تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

السؤال الحاسم الذي يواجه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب يتمثل فيما إذا كانت الإدارة القادمة لترامب قادرة على فهم النوايا والدوافع الحقيقية لرئيس هئية تحرير الشام في سوريا، أحمد الشرع، خاصة إن تركيبة الحكم الجديد تتكون من جماعات وتنظيمات إرهابية مصنفة على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويظهر في هذا السياق اتجاهان الأول يتمثل في أن النظام الجديد يريد بناء وحكم دولة مستقرة تعيش في سلام مع جيرانها وتحظى باعتراف المجتمع الدولي. ورغم أن هذا قد يبدو تناقضًا محكومًا عليه بالفشل والعنف، إلا أن هناك اتجاه آخر يرى أن هناك أسبابًا للاعتقاد بأن النتيجة الإيجابية قد تكون قابلة للتحقيق بعد تخلي رأس النظام الجديد عن أفكاره الجهادية السابقة.

اتجاهات متناقضة

منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد والوضع في سوريا مستقر بشكل كبير. وهذا على الرغم من استيلاء المعارضة المسلحة وبعض التنظيمات المصنفة كإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية على الحكم بقيادة أحمد الشرع الذي كان مرتبطًا في السابق بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن هناك مجموعة من التطورات الأخرى التي حدثت في سوريا ففي الجنوب تحتل القوات الإسرائيلية منطقة الجولان العازلة ونفذت مئات الغارات الجوية التي استهدفت الأصول والمنشآت العسكرية الحكومية السابقة. 

وفي الشمال والشمال الشرقي، يظهر في الأفق احتمالات لحدوث تدخل عسكري تركي في مناطق سيطرة وتواجد الأكراد.

ولقد سعى المراقبون من الخارج إلى تفسير الهدوء في دمشق من خلال ملاحظة مدى إرهاق السوريين بعد ما يقرب من أربعة عشر عامًا من الحرب الأهلية، والإشارة إلى الدروس المستفادة من الصراعات الأهلية الأخرى في بلدان عربية أخرى. ولكن الأهم من ذلك أن الموقف يسيطر عليه نسبيًا بسبب رغبة أحمد الشرع في التوضيح للدول أنه وأتباعه قادرون على الحكم في سلام وبالتالي يستحقون الاعتراف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

من ناحية أخرى، ظهرت مجموعة من الاتجاهات التي تهدف إلى التنبؤ بمستقبل النظام الجديد من خلال النظر والمقارنة بين الأدوات والكيفية المستخدمة في توضيح تعامل أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام مع الحكم في محافظة إدلب خلال الحرب الأهلية. ويبحث المحللون عن علامات تشير إلى كيفية تعاملهم مع مهمتهم الجديدة على المستوى الوطني، وقد أظهرت بعض المؤشرات والنتائج أن هناك مجموعة من التناقضات والرسائل المختلطة، فخلال العام الماضي حاولت هيئة تحرير الشام تمرير قانون للآداب العامة كان من شأنه أن يحظر الكحول وينشر قوة من شرطة الآداب في دوريات يومية. إلا أنها تراجعت عن هذه المقترحات عندما تسببت في احتكاكات بين علماء الدين والفصائل المسلحة الأخرى والجمهور ومنظمات الإغاثة الدولية. وهذا دفع الشرع إلى القول إن الحكومة لا ينبغي لها أن تفرض الإسلام بل ينبغي لها أن تشجع الناس على البحث عن الدين من تلقاء أنفسهم.

وضمن السياق ذاته، حظيت هيئة تحرير الشام بالثناء لمساعدتها في جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على تشغيل الكهرباء والخدمات الطبية، في حين تعرضت في الوقت نفسه لانتقادات بسبب حكمها كحاكم مستبد في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في إدلب ومناطق سيطرتها. ونتيجة لذلك، يظل الخبراء في تردد بشأن أي نسخة من هيئة تحرير الشام هي التي تحكم حاليًا وتسيطر على خامس أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، حيث يعيش أكثر من ٢٠ مليون مواطن في وضع محفوف بالمخاطر بين إسرائيل ولبنان وتركيا وإيران وروسيا ودول أخرى.

