"علمني كثيرا ولكني نسيت".. كتاب جديد لمحمد جاد هزاع
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
صدر حديثا للكاتب والمفكر محمد جاد هزاع كتاب جديد بعنوان "علمني كثيرا ولكني نسيت (مقولات مولانا بقية الخير)"، عن دار غراب للنشر والتوزيع.
يتناول الكتاب قضايا الإصلاح المجتمعي وترسيخ القيم الأخلاقية والمثل العليا التي دعت إليها الأديان والحضارات عبر التاريخ.
يضم الكتاب مجموعة من المقالات التي تركز على تفعيل الجانب الروحي في الإنسان، مع مراجعة نقدية للأفكار التقليدية التي توارثها المجتمع دون اختبارها في ضوء متطلبات العصر الحديث.
يذكر أن محمد جاد هزاع هو كاتب ومفكر مصري معروف بأعماله التي تركز على قضايا المجتمع والأخلاق والهوية. يتميز بأسلوبه البسيط والعميق، وقد قدم العديد من المؤلفات التي نالت استحسان القراء والنقاد على حد سواء. يُعتبر أحد الأصوات المؤثرة في المشهد الثقافي العربي، وكتاباته تُرجمت إلى عدة لغات.
حياته المبكرة والتعليم
وُلد محمد جاد هزاع في 17 يناير 1958 في قرية طحانوب بمحافظة القليوبية في مصر. تخرج من كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، حيث حصل على ليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها.
المسيرة المهنية
- بداياته الصحفية : بدأ هزاع مسيرته الصحفية كمراسل لعدد من الصحف العربية الكبرى مثل "السياسة" الكويتية و"الوطن" الكويتية و"الدستور" الأردنية في الثمانينيات.
- عمله في دار الجمهورية : انضم إلى دار الجمهورية للصحافة والنشر كمحرر للشؤون الدولية في التسعينيات، وتدرج في المناصب حتى أصبح نائب رئيس تحرير ورئيس قسم الشؤون الدولية والتحليلات السياسية بجريدة "المساء" المصرية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 2018.
- عموده اليومي : كتب عمودًا يوميًا بعنوان "محاولة للفهم" في جريدة الجمهورية، حيث ناقش قضايا سياسية واجتماعية متنوعة.
- "العشق على طريقتي (بين الدين المنزل والدين المبدل)": يتناول مفاهيم دينية وروحية، ويسعى لتصحيح الأفكار الخاطئة حول الدين والحياة.
- "دين الحب في زمن الحرب (يوميات شاهد وشهيد)": يعرض يوميات شخصية وأحداث تاريخية، مع التركيز على الحب كقوة روحية في أوقات الصراع.
- "دولة الدراويش (حراس الوطن والدين)": يؤرخ لدور الدراويش في حماية الوطن والدين، ويقدم رؤية تاريخية وسياسية.
- "وجودك ذنب (قصة عقل)": يتناول قضايا فلسفية وروحية، مع التركيز على الصراعات الداخلية للإنسان.
- "وجودك حب (قصة روح)": يركز على الحب كقوة روحية، ويقدم رؤية عميقة للعلاقات الإنسانية.
- "نصوص من الوادي المقدس (قصة قلب)": يجمع نصوصًا روحية وشعرية، مع التركيز على البعد القلبي للإنسان.
- "سر مصر (قضية رد شرف)": يتناول مفهوم الهوية المصرية وارتباطها بالتراث والتاريخ العريق لمصر.
- "رتوش على وجه الدين والوطن (تجليات ما بين السجود والتسبيح)": يركز على العلاقة بين الدين والوطن، ويقدم رؤية نقدية للواقع.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الأمير عبد القادر في الشام.. من منفى قسري إلى صرح لوحدة الأمة.. كتاب جديد
الكتاب: الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشامالكاتب:كمال بوشامة
الناشر:اتحاد الكتاب العرب، الطبعة الأولى 2024، (240 صفحة من القطع الكبير).
حين يستحضر المغاربة كلمة سورية على ألسنتهم، يستحضرون في الوقت عينه ذلك المغزى العام للتاريخ في العصر الأموي، وهو تكوين الدولة الامبراطورية، التي استلم التجار المكيون أنفسهم قيادة هذه الدولة، بسبب نضج الظروف والشروط لولادة هذه الدولة المركزية، وتبلور دولة "الملك السياسي" بوجه خاص، التي أعاد معاوية تأسيسها تأسيساً جديداً بعد حروب الردة أولاً، ثم حروب الفتوحات الكبرى ثانياً، وتبلور ظاهرة التنوع والتعدد في المجتمع للعربي الاسلامي مع مارافقتها من بدء الخلافات الفقهية، وبدأ" التأويل " ثالثاً.
