استقلال السودان.. الزيف والحقيقة!
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
فايز الشيخ السليك
ابتسمتُ عندما قدم لي مشرفي في الشركة التي أعمل بها التهنئة بمناسبة (عيد ميلادي) الافتراضي، لم أودُ قطع حبل دهشته بسبب فرادة تاريخ الميلاد المصادف الأول من يناير.
لم أخبره بأنَّ هذا التاريخ زائف، لا اليوم حقيقي، ولا الشهر صحيح ولا السنة كذلك، لكن كل ما أذكره أنه في أحد أيام الشتاءات القارصة في سودان ثمانينات القرن الماضي ذهبنا مجموعة من أولاد القرية إلى الخرطوم، لاستخراج “شهادات التسنين”، حيث اكتفى الطبيب بالنظرة إلى الطفل الواقف أمامه، وفتح فمه، ثم كتابة تاريخ الميلاد تقديراً، ربما يكون أحدنا أصغر سناً، لكنه طويل القامة، فيكتب له القومسيون الطبي ميلاً أكبر منا، أو العكس.
هي حكايات من تواريخ ميلاد كثيرين؛ غالباً ما تكون تواريخ زائفةً مثل أشياء كثيرة عندنا، كقول الشاعر، وغناء المغني..
كرري تحدث عن رجالٍ كالأسود الضارية..
خاضوا اللهيب، وشتتوا كتل الغزاة الباغية..
ما لان فرسانٌ لنا، بل فرَّ جمع الطاغية..
وهو على غير حقيقة الوقائع التي حدثت في معركة كرري في سنة ١٨٩٨، التي ولج الاستعمار عبر بوابتها، وأسس دولته “الكولونيالية” بعد ترسيم خطوط السكك الحديد، والسعي لتحديث الحياة السائدة وقتها، وتأسيس بعض المشاريع الزراعية الكبرى كمشروع الجزيرة بغرض تصدير قطنه إلى مصانع لانكشير في بريطانيا العظمى، ولنستورد نحن ذات القطن” أقمشةً وثياباً لندنية وسويسرية؛ ونظل ندور في تبعية إلى يومنا هذا، ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال التاسعة وستين مع أنه استمرار لذات أسس ونهج الدولة التي أسسها المستعمر.
وردت تعريفات الدولة في الفكر السياسي، وفي علم الاجتماع، وفي مفاهيم التنمية منذ أن بدأ الإنسان يفكر في تأطير علاقته مع الآخرين، لتحقيق مصالحه، ومصالح أسرته، وعشيرته، وقبيلته، حال وجود آخرين يختلفون عنه في تلك الكيانات الأسرية والعشائرية والقبلية، وهي كيانات تربط المجتمعات المقيمة داخل حيز جغرافي معين، وترتبط مصالحها ببقائها على وئام، أو توافق على حد أدنى من التعايش.
وظهر المصطلح قبل آلاف السنين في الفلسفة الإغريقية، بجمهورية أفلاطون، “يوتوبيا”، وهي نظرة مثالية مستندةً على كيان يتم تقسيمه إلى حاكم فيلسوف، وحراس مساعدين، وعمال يدويين، فيما جاءت رؤية الفيلسوف الإسلامي الفارابي في مدينته الفاضلة ترجمةً لفلسفة أفلاطون والتأكيد على دور الأخلاق في السياسة، ثم كانت رؤية ابن خلدون القائمة على العصبية، في تقسيم المجتمعات، إلا أن نقلةً نوعية شهدتها أوروبا؛ لا سيما بعد أن طوت حقبة الانحطاط الفكري، ودحرجت أركان الدولة الدينية ” الثيوقراطية”، أو الكهنوتية”.
يرى المفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري أن “النظريات الأوروبية حول الديمقراطية وحول المسألة الاجتماعية وحول العلاقة بينهما كانت نظريات تؤطِّرها وضعية تاريخية معينة قوامها جملة أسس وأركان من أهمها ما يلي: وجود الدولة الوطنية القومية، وجود بنى صناعية حديثة متنامية، وجود طبقة برجوازية متمسكة بالقيم اللبرالية، وجود طبقة عاملة يتزايد عدد أفرادها يوماً بعد يوم، وجود أحزاب تؤطِّر الأفراد، وتتقاسم النخب “، ويضيف ” أنَّ اختفاء القبيلة وذوبانها ” في المجتمع الأوروبي” كإطار يستقطب ولاء الأفراد كان شرطاً لقيام نوع آخر من الولاء هو التبعية للسيد الإقطاعي أولاً ثم للحزب أو النقابة بعد ذلك”.