إن هذه المحاولات لقراءة وتفسير هذه التحركات خلال السنوات القليلة الماضية قد تتناقض مع التطورات المحيطة بالأوضاع السورية الحالية والتي يحاول فيها أحمد الشرع تشكيل المرحلة الانتقالية؛ حيث يركز على كسب اعتراف الشعب السوري والمجتمع الدولي بحركته، وفي سبيل القيام بذلك، يضع الشرع نفسه في موقف سيجعل من الصعب عليه التراجع والعودة إلى الأفكار القديمة للهيئة بعدما تخلى عن طموحاته المتعلقة بالجهاد العابر للحدود الوطنية، وشجع على المشاركة مع الغرب والتوصل إلى حل دبلوماسي في نهاية المطاف مع إسرائيل، وأعلن الحاجة إلى حماية جميع الأقليات الدينية. كما وعد بتسريح جميع الميليشيات وإلغاء التجنيد لصالح جيش تطوعي بحيث تكون جميع الأسلحة في أيدي الدولة، بل واقترح أنه يتجه إلى حل هيئة تحرير الشام لصالح إعادة تشكيل مؤسسات الدولة التي تعكس تنوع المجتمع والثقافات، كما أعلن أنه سيواصل العمل على تصحيح الأوضاع داخل الجماعة ومع المكونات السورية على الرغم من التعليقات المتفرقة التي تخرج عن السياق والتي تأتي من بعض أعضاء مجموعته حول قضايا رئيسية، مثل أدوار المرأة وتطبيق الشريعة الإسلامية. 

وتعتبر هذه الإشارات مختلفة بالنسبة لأحمد الشرع الذي أصبح فعليًا أحد الجهاديين الأكثر نجاحًا في حقبة ما بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠٢، وأن هيئة تحرير الشام على وشك تحقيق شيء لم يكن من الممكن لأي جماعة جهادية أخرى أن تحققه والمتمثل في السيطرة على دولة ذات سيادة قادرة على الحصول على اعتراف دولي خاصة أن هذه الميزة لا يمكن لطالبان ولا حتى داعش أن تحقق مثل هذا الشيء، وما يدعم هذا التصور هو عدم اعتراض الشعب السوري وخاصة التيارات الليبرالية على دمج التيارات الإسلامية المعتدلة.

ويمكن القول إن وجود أحمد الشرع في الواجهة يضعه في مسار إيجاد توازن دقيق مع السوريين من جميع الأطراف باعتبار أن حكومته الانتقالية سوف تواجه حتمًا انتقادات واحتجاجات من مختلف المناطق السورية خاصة أن المواطنون السوريون العاديون يريدون تمثيل مصالحهم. وقد شهدت دمشق أول احتجاج كبير لها بسبب تعليقات المتحدث باسم هيئة تحرير الشام حول أدوار المرأة في المجتمع. وقد لا تكون هناك قدرة لدى أحمد الشرع للحفاظ على التوازن في الوقت الحالي. وقد يكون لدى النظام الجديد دوافع مختلفة. وأحد هذه الدوافع هو الرواية التي تقول إن جهودهم في إدلب لإنشاء حكومة فعّالة ومجتمع مستقر ضمن إطار إسلامي واسع النطاق كانت بمثابة نموذج للسوريين في باقي المناطق الذين يبحثون عن بديل لنظام لأسد، وأنهم على استعداد لتقاسم السلطة مع الفصائل المحلية وباقي المكونات الأخرى.

الرؤية الأمريكية

من المفهوم أن المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية أكثر حذرًا بشأن الادعاء بأن الشرع وهيئة تحرير الشام تخليا عن أفكارهم الإرهابية، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الشرع مسئول عن حدوث خسائر في الأهداف الأمريكية وقوات التحالف في العراق بالإضافة إلى تعاونه مع أبو مصعب الزرقاوي وأن هيئة تحرير الشام تشبه حركة حماس، وهو مثال لا يمكن إنكاره على مخاطر الثقة في الأعداء عندما يدلون بتصريحات جريئة ولا أساس لها في نهاية المطاف حول التغيير الجذري في التوجهات وأن هذا التحول في الأيديولوجية الإسلامية نادرة الحدوث في المنطقة. 

