سجل مليشيا الحوثي الطويل في الاعتقالات والاختطافات في 2024
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
تحولت اليمن جذرياً نحو الاستبداد والقمع نتيجة ما قامت به مليشيا الحوثي (المصنفة على قائمة الإرهاب) من تنفيذ حملات اعتقالات منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات.
وخلال العام 2024 شهدت صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي، اعتقالات جماعية بحق المعارضين سواءً كانوا سياسيين أو نشطاء حقوق الإنسان أو صحفيين.
يقول حقوقيون لوكالة خبر، إن مليشيا الحوثي تمتلك سجلاً طويلاً من الاعتقالات والاختطافات خلال عام 2024، يصعب أن تحصيه التقارير الحقوقية، بل إن البعض منها لا يصل إليه الإعلام ولا توثقه المنظمات الحقوقية.
وأضافوا، أن الاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية والتهديدات التي تطول المدنيين من قبل المليشيا الحوثية تكاد تكون بشكل يومي.
وبينت أن الاتهامات الموجهة للمعتقلين معروفة، وهي التخابر مع جهات أجنبية، وهي أداة مفضلة للحوثيين لسحق المعارضة وترسيخ قبضتهم على السلطة، في ظل الفضائح العلنية لممارساتهم وفشلهم في حُكم المناطق الخاضعة لسيطرتهم والتي باتت تُهدد سلطتهم.
وبدأت مليشيا الحوثي عام 2024 باعتقالات واسعة طالت ملاك محال الورود بتهمة الاحتفال برأس السنة 2024، ومروراً باعتقال القاضي عبدالوهاب قطران وغيره.
وشهدت محافظات واقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي عدة اعتقالات، ولكن في أوائل مايو/ أيار، أعلنت وسائل الإعلام الحوثية إلقاء القبض على ما أسمتها خلية تجسس تُسمى "قوة 400" تشمل مجموعة من اليمنيين يُزعم تخابرهم مع القوات الأمريكية والإسرائيلية لتحديد ورصد مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة والقوارب المفخخة واغتيال مسؤولين عسكريين.
وفي 1 يونيو/ حزيران، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء (التابعة لسلطة الحوثيين) حُكماً بالإعدام على 44 شخصا بتهمة التجسس، ومن بين أبرز الشخصيات الذين صدر بحقهم عقوبة الإعدام رجل الأعمال عدنان الحرازي، مدير شركة بروديجي سيستمز (ومقرها صنعاء)، وهي شركة اضطلعت برصد وتقييم عمل منظمات الإغاثة الدولية في اليمن، قبل اعتقاله في يناير/ كانون الثاني 2023.
وبعد أقل من أسبوع من صدور أحكام الإعدام، شنّ جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين حملة اعتقال طالت أكثر من 45 شخصاً من عمال الإغاثة اليمنيين وموظفي المنظمات المحلية والدولية، بمن في ذلك 13 موظفاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة.
وزعم المسؤولون الحوثيون أن الاعتقالات كانت تهدف إلى تفكيك شبكة تجسس أمريكية – إسرائيلية، مدعين أنها شُكّلت في السفارة الأمريكية قبل إغلاقها عام 2015، ثم توسّعت لتشمل عناصر في المنظمات الدولية.
ونشر المسؤولون الحوثيون سلسلة مصورة من خمسة أجزاء تشمل الاعترافات المزعومة للمتهمين من موظفين يمنيين سابقين في السفارة الأمريكية بصنعاء، في محاولة من الجماعة لتزخيم هذه الدعاية.
وألقت الاعترافات (المعدة نصوصها مسبقاً بعناية) باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتصل بالمشكلات التي تواجهها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
وركزت الاعترافات المزعومة على امتداد النفوذ الأمريكي – الإسرائيلي المزعوم ليشمل القطاع الزراعي والاقتصاد والثقافة في اليمن.
