الرحيل من تونس.. عندما تصبح مخاطر الهجرة أكثر أمانا
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
تونس- رغم ترحيله قبل أشهر من بلجيكا إلى تونس بسبب الهجرة غير النظامية والاشتباه في حيازته سلاحا، ما يزال حلم العودة عبر قارب نحو سواحل أوروبا يراود العشريني "سيف قطيف" كغيره من الحالمين بالهروب من جحيم الفقر.
ويختلج هذا الشاب شعور عميق بالإحباط لعودته خائبا، ويقول للجزيرة نت إنه يتألم لترحيله بسرعة إلى حيّه الشعبي الفقير خالي الوفاض، بينما يرى غيره ممن هاجر لأوروبا سالكا طريقه.
كاد يواجه السجن في بلجيكا مع صديقه وابن حيه المكنى بولد بوعلي، بعدما داهمت الشرطة منزلا استأجراه وعثرت داخله على مسدس، لكن باعتباره خاليا من السوابق تم ترحيله عبر الطائرة فورا إلى تونس، بينما زُج بصديقه السجن.
شباب ضائع
لم تطو بعد صفحة الهجرة، إذ يؤكد قطيف أن عودته عبر قارب إلى أوروبا مسألة وقت، إلى حين جمعه المال الكافي والعثور على رحلة مضمونة لا تقع في قبضة خفر السواحل، في ظل تشديد الرقابة على السواحل في إطار اتفاق تونسي أوروبي.
ويقول الشاب "لقد سئمت العيش في هذا البلد. هنا شباب حيّنا يسدون رمقهم بالمخاطرة في تجارة المخدرات. لا يمكنك الحكم عليهم لأنه لا خيار لهم في هذا الجحيم" معتبرا أن "الحديث عن حقوق وحريات الشباب مجرد كذب تطلقه السلطة".
وانقطع قطيف عن التعليم مبكرا في سن الـ 15 ليجد نفسه ضائعا بين شباب حيّه المعطل عن العمل. وبسبب غياب الأفق خطط للهجرة نحو أوروبا عبر قارب مع مجموعة من الشبان، فكان على والديه تأمين المال كي لا يلجأ لارتكاب جريمة.
واضطر والده للاقتراض، وباعت والدته جزءا من مصوغها لتأمين رحلته بنحو ألفي دولار، وعند نجاحه في الوصول إلى الساحل الإيطالي ركب القطار نحو باريس ليلتقي صديقه ويسافرا إلى بلجيكا لكسب المال، لكن حلمهما تبخر.
هذه واحدة من مآسي شباب تونسي يحلم بالهجرة فرارا من الفقر والبطالة، في بلد يعاني من انكماش اقتصادي ولم يتخط نموه عتبة 1.3% خلال النصف الأول من هذا العام، بينما ترتفع البطالة إلى 15.6%، حسب معهد الإحصاء (حكومي).
المآسي تتكرر
وتتكرر يوميا محاولات الهجرة غير النظامية التي تقل تونسيين أو أفارقة من جنوب الصحراء باتجاه سواحل أوروبا. ولا تكاد تخلو نشرات الأخبار من حوادث غرق مراكب المهاجرين قبالة السواحل التونسية، أو إحباط عمليات الهجرة عبر القوارب.
ورغم أن أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس استأثرت بقدر كبير من الاهتمام، فإن تخبط هذا البلد في أزمة مالية واقتصادية خانقة زاد في تأزم محاولات الهجرة غير النظامية من مختلف الشرائح والأعمار، بحثا عن الأمل المفقود.
وقد كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية -اعتمادا على بيانات الداخلية الإيطالية- أن عدد التونسيين الذين وصلوا إيطاليا بطريقة غير نظامية بلغ نحو 6087 شخصا، من بداية العام الجاري إلى 31 يوليو/تموز الماضي.
وفي الفترة ذاتها، أحبطت السلطات أكثر من 35 ألف محاولة هجرة غير نظامية من تونس نحو سواحل إيطاليا من جنسيات وطنية أو غير تونسية، لكن الرقم أكبر بكثير في ظل غياب المعلومات من الجانب الرسمي التونسي.
انسداد الأفق
في هذا السياق، قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي إن عمليات الهجرة غير النظامية أو حتى النظامية شهدت طفرة كبيرة الآونة الأخيرة، بسبب ما وصفه بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانسداد الأفق وغياب أي حلول من السلطة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الهذيلي "لدينا ارتفاع مهول في عدد التونسيين الراغبين في الهجرة، سواء من المعطلين عن العمل والمنقطعين عن الدراسة، أو من قبل اليد العاملة المختصة والكفاءات كالمهندسين والأطباء" مشيرا إلى وجود انسداد للأوضاع زاد في تعميق الأزمة بالبلاد.
وكشفت معطيات رسمية -نشرتها حديثا الوكالة التونسية للتعاون الفني- عن تطور هجرة الكفاءات إلى أوروبا ودول الخليج العربي والبلدان الأميركية بنسبة 20% خلال النصف الأول من العام الجاري، وتصدرت كندا قائمة الدول المستقطبة لهم.
ويوضح الهذيلي أن تونس تشهد معضلة تتمثل في الانقطاع المبكر عن التعليم من قبل الشبان بنحو 100 ألف طالب سنويا، وهو "خزان بشري كبير يدفعه الفقر والبطالة والتهميش وفقدان الأمل إلى ركوب المخاطر بحثا عن حياة أفضل".