وبرغم هذه العوامل المعرقلة، يحتاج الشرع إلى دعم اقتصادي وفني كبير من المجتمع الدولي لإعادة بناء البنية الأساسية والاقتصاد ومؤسسات الدولة السورية، وسيعتمد مستوى هذا الدعم على استعداد إدارة ترامب للتعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق، وهذا يعني أن الشرع يجب أن يطمئن واشنطن بشأن نواياه، وخاصة طبيعة أفكاره تجاه إسرائيل خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يسعى إلى الحد من التهديد طويل الأجل من الجيش السوري الموجه ضد إسرائيل، مع عدم وجود نية لتصعيد الأمر إلى صراع أوسع نطاقًا مع الحكومة الانتقالية. بل إنه قال إنه يدعم استكشاف العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. وإذا كان الشرع يريد وضع العلاقات مع إسرائيل على أساس جديد، فسوف يضطر إلى إيجاد طريقة للتواصل مع الإسرائيليين دون تنفير الجمهور السوري خلال هذه النافذة المحدودة من حسن النية التي تتمتع بها الحكومة الانتقالية حاليًا.

في الختام: إن التحدي الذي يواجه إدارة ترامب القادمة هو فك رموز نوايا أحمد الشرع ودوافعه، وما إذا كان قادرًا على تقديم بديلًا مقبولًا لقادة الجهاديين الأكثر تشددًا في المنطقة، لكن هذا لا يعني أن أتباعه لن يسعوا إلى طرق أخرى لإضفاء طابع إسلامي خفي على المجتمع وتصدير أيديولوجيتهم الإسلامية إلى المنطقة، وأن الرئيس ترامب سيتجه إلى تبنى نهجًا أكثر واقعية من خلال تحميل الحكومة الجديدة المسئولية عن تعهداتها في مقابل أي دعم أو اعتراف محتمل مع الاعتراف بأن الشعب السوري هو في نهاية المطاف أفضل وسيلة أمان ضد التطرف.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الإدارة الأمريكية الجديدة دونالد ترامب ترامب بشار الأسد الرئيس السوري السابق الولایات المتحدة الأمریکیة هیئة تحریر الشام المجتمع الدولی النظام الجدید أحمد الشرع أن هناک

إقرأ أيضاً:

انهيار النظام السوري: وثائق استخباراتية تكشف ضعف الجيش وتداعيات الهجوم المفاجئ

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا يسلط الضوء على الانهيار السريع للنظام السوري في نهاية 2024 من خلال وثائق سرية كانت في مقر الفرع 215 للاستخبارات العسكرية في دمشق.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تقريرًا من خمس صفحات وصل إلى مكتب ضباط المخابرات العسكرية في دمشق بعد أيام من دحر الثوار للجيش السوري من مدينة رئيسية في الشمال، وكان التقرير يحمل تفاصيل مقلقة. فقد أُجبرت قوات النخبة التي أُرسلت لتعزيز دفاعات حلب على الانسحاب "بطريقة جنونية وفوضوية" حيث وفرّ الجنود "بطريقة هستيرية" تاركين وراءهم الأسلحة والآليات العسكرية، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية في المدينة بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر.

بحلول ذلك الوقت، كان مقاتلو هيئة تحرير الشام قد وضعوا المدينة الثانية نصب أعينهم، ومع تقدمهم توالت التقارير التي وصلت إلى المقر الخرساني المكون من ثمانية طوابق للفرع 215 - وهو جزء مرهوب من جهاز الأمن الواسع للديكتاتور السوري بشار الأسد - وتضمنت التقارير تفاصيل عن سرعة واتجاه تقدم الثوار، وخطط وأوامر محمومة تهدف إلى إبطاء تقدمهم.



ذكرت الصحيفة أنه بينما كانت هيئة تحرير الشام تتقدم بسرعة في جميع أنحاء سوريا، قللت الحكومة في تصريحاتها العلنية من حجم تقدم الثوار وسعت إلى بث جو من الثقة لكن الاتصالات الداخلية بين القوات التي تحاول حماية النظام اتسمت بالقلق المتصاعد. وفي نهاية المطاف، تخلى ضباط الفرع 215 عن مواقعهم أيضًا تاركين وراءهم كومة من الأزياء الرسمية والأسلحة والذخائر إلى جانب زجاجات الويسكي الفارغة والسجائر المطفأة ورزم من تقارير المخابرات.