ومن دمشق انطلق ذات يوم عبد الرحمان بن معاوية أو عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) قاصدا بلاد المغرب ليعبر من هناك إلى الأندلس ويقيم الدولة الدولة الأموية في هذه الرقعة من القارة الأوروبية التي دامت سبعة قرون.
وحين يستحضر المغاربة كلمة سورية في العصر الحديث، فإنَّهم يقرون أنها كانت مهد العروبة السياسية والحضارية ولا تزال . وهي القطر الذي ولدت فيه العقيدة القومية العربية، وتبلورت فيه حركة الوحدة العربية، إذ سيطرت الأيديولوجية القومية العربية على المنطلقات النظرية، والنهج السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، باعتبار أن القضية القومية هي القضية المركزية في صراع الأمة العربية من أجل التحرر والاستقلال والتقدم.
وكانت القضية القومية تفرض نفسها على المجتمع السياسي و المجتمع المدني في آن معا، بصور أهمها وأكثرها قوة القضية الفلسطينية، حيث أضاف الصراع العربي الصهوني عاملاً جديداً في تعزيز سلطة الجيش، الذي تحول منذ فجر الاستقلال إلى مؤسسة وطنية، وكانت أهدافه السياسية على وجه العموم أهدافاً قومية، مما جعله في نظر شعبه، قوة صدام أساسية مع العدو الصهيوني.
وعلى الرغم من اشتداد هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على سورية لا سيما طوال عام 1957 للإطاحة بالحكومة الوطنية واستبدالها بحكم موال للغرب تماماً، واستخدام الإمبريالية الأمريكية بعبع الخطر الشيوعي لتخويف جيران سورية، تركيا، والأردن، والمملكة السعودية، ولبنان من "السيطرة الشيوعية السوفيتية المتزايدة على سورية والحشد الكبير للأسلحة السوفيتية فيها"، فإنَّ سورية استمرت في تقديم الدعم بمختلف أشكاله للحركات الوطنية المغاربية التي كانت تقارع الاستعمار الفرنسي لنيل الاستقلال السياسي، لا سيما الثورة الجزائرية، حيث أنَّ هناك ثلاثة من القيادين الأساسيين في الدولة السورية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي(1966 ـ 1970)، كانوا أعضاء في حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، و أسهموا في خوض المعارك مع ثوار الجزائرفي جبال الأوراس، وهم: الرئيس الراحل نورالدين الأساسي، ورئيس الحكومة الراحل يوسف زعين، ووزير الخارجية الراحل إبراهيم ماخوص.
فالعلاقات بين الشعب السوري والشعب الجزائري علاقات قديمة، إذ لاقى الإخوة الجزائريون التضامن والتآزر من إخوانهم السوريين، كيف لا وقد اختار الأمير عبد القادرالجزائري دمشق الفيحاء موئلا وملاذا له منذ عام 1952. كيف لا وقد اختار مثله آلاف الجزائريين والتونسيين والمغربيين سورية ملجأ لهم من ظلم الاستعمار الفرنسي الغاشم، شيدوا باندماجهم في المجتمع السوري جسرًا إنسانيًا بين البلدان المغاربية و سوريا، وأعطوا خصوصية نوعية فريدة للوشائج بين الشعوب العربية.
ولا يزال الشعب الجزائري يذكر ولن ينسى جميل المواقف القومية التي وقفها الشعب السوري مواقف الشهامة والأريحية إلى جانب الثورة الجزائرية التحررية التي انبنى عليها وترسخ ماهو قائم إلى حد الآن من تضامن وتآخي وتآزر بين الشعبين في السراء والضراء. لقد التحمت الثورة الجزائرية التحاما وتكاملت مع النضال القومي العربي السوري، وامتزجت دماء الشعبين إبان الثورة الجزائرية والحروب العربية ـ الصهيونية .