هجرة مكثفة
واعتبر رئيس المنتدى الحقوقي أن ركوب الأخطار نحو السواحل الإيطالية لم يعد مقتصرا على الهجرة التقليدية بمراكب الصيد الكبيرة، بل أصبح عبر زوارق صغيرة يسهل شراؤها والرحيل على متنها، اعتمادا على الهواتف الجوالة لتحديد الاتجاه.
ورغم اتفاق تونس مع الجانب الأوروبي -بوساطة إيطالية- لتقديم مساعدات مالية لها مقابل تعزيز الرقابة على السواحل البحرية، يقول الهذيلي "خفر السواحل غير قادرين على مجابهة الرحلات السرية المهولة لاسيما مع تحسن الأحوال الجوية".
ويبلغ الشريط الساحلي التونسي نحو 1300 كيلومتر، وتعتبر محافظة صفاقس الساحلية جنوب العاصمة واحدة من أكبر نقاط انطلاق عمليات الهجرة غير النظامية. لكن الهذيلي يقول إن مدنا أخرى كالمهدية وبنزرت وقليبية باتت هي الأخرى منافذ للعبور.
انكماش حاد
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية تعد سببا رئيسيا مباشرا في تفاقم الهجرة، لافتا إلى وجود عوامل طاردة للتونسيين بسبب ارتفاع الأسعار وضعف التشغيل وتراجع الاستثمار وعدم وضوح الرؤية.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الشكندالي إن نسبة النمو الاقتصادي لم تتجاوز خلال النصف الثاني من العام الجاري 1.2% مقابل 1.8% كانت مقدرة من الحكومة، معتبرا أنها نسبة ضعيفة وغير قادرة على امتصاص البطالة، مما يزيد في فقدان الثقة بسوق الشغل.
ورغم أن معهد الإحصاء كشف عن تراجع البطالة إلى 15.6% بالربع الثاني من العام الجاري مقابل 16.1% بالربع الأول من هذا العام، فإنه يرى أن سبب هذا التراجع يعود لانخفاض طلبات الشغل من العاطلين لاهتمامهم بالهجرة أكثر.
وأوضح المعهد أن نسبة البطالة تراجعت أساسا عند الشباب من الذكور بنحو نصف نقطة، بسبب بعزوفهم عن البحث عن العمل لأسباب عدة، منها كساد سوق الشغل وارتفاع الأسعار وصعوبة النفاذ للقروض وانعدام الأفق والثقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهجرة غیر النظامیة العام الجاری
إقرأ أيضاً:
عشرون منظمة تونسية ودولية تدين تجريم حق التظاهر
استنكرت عشرون منظمة تونسية ودولية، الاثنين، ما وصفته بـ"تجريم حق التظاهر والتعبير" في تونس، وذلك عقب قيام السلطات التونسية بـ"استدعاء" مجموعة نشطاء، على إثر تنظيمهم احتجاجات ضد الاستفتاء بخصوص الدستور.
وقالت المنظمات التونسية والدولية، عبر بيان مشترك إن "مجموعة من المناضلات والمناضلين استدعيوا بعد تنظيمهم في يوليو 2022 تحركات احتجاجية ومسيرة سلمية، للتعبير عن رفضهم لمسار الاستفتاء الذي تم فرضه بخصوص النسخة النهائية للدستور، التي تمّت صياغتها بصفة انفرادية".
وأبرزت المنظمات نفسها الموقعة على البيان: "إيقاف الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل بمدينة السبيخة في محافظة القيروان وسط تونس، جمال الشريف، ومجموعة من العملة والعاملات"، موضّحة أن ذلك أتى: "على خلفية ممارسة نضالهم النقابي والاحتجاج على عملية الطرد التعسفي الذي طال عددا من العملة بالمصنع".
وفي السياق نفسه، اعتبرت المنظمات أن: "هذه التداعيات القضائية تأتي ضمن سياسة ممنهجة للتضييق على حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير والحراك الاجتماعي والمدني والنقابي"، مردفة أنها أيضا: "جزء من محاولات مستمرة لترهيب الشباب المناضل عبر ملاحقات ومحاكمات غير مبررة".
إلى ذلك، أشارت المنظمات، ومن ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والشبكة الأورو- متوسطية للحقوق، إلى أن الإجراءات، قد شملت: "أسرار بن جويرة، سيف عيادي، وائل نوار، ماهر الكوكي، خولة بوكريم، خليل الزغيدي، نورس الدوزي، أسماء معتمري، رحمة الخشناوي، ومحمد ياسين الجلاصي، وغيرهم".
وتابعت: "لقد تم استدعاء هؤلاء للتحقيق معهم من قبل الفرقة المركزية لمكافحة الإجرام في بن عروس، بوصفهم ذوي شبهة على خلفية مشاركتهم في التحركات الاحتجاجية بتاريخ 18 يوليو 2022 بشارع الحبيب بورقيبة".
تجدر الإشارة إلى أنه في آيار/ مايو الماضي، قد اعتقلت السلطات في تونس 10 أشخاص، بينهم عدد من المحامين والصحفيين والناشطين وكذا المسؤولين في منظمات المجتمع الدولي.
وكانت كل من منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" قد وصفت هذه الاعتقالات بأنها تعدّ "حملة قمع شديدة"، ودعت السلطات إلى "وقف الانتهاكات واحترام حق التونسيين في حرية التعبير، والحق السياسي، وحق المجتمع المدني".