يضطَّر الأفراد في أي مجتمعٍ اضطراراً طبيعياً إلى البحث عن كيانً ينتمون إليه، وتتنوع الكيانات من سياسية إلى مدنية أو نقابية، وروابط ثقافية وفنية وأدبية، وهي أوعية مهمة لاستيعاب طاقات الأفراد فيها، ولإشباع غرائزهم الاجتماعية والحاجة إلى الانتماء، كخطوة مهمة من خطوات تحقيق الذات، فراعي الأبقار سيكون سعيداً لوجود اتحاد رعاة يقاسمه همومه اليومية والحياتية، والمزارع في حاجة إلى اتحاد مزارعين لمتابعة مشاكل الزراعة، وهناك من يبحث عن منظمة تدافع عن حقوق الإنسان، أو تقديم الخدمات الطوعية، وهناك من يسعد بالاشتراك في ناد رياضي، أو جمعية ثقافية، وطلاب المدارس والجامعات يكونون سعداء حال توظيف طاقاتهم الشبابية في أنشطة يقدمون عبرها الخدمات لأهلهم، وهناك من تشبع غريزته السياسية والانضمام إلى حزب سياسي.
ويشير بروفيسور تيسير محمد أحمد، إلى أنِّ “الدولة ليست مجرد مؤسسة فقط أو مجرد تركيب، بل هي مركب علاقات معقد خلقته اختلافات وصراعات العلاقات الاجتماعية وأشكال التنظيم الاجتماعي المتطابقة معها”.
بينما ينحى الدكتور أبكر آدم إسماعيل، منحىً ثقافياً في تعريفه لعلاقات المجتمعات السودانية مع الكائن المسمى الَّدولة، ويقول “إن السُّودان دولة مصنوعة وقصيرة التجربة – أقل من قرنين منذ قيام الدولة الحديثة فيه – وهذه الدولة الحديثة مجرد شكل تم إلباسه على مجتمعات تقليدية مختلفة ثقافياً، ومتفاوتة تاريخياً تم جمعها حسب مقتضيات خارجية متمثلة في مصالح الاستعمار وتوجهاته في الأساس، ولما ذهب الاستعمار خلف شكل الدولة وراءه لهذه الكيانات للتنازع حوله كل بأسلحته القديمة، التي ليس ن بينها مالك لأفق يستوعب ضرورة التوازن من أجل التعايش السلمي”.
إنَّ الدولة بمعناها المفاهيمي والوظيفي، عبارة عن كيان محدد، يقع داخل رقعة جغرافية يسكنها أناس يحملون موروثاً حضارياً مشتركاً، ويوحدهم المصير، والمستقبل، والمصالح المشتركة، ويمكن تحديد هوية هذا الكيان بمدى فاعليته في رسم خطوط هندسة اجتماعية، تضع حدوداً بين الهياكل المعنية بالتشريع، والقضاء، والحكم، والخدمات، وتوفير الأمن، للأفراد، والمجتمعات في داخل هذا الكيان، وفض النزاعات فيما بينهم، ويشترط لفاعلية هذا الكيان هيكلته على أسس ديمقراطية، تراعي قيم المساواة والعدالة الاجتماعية، وتوفر شروط الحرية، للجميع، دون تحيز إثني، أو ديني، أو طبقي.
نجد أنه بمفهوم الدولة الحديثة أن ثمة أحداثاً متتالية فضحت هشاشة ما يمكن تسميته “دولةً ” في السودان، ومن ضمن هذه الأحداث؛ انفصال الجنوب في يناير 2011، وتفاعلاته وكشف مقدار شرخ الوجدان الجمعي، واقتراب انسداد المعبد فوق رؤوس الجميع، هذا يمكن الانتباه إليه كذلك في سلسلة الحروب المستمرة منذ عشية ” الاستقلال ” في عام ١٩٥٥ في مناطق الجنوب الجديد بالنيل الأزرق، وجنوب كردفان، ودارفور، وشرق السودان نهايةً بالحرب العبثية الحالية، وهو أمرٌ جدير بالتوقف عنده، لماذا الحروب المتكررة؟ ولماذا الفشل في استدامة نظام سياسي، رغم مرور سبعة عقود على” الاستقلال؟
لم يعرف السودان عبر تاريخه مفهوم الدولة القومية بمؤسساتها الحديثة، إلا في القرن التاسع عشر، حيث بدأت في التشكُّل مع بدء الحملة التركية المصرية لاستعمار السُّودان من أجل “المال والرجال”، وكانت الأرض الممتدة من جنوب مصر حتى حدود كينيا وأوغندا جنوباً، وإثيوبيا وإريتريا شرقاً، وتشاد وليبيا غرباً عبارة عن دويلات صغيرة، مثل السلطنة الزرقاء، وسلطنة الفور، والمسبعات، وفي غرب البلاد نشأت سلطنة الفور في الفترة من 1445 م – 1874 م”، وظلت وحدة منفصلة لا رابط قومياً لها مع الشرق والشمال والجنوب، وظلت السلطنة عصية على الاستعمار لأكثر من عشرين عاماً، حتى تمكن الزبير باشا “أحد تجار الرقيق المشهورين في مناطق بحر الغزال من هزيمة الفور وضم سلطنتهم “رمزيا”.