وشنت المليشيات الحوثية حملة الاعتقالات في شهر يونيو/ حزيران، بعد بضعة أشهر من إطلاق الحوثيين سراح رئيس نادي المعلمين الذي تم حلّه فيما بعد، أبو زيد الكميم، المعتقل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لقيادته احتجاجات من المعلمين تطالب الحوثيين بصرف رواتبهم غير المدفوعة، والتي اعتبرتها الجماعة تهديداً قد يؤجج شرائح أخرى من المجتمع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
كما أن الحملة القمعية التي شهدها العام 2024 ضد النشطاء بتهمة التجسس جاءت بمثابة رسالة تحذيرية لأي شخص يفكر في تحدي حُكم الحوثيين- لا سيما بعد صدور قرار من البنك المركزي في عدن يأمر البنوك والمؤسسات المالية التي تتخذ من صنعاء مقراً لها بنقل مقارها إلى العاصمة المؤقتة، وهو ما قد يؤدي إلى عزل صنعاء عن النظام المصرفي الدولي.
من جانبها، وثقت منظمة رايتس رادار في تقرير لها في العاشر من ديسمبر الماضي، بأن الاعتقالات التعسفية كانت الأكثر شيوعاً بـ914 حالة، كما سجل التقرير 171 حالة إخفاء قسري.
ولعل أكثر حملات الاعتقالات التي تناولتها العديد من الوسائل الإعلامية، في 6 يونيو 2024، حيث نفذت جماعة الحوثي حملة اختطافات استهدفت موظفين يمنيين يعملون لدى الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى في صنعاء والحديدة وصعدة وعمران.
وشملت الحملة اختطاف 18 موظفًا بينهم امرأتان، يعملون لصالح مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واليونسكو، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المبعوث الأممي إلى اليمن.
من جانبها، قالت "هيومن رايتس ووتش" و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" (مركز القاهرة) إن سلطات الحوثيين اعتقلت عشرات الأشخاص في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول 2024 بسبب احتفالهم السلمي أو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي حول "ثورة 26 سبتمبر" في اليمن، وهي ذكرى تأسيس الجمهورية العربية اليمنية عام 1962.
ولم يوجّه الحوثيون تهمًا إلى الكثير من المحتجين، مما يرقى إلى الاحتجاز التعسفي.
وقالت آمنة القلالي مديرة البحوث بمركز القاهرة: "قمع الاحتجاجات وأي أنشطة تخالف معتقدات الحوثيين وأيديولوجياتهم يمثل انتهاكا إضافيا في سجل انتهاكات الحوثيين الطويل لحقوق الإنسان في ظل إفلات تام من العقاب".
ومنذ 21 سبتمبر/أيلول تقريبا، بدأ الحوثيون يعتقلون عشرات الأشخاص في محافظات صنعاء وعمران وذمار وإب والحديدة والمحويت وتعز والبيضاء والضالع وحجة على خلفية الاحتجاجات.
ويُفترض أن هذه الاعتقالات وحظر جميع المظاهرات هي محاولة للحيلولة دون التعبئة الجماعية التي يمكن أن تتحدى سلطة الحوثيين.
وبحسب صحفي قابله مركز القاهرة، اعتُقِل 209 أشخاص على الأقل في محافظة عمران وحدها، بينهم أطفال وكبار في السن، "يتجاوز عمر بعضهم 75 عاما".
ووفقا لـ"رابطة أمهات المختطفين"، فإن "عددا كبيرا من المحتجزين من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عاما".
وقابل مركز القاهرة وهيومن رايتس ووتش 11 شخصا، بينهم أقارب ومحامون وأشخاص على اتصال وثيق ببعض المحتجزين، للوقوف على تفاصيل الاعتقالات.
وراجعت هيومن رايتس ووتش أيضا ثلاثة فيديوهات تم تداولها على منصة "إكس"، تُظهر الترهيب والتهديدات المتعلقة بالاحتجاجات.
وفي الحالات التي وثقها مركز القاهرة وهيومن رايتس ووتش، لم يُوجّه الحوثيون اتهامات للمحتجزين، وذكر رجل من إب تواصل مع مسؤول حوثي بعد اعتقال العديد من أفراد أسرته مستفسرا عن سبب احتجازهم، أن المسؤول قال إن أقاربه المحتجزين أزعجوا الأمن العام وخالفوا التوجيهات؛ لكن الرجل يعتقد أن الحوثيين "يختلقون التهم لاعتقال الناس".
