كيف حوّلت أوكرانيا خطوط نقل الغاز من وسيلة ضغط عليها إلى ورقة بيدها؟
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
كييف- مع صباح اليوم الأول من عام 2025، أعلنت أوكرانيا وقف عمليات نقل الغاز الروسي إلى مولدوفا ودول أوروبا عبر أراضيها، لأول مرة منذ عام 1967.
حدث وصفه وزير الطاقة، هيرمان هالوشينكو، بـ"التاريخي"، وربطه بمصلحة الأمن القومي، لا سيما في ظل الحرب الروسية على بلاده، التي تقترب من ختام عامها الثالث.
أضخم نظام نقلبهذا القرار، تتوقف عن العمل ثاني أوسع شبكات نقل الغاز في أوروبا (بعد روسيا)، وواحدة من بين أضخم الشبكات العالمية، بعد أن كانت وسيلة رئيسية وشبه وحيدة لتصدير الغاز الروسي منذ عقود.
وكانت شبكات النقل في أوكرانيا تمثل 95% من طرق النقل والتصدير التي بناها الاتحاد السوفياتي؛ يقارب طولها 37 ألف كيلومتر، وتضم:
خطي أنابيب رئيسيين أكثر من 120 محطة للضغط 13 مخزنا ضخما تحت الأرضوبهذا حافظت على نفسها كأفضل بنية تحتية مجهزة بكل ما تحتاجه عمليات النقل والتوزيع في أوروبا.
ووصلت قدرة هذه الشبكات على نقل الغاز إلى أوروبا إلى 100 مليار متر مكعب قبل نحو 15 عاما، لكن دخول كييف وموسكو في أزمات ثقة وأزمات سياسية وعسكرية مختلفة دفع روسيا إلى البحث عن بدائل، وأدى إلى تراجع التدفق ليبلغ نحو 40 مليارا بعد عام 2015، ويصل إلى نحو 15 مليارا في 2023.
الدول المتضررةومن خلال خط "أوجهورود"، المسمى على اسم المقاطعة الحدودية في أقصى جنوب غرب أوكرانيا، كان الغاز الروسي يتدفق إلى دولة مولدوفا، وكذلك إلى سلوفاكيا والمجر والنمسا، ومنها إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
إعلانووفقا لوكالة الطاقة الدولية، كانت شبكات النقل الأوكرانية تلبي 65% من حاجة سلوفاكيا والنمسا للغاز الروسي، ونحو 80-85% من الحاجة المجرية.
وبحكم أن هذه الدول كانت أكثر المستفيدين من عبور الغاز، أصبحت اليوم الأكثر تضررا بسبب وقفه، ولا سيما في ظل شح الطرق والمصادر البديلة؛ وارتفاع أسعاره منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا بنسب وصلت فعلا إلى 450%.
ورقة ضغط أوكرانيةاللافت في الأزمة الجديدة أن أوكرانيا -ولأول مرة- تصر على رفض تمديد اتفاقية العبور مع روسيا، على عكس ما كان عليه الحال في أزمات السنوات السابقة.
أوكرانيا -ولأول مرة- تصر على رفض تمديد اتفاقية العبور مع روسيا (الفرنسية)ولتفسير ذلك تحدثت الجزيرة نت مع المحلل الاقتصادي إيهور بوراكوفسكي، مدير معهد البحوث والاستشارات الاقتصادية في كييف، الذي قال: "فرضت الحرب معطيات جديدة. فمشروع خط "نورد ستريم 2" (السيل الشمالي 2) لم يعد موجودا، و"السيل التركي" لا يلبي كل حاجات التصدير الروسية".
وتابع: "سيطرة أوكرانيا على عقدة نقل الغاز في مدينة سودجا بمقاطعة كورسك الروسية عقّدت فرص الروس للتصدير أيضا، ولهذا عادت الشبكات الأوكرانية لتصبح سبيلا رئيسيا بالنسبة لهم، رغم كل الخلافات، وكل ما يقال خلاف ذلك".
ويرى بوراكوفسكي أن "أوكرانيا بهذا حوّلت نقل الغاز من وسيلة سابقة لابتزازها والضغط عليها، إلى ورقة ضغط في صالحها هذه المرة، لأنها تدرك الحاجة الروسية والأوروبية معا، فهي بهذا تدفع روسيا إلى تقديم تنازلات لوقف الحرب، وتدفع عواصم الغرب إلى ممارسة مزيد من الضغط على موسكو، وتقديم مزيد من الدعم لكييف في حربها".
