الدكتور الخضر هارون
magamat@hotmail.com
أحسنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ( إيسيسكو) بعقد مؤتمر نوهت من خلال مداولاته التي تداعي لحضورها عدد من المثقفين العرب المرموقين العارفين بصنيع الأستاذ عباس محمود العقاد في خدمة الثقافة العربية والإسلامية سيما وقد رفد المكتبة بعشرات المؤلفات النافعة بمنطق قوي وثقافة عميقة ولغة رصينة مبرأة من الشوائب في زمن أجترأ فيه المفتونون بالثقافة الوافدة فروجوا لما اشتملت عليه من النفع والفائدة في تيسير حياة الناس ولكن تجاوزوا الحد فبلغت ببعضهم الجرأة حد المناداة بأخذها جملة بغثها وسمينها في إستكانة تعافها الجبلة السوية التي فطر الله الناس عليها وميز بها الإنسان بالتكريم في قوله عز من قائل ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا.
والشكر موصول للإسيسكو ولمواطننا لديها ،الشاعر الأديب والسفير الأريب خالد فتح الرحمن الذي أبي إلا أن يذكر سهم السودان في الحفاوة بالعقاد مشيرا إلي زيارته السودان ومكثه فيها شهرا كاملا كان موضع التجلة والاحترام .وفي كتاب الأستاذ حسن نجيلة ( ملامح من المجتمع السوداني) تفصيل جذاب وذكي لمن يريد المزيد.
نافح العقاد بصلابة عن تراث العرب والمسلمين بالحجة البالغة والمنطق القوي في زماننا هذا الأغبر وقد عظمت عند الناس الدعة ورغد العيش إلي حد التضحية بالكرامة وبكل ما يميز المخلوق الكريم العزيز بقيمه وأخلاقه الراغب في بذل مهجته لتبقي . تلقف بعض المثقفين في زمان العقاد منهاج الشك لديكارت واتخذوه مطية للتشكيك في أس الحضارة الإسلامية في فكرها وفي آدابها واعتبروا جل الأشعار منتحلة وأن كثيرا من الأسماء من نسج الأخيلة لم تنعم بالوجود أصلاً. ذلك رغم أن ديكارت من أساطين الفلسفة العقلية التي لم تنكر أو تتنكر للغيب . ويستدل علي وجود الشعر والشعراء بما قد يشكل علي البعض الفهم من تناقض لأقوال بعضهم كجميل بن معمر يعبر فيه تارة عن حب لا فكاك له منه ثم يدعو علي حبيبته بثينة بجائحة تذهب بجمال عينيها ونصاعة أسنانها :
رمي الله في عيني بثينة بالقذي
وفي الغر من أنيابها بالقوادح
يقول العقاد ذلك أدعي لصدق الحب وأدل علي وجود أبطاله حيث أن المتيم الذي لا يرجو فكاكا من حبه إذا حيل بينه وبين محبوبته بعدم التزويج كما هي حال جميل وبثينة فلا غرابة أن يدعو الله أن يطمس جمالها ما يغري بسلوانها.
وقد راق لي وأرجو أن يروق لكم ما أورده العقاد في (جميل بثينة ) من معان العناد النبيل ورفع الرأس لا طأتأته لدي ذوي السلطان والصولجان وللغزاة والمتربصين وهو ما نحن بحاجة إليه في هذه الأيام خاصة وسائر الأيام .كان الشعراء هم أداة الإعلام والإشهار قبل اختراع هذه الوسائط التي تكاد تغير خلق الله لو لا لطف الله بعباده.
دعا الوليد بن عبدالملك جميلا بغية أن يمدحه ومعه من الشعراء مكين العذري الذي رجز:
(يا بكر هل تعلم من علاك
خليفة الله علي ذراكا
◦ فطمع الوليد أن يمدحه جميل ودعاه أن ينزل فيرجز فنزل فقال مفتخرا:
◦ أنا جميل في السنام من معد
◦ في الذروة العلياء والركن الأشد
◦ والبيت من سعد بن زيد والعدد
◦ ما يبتغي الأعداء مني ولقد
◦ أضري بالشتم ولساني ومرد
◦ أقود من شئت وصعب لم أقد
◦ فغضب الوليد وقال له أركب لا حملك الله!
◦ ومن جملة سيرته يظهر أنه كان كما قال ،كان صعباً لا يقاد أو كان علي شئ من العناد والخيلاء.).
