فرانسيس بعنوان "طه حسين روائيا". كما صدرت عن دار نشر المطبوعات الجامعية بمدينة بوردو الفرنسية فى عام 1991 نتائج ندوة أقيمت فى 1989 عن أعمال طه حسين.
كما نشرت "الجامعة الأورو-عربية" بمونبيليه في عام 1990 دراسة عن طه حسين بين شاطئي المتوسط، فيما نشرت دار "تيموان دومانيتيه" الفرنسية دراسة بعنوان "طه حسين، الثقافات والحوار" للباحث الفرنسي برونو رونفار.
كما امتد تأثير طه حسين عند الفرنسيين إلى الحد الذى دعاهم إلى البحث عن جوانب حياته الشخصية، وفي هذا الإطار أصدرت دار نشر "سيرف" الفرنسية في اكتوبر 2011، مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان، وهي فرنسية الجنسية، بعنوان "من فرنسا إلى مصر، قصة حب غير عادية".


توفيق الحكيم

بعدما حصل توفيق الحكيم على الليسانس في الحقوق سنة 1925 قرر السفر إلى فرنسا بزعم دراسة الحقوق والاستعداد للدكتوراه في القانون بدعم من والده ولكنه ما حط بفرنسا رحاله، وملك حريته حتى أحس بأن ليس في مستطاعه أن يمضي في دراسة القانون. لهذا انصرف عن القانون ومباحثه إلى الأدب المسرحي والقصص يطلع على روائع آثاره في الآداب الأوروبية عن طريق اللغة الفرنسية، وشغف توفيق بالموسيقى الأوروبية، إذ وجد فيها ما يرفع نفسه إلى عوالم داخلية سامية، فكلف بموسيقى بتهوفن وموزار وشرمان وشوبيرت وعكف على دراسة الفن من ينابيعه الصافية في أوروبا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا مدينة النور باريس.
كان توفيق قد استقر في فرنسا في إحدى ضواحي باريس النائية عند أسرة من الأسر الفرنسية التي يشتغل جميع أفرادها في أحد المصانع، وكان توفيق يقضي أيامه هنالك يطالع ويتأمل ويغرق في تصوراته وخيالاته ويمضي وقته بين الاستماع للموسيقى والقراءة حتى عرف الجميع عنه ذلك.
كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هي ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعكاسا حقيقًا لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات.


رفاعة الطهطاوي

في يوم ١٤ أبريل ١٨٢٦ سافر رِفاعة الطهطاوي و40 من زملائه، متوجها إلى مارسيليا في فرنسا ضمن بعثة علمية أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم هناك ومُذ وطئت قدما رِفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلَّمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجِّي.»
وهناك قرر ألا يعود إلا بعد أن يكون شخصًا نافعًا لوطنه ومجتمعه، فعكف على تعلم الفرنسية، وقراءة أهم الكتب وأنفعها، وترجمة ما استطاع منها مع شرحه وتفسيره.
وقد قرأ رفاعة كتبا كثيرا خلال وجوده في فرنسا جعلته صاحب ثقافة موسوعية، وفي باريس اتَّصل بكبار المُستشرقين الفرنسيين، وخاصةً المسيو «سلفستر دي ساسي» والمسيو «كوسان دي برسيڨال» ونشأت بينه وبين هذين العالِمين صداقةٌ متينة، وكان كلٌّ منهما يقدِّر جهد الشيخ التلميذ وعلمه، وقد تبادل رفاعة معهما كثير من الرسائل أثبت بعضها رِفاعة في رحلته.
وبعد خمس سنوات قضاها الطهطاوي في باريس، عاد إلى مصر عام 1831، واضعًا كتابه الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".. كما عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى".


عبد الرزاق السنهورى

يعد عبدالرازق السنهوري علما من أعلام الفقه والقانون في مصر والعالم العربي، فبعدما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته قرر السفر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون.
وفي فرنسا وضع عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه.
ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى.
وساهم السنهوري في وضع الدساتير في الدول العربية، فقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية.
وتولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م. عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م.
وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل..
كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.

 


طلعت حرب

يعد طلعت باشا حرب أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، في البلاد في مطلع القرن الماضي، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطني، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية.
انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده في تكوين عقليته الاقتصادية، وأصدر في 1912 كتاب بعنوان( قناة السويس ).
وبعد كتاب طلعت حرب الاقتصادي الأول في عام 1911، انعقد مؤتمر وطني ليعلن فيه طلعت حرب عن حاجة مصر لإنشاء بنك مصري، لتحرير اقتصاد مصر، وليكون البنك يخدم المصريين.


الشيخ مصطفى عبد الرازق
أديب ومفكر مصري، وأول شيخ للأزهر من غير الدارسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية، وتأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية.
وتولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج.
 

مقالات مشابهة

  • لماذا التعنت الصهيوأمريكي؟ .. غزة هي مفتاح الحل
  • هل يصبح الرئيس الفرنسي ماكرون الزعيم الجديد لقارة أوروبا؟
  • مصر وفرنسا إرث ثقافي ممتد عبر العصور
  • لماذا اصطحب السيسي ماكرون لخان الخليلي؟.. خبراء يتحدثون لـRT عن دلالة زيارة الرئيس الفرنسي لمصر
  • خبير دولى: ماكرون يسعى حاليًا لترميم صورة السياسة الفرنسية
  • قيادي بحزب العدل: زيارة ماكرون تأكيد على دور مصر المحوري في المنطقة
  • مصر وفرنسا.. علاقات استراتيجية ومشروعات تنموية واعدة
  • عمرو فتوح: زيارة ماكرون للقاهرة تدعم العلاقات السياسية والاقتصادية
  • عمرو فتوح: زيارة ماكرون للقاهرة تدعم تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي
  • زيارة ستؤثر على مصير المنطقة.. لماذا يزور احمد الشرع تركيا؟