#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآيات 39-43 من سورة الشورى: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ .
تأتي هذه الآيات في تعداد صفات الذين وعدهم الله الجنة في الآخرة، وحددهم بأنهم الأصناف التالية:
1 – الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
2 – الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
3 – الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ.
ثم تأتي المواصفة الأخيرة لهؤلاء الموعودين بالجنة، مفصلة في الآيات الآنف ذكرها، وهم الذين لا يسكتون على الظلم ولا يقبلون الضيم، بل يردون على الإساءة بمثلها، وذلك لوقف الظلم، ولكي لا يطمع الظالمون ويتمادوا في ظلمهم، فالله تعالى يحب هؤلاء، لأنهم تصدوا للظالمين الذين يمقتهم.
أول ما يستوقف المتأمل في هذه الآيات، أنه تعالى قد أفرد لتبيان حالة التصدي للظلم وتفصيلها خمس آيات، فيما أجمل في تبيان الصفات الثماني الأولى التي يمكن أن نصفها بالمسالمة، في ثلاث آيات فقط.
لا شك أن لذلك أهمية، وأن الله أراد أن يكون المؤمن قويا في الحق، لأنه بذلك ينحسر الظلم الاجتماعي وتصلح المجتمعات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”.
ورغم ان الحديث الشريف جاء منسجما مع ما جاء في الآيات السابقة الداعية لأن لا يتقبل المؤمن الظلم بل يتصدى له، إلا أن فقهاء السلاطين ولأنهم لم يتمكنوا من الطعن في صحته، فقد ذهبوا الى محاولة لي عنق الحديث بالقول أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بالقوي هو قوة الإيمان، وذلك تمشيا مع مسعاهم في خدمة مرامي السلاطين في ترسيخ الاستكانة للحكم الجبري وعدم إقلاق راحة السلطة الحاكمة، والتي من أجلها انتقوا حديثا واحدا نسب الى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الوحيد الذي يقول بوجوب طاعة الحاكم في جميع الحالات، حتى ولو أخذ مالك و جلد ظهرك. رغم أنه يتناقض مع أحاديث كثيرة تدعو لوقف ظلم الحاكم، بل والتصدي له وأشهرها: “أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.
إن الرد على تفسيرهم المغرض هو في اتباع فهم الصحابة للآيات والحديث، والذي هو بلا شك أصوب وأقرب للحق من فقهاء السلاطين الذين جاءوا في زمن متأخر عنهم.
فقد أعلن ابو بكر عند توليته أنه يحق الاعتراض والتصويب لقراراته لمن رأى فيها تجاوزا للشرع، فقال: “أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.
أما عمر الفاروق فقد كان يضرب المتمسكنين المتماوتين من كثرة الزهد، ويطردهم من المساجد،ويقرعهم قائلا لهم: أمتّم علينا ديننا أماتكم الله”.
لقد أراد الله العزة والكرامة لأمته، ولم يرد لهم الذلة والمسكنة، لأنها أمة الدعوة الى اتباع منهاجه في الأرض، لذلك أراد أن يبقى المؤمنون أقوياء في طاعته، لأن من أطاع الله لايمكن أن يظلم أو يبغي.
لقد بين الله تعالى أن البغي قد يكون فرديا، من شخص على شخص، ولكي لا ينقطع الود بين الناس فلا يتدابروا ولا يتنازعوا، فقد أجاز للمظلوم الرد على الباغي لقطع دابر الظلم، لأنه سيتفشى حينئذ ويأكل القوي حق الأضعف منه، وسيؤدي ذلك الى تعميم الظلم وفساد المجتمع.
وقد يكون مجتمعيا فيقع الظلم من جماعة أو من سلطة حاكمة على جماعة أو فرد.
لقد جاء الحكم الشرعي بجواز الرد على الإساءة بمثلها، أما من كانت لديه المقدرة على ذلك، لكنه عفا اكتفاء بإصلاح الباغي ما أفسده، فسوف يثيبه الله على عفوه أجراً، وأما من اختار أن يرد على الإساءة بمثلها ولا يتعدى ذلك، فلا يؤاخذ فيما فعل، ولايجوز مساءلته.
نستخلص مما سبق فساد حجة من يدينون الثورات الشعبية على الحكام الظالمين، بل هي مباركة من رب العالمين. مقالات ذات صلة الحرب المنقوصة على الفساد 2025/01/01
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في مواطن ارتكب جرائم إرهابية
القصيم
أصدرت وزارة الداخلية، اليوم، بيانًا حول تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في مواطن أقدم على ارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية في منطقة القصيم، فيما يلي نصه:
قال الله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا )، وقال تعالى ( وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ)، وقال تعالى (وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، وقال تعالى (إِنَّما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
أقدم /علي بن موسى بن علي الزهراني – سعودي الجنسية – على ارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية تمثلت في انضمامه إلى تنظيم إرهابي في الخارج، ومبايعة زعيمه والسفر بطريقة غير نظامية والقتال في صفوف التنظيم، وتوليه مهام عملياتية لخدمة أهداف التنظيم الإجرامية، وتدريب عناصر إرهابية على القتال واستخدام الأسلحة، وقيامه بتمويل الإرهاب داخل المملكة بعد عودته.
وبفضل من الله تمكنت الجهات الأمنية من القبض على الجاني المذكور، وأسفر التحقيق معه عن توجيه الاتهام إليه بارتكاب تلك الجرائم، وبإحالته إلى المحكمة المختصة صدر بحقه حكم يقضي بثبوت ما نسب إليه وقتله تعزيرًا، وأصبح الحكم نهائيًا بعد تأييده من مرجعه، وصدر أمر ملكي بإنفاذ ماتقرر شرعًا، وتم تنفيذ حكم الـقتل تعزيرًا بحق / علي بن موسى بن علي الزهراني – سعودي الجنسية – يوم الأربعاء 11/ 10/ 1446هـ الموافق 09/ 04/ 2025 م بمنطقة القصيم.
ووزارة الداخلية إذ تعلن ذلك لتؤكد للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على استتباب الأمن وتحقيق العدل وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في كل من يتعدى على الآمنين، وينتهك حقهم في الحياة والأمن، وتحذر في الوقت نفسه كل من تسول له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.
والله الهادي إلى سواء السبيل.