وأشارت الصحيفة إلى أن النجاح المفاجئ لهجوم هيئة تحرير الشام والانهيار المذهل لجيش النظام مثّلا فشلًا استخباراتيًا ذريعًا داخل سوريا وخارجها، حيث ساد اعتقاد بأن الأسد قد انتصر بعد 13 سنة من الحرب الأهلية. لكن هذا كله تغير في تشرين الثاني/نوفمبر عندما لاحظ قادة هيئة تحرير الشام أن إيران وحزب الله وآخرين ممن يساعدون في الدفاع عن الأسد يواجهون انتكاسات كبيرة، وأن روسيا منشغلة بحربها في أوكرانيا، شنت هيئة تحرير الشام هجومًا مفاجئًا وتقدمت بسرعة نحو حلب. ومع اقتراب المتمردين من المدينة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، صدر تعميم من مقر القيادة إلى جميع فروع جهاز المخابرات هناك برفع الجاهزية القتالية، وتعليق الإجازات حتى إشعار آخر، وبعد يومين كان الثوار داخل المدينة.

أوضحت الصحيفة أن التعميم الذي يوثّق انهيار الجيش يبدأ بالإشارة إلى وصول طائرة نقل عسكرية من دمشق وعلى متنها 250 عنصرًا من المخابرات العسكرية، بمن فيهم عناصر من الفرع 215، مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة في محاولة أخيرة للسيطرة على المدينة. وفي غضون ساعات من انتشارهم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر تعرّضوا لهجوم من طائرات مسيّرة.

قال العميد نيكولاس موسى، ضابط المخابرات الذي كتب التقرير، إن الجهود المتكرّرة لحشد وحدات الجيش باءت بالفشل مع فرار الجنود وتركهم للأسلحة والمركبات العسكرية وأضاف أن نقص الدعم الجوي والغطاء المدفعي زاد من حالة الذعر. وفي لغة صريحة غير معتادة، لفت التقرير الانتباه إلى فساد جيش الأسد. ورد في التقرير أن فشل القيادة العسكرية أدى إلى "تراخٍ" في الصفوف وخروقات أمنية، وقال التقرير إنه تم تسريب معلومات حرجة حول مواقع القوات أثناء الهجوم، وأن "الضباط والأفراد انصرفوا إلى الاهتمامات والملذات المادية"، ولجأ أفراد الجيش إلى "أساليب غير قانونية" لإصلاح المعدات وتأمين معيشتهم، متذرعين بنقص الموارد والوضع الاقتصادي المتردي. 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التشخيص يؤكد ما لاحظه المحللون لسنوات، فمع الدمار الذي لحق بالاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات، سرّح الأسد بعض الجنود، وخفض مخصصات المجندين، وأصبح يعتمد بشكل كبير على الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين حشدتهم إيران، وكان التضخم قد أدى إلى تآكل قيمة رواتب الجنود النظاميين، واستشرى الفساد.

وقد أوضح سقوط حلب أن هجوم الثوار شكّل تحديًا خطيرًا لقبضة الأسد على السلطة. وحذّر تقرير في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من وجود اتصالات وتنسيق بين الجماعات في شمال سوريا والخلايا النائمة في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق، ودعا إلى تشديد المراقبة والإجراءات الأمنية. وصدرت الأوامر للفرع 215 بنشر وحدات الرد السريع المسلحة على أبواب العاصمة.

وبعد الاستيلاء على حلب، شن الثوار هجومًا على مدينة حماة مهددين بذلك المدينة التالية في سلسلة المدن التي كانت في قلب استراتيجية الأسد للتمسك بالسلطة حتى مع تنازله عن السيطرة على أجزاء أخرى من البلاد. ومع تقدم الثوار، اقترح أحد التقارير الاستخباراتية أن يشن الجيش السوري هجومًا مباغتًا على الجبهة الخلفية لهيئة تحرير الشام مستهدفًا قاعدتهم القريبة في إدلب ومستفيدًا من دفاعاتها المتفرقة. وذكر التقرير أن هذه العملية يمكن أن تثير الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة، ولكن يبدو أنه لم يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء.

