يواجه السودان واحدة من أعقد الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، في ظل استمرار الحرب واستنزاف الموارد الوطنية لصالح المجهود العسكري. تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم مؤخرًا في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان كشفت عن حجم الكارثة، وأظهرت بوضوح أن السياسات الحالية لا تسير إلا نحو تعميق الأزمة.

الإدارة الكلاسيكية للأزمة الاقتصادية
من خلال تصريحاته، يبدو أن وزير المالية يعتمد على أساليب تقليدية في إدارة الاقتصاد، وهي سياسات لم تعد مناسبة للتحديات الراهنة.

الصرف العسكري المرهق والمراهنة على السوق السوداء لتوفير العملات الأجنبية يعكس فشل الحكومة في تقديم رؤية إصلاحية قادرة على احتواء الأزمة. ففي ظل انخفاض الإيرادات بنسبة 80%، تتآكل قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق، حيث قفز سعر الدولار من 570 جنيهًا قبل الحرب إلى أكثر من 1,200 جنيه حاليًا.

الدولار الجمركي وتأثيره الكارثي
من أبرز القرارات التي أثرت على الاقتصاد المحلي هو الدولار الجمركي، الذي تسبب في شلل حركة الاستيراد. نتيجة لذلك، باتت الأسواق السودانية تعج بالبضائع المهربة ذات الجودة الرديئة القادمة من دول الجوار. هذا القرار لم يؤثر فقط على المستوردين، بل أصاب الاقتصاد السوداني بركود وأفقد الدولة القدرة على تنظيم السوق بشكل فعال.

بيع الأراضي الزراعية ونسال هنا تفريط أم ضرورة؟
واحدة من أخطر ما ورد في تصريحات الوزير هي نية الحكومة بيع الأراضي الزراعية لدول الجوار لتغطية تكاليف الحرب. هذه الخطوة، التي قد تبدو حلاً مؤقتًا لأزمة مالية طاحنة، تُعتبر تفريطًا في موارد سيادية حيوية. الأراضي الزراعية ليست فقط مصدرًا للأمن الغذائي للسودان، بل هي أيضًا ركيزة لتنمية اقتصادية طويلة الأمد. أي خطوة بهذا الاتجاه قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة، تشمل تفاقم البطالة وزيادة الفقر، فضلًا عن احتمالات تصعيد الاستياء الشعبي.

أزمة العملة والسياسات النقدية
الانهيار السريع للجنيه السوداني يعود إلى سياسات نقدية غير مدروسة. الطلب المتزايد على العملات الأجنبية، مقابل انعدام الاحتياطات النقدية، يدفع الحكومة إلى السوق السوداء، مما يزيد من تدهور سعر الصرف. هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويُثقل كاهل المواطنين الذين يعيشون بالفعل في ظل ظروف معيشية صعبة.

الصرف العسكري على حساب التنمية
أصبحت أولويات الحكومة متركزة بشكل كبير على تمويل المجهود الحربي، حيث أُدرجت كتائب البراء ضمن بنود الموازنة العامة. هذا الصرف المستمر على العمل العسكري يأتي على حساب القطاعات الحيوية الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. في ظل هذا السياق، تزداد معاناة السودانيين يومًا بعد يوم، دون أي بوادر لتحسين الأوضاع.

العزلة الدولية ايضا عامل إضافي للأزمة
تصريحات الوزير أشارت أيضًا إلى عزلة السودان عن المؤسسات الدولية ورفض الدول تقديم قروض أو منح جديدة. هذه العزلة الاقتصادية تعكس فقدان الثقة الدولية في قدرة السودان على إدارة أزماته السياسية والاقتصادية. من دون تعاون دولي، ستزداد صعوبة تجاوز الأزمة الحالية.

وعلينا ننقاش الامر من مطلق إلى أين يتجه السودان؟
ما يحدث في السودان اليوم يعكس أزمة شاملة، تجمع بين سوء الإدارة المالية والاقتصادية وتصعيد الصراعات العسكرية. اعتماد الحكومة على حلول مؤقتة مثل بيع الأراضي الزراعية لن يسهم إلا في تعميق الأزمة على المدى الطويل. السودان بحاجة إلى قيادة تمتلك رؤية شاملة لإنقاذ البلاد، تبدأ بوقف الحرب كأولوية مطلقة.