لقد كانت أيدي الجنود المغاربيين (مغاربة وجزائريين) خلال حرب تشرين متشابكة مع أيدي الجنود السوريين في الجولان السوري المحتل خلال حرب أكتوبر 1973، وسالت الدماء الطاهرة الزكية من الجانبين لتؤكد وحدة الأمة العربية من اقصى شرقها إلى أقصى غربها، وأن هذه الوحدة عمدت بالدم. فهل بعد هذه الصورة المشرقة من إثبات أكبر لعمق العلاقات السورية ـ المغاربية، وعمق الانتماء لوطن واحد والعمل من أجل هدف واحد؟
الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس أول مقاومة عربية ضد الاستعمار
في هذا الكتاب الجديد الذي يحمل العنوان التالي: "الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام"، لمؤلفه الكاتب والسفير الجزائري الحالي بدمشق، والصادرعن اتحاد الكتاب العرب في سوريا في عام 2024، يتناول فيه الكاتب الحضور الفعال والملموس للجزائريين في سوريا منذ أواسط القرن التاسع عشر، طَبَعَته روح ملتزمة مثلت بجدارة نضالهم منذ المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.
اتبع الفرنسيون سياسة الأرض المحروقة في مواجهة مقاومة قوات الأمير عبد القادر، فعمدوا إلى كل الأساليب الوحشية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، كما أحرقوا المدن والقرى المساندة له كليا، وهي السياسة التي أدت إلى سقوط مدنه ومراكزه العسكرية.فعقب احتلال الجزائر من قبل الاستعمار الفرنسي في عام 1830، تمكن الأمير عبد القادر الجزائري من إنشاء مقاومة شعبية مسلحة، وتكوين جيش نظامي سرعان ما تكيف مع الظروف السائدة واستطاع أن يحرز انتصارات عسكرية عدة، أهمها معركة المقطع التي أطاحت بالجنرال تريزيل والحاكم العام ديرليون من منصبيهما، ومعركة مستغانم في 27 يوليو/ تموز 1833 ضد قوات الجنرال ديميشال. وخاض الأمير معارك أخرى مع المستعمرالفرنسي ، منها معركة التافنة يوم 25 يناير/كانون الثاني 1836، ودارت في مدينة تلمسان ضد قوات الجنرال كلوزيل، ومعركة السكّاك في تلمسان ضد قوات الجنرال بيجو يوم 6 يوليو / تموز 1836.
وخاض عبد القادر الجزائري معركتين ضد قوات الجنرال فالي، الأولى معركة غابة كرازة بمنطقة عفرون في 27 أبريل/نيسان 1840، والأخرى معركة موزاية بمدينة البليدة في 12 مايو/أيار 1840.
اتبع الفرنسيون سياسة الأرض المحروقة في مواجهة مقاومة قوات الأمير عبد القادر، فعمدوا إلى كل الأساليب الوحشية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، كما أحرقوا المدن والقرى المساندة له كليا، وهي السياسة التي أدت إلى سقوط مدنه ومراكزه العسكرية.
وخاض بسبب ذلك معارك عدة، منها معركة الزمالة يوم 16 مايو/أيار 1843 في منطقة جبال عمور، والتي باغت فيها قوات الجنرال دومال، ثم معركة جبل كركور في 23 سبتمبر/أيلول 1845 ضد قوات مونتنياك، تلتها مباشرة معركة وادي مرسي في 26 سبتمبر/أيلول 1845 ضد قوات الجنرال جيرو.
أما سياسيا فقد شكل الأمير حكومة ومجلس شورى، وهو ما اعتبره مؤرخون أولى خطوات وضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة، وقد أجبر الفرنسيين على توقيع معاهدتي سلام تضمنتا اعترافا بسلطته على المنطقة الغربية للجزائر، وهما اتفاقيتا ديميشال في 26 فبراير/شباط 1834 والتافنة في 30 مايو/أيار 1837.
مثلت المعاهدتان نقطة انطلاق للأمير عبد القادر لبناء مشروعه الإصلاحي والمجتمعي، واعتمد في ذلك سياسات طويلة المدى لبناء مجتمع قوي قادر على مقاومة الاحتلال الفرنسي لسنوات عدة، فسعى إلى توحيد غرب الجزائر، وأولى التعليم أهمية خاصة، إذ أخذ في بناء المدارس والكتاتيب لمحو الأمية ونشر العلم، وجمع المخطوطات والكتب وتأمين حفظها في المساجد ومقرات الطرق الصوفية.
كما حارب الفساد الأخلاقي، فمنع الخمر والميسر والتدخين منعا باتا، واستطاع بناء جيش منظم، وأسس ورشات لصناعة الأسلحة، وبنى الحصون والقلاع.