دخل الأتراك والمصريون السودان سنة ١٨٢١، وفشل الاستعمار التركي صعوبات في بناء دولة حديثة فوق أرض بلاد مترامية الأطراف، متنوعة المناخات، ومختلفة التضاريس، إلا أن الأتراك أسسوا نظماً إدارية باستجلاب موظفين وعمال أوروبيين، وأتراك، ومصريين، كما اعتبروا اللَّغة التركية لغة التواصل والعمل، مع وجود ضعيف للّغة العربية.
تفجَّرت الثورة المهدية سنة 1881، كحركة مقاومة شعبية، ونجحت في توحيد قطاعات واسعة من السودانيين تحت زعامة الإمام محمد أحمد المهدي، الذي توفي بعد أن أنهى الحكم التركي بعد أشهر قليلة ليخلفه خليفته عبد الله التعايشي، وقد اختلفت أسباب إخضاع المهدي للمجموعات المتباينة تحت سيطرته، مع التأكيد أنه لم يكن يحمل مشروعاً وطنياً يحدد شكل الدولة وطبيعتها وحقوق المجموعات الإثنية.
كانت أبرز ملامح الفترة المهدية قيام دولة إسلامية ضعيفة فاقدة السيطرة على الأطراف وسط حروبات أهلية، ونمو صراع ذي منحى عنصري قائم على ثنائية “الأشراف”، و” الغرابة” أو ” أولاد البحر”، و”أولاد الغرب”، وهي نزعة تعكس ثنائية مستمرة في السودان، وبالطبع فإن الخليفة التعايشي فشل في فرض سلطته المركزية؛ بسبب الحروب الداخلية والخارجية.
لقد أمضى الخليفة عبد الله، معظم فترة حكمه في خوض حروبٍ داخلية بغرض إجبار مجموعات قبلية للإذعان لحكمه ولفكرة المهدية، لقد حارب الخليفة الكبابيش، والداجو، والمساليت، والفور، هذا عدا خلافاته الكبيرة مع “الأشراف”” وبالرغم من يمين الولاء الذي أقسمه كل من “الأشراف” و”أولاد البحر” فإنهم لم يكونوا مستعدين للمرة بقبول حكم الخليفة عبد الله، وبادروا على الفور بالتآمر والإطاحة به باستدعاء جيش المهدي الكبير في الغرب بقيادة محمد خالد، وهو دنقلاوي من أولاد البحر، وابن عم المهدي، ومن ناحية الخليفة قد تحرك بحزم حيث عزل خالد، وأمن الجزيرة بإمدادها من الجنوب أم درمان.
كما سعى الاستعمار البريطاني المصري لتوطيد أركان حكمه إلى ترسيخ القبلية، وإثارة العنصرية الموجودة أصلاً ما بين الشماليين أنفسهم، أو بين الشمال والجنوب بواسطة سياسات “الأرض المقفولة”، وقد كان السير هارلود مايكل، السكرتير المدني البريطاني في الفترة من 1924- 1934، هو من نصح الحاكم العام السير جون مافيري بضرورة حكم السودان من بعد، بدعم السلطات المحلية والقيادات التقليدية.
نال السودان استقلاله في يناير 1956 م على طبق من ذهب “و” صحن صيني ما فيهو شق، ولا طق” على حد توصيف السيد إسماعيل الأزهري أول رئيس سوداني، وكان الاستقلال نتيجة موازنات دولية دفعت بريطانيا بالتخلي عن عدد من مستعمراتها، ومن ضمنها السودان، وتم ذلك دونما تضحية كبيرة إلا من تحركات معزولة هنا وهناك أكبرها ثورة اللواء الأبيض في سنة 1924، وما أفرزته من إشكالات الهوية، ومأزقها، الذي أراده بعض النخبة ” باسم الشعب العربي”، فيما أصر علي عبد اللطيف بجذوره الأفريقية، ” الشعب السوداني النبيل”.
خرج الاستعمار، وخلف وراءه دولة “كولونيالية” هشة المشاعر الوطنية، ومضطربة الهوية، ويرى البروفيسور تيسير محمد أحمد علي في ورقة بعنوان “السودان…. الاستقلال ومأزق المشروع الوطني” في غالب الأحوال ما يكون الاستقلال المرحلة الأولى في عملية البناء الوطني، مربوطة بالشعور بنمو الحقوق السياسية والتحرر من السيطرة. ولا بد أن يتضمن، ليس فقط التخلص من المستعمر، بل التحرر الكامل من كافة العلاقات، والبنى، والهياكل، وحتى المفاهيم التي خلفها المستعمر، واستبدالها بأخرى تأطر لمشروع وطني كامل يقابل احتياجات الشعب والدولة المستقلة”.
وفي ذات السياق يرى الدكتور حيدر إبراهيم “لم يهتم السودانيون بعد الاستقلال ببناء دولتهم الوطنية، والتي كان لا بد أن تكون دولة وطنية، ديمقراطية، تعددية الثقافات، وعلمانية أو مدنية، ولكن السودان خضع لعملية طويلة ومركَّبة لتوظيف الدين سياسياً، ابتدرته القوى الطائفية التقليدية، وأكملته قوى جديدة محافظة” الإخوان المسلمون بمسمياتهم السودانية المختلفة، ومع زج الدين في السياسة وجعله أساساً ممكناً لأي دولة سودانية قادمة، كانت هذه مقدمة لتهميش كل العناصر غير المسلمة واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، وفي هذا التوجه، وأد لفكرة الدولة الوطنية الموحدة، ومن هنا أسس حكم الإسلامويين بقصد، أو لا وعي – للتفكك الحتمي للدولة السودانية قبل أن يكتمل بناؤها الذي تعطل منذ الاستقلال”.
