عربي21:
2025-02-06@17:51:09 GMT

حسام أبو صفية.. الطبيب والشهيد الحي

تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT

ظهر ماردا بين الأنقاض بردائه الأبيض، يحمل مبضعه وشرفه أمام دبابات المحتل غير آبه لقذيفةٍ قد تمزق جسده، خرج من عرينه المدمر وألسنة النار لا زالت تلتهم أسرّة المرضى والتجهيزات وما تبقى من مواد ودواء، كان آخر الخارجين وليس أولهم بعدما رفض مرارا وتكرارا أوامر جيش الإحتلال بالإخلاء، خرج رافع الراس متحديا، ومعه شجاعة وجرأة شعب صمد لأكثر من 15 شهرا.

. خرج الطبيب الجريح العنيد الصلب ابن الشعب الأسطورة والملحمة التاريخية الفريدة، والتي ستُسجّل في سجل غينيس للأرقام القياسية تحت اسم 365 كيلومترا مربعا ونحو 450 يوما من الصمود بمواجهة الاحتلال والعدوان والخذلان.

ظهر الطبيب ملاكا واثق الخطى أمام شياطين القتل والدمار والإرهاب، وكان يعلم أن مصيرا مجهولا ينتظره، ولكنه يعلم أيضا أنه ترك إرثا استثنائيا ستتحدث عنه الأجيال مطولا، وستتصدر صورته أيضا صفحات الجرائد والمجلات، وسيتحدث عنه الكبار والصغار، وستتناقل أخباره شاشات التلفزة ووكالات الأنباء، ولربما تتحدث عن فظاعة جرائم الإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال أثناء حصارها وقصفها وإحراقها واقتحامها لمشفى كمال عدوان، ولربما تتحدث عن أهوال جرائم حرب ارتكبت بحق المرضى من أطفال ونساء وكبار السن، وعن إعداماتٍ للطواقم الطبية هناك.

ظهر الطبيب ملاكا واثق الخطى أمام شياطين القتل والدمار والإرهاب، وكان يعلم أن مصيرا مجهولا ينتظره، ولكنه يعلم أيضا أنه ترك إرثا استثنائيا ستتحدث عنه الأجيال مطولا، وستتصدر صورته أيضا صفحات الجرائد والمجلات، وسيتحدث عنه الكبار والصغار، وستتناقل أخباره شاشات التلفزة ووكالات الأنباء، ولربما تتحدث عن فظاعة جرائم الإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال أثناء حصارها وقصفها وإحراقها واقتحامها لمشفى كمال عدوان
كان الملاك الأبيض يتحرك بخطى ثابتة وسط الصمت المريب والخذلان الذي تجاوز كل الحدود والمسميات، تحرك نحو المشهد الذي يخافه الجبناء، ولا يليق إلا بالنبلاء الأبطال، تحرك نحو آلات القتل والتدمير ولم يثنه الموت المنتظر أو الاعتقال أو التنكيل القادم لا محالة.. خرج الطبيب من بين الأنقاض وأكوام الركام والجثث الملقاة أمام المشفى الشاهد والشهيد، خرج من الجغرافيا الصغيرة ولكنه لم يخرج من التاريخ، خرج من المشهد ولكنه ليس من المشهد الأخير الذي ينتظره دعاة الحقوق والإنسانية تاركا وصمة عارٍ، بل وصمات عارٍ على جبين الشقيق والصديق القريب والبعيد، بصمات عارٍ على جباه جميع المتفرجين على مأساة المشفى المحاصر وعلى أولئك الصامتين المشاركين باغتيالها، ترك بصمات عارٍ ولطخات ذل على وجوه كل المستنكرين والمنددين.

ولم ينس أن يدمغ بصمات عارٍ على ما تبقى من وجه للسلطة ورجالها الأمنيين الحريصين على أمن وسلامة الصهاينة المستوطنين، بصمات عارٍ لأولئك الذين يحاصرون بل يقصفون جنين ويعتقلون ويقتلون المقاومين.