"ليس لدى أوكرانيا ما تخسره"وعلى أساس فرض هذا الواقع يبدو أن أوكرانيا ماضية، بغض النظر عن إمكانية أن تقصف شبكات النقل فيها، أو أن تتحول إلى "خردة"، أو أن تسوء العلاقات بينها وبين بعض الدول.
إعلانويقول الخبير بوراكوفسكي للجزيرة نت: "لنكن موضوعيين. ليس لدى أوكرانيا ما تخسره. عمليات نقل الغاز في السنوات الأخيرة باتت أشبه بخدمة كبيرة نقدمها لروسيا التي اعتدت على بلادنا، وعائداتها كانت ولا تزال مجحفة ومهينة بحق أوكرانيا".
وأضاف: "على سبيل المثال، آخر اتفاق نص على نقل 225 مليار متر مكعب خلال 5 أعوام مقابل 7.2 مليارات دولار، لكن روسيا لم تنقل سوى 55 مليارا في 2020، وأقل من ذلك بكثير بعد بداية الحرب التي صرنا نصرف عليها أضعافا مضاعفة".
وتابع: "رغم كل ذلك، رفضت روسيا دفع نصف ما كنا ننتظره تقريبا، واضطرت كييف لمحاكمتها دوليا"، في إشارة إلى قرار محكمة ستوكهولم في فبراير/شباط 2018، القاضي بإجبار شركة "غاز بروم" على دفع مبلغ 2.56 مليار دولار لشركة "نفتوغاز" الأوكرانية".
أوكرانيا تظهر أنها لم تعد تكترث بمواقف دول الجوار المتضررة وحاجاتها (الفرنسية)وفيما يتعلق بمستقبل شبكات النقل، قال بوراكوفسكي: "لا أستبعد أن روسيا ستدمرها إن لم تقرر وقف الحرب. وزارة الطاقة قالت إنها ستستخدم للنقل والتخزين محليا. آمل ذلك، وأعتقد أن البلاد ستحتاجها فعلا إذا ما قررت زيادة إنتاجها المحلي من الغاز، الذي وصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويا قبل الحرب".
البحث عن بدائلويبدو أن أوكرانيا لم تعد تكترث بمواقف دول الجوار المتضررة وحاجاتها، في وقت يستبعد خبراء فيها ممارسة أي ضغط عليها لتوقيع اتفاق جديد مع روسيا.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، أوليكساندر بالي للجزيرة نت: "معظم الدول الأوروبية تتفهم أهمية الابتعاد عن التعامل مع روسيا، ومن بينها ألمانيا التي كانت شريكة مع موسكو في مشروع "السيل الشمالي 2″ عبر بحر البلطيق، وباتت تعتبره خطأ كبيرا".
وأضاف: "المفوضية الأوروبية تتفهم أوكرانيا، وحتى دولة النمسا تلتزم الصمت رغم تضررها، لأنها تدرك أهمية البحث عن بدائل. وأكبر الانتقادات تأتي حاليا من سلوفاكيا والمجر، التي كانت ولا تزال دولا ترفض دعم أوكرانيا، وتعتبرها مذنبة أمام روسيا".
إعلانويضيف الكاتب: "أوكرانيا التي كانت تستورد الغاز الروسي أكثر منهم جميعا (نحو 60 مليار متر مكعب سنويا قبل 2014)، بحثت عن بدائل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ونجحت في ذلك بغض النظر عن الأسعار الجديدة".
وتابع "عليهم فعل ذلك أيضا. وليس من المنطق أن نقدم مصالح دول تسيء لنا على مصالحنا في زمن الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ملیار متر مکعب الغاز الروسی شبکات النقل نقل الغاز عن بدائل مع روسیا
إقرأ أيضاً:
تراجع صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال في يناير
كشفت بيانات أولية لمجموعة بورصات لندن، الاثنين أن صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال في يناير انخفضت خمسة بالمئة على أساس سنوي إلى 2.75 مليون طن.
وهبطت أيضا صادرات الغاز الطبيعي المسال 10 بالمئة على أساس شهري.