ورث السودانيون دولتهم المصنوعة من البريطانيين، فعلى مستوى نظم الحكم، لا نزال ندور في حلقةٍ جهنمية، ودائرةٍ شريرة، ويقتنص الجيش من سنوات الحكم حوالي (٥٧) سنةً من عمر الدولة، وأصبح حزباً مسلحاً، أو جناحاً عسكرياً لفئة سياسية، فشغل نفسه بالتجارة والتسابق نحو كراسي الحكم، فبلغت عدد الانقلابات العسكرية أكثر من عشرين محاولةً؛ كأكبر عددٍ انقلابات تشهدها أفريقيا، ويحل السودان عالميا في المرتبة الثانيةً بعد بوليفيا، فيما تعاني القوى السياسي من حالة كساح أعجزتها من الممارسة الديموقراطية الحقة، وأغرقت نفسها في “الديموقراطية الإجرائية”.
واستمرت ذات السياسات الاستعمارية اقتصادياً، إذ لا نزال نزرع الأقطان، ونصدرها إلى الصين، ونستورد في ذات الوقت الجلاليب والثياب، ونصدر الماشية الحية، ونستورد منتجاتها أحذيةً وحقائبَ جلدية، ونصدر السمسم والفول، ونستورد زيوتاً وأعلافاً وطنية.
وعلى المستوى الإداري لا نزال نحتكم في الأطراف والهوامش إلى إرادة الإدارات الأهلية والزعامات القبلية بذات طريقة إدارة المستعمرين الذين فضلوا منح الامتيازات لتك القيادات وتوكيلها للحكم بالإنابة.
تواصلت الحروب في السودان؛ إلا أن الحرب الأخيرة كانت قشةً قصمت ظهير بعير دولة مصنوعة، فاقدة للأوتاد مع كثرة الزوابع التي تواجهها، ويكفي الإشارة إلى ترك أكثر من ربع السكان منازلهم وقراهم ومدنهم، مولين هاربين إلى جبالٍ تأويهم من طوفان جرائم المتقاتلين، لا سيما قوات الدعم السريع، وأصبحت الخرطوم خاوية على عروشها تسكنها الأشباح، لدرجة عجز قادة الطرفين المتقاتلين في العيش تحت ركامها، وانهار مع ذلك القطاع الصحي العليل، والتعليمي الكسيح، وقطاع الخدمات الهش.
وفضحت كذلك ضعف مخيال النخب التي توارثت حكم هذه البلاد بلا خطط تنموية في الأصقاع النائية وحتى القريبة من مركز القرار والخدمات وجذب الناس، فلا مدارس في الأقاليم تكون بديلةً لطلاب المناطق المتأثرة بالحرب، ولا بنى تحتية تستضيف طلاب الجامعات، ولا ملاعب رياضية حتى صارت أنديتنا الرياضية ومنتخباتنا الوطنية معلقةً بين أجواء جوبا ونواكشوط وطرابلس ودار السلام.، وكشفت وجهاً قبيحاً للإنسان السوداني تمثل في محاولات الاستغلال الفاحشة للنازحين والباحثين عن مساكن تأويهم من خطر التسول وكارثة النزوح، حيث ضرب كثيرون ما كنا نحبه من قيم التكافل والمحبة والترابط الاجتماعي بيننا كسودانيين.
لقد بيَّنت حرب أبريل عمق أزمة الدولة الوطنية وضعف الرابط القومي، وانتزعت ورقة التوت عن بعض من الاستحياش المتخبئ وراء سماحة زائفة مثل شهادات تسنينا، واستسهال القتل والنهب وانتشار خطاب الكراهية، ونتج هذا بسبب فقدان مشروعٍ وطني يكون معبراً عن الجميع ثقافياً وروحيا، ومادياً، بل إن الحرب اللعينة أوضحت وهن الكيان الجغرافي الجامع، بهياكله المتحللة، وأكدت أنَّ السُّودان لا يزال كياناً أُلبس لباس الدولة الحديثة قسراً.
