هل يجوز قطع صلة الرحم لإنهاء المشاكل المتكررة؟ أمين الإفتاء يرد
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن قطع صلة الرحم ليس أمرًا جائزًا في الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الحل في حالة وجود أضرار ناتجة عن صلة الرحم يكون بدفع هذا الضرر، وليس بقطع العلاقة.
وخلال استضافته في برنامج «مع الناس» على قناة الناس، أمس الأربعاء، أوضح الورداني أن صلة الرحم تمثل قيمة كبيرة في الإسلام، ولكن في حالة تسببها في أذى نفسي أو معنوي للشخص، يتعين التعامل مع الموقف بحذر.
وقال إن الحل يكمن في اتخاذ إجراءات تحفظ النفس والكرامة دون المساس بواجب صلة الرحم.
وأضاف الورداني: "إذا كانت صلة الرحم تتسبب في ضرر أو أذى، سواء نفسي أو معنوي، مثل التعرض لإساءات متكررة أو مواقف محرجة من أحد الأقارب، فإن الشريعة تسمح بدفع هذا الأذى دون قطع العلاقة تمامًا، التواصل يمكن أن يتم بطرق مختلفة مثل الاتصال الهاتفي أو وسائل التواصل الحديثة، وبذلك يتحقق الغرض من الصلة دون تحمل الأذى".
وأشار إلى أن الأذى النفسي أصبح يُعتبر ضررًا معتبرًا في الشريعة الإسلامية، وهو ما يتطلب من الشخص الحرص على حماية نفسه من أي أذى قد يتسبب فيه بعض الأقارب.
وأضاف: "إذا كان هناك مواقف محددة يمكن تجنبها دون قطع العلاقة، فإن ذلك يُعد من الحلول الشرعية المقبولة".
وأشاد الورداني بتوجيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي شدد على أهمية الحفاظ على صلة الرحم، حتى مع من يتعمد قطعها، مستشهدًا بقوله: "لا يكفيك أن تصل من وصلك، وأن تقطع من قطعك"، مؤكدًا أن الإسلام يدعو إلى التعامل مع الأرحام بروح التسامح والبر مع الحرص على تجنب أي ضرر.
واختتم الورداني حديثه بالتأكيد على أن الحلول الوسطية التي تحقق الغرض من صلة الرحم وتحمي الأفراد من الضرر هي الطريق الأمثل لتحقيق مقاصد الشريعة، مشددًا على أن دفع الأذى لا يعني الإهمال في واجب صلة الرحم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء صلة الرحم قطع صلة الرحم المزيد صلة الرحم
إقرأ أيضاً:
الظلم الذكوري باسم الطاعة وبلبوس الشريعة
لا ينكر عاقلٌ أن المجتمعات التي تعاني من الاستبداد السياسي لا يبقى الاستبداد فيها في إطاره السياسي وممارسة الحكم وإنما يتسرب إلى مفاصل المجتمع ومؤسساته المختلفة السياسية والاجتماعية والتربوية والأهلية، فالاستبداد السياسي إذا ما هيمن على مجتمع من المجتمعات أفرز استبدادًا فكريًّا واستبدادًا اجتماعيًّا.
ومن الطبيعي أن تتم ممارسة الاستبداد من القوي على الضعيف؛ فكما يمارس الحاكم المستبد سلطته على الجماهير التي أقنعها بضعفها وقلة حيلتها، فإن الرجل الذي تعشّش الاستبداد في رأسه يمارس قهره على المرأة والطفل اليتيم الذي فقد سنده البشري بوصفهما الحلقة الأضعف في المجتمع، ولذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شدد على حق المرأة واليتيم في أي مجتمع لأنهما الحلقة الأضعف فيه لا سيما عند اختلال الموازين الأخلاقية والقيمية للمجتمع وفقدان انتمائه الحقيقي لتعاليم الشريعة الغراء، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والحاكم بسند صحيح: "إني أحرّجُ عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة"، جاء في حاشية السندي على ابن ماجه: "أي: أضيّق على الناس في تضييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك، والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم، وفي الزوائد: المعنى أحرج عن هذا الإثم بمعنى أن يضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرًا بليغًا وأزجرُ عنه زجرًا أكيدًا؛ قاله النووي، قال: وإسناده صحيحٌ رجالُه ثقات".