خرج الحسام ماردا، وفي فمه الكثير مما يقال، ووصية قبل المشهد الأخير أن قاوموا حتى الرمق الأخير، إن التاريخ يقف عندكم وصفحاته مفتوحة لكم؛ لتؤرخوا هذه الأحداث وهذا الصمت والخيانات، صفحاته مفتوحة لكم لكي لا تساوموا قتلة الأطفال ودعاة بناء الهيكل، لا تساوموا قتلة النساء والجرحى، والمنكلين بجثث الشهداء. رابطوا حتى ولو وراء أجسادكم النحيلة التي أضناها الجوع والعطش والمرض والبرد، رابطوا واجعلوا من كل جسد لكم متراسا ولا تنتظروا أحدا، فلن يأتوا لأن تصاريحهم مرهونة لدى العم سام. لا تكونوا كمن انتظر "غودو"، ولما يأتِ أبدا. لقد أعيانا نداء: وا معتصماه، وا عمراه، وا حمزاه، وا علياه، وا عرباه، وا إسلاماه، وا عيساه.. الكل أدار ظهره إلى الحائط، إلى حائطٍ بعيدٍ حتى لا يُرى، الكل أصمّ آذانه، وجعل لها قفلا من فولاذٍ وحديد، الكل أغشى عينيه وكبّل يديه وقيّد ساقيه، وأعلن ثباته في أرض الخنوع والهوان.

بقي الحسام طبيبا وشهيدا حيا، وربما شاهدا وحيدا.. كم كنت كريما عزيز النفس! وبقيت وظهرت عزيزا وستبقى تاريخا وتأريخا للذاكرة والأجيال
لقد استيقظت قريش على ندائنا ولم يشعر عرب اليوم بنا، وأبى أبو جهلٍ إلا أن يُنجدنا، ولكن الموت قد عاجله، وانتفض الجاهليون، وأطراف حرب الردّة، والمتقاتلون في داحس والغبراء ولم يستجب أحدٌ من العرب، ولم يأتِ الأكسجين ولا الدواء ولا الوقود فسقطت كل المشافي من قبل أيها الطبيب. وها و مشفاك "كمال عدوان" آخر قلاع الإنسانية يسقط مضرجا بدماء جرحاه وطواقمه ومرضاه، وشهدائه، سقط شهيدا وتم اغتياله، لكن مع سقوطه سقطوا معه جميعا سقوطا مخزيا مدويا، سقطت مع أولئك المتفرجين أقنعتهم الزائفة وورقة التوت التي غطّت عوراتهم، وبقيت رائحتهم العفنة وصورهم المشوهة وكلماتهم الكاذبة على الجدران المحترقة للمشفى، بقيت صور خذلانهم معلقة في ضمائر ووجدان الإنسانية العاجزة، وبقيت لعنتهم على أكفان الشهداء النازفة التي لم يتمكن أحد من دفنهم دفنا كريما يليق بصمودهم. انهار الضمير والوجدان الإنساني، انهارت منظومة القيم والمبادئ العالمية حتى مات الأطفال الرضّع بردا؛ تجمدت قلوبهم والدماء في عروقهم، وتبلدت أحاسيس ومشاعر العالم حتى قُطعتْ أجهزة التنفس عن المرضى بأيدي الجلادين الصهاينة "دفاعا عن النفس".

هناك توقفت الحياة وانتهى المشهد الهوليودي المثير، وبقي الحسام طبيبا وشهيدا حيا، وربما شاهدا وحيدا.. كم كنت كريما عزيز النفس! وبقيت وظهرت عزيزا وستبقى تاريخا وتأريخا للذاكرة والأجيال.

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال كمال عدوان احتلال فلسطين طب غزة مستشفى مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة خرج من

إقرأ أيضاً:

مصير عمومية المسئولية الطبية.. عبد الحي: ما تحقق مُرضٍ وننتظر المسودة النهائية

لا يزال مصير الجمعية العمومية الطارئة التي دعا إليها مجلس النقابة العامة للأطباء برئاسة الدكتور أسامة عبد الحي، لإعلان رفض مشروع قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض المقدم من الحكومة، وبحث التحركات والإجراءات اللازمة للتصدي للقانون، غامضا، بعد انتهاء مهلة الشهر التي حددها مجلس النقابة كمدة لتأجيل الجمعية العمومية غير العادية.