الوسومفائز السليكالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدولة الحدیثة
إقرأ أيضاً:
حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (79)
د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري
حوار اليوم:
• مع ان الصورة قاتمة جدا فهل هناك دولة افريقية افادت من استقلالها عمليا من المستعمر الاوربي؟
• كان وراء هذه النجاحات بعض الرجال والنساء المخلصين لهذه القارة هل ناتي على ذكر اسماء بعضهم؟
• الاستقلال يجب ان يكون لحظة للتأمل في الماضي والعمل على تغيير الحاضر والمستقبل. كيف ذلك؟
• كيف نرى السودان في هذا السياق .. هل نحتفي باستقلالنا ام نبكي علي استغلالنا؟
***********************
بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها معظم الدول الإفريقية بعد الاستقلال، هناك بعض الدول التي تمكنت من تحقيق نجاحات ملحوظة في مختلف المجالات، وأفادت من استقلالها عمليًا، من خلال تحسين أوضاعها الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية بشكل عام. يمكن استعراض بعض هذه الدول التي استطاعت أن تحقق بعض المكاسب نتيجة لاستقلالها عن المستعمرين الأوروبيين.
1. غانا: رائدة الاستقلال والتنمية الاقتصادية
• الاستقلال المبكر والإنجازات الاقتصادية: تعتبر غانا من أوائل الدول الإفريقية التي نالت استقلالها في عام 1957 تحت قيادة كوامي نكروما، وكان لها دور ريادي في الحركات التحررية في القارة. على الرغم من التحديات التي واجهتها بعد الاستقلال، إلا أن غانا حققت بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
• إصلاحات في التعليم والصحة: غانا استثمرت في تطوير قطاع التعليم والصحة، مما ساعد في رفع مستوى معيشة السكان وتحسين نوعية الحياة. كما أن البلاد أصبحت نموذجًا لعدد من الإصلاحات الاقتصادية التي حاولت التحول من اقتصاد يعتمد على المواد الخام إلى اقتصاد أكثر تنوعًا.
• الاستقرار السياسي النسبي: رغم بعض الاضطرابات السياسية في تاريخها الحديث، تمكنت غانا من تجنب العديد من الحروب الأهلية التي عانت منها دول أخرى في القارة. ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين، أصبحت غانا واحدة من أكثر الدول الإفريقية استقرارًا سياسيًا، مما جذب الاستثمارات الأجنبية.
2. رواندا: من الدمار إلى التنمية
• الانتقال من الحرب إلى الاستقرار: رواندا تعد واحدة من الدول الإفريقية التي حققت تحولًا كبيرًا بعد الاستقلال، وخاصة بعد فترة مأساوية من الإبادة الجماعية في 1994. عقب هذه الكارثة، اتخذت الحكومة الرواندية خطوات ضخمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والاستقرار السياسي.
• النمو الاقتصادي: استطاعت رواندا أن تحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا في العقدين الأخيرين، حيث تم تنويع الاقتصاد وتحقيق تقدم في مجالات التكنولوجيا والخدمات والسياحة. هذا النمو كان نتيجة للسياسات الحكيمة التي اتبعتها الحكومة بعد الإبادة الجماعية.
• العدالة الاجتماعية: رواندا تبنت سياسة "المصالحة الوطنية"، حيث كان التركيز على إعادة بناء العلاقات بين مختلف المجموعات العرقية. كما أن نسبة تمثيل المرأة في البرلمان الرواندي هي من الأعلى في العالم، حيث تساهم المرأة بشكل كبير في صنع القرار والتنمية الاجتماعية.
3. السنغال: الاستقرار الديمقراطي والتنمية المستدامة
• الاستقلال المبكر: نالت السنغال استقلالها عن فرنسا في عام 1960، وأصبحت واحدة من الدول الإفريقية التي حققت استقرارًا سياسيًا مبكرًا.
• الاستقرار الديمقراطي: تتمتع السنغال بتاريخ طويل من الديمقراطية والاستقرار السياسي مقارنة بالكثير من الدول الإفريقية الأخرى. لم تشهد البلاد انقلابات عسكرية أو صراعات أهلية كبيرة، ما ساعد على تحقيق نمو مستدام في مجالات التعليم والصحة.
• الاقتصاد المتنوع: على الرغم من كون السنغال تعتمد في البداية على الزراعة، إلا أن الحكومة السنغالية عملت على تنويع الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات مثل السياحة والطاقة المتجددة. السنغال أيضًا نجحت في تطوير البنية التحتية، مما ساعد على زيادة فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.
4. بوتسوانا: النجاح في الحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية
• التقدم في الحكم الرشيد: بوتسوانا تعتبر مثالًا نادرًا في إفريقيا من حيث الاستقرار السياسي والحكم الرشيد بعد الاستقلال. حصلت بوتسوانا على استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1966، وسرعان ما أصبحت واحدة من الدول الأكثر استقرارًا في القارة.
• الاقتصاد القوي: يعتمد اقتصاد بوتسوانا بشكل كبير على صناعة التعدين، خاصة استخراج الألماس، ولكنه قام بتطوير قطاعات أخرى أيضًا، مثل السياحة والزراعة. الإدارة الحكيمة لعائدات الألماس سمحت ببناء احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، مما ساعد على استقرار الاقتصاد.
• التنمية الاجتماعية: حققت بوتسوانا تقدمًا ملحوظًا في مجالات التعليم والصحة، وواجهت تحديات كبيرة مثل تفشي فيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV)، ولكنها تمكنت من تطوير استراتيجيات فعالة للحد من تأثيرات الوباء.