دأب المستعمر الفرنسي على خرق معاهداته في أكثر من مناسبة، مما كان يدفع الأمير عبد القادر إلى استئناف الكفاح والمقاومة ضده، كما عمل الفرنسيون في الفترة الممتدة من 1844 إلى 1847 على وقف الدعم الذي كان يتلقاه من المغرب عن طريق تهديد السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بغزو بلاده، إذ اعتبروا قبوله دخول الأمير المملكة إعلان حرب على الإمبراطورية الفرنسية.
قصف الفرنسيون ميناءي الصويرة وطنجة صيف عام 1844، مما ساهم في إضعاف قواته، ولما بدأ عتاده وذخيرته ومؤونته في النفاد حد من حركته، ولم يبق أمامه خيار سوى وقف القتال حقنا لدماء من تبقى من المقاومين ومناصريه من الأهالي.
وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 1847 لم يجد بدا من الاستسلام للقوات الفرنسية التي استغلت الهدنة لمحاصرته في منطقة "سيدي إبراهيم"، وحشدت جيشا كبيرا ضده عجز عن مقاومته، فوقّع الأمير عبد القادر "معاهدة الاستسلام" التي أوقفت القتال، وسميت هذه المعاهدة "لاموريسيير" نسبة إلى قائد الجيوش الفرنسية الجنرال لويس لاموريسيير الذي وقع على المعاهدة من الجانب الفرنسي.
وذهب بعض المؤرخين إلى روايات ثلاث بشأن أسباب استسلام الأمير عبد القادر للقوات الفرنسية، وعدم مواصلته الحرب على أعدائه، على الرغم من أن هذه الكلمة(استسلام) من معان مشينة تشوّه تاريخ هذا المجاهد هذا البطل العظيم... فالأمير عبد القادر لم يستسلم كما جاء في التاريخ المزيف. فالأمير عبد القادر أوقف الحرب، وهذا من حق كل القادة الذين يحسنون تسيير معاركهم.. الأمير أوقف الحرب خوفاً من إبادة شعبه لأن فرنسا كانت مصممة على قتل كل الجزائريين كما فعلت أمريكا بالهنود الحمر.وأضف إلى ذلك فقد قامت فرنسا. وهذا أول مرة في التاريخ. بحرق قبائل بأكملها في مغارات عديدة... وهذا دليل قاطع على تلك النية الخبيثة التي كانت تقود الجيوش الاستعمارية.
فلكل هذا وفي 23 ديسمبر 1847 وبعد خمسة عشر عاماً من الكفاح المرير الذي تسبب بخسائر فادحة للعدو، اتخذ الأمير عبد القادر أخيراً قرار إيقاف الحرب، ليس لأنه خسرها بسبب القوة التي كان يملكها العدو من رجال وأسلحة ولكن وزيادة على الخيانات التي كانت تحيط به، كان يفكر في مصير الشعب الجزائري الذي كان:
1 ـ مضطهداً اضطهاداً من قوات الاحتلال.
2 ـ معرضاً للمجاعة.
3 ـ مضطراً إلى النفي والتهجير.
4 ـ منساقاً إلى إبادة جماعية وانقراض شرس.
وأضيف إلى هذه الأسباب معاهدة طنجة بين المغرب وفرنسا التي تم إبرامها سنة 1844 وبموجبها اعترف المغرب بشرعية الإحتلال الفرنسي للجزائر، ووافق على إنهاء أي دعم رسمي للأمير عبد القادر، الذي اعتُبر خارجًا عن القانون في كل من المغرب والجزائر المستعمرة الفرنسية الجديدة. كما أقرت المعاهدة الحدود المغربية الجزائرية وفقًا لـ معاهدة لالة مغنية.