وتواجه روسيا صعوبات في زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال في مواجهة القيود التي فرضتها الولايات المتحدة بسبب الصراع في أوكرانيا.
موسكو: قمة مُحتملة بين بوتين وترامب في السعودية أو الإمارات
أفادت مصادر روسية مطلعة، اليوم، بأن روسيا تعتقد أن السعودية والإمارات مكانان محتملان لاستضافة قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما ذكرت وكالة "رويترز".
في وقت سابق، قال ترامب إنه يعتزم إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن وإنه مستعد للقاء بوتين.
بدوره، هنأ بوتين ترامب على انتخابه وقال إنه مستعد للقائه لإجراء مناقشات حول أوكرانيا والطاقة.
بوتين: النخبة الأوروبية سترضخ أمام أوامر ترامب:
صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلًا إن النخبة السياسية الأوروبية حاربت دونالد ترامب وتدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مضيفًا أنها أصيبت بالارتباك عقب فوزه بالانتخابات
وأردف بوتين قائلًا: النخب الأوروبية كانت تفضل بايدن لكن ترامب لديه مفاهيم مختلفة حول ما هو جيد وما هو سئ، مردفًا: "ترامب سيستعيد النظام بسرعة كبيرة من خلال شخصيته، والنخب الأوروبية سترضخ لأوامره".
ترامب: سأتحدث مع بوتين وسنُنجز شيئًا مُهمًا:
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إنه سيتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الفترة المُقبلة.
اقرأ أيضًا: صحافة أمريكا تُبرز دور مصر في إنهاء مُعاناة غزة
وقال ترامب في حديثه الذي نقلته شبكة سكاي نيوز إنه سيتحدث مع بويتن، وأعرب عن أمله في القيام بشيءٍ مُهم، على حد قوله.
وشدد ترامب قائلاً: "نجري مُناقشات جادة مع روسيا".
وتحظى عدد من موضوعات السياسة الدولية باهتمام الطرفين، لا سيما ملف الحرب ضد أوكرانيا التي كان لها تداعيات سلبية على الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية في العالم أجمع.
كما يهتم الطرفان أيضًا بملفات السلاح النووي ومنع انتشاره في العالم، فضلاً عن العلاقة مع الصين وكوريا الشمالية.
علاقات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت محط اهتمام واسع منذ بداية تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة في 2017. كان هناك نوع من الانسجام بين الزعيمين في البداية، حيث أثار ترامب إعجابه ببوتين وأكد في عدة مناسبات أنه يكن له احترامًا كبيرًا. من جانب بوتين، كانت هناك إشارات إيجابية نحو ترامب، حيث اعتُبر رئيسًا قادرًا على تحسين العلاقات مع روسيا. ومع ذلك، كانت هذه العلاقات مثارًا للجدل في الداخل الأمريكي، حيث اتهمت المعارضة ترامب بوجود علاقات غير مناسبة مع الكرملين، خاصة في إطار التحقيقات بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية 2016.
على الرغم من التعاون في بعض القضايا مثل مكافحة الإرهاب والتوترات في سوريا، كانت هناك خلافات ملحوظة بين الطرفين. ترامب كان يسعى لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، بينما فرضت إدارته عقوبات إضافية عليها بسبب قضايا مثل أوكرانيا، التدخل في الانتخابات، ونشاطات روسيا العسكرية في سوريا. ورغم التقارب الشخصي بين بوتين وترامب، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت توترات كبيرة، خصوصًا بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض.
العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة تاريخية ومعقدة، حيث تتراوح بين التنافس الشديد والتعاون الانتقائي. منذ الحرب الباردة، كانت العلاقات بين البلدين تتسم بالعداء، مع التنافس على النفوذ السياسي والعسكري في العالم. ومع ذلك، شهدت فترات من التعاون في مجالات مثل الحد من التسلح النووي وحل بعض الأزمات الإقليمية. في العقدين الأخيرين، شهدت العلاقات تقلبات حادة، خصوصًا بعد ضم روسيا للقرم في 2014، مما أدى إلى فرض عقوبات غربية عليها. بينما كانت هناك محاولات لتحسين العلاقات خلال فترة ترامب، فإن التوترات المتعلقة بالأمن السيبراني، والصراع في أوكرانيا، والسياسات في الشرق الأوسط ظلت تشكل تحديات كبيرة.