جبريل إبراهيم وسياسات الأزمة-هل تقود السودان إلى المجهول؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
يواجه السودان واحدة من أعقد الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، في ظل استمرار الحرب واستنزاف الموارد الوطنية لصالح المجهود العسكري. تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم مؤخرًا في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان كشفت عن حجم الكارثة، وأظهرت بوضوح أن السياسات الحالية لا تسير إلا نحو تعميق الأزمة.
الإدارة الكلاسيكية للأزمة الاقتصادية
من خلال تصريحاته، يبدو أن وزير المالية يعتمد على أساليب تقليدية في إدارة الاقتصاد، وهي سياسات لم تعد مناسبة للتحديات الراهنة.
الدولار الجمركي وتأثيره الكارثي
من أبرز القرارات التي أثرت على الاقتصاد المحلي هو الدولار الجمركي، الذي تسبب في شلل حركة الاستيراد. نتيجة لذلك، باتت الأسواق السودانية تعج بالبضائع المهربة ذات الجودة الرديئة القادمة من دول الجوار. هذا القرار لم يؤثر فقط على المستوردين، بل أصاب الاقتصاد السوداني بركود وأفقد الدولة القدرة على تنظيم السوق بشكل فعال.
بيع الأراضي الزراعية ونسال هنا تفريط أم ضرورة؟
واحدة من أخطر ما ورد في تصريحات الوزير هي نية الحكومة بيع الأراضي الزراعية لدول الجوار لتغطية تكاليف الحرب. هذه الخطوة، التي قد تبدو حلاً مؤقتًا لأزمة مالية طاحنة، تُعتبر تفريطًا في موارد سيادية حيوية. الأراضي الزراعية ليست فقط مصدرًا للأمن الغذائي للسودان، بل هي أيضًا ركيزة لتنمية اقتصادية طويلة الأمد. أي خطوة بهذا الاتجاه قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة، تشمل تفاقم البطالة وزيادة الفقر، فضلًا عن احتمالات تصعيد الاستياء الشعبي.
أزمة العملة والسياسات النقدية
الانهيار السريع للجنيه السوداني يعود إلى سياسات نقدية غير مدروسة. الطلب المتزايد على العملات الأجنبية، مقابل انعدام الاحتياطات النقدية، يدفع الحكومة إلى السوق السوداء، مما يزيد من تدهور سعر الصرف. هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويُثقل كاهل المواطنين الذين يعيشون بالفعل في ظل ظروف معيشية صعبة.
الصرف العسكري على حساب التنمية
أصبحت أولويات الحكومة متركزة بشكل كبير على تمويل المجهود الحربي، حيث أُدرجت كتائب البراء ضمن بنود الموازنة العامة. هذا الصرف المستمر على العمل العسكري يأتي على حساب القطاعات الحيوية الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. في ظل هذا السياق، تزداد معاناة السودانيين يومًا بعد يوم، دون أي بوادر لتحسين الأوضاع.
العزلة الدولية ايضا عامل إضافي للأزمة
تصريحات الوزير أشارت أيضًا إلى عزلة السودان عن المؤسسات الدولية ورفض الدول تقديم قروض أو منح جديدة. هذه العزلة الاقتصادية تعكس فقدان الثقة الدولية في قدرة السودان على إدارة أزماته السياسية والاقتصادية. من دون تعاون دولي، ستزداد صعوبة تجاوز الأزمة الحالية.
وعلينا ننقاش الامر من مطلق إلى أين يتجه السودان؟
ما يحدث في السودان اليوم يعكس أزمة شاملة، تجمع بين سوء الإدارة المالية والاقتصادية وتصعيد الصراعات العسكرية. اعتماد الحكومة على حلول مؤقتة مثل بيع الأراضي الزراعية لن يسهم إلا في تعميق الأزمة على المدى الطويل. السودان بحاجة إلى قيادة تمتلك رؤية شاملة لإنقاذ البلاد، تبدأ بوقف الحرب كأولوية مطلقة.
مقترحات للخروج من الأزمة
وقف الحرب واستعادة الاستقرار يجب أن تكون الخطوة الأولى هي تحقيق السلام، لأن الحرب هي المصدر الرئيسي لاستنزاف الموارد.
إصلاح هيكلي للاقتصاد أن تعزيز القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، والبحث عن مصادر إيرادات مستدامة بعيدًا عن الاعتماد على الموارد الطبيعية وحدها هو بداية الحل .
التفاوض مع المجتمع الدولي و يجب إعادة بناء الثقة مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، والعمل على جذب استثمارات خارجية.
إدارة موارد الدولة بشفافية عليهم التوقف عن اتخاذ قرارات تؤدي إلى تفريط في الموارد السيادية، والعمل على إصلاح السياسات المالية بشكل جذري.
الأزمة التي يمر بها السودان اليوم ليست وليدة اللحظة، لكنها نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة والصراعات. تصريحات وزير المالية تعكس بوضوح حجم المشكلة، لكنها أيضًا تدعو إلى التفكير بجدية في حلول جذرية. السودان بحاجة ماسة إلى قيادة تعيد ترتيب الأولويات، وتضع مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار. استمرار الوضع الحالي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور، وسيظل الشعب هو المتضرر الأكبر. الحل يبدأ بوقف الحرب وبناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج والشفافية والتعاون الدولي.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأراضی الزراعیة
إقرأ أيضاً:
هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
تشير تقارير اقتصادية حديثة إلى أن الأسواق المالية قد تقلل من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسط حالة من التفاؤل الحذر في أسواق وول ستريت.
