حيرة مصرية في التجاوب مع الإدارة السورية ورفضها
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
كانت الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية السوري في حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني إلى القاهرة مؤخراً دالة في توقيتها ومضمونها، فقد كتب الرجل على حسابه الرسمي على منصة إكس "إن بلاده تتطلع إلى بناء علاقات إستراتيجية قوية مع مصر"، مشدداً على "أهمية احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شؤونهما الداخلية"، في وقت بدت فيه القاهرة متمهلة كثيراً في الانفتاح على السلطة الجديدة، التي تحاط بعدد كبير من رموز جماعة الإخوان.
لم ترد القاهرة على تغريدة الشيباني (حتى منتصف الأحد)، ونفت ما راج من شائعات حول قيام وزير الخارجية بدر عبد العاطي بزيارة دمشق، ما ينطوي على إشارة غير إيجابية، ورغبة في المزيد من التمهل لتحويل حسن النوايا الظاهر من قبل وزير الخارجية في الحكومة السورية إلى خطوات تحمل تطمينات ملموسة، وربما يكون خروج عبدالرحمن (ابن يوسف القرضاوي) من الأراضي السورية بعد فيديو بثه من باحة المسجد الأموي بدمشق، علامة ترضية للقاهرة ورفض لما حواه من تطاول.
لا تزال مصر، التي شددت على أهمية وحدة واستقرار وأمن سوريا ومشاركة كل الأطياف في السلطة، قلقة من الطريقة التي تدار بها الأمور في دمشق، إذ يمكن أن تفتح طوفاناً من العنف داخل سوريا ودول أخرى، ولم تصل إلى المرحلة التي تؤكد لها أن الأوضاع مستقرة، فالعلاقات المتشابكة بين السلطة وتركيا تثير المزيد من الهواجس، والطريقة التي تتعامل بها أنقرة مع نظام الحكم في دمشق توحي بالوصاية عليه، وقد تتخذه مطية لطموحات تريد أن تحققها في المنطقة، والعودة إلى الاستثمار علنا في الإسلام السياسي الذي خاضت مصر معارك ضارية لتقويض أذرعه المختلفة.
لا توجد الدولة المقدسة في العالم التي تضع رزمة ثوابت لا تحيد عنها، لكن توجد الدولة المرنة التي تسعى للحفاظ على مصالحها وتستطيع عقد اتفاق مع الدولة الشيطان إذا التزمت بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وابتعدت عن الإضرار بالأمن القومي، بكلام آخر لا توجد إشكالية في تعامل مصر مع أيّ دولة أو جهة، شريطة التقيد بمعايير الحفاظ على الأمن والمصالح المتبادلة.
ولنا في العلاقة مع حركة حماس أسوة، فرغم الموقف المصري الصارم من جماعة الإخوان، إلا أن القاهرة قبلت التعامل مع الحركة الفلسطينية ذات الجذور الإخوانية، وتوصلت معها إلى تفاهمات أمنية وسياسية عندما كانت تسيطر على قطاع غزة المجاور للحدود، وأوقفت حماس كل تدخلاتها السابقة في سيناء، من تهريب للمتطرفين إلى تزويدهم بالأسلحة، وأدى التزامها إلى تصاعد وتيرة الاتصالات بين الجانبين.
المقصود هنا أن ضوابط الأمن ومعايير السياسة والحفاظ على المصالح تلعب دوراً رئيسياً في تحديد توجهات الدولة، وفي حالة مصر لا توجد ممانعات قاطعة لعدم التعامل مع تيار الإسلام السياسي، ومهما كانت قوة الرفض السياسي له، توجد مصالح من الضروري عدم تعريضها للخطر، وتظهر مرونة وترفع حجبا وتكسر مسلمات سياسية عندما يقتضي الأمن القومي ذلك، وهو ما ينسحب على حالة السلطة الجديدة في سوريا، التي تحيط بها شكوك من قبل مصر، وما لم يتم تبديدها سريعاً ربما يستمر التنافر وقتاً، بشكل يضر بمصالح القاهرة ودمشق أيضاً.