مقترحات للخروج من الأزمة

وقف الحرب واستعادة الاستقرار يجب أن تكون الخطوة الأولى هي تحقيق السلام، لأن الحرب هي المصدر الرئيسي لاستنزاف الموارد.

إصلاح هيكلي للاقتصاد أن تعزيز القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، والبحث عن مصادر إيرادات مستدامة بعيدًا عن الاعتماد على الموارد الطبيعية وحدها هو بداية الحل .

التفاوض مع المجتمع الدولي و يجب إعادة بناء الثقة مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، والعمل على جذب استثمارات خارجية.

إدارة موارد الدولة بشفافية عليهم التوقف عن اتخاذ قرارات تؤدي إلى تفريط في الموارد السيادية، والعمل على إصلاح السياسات المالية بشكل جذري.

الأزمة التي يمر بها السودان اليوم ليست وليدة اللحظة، لكنها نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة والصراعات. تصريحات وزير المالية تعكس بوضوح حجم المشكلة، لكنها أيضًا تدعو إلى التفكير بجدية في حلول جذرية. السودان بحاجة ماسة إلى قيادة تعيد ترتيب الأولويات، وتضع مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار. استمرار الوضع الحالي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور، وسيظل الشعب هو المتضرر الأكبر. الحل يبدأ بوقف الحرب وبناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج والشفافية والتعاون الدولي.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأراضی الزراعیة

إقرأ أيضاً:

تفاصيل اجتماع السيسي مع رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي ووزيري المالية والبترول (فيديو)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وحسن عبدالله محافظ البنك المركزي، وأحمد كجوك وزير المالية والمهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الاجتماع بحث جهود الحكومة لضمان تلبية احتياجات الدولة من المنتجات البترولية، بما في ذلك تلك اللازمة لمشاريع التنمية، بالإضافة إلى توفير الاعتمادات الضرورية لاستدامة العمل بكفاءة في هذا القطاع.

كما تم استعراض جهود الحكومة لزيادة الإنتاج المحلي من الثروة البترولية والغاز، حيث أكد الرئيس على أهمية مواصلة تطوير الآبار الجديدة المكتشفة وإدراجها ضمن خريطة الإنتاج، فضلاً عن تكثيف أنشطة البحث والاستكشاف في المناطق البرية والبحرية في مصر.

وأوضح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الاجتماع تناول أيضًا مستجدات التعاون بين الحكومة والشركات العالمية والمستثمرين المحليين في مجالي البترول والغاز، واستعراض مجموعة من المحاور المتعلقة بنتائج جهود جذب القطاع الخاص للتوسع في استثماراته ضمن هذا القطاع.

كما تم بحث الخطوات المبذولة لتوسيع نطاق التعاون الإقليمي في مجالي البترول والغاز خلال الفترة المقبلة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والاستثمار في هذا الشأن.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن الرئيس وجه بضرورة انتظام سداد المستحقات المالية للشركات المتعاقدة مع الدولة في قطاع البترول والغاز، كما أكد الرئيس على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود الحكومية لتلبية احتياجات المواطنين في مختلف القطاعات، وتعزيز الجهود الرامية لدفع معدلات النمو الاقتصادي والدخل القومي، مما يسهم في بناء اقتصاد قوي و جاذب للاستثمارات.
 

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السوداني يتحدث عن الحسم العسكري
  • السودان .. ركود حاد يضرب دلالة السيارات بعد قرار من وزارة المالية
  • السودان… عام آخر من الحرب!
  • لبنان وإسرائيل على حافة المجهول: هل يصمد وقف إطلاق النار أم يشعل اليوم الـ61 شرارة الحرب من جديد؟
  • تفاصيل اجتماع السيسي مع رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي ووزيري المالية والبترول (فيديو)
  • المالية تنفي مانسب لدكتور جبريل عن نية الدولة بيع اراض لدول الجوار للصرف على معركة الكرامة
  • المالية ترد بشأن بيع أراضي السودان بسبب الحرب وفرض الضرائب والرسوم في الموازنة الجديدة
  • الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان .. 21 مليون سوداني بحاجة لمساعدات عاجلة عام 2025 بينهم 16 مليون طفل
  • ما هو سبب اندلاع الحرب في سوريا؟