عربي21:
2025-01-04@18:08:54 GMT

أزمة السودان وخطاب الإقصاء

تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT

في الذكرى التاسعة والستين لاستقلاله، لا يحتاج واقع الحال في السودان إلى كثير من التوصيف في ظل المعاناة الهائلة التي سببتها الحرب، والانقسام الحاد بين النخب السياسية، ولغة الإقصاء التي تعمق الأزمة وتعقد الحلول، لنبقى ندور في حلقة مفرغة بحثاً عن استقرار مفقود، ونهضة معطلة في بلد الفرص الضائعة بسبب صراعات النخب التي تأبى أن تنتهي.



منذ فجر الاستقلال في مطلع يناير (كانون الثاني) من عام 1956، شكلت النخب السياسية والعسكرية والمدنية والاقتصادية، حجر الزاوية في تشكيل مساره، وكانت خلافاتها وصراعاتها وإخفاقاتها، العقبة الكؤود أمام استقراره وتقدمه، وسبباً رئيسياً في استمرار أزماته ومعاناته، وتبديد ثرواته وإضاعة فرص تحقيق تنمية مستدامة رغم كل الإمكانات والموارد الهائلة المتوفرة للبلد.

قد يبحث الناس عن أعذار وأسباب أخرى مثل هشاشة الدولة، والانقسامات الموروثة منذ الاستقلال في بلد متعدد الهويات والثقافات، إضافة إلى التدخلات الخارجية، والنزاعات المسلحة، والفقر، وضعف البنية التحتية، وضعف الاستثمارات، وعدم الاستقرار في ظل متلازمة التناوب بين دورات حكم عسكري طويلة، وفترات حكم مدني ديمقراطي قصيرة.

كل هذه عوامل لعبت دوراً بلا شك، لكن فشل النخب يبقى عاملاً أساسياً في تعثر السودان. وأي محاولة أمنية لتحليل هذا الفشل وأسبابه، ستجد نمطاً متكرراً من الخلافات والصراعات المزمنة على حساب بناء الدولة، وعلى حساب تغليب الرؤية الوطنية المشتركة لبناء مؤسسات قوية، ولإدارة التنوع بما يجعله عامل قوة لا سبباً من أسباب الضعف والحروب المزمنة.

وسط كل ذلك يبرز الإقصاء بوصفه من أبرز السمات والأمراض التي طبعت أداء النخب السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، ولعبت دوراً رئيسياً في تعميق أزماته ومشاكله. لم يقتصر الإقصاء على محاولات إبعاد الخصوم عن المشاركة السياسية، بل امتد إلى نواحٍ أخرى.

اجتماعياً؛ ظهر الإقصاء في التمييز على أسس قبلية وعرقية وجهوية ودينية، وفي سياسات التهميش للأطراف التي خلقت فجوة بين المركز والمناطق الأخرى ما أسهم في تأجيج الغضب المكبوت، واستغلته بعض الأطراف كورقة سياسية أو لإشعال الحروب، والمطالبة بالانفصال مثلما حدث في حالة الجنوب. اقتصادياً؛ عانى البلد من غياب التنمية المتوازنة، ما أدى إلى تركيز الاستثمارات والخدمات في دائرة ضيقة محورها العاصمة والمناطق القريبة منها، بينما أُهملت التنمية في الأقاليم، وبقيت المجتمعات الريفية تشكو من التهميش وتشعر بأنها لم تستفد من عائدات الموارد الطبيعية والثروات، وكثير منها متركز في مناطقها.

مع غياب رؤية وطنية جامعة، وفشل النخب في التوافق على مشروع جامع يعكس تنوع البلد، ويقود إلى تطوير رؤية توافقية حول كيفية الحكم وآلياته، بقيت الصراعات هي السمة السائدة، واستخدم الإقصاء أداة إما للوصول إلى السلطة، أو لإحكام القبضة عليها، بعزل وإضعاف المكونات الأخرى.

وظهر التأثير السلبي لذلك عندما أدت الصراعات السياسية إلى تسليم الحكم إلى العسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود في أول انقلاب يشهده البلد بعد عامين فقط من استقلاله لم يعرف خلالهما طعم الهدوء من المشاحنات السياسية.

استمرت هذه الدوامة ولم تفرز فترات حكم مدني قصيرة تعقبها فترات حكم عسكري طويلة فحسب، بل إنها أحبطت حتى الفترات الانتقالية التي أعقبت ثلاث ثورات شعبية حملت آمالاً عريضة أجهضتها صراعات النخب، ومناورات الإقصاء. وحتى لا نغوص عميقاً في التاريخ يمكننا النظر إلى مآلات الأمور منذ ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وكيف أجهضت صراعات النخب وخطاب الإقصاء آمال الثورة وقوضت الفترة الانتقالية، واشتركت في تأجيج الأجواء بالشكل الذي أدى إلى الحرب، ويسهم الآن في تأجيجها.