تعلم مصر أن ابتعادها عن سوريا في هذه اللحظة الحرجة يمنح تركيا مزايا مضاعفة للسيطرة على مفاصل السلطة في دمشق، وعزوف القاهرة يشير إلى خطأ إستراتيجي، فمهما كانت التحفظات على الإدارة الجديدة هناك دول عديدة يمكن أن تشغل الفراغ الذي تتركه مصر وغيرها من الدول العربية، وتعي سوريا في عهد أحمد الشرع أهمية أن تكون منفتحة على الساحة العربية الواسعة، وأن علاقاتها مع دولها يجب أن تكون جيدة وهادئة ومستقرة ولا تعتريها مخاوف من شيوع التطرف والعنف والتصورات والتصرفات العقائدية ذات المرجعية الإسلامية.
يمثل التوازن في العلاقات مصلحة كبيرة لمصر وسوريا، لكن الوصول إلى هذه الحلقة يحتاج إلى جهد عملي من السلطة في البلدين، وعدم الاكتفاء بكلمات رمزية تحوي مضموناً سياسياً مؤقتاً، وكل ما تريده القاهرة رسائل تتجاوز حسن النوايا التقليدية، لأنها جزء من سياستها الخارجية، فكل الدول التي أعادت العلاقات معها احتاجت إلى وقت طويل ومرت باختبارات في محكات كي تصل إلى قناعة بالتطبيع الدبلوماسي معها، وهناك دول حدث معها تطبيع (مثل تركيا وقطر)، لكنه لا يزال يواجه مطبات حتى تصل مصر إلى المستوى الذي تصفو فيه تماماً.
ولذلك فوجود تبادل للسفراء لا يعني أن الأجواء صافية، بل يؤكد أن المصالح الحيوية لها أحكامها وطقوسها، وهو ما يمكن أن يحدث في حالة سوريا الجديدة إذا طبقت المحددات الرئيسية التي حوتها تغريدة أسعد الشيباني مؤخراً، ووصلت مصر إلى مرحلة تجعلها تقترب من الثقة في نوايا السلطة الجديدة، وهي مسألة قد تكون صعبة، غير أنها ليست مستحيلة إذا وصل الطرفان إلى قناعة تعزز الأهمية الفائقة للعلاقات المشتركة بينهما بلا التفات لمرارات قديمة، فالدول تدار بالمصالح وليس العواطف.
مهما كانت الحيرة التي تنتاب الإدارة المصرية حيال التجاوب مع السلطة الجديدة في دمشق أو رفضها، ففي الحالتين لن يصب الخصام في مصلحة أحدهما، في وقت تحاول قوى إقليمية ودولية أن تكون لها أفضلية في المنطقة من خلال توثيق العلاقات مع سوريا، التي يمكن أن تتحول إلى مفتاح للأمن والاستقرار أو العنف والفوضى، ومن مصلحة مصر أن تكون عنصراً فاعلاً في سوريا، لأن إحجامها بحجة عدم اطمئنانها إلى مناورات هيئة تحرير الشام لن يمنع دخول قوى أخرى.
وبالتالي تكرر القاهرة أخطاء عزوفها عن الانخراط مباشرة في أزمات إقليمية كان يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في تحديد مصيرها بما يخدم مصالحها، وتركت قوى أخرى تعبث فيها، وتحولت الأزمات إلى حالات مستعصية في ليبيا واليمن والسودان، وقبلها العراق، ما يفرض التعامل مع سوريا بشكل خلّاق قبل فوات الأوان.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد مصر السلطة الجدیدة فی دمشق یمکن أن أن تکون
إقرأ أيضاً:
سوريا.. تطاير ملايين الليرات على طريق حمص – دمشق
بغداد اليوم- متابعة
شهد أوتستراد حمص دمشق بالقرب من منطقة الدوير مخيم الوافدين حادثا مروريا لسيارة تابعة للبنك المركزي السوري أدى إلى تطاير ملايين الليرات السورية على الطريق.
ووفقا للمعلومات الأولية التي نقلتها وسائل إعلام سورية، فقد السائق السيطرة على السيارة بعد انفجار أحد الإطارات، مما تسبب في الحادث.
وتجمع الأهالي القريبون من مكان الحادث للمساعدة في تأمين الأموال المتطايرة، والتي تبين أنها رواتب موظفين.
كما حضرت دورية من الأمن الداخلي للمساعدة في جمع الأموال وتأمين المكان، وأشارت المعلومات إلى أن السائق بخير.
المصدر: وكالات