5. كينيا: التحول نحو التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية
• الاستقلال والتقدم التكنولوجي: رغم أن كينيا لم تحقق النجاح الكامل في جميع مجالات التنمية، إلا أنها حققت تقدمًا كبيرًا في العقدين الأخيرين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. أصبح قطاع التكنولوجيا في كينيا واحدًا من أبرز القطاعات الناشئة في إفريقيا.
• نمو اقتصادي: كينيا من بين الدول التي حققت نموًا اقتصاديًا مستدامًا، وتعتبر من أكبر اقتصادات شرق إفريقيا. توسع قطاع الخدمات والسياحة والتمويل من العوامل التي ساهمت في هذا النمو.
• الابتكار في مجال الموبايل: كينيا تعد من الدول الرائدة في مجال الدفع عبر الهاتف المحمول، حيث ابتكرت خدمة "M-Pesa" التي مكنت ملايين من المواطنين من الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة.
خلاصة:
نعم، هناك دول إفريقية استفادت بشكل عملي من استقلالها وحققت نجاحات ملموسة في مختلف المجالات. دول مثل غانا، رواندا، السنغال، بوتسوانا، و كينيا قدمت نماذج إيجابية في الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والتحول الاجتماعي. هذا النجاح يعود إلى حكوماتها التي تبنت سياسات رشيدة، وركزت على التعليم، والتنمية الاقتصادية المستدامة، وتعزيز الحكم الديمقراطي. ورغم وجود تحديات مستمرة في هذه الدول، إلا أن هناك دروسًا مستفادة يمكن أن تعزز فرص النجاح في دول أخرى.
• كان وراء هذه النجاحات بعض الرجال والنساء المخلصين لهذه القارة هل ناتي على ذكر اسماء بعضهم؟
بالفعل، كان وراء هذه النجاحات التاريخية في بعض الدول الإفريقية رجال ونساء مخلصين ومؤثرين لعبوا دورًا كبيرًا في تحقيق الاستقلال، وفي بناء دولهم بعد التحرر من الاستعمار. هؤلاء القادة استخدموا حكمتهم، وشجاعتهم، ورؤيتهم للمستقبل في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إليك بعض الأسماء البارزة التي كان لها دور كبير في نجاحات إفريقيا بعد الاستقلال:
1. كوامي نكروما (غانا)
• دوره: كوامي نكروما هو أول رئيس لجمهورية غانا بعد استقلالها عن بريطانيا في 1957. كان من القادة الأكثر تأثيرًا في الحركة الاستقلالية في إفريقيا، ولعب دورًا بارزًا في النضال ضد الاستعمار البريطاني.
• إرثه: كان نكروما من المدافعين عن الوحدة الإفريقية، وأحد المؤسسين لحركة الوحدة الإفريقية، التي تطورت لاحقًا إلى الاتحاد الإفريقي. كما كان داعمًا كبيرًا للتعليم والتنمية الاقتصادية في غانا، وعُرف بحلمه لتأسيس قارة إفريقية موحدة.
2. نيلسون مانديلا (جنوب إفريقيا)
• دوره: يُعتبر نيلسون مانديلا رمزًا للنضال ضد نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب إفريقيا. قاد حركة التحرير في البلاد وواجه قسوة السلطات الاستعمارية لنحو 27 عامًا في السجون.
• إرثه: بعد الإفراج عنه في عام 1990، أصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا في 1994. قاد بلاده إلى نهاية نظام الأبارتهايد وعزز المصالحة الوطنية بين الأعراق المختلفة. يُعتبر مانديلا رمزًا للسلام والمصالحة، وأحد أعظم قادة القرن العشرين.
3. أميناتا ديالو (مالي)
• دورها: على الرغم من أنها قد تكون أقل شهرة عالميًا، تعتبر أميناتا ديالو إحدى الشخصيات المؤثرة في حركة الاستقلال في مالي، وكانت من بين النساء البارزات اللاتي شاركن في النضال السياسي ضد الاستعمار الفرنسي.
• إرثها: أسهمت ديالو في تعزيز مكانة المرأة في السياسة والمجتمع المالي، وشاركت بشكل كبير في تشكيل السياسة الحديثة في مالي بعد الاستقلال.
4. جوليوس نيريري (تنزانيا)
• دوره: نيريري كان رئيس تنزانيا الأول بعد استقلالها عن بريطانيا في 1961. قاد التنزانيين نحو التحرر وطبق سياسة الاشتراكية التي عرفت بـ "Ujamaa"، التي تعني الزراعة الجماعية والتنمية الاجتماعية.
• إرثه: رغم التحديات الاقتصادية، عمل نيريري على بناء دولة تنزانيا على أسس من الوحدة الوطنية والسلام، وكان مؤمنًا بالاستقلال الكامل عن القوى الأجنبية. ساعد في وضع الأسس للاستقرار السياسي في تنزانيا.