إعلانوهذا الظلم المجتمعي يلقي بظلاله على مؤسسة الأسرة فيمارسُ شريحةٌ من الآباء والأمهات تعزيز ثقافة الخضوع من خلال الفهم المشوّه لمعنى المرأة في الأسرة ومكانها ومكانتها، فعندما يأتيهم الشاب خاطبًا يأتيه الرد بالموافقة بعبارة "جارية في مطبخكم" أو "خادمة في عائلتكم"، ولئن كانت هذه العبارات يراد بها إيصال رسالة القبول بثوب فيه تحبب وتودّد للخاطب وأهله، غير أنها تستبطن ثقافة مجتمعية ترى المرأة عندما تتزوج تكون جاريةً في المطبخ أو خادمةً في أسرتها الجديدة، وإن الثقافة العامة التي ترى في المرأة ابتداءً جارية في المطبخ أو خادمةً ستفرز بلا شك فهمًا شائهًا لمعنى الطاعة داخل الأسرة يقوم على خضوع الجارية لمالكها والخادمة لسيدها.
ويقع الإشكال الأكبر حين يتم إلباس هذا الفهم المجتمعي المغلوط ثوب الشريعة الإسلامية زورًا، ويتم التأصيل الشرعي له من بعض من عشش في رؤوسهم هذا الظلم المجتمعي وحسبوا أن الشريعة مهمتها تسويغ وتبرير السلوكيات المجتمعية السائدة والأفكار التي تدغدغ نزعة الاستبداد الاجتماعي في نفوس الرجال، فعندها يمارس الأزواج سلطتهم بطريقة مغرقة في الظلم الذكوري متذرعين بوجوب طاعة المرأة زوجها، ملبسين تذرعهم لبوس الشريعة والأحكام الفقهية؛ مما يدفع شريحة من المعانيات من هذا الظلم إلى الربط بين فكرة طاعة الزوج وبين ما تعانيه من قهر وإخضاع فيتصاعد رفضها الداخلي الذي يمكن أن يتحول إلى ثورة سلوكية متجهًا إلى رفض الفكرة من أساسها والتمرد الفكري على أصل المسألة وصولًا إلى التمرد السلوكي على الظلم المُمارس بحقهن، ويستصحبن في هذه المحاولات للتحرر من ظلمٍ حقيقي واقع عليهن قناعاتهن بالتحرر من الحكم الشرعي لأنه استقر في أذهانهن أن هذا الحكم هو سبب ما هن فيه من بلاء وظلم.
يضاف إلى ذلك الضخ الذي تتعرض له المرأة بأن ما تعيشه من ظلم أو معاناة سببه "المجتمع الذكوري" أو "الذكورية" و"النظام الأبوي" أو "البطريركية" مما يقودها إلى التمرد على الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة التي تنتمي لها لأنها تريد أن تخلع ثوب الطاعة الذي ترى فيه سبب البلاء المصبوب عليها صبًّا.
إعلانوهنا يتعاضد الخطاب النسوي الذي يدعو إلى تمرد المرأة على الطاعة مع الخطاب الشرعي المشوّه الذي يسوّغ الظلم الذكوري والذي يمارسه شريحة من الدعاة فيكونان معًا السبب في نفور المرأة من مفهوم طاعة المرأة لزوجها، فيتفقان في النتيجة وإن اختلفا في المدخل إليها وكانا في الظاهر متصارعين لأجل المرأة وصراعهما في الحقيقة عليها لا لها، وللأسف أن هذا الخطاب الذكوري الذي يلبس ثوب الشريعة أدى في ردة فعل غير عقلانية إلى إنتاج خطاب جندري ونسوي يتم إلباسه ثوب الشريعة زورًا وبهتانًا، وكلا الخطابين يسيء إلى الشريعة الغراء قبل أن يسيء للمرأة ويظلمها بصورتين متقابلتين؛ ظلم الإخضاع وظلم التفلّت.
ومما تجب ملاحظته أيضًا أن الخطاب النسوي الذي تحول إلى صورة استبدادية في الغرب كما هو الخطاب الذكوري في بعض المجتمعات الإسلامية بدأ يجعل شرائح من المجتمع تشعر أن غياب قدرة الرجال على تحمل المسؤوليات داخل الأسرة وغياب مفهوم الطاعة بوصفه جزءًا من تحمل المسؤولية ينذر بخطر كبير بحق المجتمعات، ومن ذلك ما ذكرته عالمة النفس هيلين سميث في كتابها "الرجال في إضراب"، إذ ترى سميث أن النسوية تؤدي بشكل عام إلى ترسيخ قناعات عند شرائح واسعة من الرجال بأن العالم مناهض لفكرة الذكورة من الأساس، مما يُحدث ردة فعلٍ عند هؤلاء الرجال يدفع أغلبهم إلى العزوف عن الدراسة الجامعية وعن العمل، كما يدفعهم إلى تجنب الزواج بمعدلات عالية تنذر بالخطر، وسبب قيامهم بذلك لأنهم يرون أن المجتمع لا يقدم لهم الفرص حتى يكونوا أزواجًا وآباءً لهم قيمتهم داخل الأسرة ومتحملين للمسؤولية، وهذه القناعات تجعلهم يخوضون إضرابًا إما بوعي أو بغير وعي، لأنهم لا يريدون أن يصابوا بأذى أو تهميش أو تمييز بسبب عدد لا يحصى من القوانين والمواقف التي باتت تدعم النساء أكثر من الرجال.