وقرر مجلس النقابة العامة للأطباء، يوم الخميس الثاني من يناير الماضي، تأجيل انعقاد الجمعية العمومية غير العادية التي كان مقررا لها يوم الجمعة الثالث من يناير 2025، لمدة شهر، مع استمرار الجهود مع مجلس النواب لتحقيق كامل مطالب الأطباء العادلة، وصدور النسخة النهائية من مشروع القانون.

الجمعية العمومية الطارئة للأطباء

وتساءل عدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الأطباء، من بينهم أعضاء مجلس نقابة حاليون وسابقون، إضافة إلى أساتذة المهنة ـ من خلال حساباتهم الشخصية أو التجمعات الطبية "جروبات وصفحات" على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، عن مصير الجمعية العمومية غير العادية.

نقيب الأطباء يكشف تفاصيل جديدة بشأن قانون المسؤولية الطبيةمدبولي يطمئن الأطباء: قانون المسؤولية الطبية سيخرج بصورة ترضي الجميع

من جانبها أكدت النقابة العامة، أنها تواصل جهودها مع كافة الجهات المعنية في الدولة، من أجل الخروج بمشروع قانون عادل للمسئولية الطبية، يحمي الطبيب ويراعي طبيعة مهنة الطب، ويضمن حق المريض.

وأشارت نقابة الأطباء، إلى أن قرارها تأجيل انعقاد الجمعية العمومية غير العادية للنقابة بشأن مشروع القانون لمدة شهر، أو لحين صدور المسودة النهائية لمشروع القانون، جاء بعد استجابة مجلس النواب لبعض مطالب النقابة، وانفتاحه على مناقشة باقي مطالب النقابة الضرورية والأساسية التي ترى ضرورة تضمينها في مشروع القانون وعلى رأسها تعريف الإهمال الطبي الجسيم بشكل واضح ودقيق لا يقبل التأويل، وإلغاء عقوبة الغرامة في حالات الخطأ الفني الوارد حدوثه، وعدم التحقيق مع الطبيب قبل صدور تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، وأن يتحمل صندوق التأمين التعويض كاملا.

وشددت "الأطباء"، على أن دعوة الجمعية العمومية ستظل قائمة وهو حق أصيل للأطباء، وذلك لحين خروج المسودة النهائية لمشروع القانون، مشددة على أنه في حال لم تتضمن هذه المسودة النهائية مطالب الأطباء العادلة فسيتم دعوة الجمعية العمومية لاتخاذ القرارات التي تراها مناسبة للحفاظ على هذه المهنة.

ووجهت النقابة العامة للأطباء، خالص الشكر والتقدير إلى جموع أطباء مصر على وعيهم الكبير، ووقوفهم ودعمهم لمطالب النقابة العادلة في مشروع القانون، والذي بدونه ما كان ليحدث أي استجابة أو تحرك نحو تلبية مطالبهم، ونشدد على أنه باستمرار هذا التكاتف والدعم الكبير سنصل إلى ما نرجوه بإذن الله تعالى.

مقالات مشابهة

  • غشة: “الفوز على خنشلة يسمح لنا بالخروج من فترة الفراغ التي مررنا بها”
  • ‏الرئيس الشهيد الصماد .. الرمز الحيًّ في وجدان أمته
  • باحث: جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلم أن المقاومة الفلسطينية لا يمكن نزعها
  • وزير الإسكان يتفقد الحي اللاتيني والمدينة التراثية و"سكن لكل المصريين" بالعلمين الجديدة
  • مصير عمومية المسئولية الطبية.. عبد الحي: ما تحقق مُرضٍ وننتظر المسودة النهائية
  • وزير الإسكان يتفقد الحي اللاتيني والمدينة التراثية بالعلمين الجديدة
  • فعالية لعدد من المكاتب الحكومية بحجة أحياءً لذكرى الشهيد القائد والشهيد الرئيس الصماد
  • فعالية خطابية في البيضاء بذكرى سنوية الشهيد القائد والشهيد الرئيس الصماد 
  • التنظيم والإدارة: بدء معرض مستلزمات رمضان لموظفي الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية
  • الجلسة الأخيرة.. الحكم على الطبيب المتهم بهتك عرض فتاة في ‏التجمع بعد قليل