5. باتريس لومومبا (الكونغو الديمقراطية)
• دوره: باتريس لومومبا كان أول رئيس وزراء للكونغو الديمقراطية بعد استقلالها عن بلجيكا في 1960. كان من أبرز قادة حركة التحرر الوطني في القارة، وله دور محوري في نضال الكونغو ضد الاستعمار البلجيكي.
• إرثه: كان لومومبا رمزًا للحرية والعدالة، لكنه اغتيل بعد فترة قصيرة من توليه منصبه بسبب التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية. ورغم مقتله، يعتبر اليوم شهيدًا ورمزًا للنضال الإفريقي من أجل الحرية.
6. ليوبولد سيدار سنغور (السنغال)
• دوره: ليوبولد سيدار سنغور كان أول رئيس للسنغال بعد استقلالها عن فرنسا في 1960. كان شاعرًا وفيلسوفًا ورجل دولة، وأحد المفكرين الأفارقة البارزين.
• إرثه: سنغور كان ملتزمًا بالقيم الإنسانية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وكان يشجع على الوحدة الإفريقية. كان أيضًا من المدافعين عن الهوية الثقافية الإفريقية وحافظ على التعددية الثقافية في السنغال.
7. هيلين ماندلا (جنوب إفريقيا)
• دورها: زوجة نيلسون مانديلا وناشطة حقوقية، لعبت دورًا كبيرًا في دعم نضال زوجها وفي الحركات الاجتماعية والسياسية في جنوب إفريقيا.
• إرثها: رغم الصعوبات الشخصية والسياسية، كانت هيلين ماندلا صامدة وملتزمة بتقديم الدعم للمساواة بين الأعراق في جنوب إفريقيا، وتمكنت من ترك بصمة كبيرة في تاريخ النضال ضد التمييز العنصري.
8. توماس سانكارا (بوركينا فاسو)
• دوره: توماس سانكارا كان رئيس بوركينا فاسو في الفترة من 1983 إلى 1987، وكان معروفًا برؤيته الثورية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. قاد البلاد نحو تغيير جذري بعيدًا عن الفساد والمحسوبية.
• إرثه: تبنى سياسات تقدمية في مجالات مثل التعليم والصحة، ودافع عن استقلال إفريقيا اقتصاديًا. رغم قتله في انقلاب عام 1987، ظل سانكارا رمزًا للثورة في إفريقيا ومناضلًا ضد الإمبريالية.
9. كينياتا جيكا (كينيا)
• دوره: جيكا كينياتا كان أول رئيس لكينيا بعد استقلالها عن بريطانيا في 1963. كان كينياتا من القادة البارزين في حركة "ماو ماو" التي ساعدت في تحرير كينيا من الاستعمار البريطاني.
• إرثه: رغم التحديات التي واجهها في حكمه، ساهم كينياتا في بناء كينيا الحديثة، وعزز وحدة الشعب الكيني تحت شعار "إفريقيا واحدة".
10. ألفا كوناري (مالي)
• دوره: ألفا كوناري هو أحد أبرز القادة في مالي بعد الاستقلال، وكان أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في البلاد.
• إرثه: ساهم كوناري في تعزيز الديمقراطية في مالي، ووضع البلاد على مسار التحول الديمقراطي في التسعينيات.
خلاصة:
كانت إفريقيا مليئة برجال ونساء مخلصين ذوي رؤى ثاقبة ومبادئ قوية حول كيفية بناء قارة حرة ومستقلة. هؤلاء القادة ساهموا في توجيه إفريقيا نحو التحرر والاستقلال، ووضعوا الأسس للتنمية والعدالة الاجتماعية، رغم التحديات العديدة التي واجهوها. إسهاماتهم لا تزال تلهم الأجيال الجديدة في إفريقيا والعالم أجمع.
• كيف نرى السودان في هذا السياق .. هل نحتفي باستقلالنا ام نبكي علي استغلالنا؟
السؤال الذي تطرحه يعكس حالة من التوتر الداخلي الذي يشعر به الكثيرون في السودان، خاصة في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد. في هذه اللحظات التاريخية، يظل الاحتفال بالاستقلال أو الحزن على الاستغلال مسألة ذات طابع مزدوج، حيث يتداخل التاريخ السياسي والاجتماعي مع التحديات الحالية.
الاحتفال بالاستقلال:
يمكن أن يكون الاستقلال حدثًا تاريخيًا مهمًا يعكس رغبة شعب السودان في التحرر من الاستعمار والانعتاق من القيود المفروضة عليه من القوى الخارجية. الاستقلال كان رمزًا للطموح الوطني والمستقبل الأفضل. ولذلك، فإن الاحتفاء بهذا الاستقلال يمكن أن يكون بمثابة تعبير عن الأمل في تحقيق دولة عادلة ومزدهرة تضمن حقوق المواطنين وتعزز من سيادة الوطن.
البكاء على الاستغلال:
في المقابل، وبعد مرور أكثر من 60 عامًا على الاستقلال، يجد الكثيرون أن السودان لم يحقق الكثير من آماله. هناك شعور عميق بالاستغلال، سواء من قبل قوى داخلية مثل الأنظمة الحاكمة التي استغلت السلطة لمصلحتها الخاصة، أو من قبل قوى خارجية حاولت فرض نفوذها على السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. هذه الحالة من الاستغلال جعلت الكثيرين يشعرون أن السودان لم يحقق الاستقلال الحقيقي.