ورغم أن المكسيك وكندا حصلتا على تأجيل لمدة شهر قبل فرض تعريفات بنسبة 25%، فإن هذه الهدنة قد تزيد من حالة التراخي وعدم الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب تجارية شاملة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
تفاؤل الأسواق وثقة مبالغ فيهاوعلى الرغم من المخاوف المتزايدة من حرب تجارية عالمية، فإن الأسواق المالية لم تشهد تقلبات حادة بعد إعلان ترامب عن تعريفاته الجديدة. فقد سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أمس الاثنين انخفاضا بنسبة 0.8%، في حين تراجع مؤشر الأسهم الأوروبية ستوكس 600 بنسبة 0.9%، لكن التأثير ظل محدودًا.
وتشير البيانات إلى أن أسهم الشركات المتأثرة مباشرة بالتعريفات، مثل فورد وجنرال موتورز -التي تصنّع سياراتها في المكسيك قبل بيعها في الولايات المتحدة-، لم تنخفض بشكل كبير، في حين استعاد الدولار الكندي والبيزو المكسيكي بعضا مما خسراه بعد الإعلان عن التأجيل.
ويقول التقرير إن المستثمرين في وول ستريت يرون في تهديدات ترامب مجرد تكتيكات تفاوضية لانتزاع تنازلات بشأن قضايا مثل الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، حيث أكد أحد المحللين أن "الأسواق لم تستوعب بعد التداعيات الحقيقية لهذه التعريفات".
لم تشهد الأسواق المالية تقلبات حادة بعد إعلان ترامب عن تعريفاته الجديدة (الفرنسية) سياسات ترامب تزداد تطرفاويرى خبراء الاقتصاد أن سياسات ترامب التجارية الحالية أكثر تطرفا بكثير من تلك التي فرضها خلال ولايته الأولى، حيث كان التركيز آنذاك على ممارسات التجارة غير العادلة والأمن القومي، مع فرض تعريفات على الصين وبعض القطاعات مثل الصلب والألمنيوم بجرعات تدريجية سمحت للشركات بالتكيف.
إعلانأما الآن، إذا رفضت الدول المستهدفة تقديم تنازلات، فقد تصل معدلات التعريفات الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم، فضلًا عن تعطيل سلاسل التوريد العالمية التي أثبتت جائحة كورونا هشاشتها بالفعل.
كندا ترد بقوة وسط إجماع سياسي نادرعلى الرغم من أزمتها السياسية الداخلية، فإن كندا استجابت للتهديدات الأميركية بتوحيد صفوفها، حيث أظهر التقرير أن هناك إجماعًا سياسيا غير مسبوق بين حكومة جاستن ترودو من يسار الوسط، ومعارضيه من اليمين المحافظ.
وقرر رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد، الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مقرب من ترامب، اتخاذ إجراءات انتقامية، مثل إزالة المشروبات الكحولية المصنعة في الولايات المتحدة من الأسواق المحلية، وإلغاء عقد الإنترنت العالي السرعة مع شركة "ستارلينك" التابعة لإيلون ماسك.
تداعيات على الأسواق العالميةوفقًا للتقرير، فإن المنتجين الأميركيين قد يواجهون تداعيات طويلة الأمد نتيجة هذه السياسة الحمائية، حيث قد يتحول المستهلكون في الدول المتضررة إلى بدائل محلية أو أوروبية.
ويضيف التقرير أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي واجهت تحديات مماثلة، إذ أدى عدم اليقين بشأن المفاوضات التجارية الطويلة إلى تراجع الاستثمارات في قطاع الأعمال، وهو ما قد يتكرر مع الولايات المتحدة في حال تصاعد الحرب التجارية.
هل هناك فوائد اقتصادية محتملة؟يرى بعض الاقتصاديين أن التعريفات الجمركية قد تعود بفوائد على المدى الطويل إذا تم تطبيقها بشكل انتقائي لدعم الإنتاج المحلي، كما حدث في بعض الدول الآسيوية في القرن العشرين.
فعلى سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة فرض تعريفات لحماية صناعة السيارات الكهربائية كما فعلت الصين سابقًا، مما قد يعزز قدرتها التنافسية عالميًا. لكن في الوقت نفسه، يُحذر الخبراء من أن السياسات الحمائية الشاملة غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية كما حدث في أميركا اللاتينية في الخمسينيات والستينيات.
إعلان من "أميركا أولا" إلى "التعريفات أولا"؟تشير الصحيفة إلى أن سياسات ترامب التجارية تفتقر إلى رؤية اقتصادية واضحة، إذ إن فرض تعريفات واسعة النطاق دون أهداف محددة قد يؤدي إلى ركود صناعي بدلًا من تحفيز الاقتصاد.
ويضيف التقرير أن المستثمرين في الأسواق المالية قد يساهمون دون قصد في تصعيد الأزمة، إذ إن تجاهلهم للتداعيات المحتملة قد يشجع الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوات أكثر تشددًا، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة تجارية عالمية.
فرض ترامب تعريفات واسعة النطاق دون أهداف محددة قد يؤدي إلى ركود صناعي، وفقما يرى مراقبون (الأوروبية)
ومع تصاعد الحمائية الاقتصادية الأميركية، يتزايد القلق من أن الأسواق المالية تقلل من خطورة الوضع وسط تفاؤل مفرط بأن التعريفات مجرد أداة تفاوضية.
لكن الواقع يشير إلى أن الحرب التجارية قد تتحول إلى أزمة حقيقية إذا لم تتمكن الدول المتضررة من إيجاد بدائل، مما قد يؤدي إلى موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الأسواق التكيف مع عالم تقوده سياسة "التعريفات أولا"؟