◦ قال العقاد في وصفه كذلك:
◦ (غير عجيب مع هذا كله أن يتحامق ويحمق فلا يستتر حمقه حيث يريد وحيث لا يريد. وكيف يخفي حمق جميل وهو القائل:
◦ لا لا أبوح بحب بثنة إنها
◦ أخذت عليّ مواثقا وعهودا
◦ أيقول هذا البيت رجل رشيد كائنا ما كان قصده وذاهبا ما ذهب في معناه؟
◦ إنه كان مضرب المثل بحق علي الحماقة ألا يبوح به وهو في قسمه علي الكتمان قد باح!).
◦ رحم الله العقاد وجميل بن معمر.
◦
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العقاد فی
إقرأ أيضاً:
في ضيافة البطريرك...
كتب احمد الايوبي في"نداء الوطن": لقاء البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس سقطت فيه الشكليات وعمد إلى إعادة ترتيب محتوى اللقاء وفق مسارٍ تلقائيّ إنسانيّ حوّل الجلسة إلى ساعة خاصة "في ضيافة البطريرك" يازجي.
يفتخر البطريرك يازجي بأصالة الوجود المسيحي في سوريا ولبنان، ويكشف أنّ الذراع الاجتماعية للكنيسة الأرثوذكسية في سوريا (دائرة العلاقات المسكونية والتنمية في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس) تقوم بدورها في المساعدات الإنسانية في كلّ المناطق السورية من دون استثناء ولا تمييز، وهي تدأب على هذا الواجب منذ سنوات، الأمر الذي حمى مؤسساتها من أيّ استهداف نظراً لكونها تعمل وفق قاعدة التفاعل الإنساني والوطني.
يتنفّسُ البطريرك يازجي الصُّعداء ويقول إنّ القهر والظلم السائدين في عهد بشار الأسد كانا يضربان عميقاً في كلّ نواحي الحياة، ويؤكد أنّ مقولة "العلوي بالتابوت والمسيحي إلى بيروت" قد سقطت إلى غير رجعة وأثبتت الوقائع كذبها وزيفها، فالسوريون حافظوا على تلاحمهم الوطني في ذروة الأزمات ولم يتركوا وحدتهم ولا تكافلهم يوماً واحداً...
يُبدي البطريرك يازجي تفهّمه طبيعة المرحلة الانتقالية في سوريا وصعوبة ملء الفراغ بعد هذا الخراب الكبير، وهو يدرك عبء التركة الثقيلة التي ورثها الرئيس أحمد الشرع والإدارة الجديدة في سوريا، ويقول بوضوح إنّ الوقت قد حان لإعادة بناء سوريا الجديدة، وفي قلبها المسيحيون بكفاءاتهم وقدراتهم وهم الذين ثبتوا في بلدهم وهم قادرون على مشاركة مسؤوليات البناء مع إخوانهم في الوطن.
يؤكّد البطريرك يازجي استقلالية الكنيسة الأرثوذكسية في أنطاكية وسائر المشرق وما يتبعها من كنائس في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا والدول العربية، وهي التي تمايزت خلال فترة الاحتلال الروسي عن سياسة موسكو ولم تقبل أن تكون غطاءً للسياسات الروسية التي أمعنت في تدمير واستهداف الشعب السوري، وقد فعلت البطريركية فعلها بحكمة وصبر وإصرار سمح بتمرير تلك المرحلة بالحدّ الأدنى من الأضرار والمخاطر.
يرسل البطريرك يازجي ترحيبه بالإدارة الجديدة في سوريا ويؤكد التهنئة التي وجّهها مع نظرائه من الطوائف المسيحية للرئيس أحمد الشرع بعد تنصيبه، ويتوسّع في التعبير عن التفاؤل بانتهاء مرحلة القمع وانبلاج فجر الحرية والعدالة التي ينتظرها جميع السوريين ويتوقون أن تأتي لهم بالديمقراطية والتنمية والعدالة ويتطلّع إلى المشاركة في بناء سوريا الجديدة بأيدي جميع أبنائها من دون أن يكون للدين أو العرق أو المنطقة أيّ عائق في الشراكة الوطنية.
ومع تداخل عمل الكنيسة في لبنان وسوريا يطمح البطريرك يازجي أن يسود التعاون الإنساني والاجتماعي حول القيم المشتركة لحماية العائلة والمجتمع والوطن على قاعدة المواطنة، وما أمله الوفد اللبناني السوري المشترك أن تقوم في البلدين دولة تُعلي شأن القانون وتفرض العدالة وتفتح الباب للتعاون الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بما يستجيب لحقائق التاريخ ويجنّب البلدين "لعنة" الجغرافيا.