وفي كثير من الحالات، اعتقل الحوثيون أشخاصا لمجرد توشّحهم بالعلم اليمني أو التلويح به أو تعليقه على سيارتهم، قال أحد أقارب المحتجزين إن اثنين من أبناء عمومته اعتُقِلا وإنهما "لم يحتفلا أو يفعلا أي شيء، كانا يعلقان العلم اليمني على سيارتهم، قال لهما" الحوثيون "أنتما تحتفلان بيوم 26 سبتمبر وليس 21 سبتمبر وأخذوهما إلى السجن". قال الرجل من إب: "الحوثيون هددوا أي شخص يحتفل بالثورة أو يرفع الأعلام اليمنية".
وفي حالات أخرى، اعتقل الحوثيون أشخاصا بسبب منشوراتهم على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إحياء لذكرى الثورة.
وقال رجل اعتُقِل شقيقه، إن هذا الأخير نشر فيديو يحتفل بالثورة في 26 سبتمبر/أيلول، وإن خمس مركبات عسكرية حوثية وصلت إلى منزل شقيقه في اليوم التالي، ووصف الرجل شقيقه بأنه ناشط مهتم بالقضايا الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال الحوثيون لشقيقه إنهم يريدون منه حذف قناته على يوتيوب وآخر منشور له حول 26 سبتمبر. قال شقيق المُحتجَز: "أخذوه إلى إدارة التحقيقات الجنائية، وعندما شرعوا في الإفراج عن بعض المعتقلين في 30 سبتمبر/أيلول، علمنا أنهم أرسلوه إلى إدارة الأمن والمخابرات ولم يُفرَج عنه بعد".
واعتُقِل أيضا كاتب في صنعاء، له الكثير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد مشاركته منشورا حول 26 سبتمبر. قال صديقه: "وصل الحوثيون إلى منزله في عدة مركبات عسكرية، واقتحموا المنزل وكسروا الأبواب وأخافوا زوجته وابنه.. ثم أخذوه وأجهزته وحاسوبه المحمول وهواتفه وكاميراته القديمة، بعدما فتشوا المنزل بأكمله".
وفي كلتا الحالتين، لم يقدم الحوثيون مذكرة توقيف أو مذكرة تفتيش، في انتهاك للقانون اليمني والقانون الدولي.
وذكر آخرون أيضا أن الحوثيين هددوهم وتعمدوا ترهيبهم لمنعهم من نشر أي ما يتعلق بذكرى ثورة 26 سبتمبر، وقال المحامي عبد المجيد صبره من صنعاء إنه بمجرد نشره على وسائل التواصل الاجتماعي أنه بصدد تقديم خدمات قانونية للمحامين المحتجزين على خلفية ذكرى 26 سبتمبر، تلقى "تهديدات مباشرة" من حوثيين.
وقال: "أتابع حالات الاعتقال عبر الهاتف من المكتب أو المنزل عبر التواصل مع بعض أقارب من نعرفهم من المحتجزين، وليس بشكل رسمي، وذلك لأن الخروج والمتابعة مع الجهات الأمنية يعني الاعتقال، ينتظرون أي ذريعة أو سبب للاعتقال".
وقالت امرأة أخرى إنها تلقت مكالمة تهديد بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي في ذكرى ثورة 26 سبتمبر، قالت: "لم أشعر أبدا بالخوف من الحوثيين، لكن المُحبِط هو أنني لا أستطيع الخروج للاحتفال بذكرى الثورة ولا يمكنني رفع علم الجمهورية اليمنية والخروج مع ابنتي والاحتفال أشعر بالإحباط لعدم وجود العلم اليمني في شوارع صنعاء في ذكرى الثورة وكنت أبكي كل يوم".
ووثّق فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في تقريره لعام 2023 العديد من حالات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب في اليمن، وأشار إلى أن «معظم الانتهاكات التي حقق فيها الفريق منسوبة للحوثيين».