وبينما يدفع المواطن المغلوب على أمره أبهظ الأثمان، تستمر الخلافات وتعاني الساحة السودانية من استقطاب حاد، ومن خطاب إقصائي ينذر باستمرار الأزمات حتى عندما تنتهي الحرب. فالحديث المتكرر الذي نسمعه عن حوار وطني شامل للخروج بالسودان من أزمته الراهنة، ومشاكله المعقدة، يبقى في الواقع أسير الخطاب الإقصائي. فليس خافياً على أحد أنه في لب هذا الصراع هناك من يرى أنه لا بد من إقصاء الإسلاميين (أو الكيزان) وتحجيم الجيش، بينما يرد الإسلاميون برؤية ترى في الحرب الفرصة للعودة إلى المشهد والتصدي لمحاولة إقصائهم عنه.

ما يحتاجه السودانيون الذين يتوقون لانتهاء الحرب وعودة الأمن والاستقرار هو وفاق شامل وحوار لا يستثني أحداً، بدلاً من المعادلات الإقصائية الصفرية التي قادت إلى مهلكة الحرب وتسهم في إطالة أمدها.

من دون هذا التوافق لن يتحقق للسودان الاستقرار المطلوب حتى لو توقفت الحرب؛ لأن جبلاً من التحديات سينتظره لإعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي حدث. المصلحة الوطنية في هذا المفترق الحرج تقتضي تغليب لغة الوفاق، أما الإقصاء السياسي فينبغي أن يكون أمره للشعب عبر صناديق الانتخاب، إذا عرفنا كيف نصل إليها.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان الحرب الجيش السودان الجيش الحرب الدعم السريع سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

تشاد ورد الجميل

في العام ١٩٧٠م أنشاء السودان مدرسة الصداقة في عاصمة تشاد انجمينا .
كان المفهوم العام عن المدرسة لدي الشعب التشادي ان الأسرة التي تريد لإبنتها ان تحظي بزواج سريع ومتميز ان تلحقها بالمدرسة السودانية إذ انها ستتخرج بتعليم مميز تجيد به القراءة والكتابة والعلوم الإسلامية والأسرية من تربية الأبناء والقيام بتبعات المنزل من نظام ونظافة وطبخ وحياكة وغيرها .

إلتزمت الحكومات السودانية بتبعات وكل تكاليف المدرسة وإبتعثت لها افضل المعلمين .
بل داوم السودان علي إبتعاث المعلمين لكل المدارس والجامعات التي أنشاتها دول عربية في تشاد .

اليوم وبعد خمسة وخمسين عاما من إسهام السودان في التعليم قامت الحكومة التشادية برد الجميل بان منعت الطلاب السودانيين من اداء الإمتحانات في أراضيها .
أضافت تشاد بهذا القرار فعلا إضافيا في النكران بعد ان داومت من قبل وإلي اليوم علي تمرير السلاح والعتاد للتمرد عبر اراضيها .

علينا ان نتعلم من الحرب ان العطاء بلا مقابل عمل لا يصلح في كل العلاقات الدولية .
الدول التي نفوقها تعدادا وقوة إقتصاد لا ينفع معها إلا الإحسان المحروس بالقوة قوة التدخل في مفاصلها والتحكم في قدراتها بإختراق أجهزتها لضمان مصالحنا .

تشاد دولة ضعيفة في إقتصادها الذي يقوم بمقدار ليس بالقليل علي الإنتفاع من السلع السودانية والتجارة معنا .
الكثير من الكوادر التشادية تعلمت وتدربت في السودان خاصة العسكرية منها فقد تخرج عدد من قادة الجيش التشادي من الكلية الحربية السودانية .

يحتاج الرئيس التشادي محمد كاكا من يذكره بان اخ له ولد في الفتيحاب بامدرمان وبينما كانت الوالدة تضع مولودها كانت الحكومة السودانية هي التي مكنت والده إدريس دبي من الخروج إلي بلاده لإستلام الحكم فيها .
السودان دولة قوية ومؤثرة في القارة ومع حسن النوايا والعلاقات لا بد لنا من انياب نحمي بها مصالحنا في عمق الدول المتداخلة معنا .
القوة والسطوة هي اللغة التي يفهمها العالم اليوم وهذه لا تنقصنا .

كل من شارك في هذه الحرب بالعدوان علينا عليه ان يدفع الثمن كاملا غير منقوص .
التحية لوزارة التربية والتعليم والولايات والمؤسسات التي إستطاعت ترتيب الإمتحانات رغم الحرب والتربص من التمرد وبعض الجيران .
*تشاد ورد الجميل*

راشد عبد الرحيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان… عام آخر من الحرب!
  • يوم عمل عادي في السودان
  • أجندة!!
  • أزمة السودان ضمن إتصال هاتفي بين الرئيس المصري والأوغندي
  • تحركات أممية عاجلة لجمع أكثر من 4 مليار دولار لمقابلة أزمة كبيرة في السودان
  • تصاعد أزمة لاجئي السودان
  • ما هي الرؤى بعد الحرب ؟
  • المدنيون وقدرتهم في إيجاد حل لحرب السودان الضروس
  • تشاد ورد الجميل