إعلانوكذلك ذهبت الكاتبة الأميركية كريستينا هوف سومرز في كتابها "الحرب ضد الأولاد" إلى أن النظام التعليمي في الولايات المتحدة الأميركية يقوم أساسًا على التمييز بين الإناث والذكور لمصلحة الإناث، فالنظام التعليمي المدرسي يدعم الفتيات أكثر من الأولاد وينتصر لهن عليهم، وهذا الأمر الذي ينذر بالتأثير السلبي على مستقبلهم كما ترى الكاتبة.
فالتلاعب بالمفاهيم الأسرية ومن أهمها مفهوم طاعة المرأة لزوجها لا ينذر بخطر على المجتمعات الإسلامية فحسب بل إن الأصوات بدأت تتعالى في الغرب اليوم للتحذير من فقدان الرجال مسؤولياتهم داخل بيوتهم وأسرهم.
وهنا لا بد من بيان أن مجابهة الظلم الذكوري للمرأة لا سيما إن كان بلبوس الخطاب الشرعي يبدأ من تحرير المجتمعات من الاستبداد السياسي الذي هو رأس الشرور كلها، ومن ثم تحرير الخطاب الشرعي من النزعات الذكورية الطاغية في بعض المجتمعات، وتحرير الخطاب الشرعي من هذه الذكورية لا يكون على الإطلاق بإلباسه ثوب النسوية والجندرية لأننا بهذا ننزع عنه ثوب ظلمٍ قاتم للمرأة لنلبسه ثوب ظلم آخر لها لا يختلف عن الثوب الأول إلا في أنه مزركش وألوانه تسرّ بعض الناظرين.
إنما المراد إعادة الخطاب الشرعي إلى أصالته الأولى التي ترى المرأة والرجل متساويين في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف في إعمار الكون والاستخلاف في الأرض، ثم تأتي الاختلافات بينهما في توزيع الأدوار التنفيذية والتخصصات العملية التطبيقية، وطاعة المرأة زوجها داخل الأسرة هي عملية ضبط إداري داخل مؤسسة تعد الأخطر في تأسيس المجتمع البشري ولا يمكن أن تقوم أي مؤسسة بدورها فضلًا عن أن تنجح في أداء مهمتها دون الضبط الإداري داخلها، فهي ليست ميزة بنيوية للرجل على المرأة ولا تفضيلًا له بوصفه ذكرًا، كما أنها ليست تفضيلًا له في المكانة، فقد يكون الوالي أو الحاكم في بيئة ما حاكمًا على من هو أعلى منه قدرًا وأرفع منه مكانة وتلزمهم طاعته، ألم يكن في جيش أسامة الذي كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإمارة الجيش كبار الصحابة؟! وكان يلزمهم طاعته وهم أعلى منه قدرًا في الإسلام وأكبر منه مكانة وأسبق منه فضلًا وأقدم منه إسلامًا، ولم يكن يرى أي واحد من هؤلاء في طاعته لأسامة رضي الله عنه منقصة له أو خضوعًا غير عادل.
إعلانوكما أن أي مؤسسة لا يمكن أن يستقيم أمرها من دون ضبط إداري وطاعة المسؤول فيها لتسير نحو النجاح فإن الأسرة التي هي أخطر المؤسسات في البناء الإنساني أولى المؤسسات بسنّ القوانين التي تحقق درجة عالية من الانضباط الذي يتيح لكل أفرادها القيام بمسؤولياتهم بما يحقق للمؤسسة الريادة والنجاح.
المرأة لم تكن يومًا خادمة في مطبخها أو جارية عند زوجها بل هي معه في مسؤوليته عن الرعاية والبناء يدًا بيد كما نصّ الصادق المصدوق عليه والصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري في صحيحه: "والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها"، وطاعة المرأة زوجَها فرع عن هذه المسؤولية المشتركة وسبيل من سبل قيامها بواجباتها في بيتها على أتمّ وجه يحقق مهمتها في هذا الكون التي تشترك فيها مع الرجل إعمارًا واستخلافًا.