وفي السنوات السابقة، احتجز الحوثيون أيضا مئات المتظاهرين الذين يحتفلون بذكرى ثورة 26 سبتمبر، في 2023، أشار المحامي عبد المجيد صبره على موقع فيس بوك إلى اعتقال الحوثيين ألف شخص تقريبًا على خلفية احتفالهم بذكرى الثورة.
وقالت منظمة سام للحقوق والحريات، وهي منظمة حقوقية يمنية، إن الحوثيين استخدموا القوة المفرطة ضد الذين يتظاهرون ويحتفلون سلميًا.
كما احتجز الحوثيون تعسفيًا عشرات العاملين في الأمم المتحدة والمجتمع المدني في اليمن منذ 31 مايو/أيار، وذكرت مصادر مطلعة لهيومن رايتس ووتش أن عدد المحتجزين مستمر في الزيادة.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: على وسائل التواصل الاجتماعی الأمم المتحدة ملیشیا الحوثی ثورة 26 سبتمبر مرکز القاهرة سبتمبر أیلول ذکرى الثورة رایتس ووتش فی الیمن عام 2024
إقرأ أيضاً:
الحوثيون يُعززون قبضتهم الأمنية في إب: قمع ممنهج وتصدعات داخلية تُهدد استقرار اليمن (تقرير دولي)
الصورة: تشييع الناشط البارز حمدي عبد الرزاق الخولاني (المعروف باسم "المكحل") الذي اغتالته مليشيا الحوثي في إب (ارشيفية)
كشف تحليل حديث أجراه مشروع "بيانات مواقع وأحداث الصراع المسلح" (ACLED) –المبادرة العالمية التي تُعنى برصد النزاعات وتحليلها– عن تصاعد غير مسبوق في وتيرة القمع السياسي والفوضى القبلية بمحافظة إب اليمنية، التي تعد معقلًا تاريخياً للمعارضة الداخلية ضد مليشيا الحوثي. وتشير البيانات إلى أن استراتيجية الحوثيين القائمة على "القبضة الحديدية" لفرض السيطرة تزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية وتغذي بؤر التوتر في مناطق نفوذهم، وسط تحذيرات من انهيار متسارع للأمن وانزياح ديموغرافي قسري.
في أعقاب هدنة أبريل 2022 التي توسطت فيها الأمم المتحدة، حول الحوثيون تركيزهم إلى الجبهة الداخلية، مستغلين تراجع العمليات العسكرية لتعزيز قبضتهم الأمنية. وفقا لبيانات ACLED، شهدت محافظة إب –ذات الأغلبية السنية والتي يقطنها نحو 4 ملايين نسمة– ارتفاعا حادا في انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تضاعفت اعتداءات الحوثيين وخطف النشطاء مقارنة بفترة ما قبل الهدنة. وتصاعدت الحملة بشكل ملحوظ في يونيو 2022، عندما أطلقت المليشيا (المصنفة على قوائم الإرهاب) حملة أمنية موسعة استهدفت نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بدعوى "التآمر مع الأعداء".
يُعد قمع الحوثيين والفوضى السياسية في إب بمثابة مقياس للاضطرابات المتصاعدة في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الدعومة من إيران. وهو يسلط الضوء على عدة أنماط موجودة في محافظات أخرى، بما في ذلك قمع التعددية السياسية وحرية الرأي، والفوضى المتعلقة بالأراضي والنزاعات القبلية، والصراعات الداخلية داخل صفوف الحوثيين. بحسب التقرير.
كجزء من حملة أمنية منسقة شملت عدة محافظات، وأبرزها العاصمة المختطفة صنعاء، تصاعدت حملة الحوثيين ضد النشطاء الذين ينتقدون حكمهم على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك. في إب وحدها، تم اختطاف ما لا يقل عن 13 شخصا بتهم ملفقة. ومن أبرز الحوادث التي أثارت غضبا شعبيا، اختطاف واغتيال الحوثيين للناشط البارز حمدي عبد الرزاق الخولاني (المعروف باسم "المكحل"). كما تم اختطاف 13 شخصا على الأقل في إب وحدها خلال الحملة، وفقًا لتوثيق منظمات حقوقية محلية، مما أثار موجة من الاحتجاجات الشعبية التي تم قمعها على الفور من قبل الأجهزة الأمنية الحوثية.