لقد اخترت الأمير عبد القادر بن محي الدين الحسني الجزائري في مسيرته الكبرى عبر السنين وتليها مسيرة أتباعه من أبناء عائلته ومن أبناء الجالية الجزائرية، اخترته لأنه يعد بحق ـ كما كتب بحق الوزير هلال الأطرش ـ"مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي قدم نموذجاً فريداً لزعيم مناضل قاد نضال شعبه وأمته للتحرر من نير الاستعمار، ولرجل الدولة الذي بنى مدينته المتنقلة التي احتوت بمؤسساتها وأجهزتها كل ما يمكن أن تضمه الدولةأمام الضغط الفرنسي على المغرب وقصف الصويرة وطنجة دفعا إلى تراجع المغرب عن دعمه ومحاصرة الجيوش الفرنسية له. والحال هذه اعتبر الأمير عبد القادر معاهدة 23 ديسمبر/كانون الثاني 1847 "اتفاقية حرب" لا "اتفاقية استسلام". وكان من شروط المعاهدة التي اشترطها الأمير تمكينه وأسرته من المغادرة إلى مكة والإسكندرية، وتخيير قادته وجنوده بين البقاء في الجزائر أو مرافقته إلى المنفى، لكن الفرنسيين تراجعوا بعد إمضاء المعاهدة واقتادوه بحرا إلى مدينة طولون الفرنسية حيث أودع السجن، ثم نقل إلى سجن مدينة "بو" في الجنوب الفرنسي ثم إلى آمبواز بإقليم اللوار. ومع تولي نابليون الثالث إمبراطورية فرنسا سنة 1852 قرر إطلاق سراح الأمير بعد أن قضى قرابة 5 سنوات في السجون الفرنسية.
وفي الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1852 سافر الأمير إلى تركيا، ثم انتقل إلى سوريا سنة 1855، حيث استقر في مدينة دمشق، ودرَّس في مدرستي الأشرفية والحقيقية، ثم في المسجد الأموي. فما عاش الجزائريون في ذاك الجزء من الشرق الأوسط كمهاجرين أجانب"، بينما كانت بلادهم لا تزال تحت نير الاستعمار مضطهدة ومستعبدة من فرنسا، لقد عاشوا مُواطِنِيَتهم بالكامل وما تظاهروا بعدم القلق، وما صمتوا وقت ما كان منزلهم ليحترق" على القول المأثور المنسوب إلى جحا الأسطورة. وهكذا نفهم أنّه من الضروري استعادة بعض الحقائق عندما نتكلم بصراحة عن الفترة العثمانية، والحضور الملموس للأمير عبد القادر في صحوة العالم العربي وتحرره من الخضوع التركي. فبمجرد الإشارة إلى أن أجدادنا، سواء كان هذا الأخير يعني الأمير أم أقربائه من العائلة، أو العديد من المهاجرين الذين سبقوه في بلاد الشام، نفهم أنه لم تكن لديهم أوهاماً مع الدولة العثمانية في مواقفها من استعمار الجزائر ونضال شعبها ضد العدو الفرنسي.
يقول الكاتب كمال بوشامة: "لقد اخترت الأمير عبد القادر بن محي الدين الحسني الجزائري في مسيرته الكبرى عبر السنين وتليها مسيرة أتباعه من أبناء عائلته ومن أبناء الجالية الجزائرية، اخترته لأنه يعد بحق ـ كما كتب بحق الوزير هلال الأطرش ـ"مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي قدم نموذجاً فريداً لزعيم مناضل قاد نضال شعبه وأمته للتحرر من نير الاستعمار، ولرجل الدولة الذي بنى مدينته المتنقلة التي احتوت بمؤسساتها وأجهزتها كل ما يمكن أن تضمه الدولة، وهو رجل الدبلوماسية الذي أدى دوراً مهماً- لا ريب فيه لضمان مصالح أمته وشعبه في سياق موازين القوى الدقيقة لإمبراطوريات ذاك الزمان ودوله، وأخيراً الرجل التقي المتعبد الذي ضرب عميقاً في جذور الدين للوصول إلى ينبوع المحبة والتسامح.
وأما دمشق التي كانت تشكل بحق حاضرة تحتضن في نسيجها المتناغم العديد من الأديان والثقافات والأصول، فقد أمست وطناً ثانياً للأمير الجزائري عندما حل بها مهاجراً في منتصف القرن التاسع عشر، ولكن حياة رجل مثل الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق، لم تكن لتمضي دون أن تترك علامات وأثاراً مضيئة ومشرفة في تاريخ هذه المدينة، فسرعان ما انبرى الأمير مؤدياً دوراً مهماً في حياة الدمشقيين على المستويات كافة؛ إذ شغل مكاناً مرموقاً بين أعيانهم، وأصبح قصره في ضواحي دمشق قبلة لأولئك الذين يلتمسون النصح في أمورهم ومشكلاتهم اليومية، ويرومون التنوير في سعيهم الروحي"(ص 19).