الواقع المعقد:
الواقع السوداني اليوم يتسم بالصراعات الداخلية المستمرة، من التوترات السياسية إلى التحديات الاقتصادية والمعيشية. رغم ذلك، لا تزال هناك رغبة قوية في الشعب السوداني من أجل تغيير الوضع وتحقيق تطلعاته. في هذا السياق، قد يكون الوقت مناسبًا لإعادة تقييم الاستقلال في ضوء هذه التحديات، وأن نسعى جميعًا لبناء مستقبل مختلف، يتجاوز الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية.
بالمجمل، يمكننا أن نرى أن الاحتفال بالاستقلال لا يجب أن يكون مجرد مناسبة للذكرى، بل لحظة للتأمل في الماضي والعمل على تغيير الحاضر والمستقبل، بحيث يكون الاستقلال حقيقيًا وملموسًا في حياة الناس.
• الاستقلال يجب ان يكون لحظة للتأمل في الماضي والعمل على تغيير الحاضر والمستقبل. كيف ذلك؟
نعم، الاستقلال ليس مجرد ذكرى تاريخية أو مناسبة للاحتفال بالعالم الماضي، بل هو فرصة مهمة لتقييم ما تم تحقيقه منذ لحظة الاستقلال وحتى اليوم. ومن هذا المنطلق، يمكن أن يصبح الاستقلال لحظة للتأمل في الماضي والعمل على تغيير الحاضر والمستقبل. إليك كيف يمكن أن نرى ذلك:
1. التأمل في الماضي
الاستقلال هو لحظة نادرة في تاريخ أي أمة، ولذا يجب أن نُعيد النظر في ما مررنا به كدولة. هل تحقق حلم الشعب في العيش في وطن حر ومستقل؟ كيف كان الواقع بعد الاستقلال؟ هل كانت التحديات التي واجهتها البلاد نتيجة للاستعمار أم كانت نتاجًا لسياسات داخلية فاشلة أو انتهازية؟
التأمل في الماضي يُساعدنا على فهم أسباب الأزمات الحالية. مثلاً، إذا كان الاستقلال قد جاء بعد صراعات مع الاستعمار، فإن تلك الصراعات ربما تركت آثارًا طويلة الأمد في الهياكل الاجتماعية والسياسية. تأملنا في هذه الحقائق قد يساعد في فهم أعمق لمشاكلنا الحالية.
2. العمل على تغيير الحاضر
الاستقلال يجب أن يُحفزنا للتفكير في وضعنا الحالي. كيف يمكننا تحسين حالنا اليوم؟ هل نحن في حالة من الضعف السياسي أو الاقتصادي بسبب تركة الماضي أم بسبب الخيارات التي اتخذناها بعد الاستقلال؟
التحرر الحقيقي هو التحرر من الاستغلال الداخلي والخارجي، ومن تكرار الأخطاء التي وقعت في الماضي. على سبيل المثال، قد يكون من المفيد أن نتساءل:
• هل سياساتنا الاقتصادية اليوم تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطن؟
• هل هناك نظام سياسي عادل يضمن المساواة للجميع؟
• هل نحقق الاستقلال الفعلي عن القوى الكبرى التي تحاول التأثير على قراراتنا الوطنية؟
العمل على تغيير الحاضر يتطلب رؤية استراتيجية وإرادة سياسية لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي.
3. إعادة التفكير في المستقبل
الاستقلال يجب أن يكون بداية للانطلاق نحو بناء دولة مزدهرة. كيف نخطط لمستقبل أفضل لأجيالنا القادمة؟ الاستقلال لا ينتهي بمجرد الحصول على الحرية السياسية، بل هو استمرارية في تحقيق التنمية المستدامة وضمان العيش الكريم للجميع.
على سبيل المثال، يمكن أن يشمل العمل على المستقبل:
• تعزيز التعليم وتطويره ليصبح ركيزة أساسية لبناء الأمة.
• خلق فرص عمل وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
• تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات الاقتصادية بين الأفراد والمناطق.
الاستقلال هو فرصة لتأسيس أسس دولة قوية تعتمد على مؤسسات قوية، دولة تصنع قراراتها بنفسها، وتحقق مصالح شعبها.
الخلاصة
الاستقلال هو أكثر من مجرد تاريخ أو احتفالات. يجب أن يُحتفى به كحافز للتأمل في مسيرتنا الماضية، والعمل الجاد لتصحيح أخطائنا في الحاضر، وتحقيق حلم مستقبلي أفضل. إذا نظرنا إلى الاستقلال من هذا المنظور، فإنه يصبح دعوة للابتكار والإصلاح، ويعطي كل فرد في السودان الفرصة للمساهمة في بناء وطن مستدام ومزدهر.
aahmedgumaa@yahoo.com