بشكل عام، يشير قمع النشاط الشعبي إلى تقلص حرية التعبير، مصحوبًا بجهود متزايدة لفرض الأيديولوجية الحوثية، مما أدى إلى ظهور جيوب معارضة شعبية هادئة ولكن مستمرة. بحسب التقرير.
في إب، تصاعد القمع في سبتمبر 2024، عندما اختطف الحوثيون المئات، بمن في ذلك شيوخ القبائل وشخصيات سياسية محلية وأطفال، في ذكرى ثورة 26 من سبتمبر.
على الرغم من محاولات الحوثيين تصوير أنفسهم كحماة للقبائل، تُظهر بيانات ACLED تصاعدا بنسبة 60% في النزاعات القبلية بمحافظة إب منذ الهدنة، مدفوعًا بمصادرة الأراضي وفرض رسوم عشوائية.
فمنذ بداية الحرب، شهدت إب ارتفاعًا كبيرًا في قيمة العقارات والأراضي، مدفوعًا بتدفق كبير للنازحين داخليًا وزيادة الاستثمارات من المغتربين. واستغلالًا لهذه الزيادة في القيمة، قام الحوثيون بمصادرة الممتلكات الخاصة قسرًا، مثل مصادرة الأراضي والممتلكات لمشاريع البنية التحتية دون تعويض مناسب؛ واستولوا على ممتلكات دينية سنية كوسيلة لفرض القمع الطائفي؛ وصادروا الأوقاف الدينية؛ واستولوا على أراضي القبائل لصالح فصائل حوثية مختارة، والتي غالبًا ما تتنافس فيما بينها على العوائد.
وفي حالة تُلخص التعقيدات الطائفية، تصاعدت الاشتباكات بين فصائل حوثية حول السيطرة على الأوقاف الدينية. ففي سبتمبر 2022، أدى نزاع على أراضٍ وقفية بين قائدين حوثيين –بندر الأسيل وناصر الأرجلي– إلى إطلاق نار ومقتل شقيق الأخير، ما أسفر لاحقًا عن سجن الأسيل وتصاعد مصادرة الأوقاف في إب.
شهدت محافظة إب تصاعدًا كارثيًا في أعمال العنف المرتبطة بمصادرة الأراضي على يد الحوثيين منذ أبريل 2022، حيث سجَّلت بيانات ACLED ارتفاعًا يفوق سبعة أضعاف مقارنةً بفترة ما قبل الهدنة الأممية. تجلَّت هذه الموجة العنيفة بشكل رئيسي في هجمات ممنهجة واختطافات تستهدف المدنيين وأفراد القبائل الرافضين لسيطرة الجماعة، لكنَّها تطوَّرت في حالات عديدة إلى مواجهات مسلحة كاملة بين فصائل الحوثيين والقبائل المناهضة لهم. ولم تقتصر الانتهاكات على ذلك، بل امتدت إلى فرض رسوم باهظة بشكل تعسفي على السكان.
ووفقًا لتحليل أنماط الانتشار الجغرافي، تركزت أغلب عمليات العنف الحوثية حول المحاور الاستراتيجية – خاصة الطريقين الرئيسيين الرابطين بين شمال المحافظة وجنوبها، وشرقها وغربها – في إشارة واضحة إلى القيمة الاقتصادية والأمنية المتصاعدة للمناطق القريبة من شبكات النقل الحيوية. في المقابل، اتسمت النزاعات القبلية المرتبطة بملكية الأراضي بطابع عشوائي التوزيع، حيث انتشرت بؤر التوتر دون نمطٍ محدد عبر قرى ومديريات المحافظة، مما يعكس الطبيعة المحلية للنزاعات القبلية المعنية.
وبحسب التقرير الدولي، لا تقتصر الفوضى القبلية في إب على كونها نتاجا عفويا للصراعات المحلية، بل تشكل امتدادا لاستراتيجيات حوكمة ممنهجة تعتمدها مليشيا الحوثي لتحقيق هيمنتها. فمن خلال تحالفات مخطط لها مع فصائل قبلية مختارة، تعمل الجماعة على إضرام نيران النزاعات الداخلية بين القبائل، مستخدمةً سياسة "فرق تسد" لتكريس انقسامات تضعف الكيانات القبلية المناوئة وتفكك آليات الحوكمة التقليدية. وتُظهر الوقائع أن ضباط الحوثيين –الذين نادرا ما يحاسبون على انتهاكاتهم حتى مع تصاعد مطالب القبائل بالثأر– يُمنحون غطاءً لتنفيذ أجندتهم، بينما تُغدَق الامتيازات المالية والمناصب السياسية على القبائل الموالية، في خطوة تهدف إلى تقويض أسس التضامن الاجتماعي التي ظلت لقرون حجر الزاوية في استقرار المناطق اليمنية.
وفي تصعيد لاستهداف البنى القبلية، لجأت الجماعة إلى تصفية الوسطاء والمُحكمين التقليديين الذين يعتبرون حُماةً لآليات فض النزاعات بالسُبل السلمية. وكانت حادثة اغتيال أحد أبرز هؤلاء الوسطاء في ديسمبر 2024 بمحافظة إب مثالًا صارخًا على هذه السياسة، حيث أدت إلى تفجير غضب قبليٍ واسع، وإضعاف متعمد لنظام التحكيم العُرفي الذي يُعدّ آخر سدٍّ منيعٍ ضد انهيار الأمن المجتمعي.
في خضم المشهد المتأرجح بين تصاعد التهديدات الدولية وتفكك الأوضاع الداخلية، تبدو استراتيجيات القمع الحوثية في إب مقدمة على مزيد من التصعيد، انطلاقا من جذورها المتشعبة في بنية الحكم الأصولي للجماعة. فتصنيف الولايات المتحدة الأخير للحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" يُنذر بتعميق العزلة الدبلوماسية للجماعة، وتغذية هوس الاضطهاد لدى قياداتها بادعاءات "المؤامرات الدولية". هذه العوامل مجتمعة ستدفع –بحسب مراقبين– إلى مزيد من خنق الحريات السياسية، وتسعير الصراعات الداخلية على موارد الدولة الشحيحة والمنهكة، التي صارت ساحة للتنافس بين أجنحة الجماعة المتنافرة.
يحذر التقرير من أن ما يحدث في إب ليس سوى نموذجٍ أولي لمأساة أوسع؛ فأنماط القمع ذاتها بدأت تطفو على السطح في محافظات أخرى تُدار بالمنطق الأمني الحوثي. ففي البيضاء ذات الأغلبية السنية، تتكرر مشاهد القبض على الناشطين تحت ذرائع قبلية، بينما تشهد صنعاء –القلب السياسي للمليشيا– تصدعات متسارعة في تحالفات النخبة الحوثية الحاكمة، ما يُنذر بتحول "القبضة الحديدية" من أداة سيطرة إلى شرارة لإشعال فتنٍ داخلية تعيد إنتاج دوامة العنف.
ومع تصاعد الضربات الجوية الأمريكية - البريطانية على مواقع الحوثيين منذ يناير 2024، ردت الجماعة بحملة اعتقالات طالت موظفين يمنيين في منظمات دولية، بتهمة الانتماء لـ"شبكات تجسس".
تكشف أحداث إب النقاب عن تناقض صارخ بين الخطاب الحوثي الداعي إلى "الاستقرار" والواقع المليء بالانتهاكات والفوضى الممنهجة. وبينما يحذر ACLED من أن استمرار هذه السياسات قد يعيد اليمن إلى حرب شاملة، تظل المحافظة نموذجا لصراعٍ معقد تتشابك فيه العوامل السياسية والطائفية والقبلية، في مشهدٍ ينذر بانهيار أوسع قد يعيد رسم خريطة النفوذ في البلاد.