حذّرت التقارير من تنكر الثوار في زي قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري، وحذرت تقارير أخرى من أن الثوار يفخخون سيارات الإسعاف بالمتفجرات، وحذر أحدها في 4 كانون الأول/ديسمبر من أن كتائب النخبة الحمراء التابعة لهيئة تحرير الشام ستتسلل إلى حماة في تلك الليلة. استولى الثوار على المدينة في اليوم التالي، وكان هذا الانتصار نقطة تحوّل، إذ لم يبق بين الثوار والعاصمة سوى مركز سكاني رئيسي واحد هو حمص. وفي هذه الأثناء، انضمت جماعات متمردة أخرى من جميع أنحاء البلاد إلى القتال؛ حيث اندفعت جماعات المعارضة من الجنوب شمالاً نحو دمشق.

مع ضغط الثوار، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، وانشغلت حتى بما بدا وكأنه تفاصيل صغيرة. وقد أفاد أحد فروع المخابرات بأن عدة أفراد انتقلوا مؤخراً من الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي دمشق، محذرًا من أنهم قد يكونون خلايا نائمة. ووفقًا لتقرير آخر، أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات إلى عملائها في ريف دمشق بالاستعداد لتفعيل نشاطهم.

وأضافت الصحيفة أن البعض داخل النظام حاول حشد القوات للدفاع عن العاصمة حيث صدر أمر في منتصف ليلة 5 كانون الأول/ديسمبر باسم الرئيس يأمر وحدة مدرعة بالعودة إلى دمشق من دير الزور في الشرق. ومع اقتراب الثوار، قدم المخبرون طوفانًا من المعلومات الاستخباراتية عن مكان وجودهم المفترض. حدد أحدهم مزرعة دجاج فيها 20 "إرهابيًا" ودبابتين، وقال مصدر آخر إن هيئة تحرير الشام تستخدم كهفاً في ريف إدلب كمقر لها.

وأشارت الصحيفة إلى تزايد الخوف من التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام. فقد حذّر فرع فلسطين التابع لأجهزة المخابرات، المعروف بين السوريين بتعذيبه للمعتقلين، من أن الإرهابيين قرب الحدود السورية مع إسرائيل يعتزمون شن هجوم "بدعم من العدو الصهيوني". وأبلغ مصدر في صفوف الثوار المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين بالقرب من الحدود الأردنية المخابرات السورية بأن الولايات المتحدة أصدرت تعليمات لهم بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية، وذلك وفقاً لتقرير أرسل في 5 كانون الأول/ديسمبر.

وكانت القوات التركية ترافق شاحنات محملة بالعتاد والأسلحة الثقيلة عبر الحدود إلى قاعدة المتمردين السوريين في إدلب، وفقاً لمصدر يحمل الاسم الرمزي "بي دي 2-01". وبينما كان الثوار يتقدمون من الشمال، كانت جماعات المعارضة المسلحة الأخرى تقترب من الجنوب. وجاء في تقرير أرسل إلى غرفة العمليات أن مجموعات صغيرة تستقل دراجات نارية سيطرت على نقاط تفتيش عسكرية، واستولت على عربة مشاة قتالية ومركبتين مزودتين برشاشات ثقيلة.

ونقلت الصحيفة عن ضابط مخابرات متمركز في درعا أنه كان هناك اضطراب متزايد مع تدفق التقارير حول المكاسب التي حققها الثوار، وأضاف أنه حتى قبل الهجوم كانت سيطرة النظام على الجنوب ضعيفة ولم تكن نقاط التفتيش العسكرية والمواقع الأمامية أكثر من مجرد بيان رمزي لوجود النظام ومصدر دخل للعناصر الذين يمكنهم الحصول على رشاوى لتكملة رواتبهم الضئيلة.



واستمر الجيش في الانهيار حيث قال ضابط الصف الأول أحمد الرواشدة، الذي كانت وحدته تدير محطة تشويش روسية الصنع على خط الجبهة بالقرب من حمص: "أراد الجميع الفرار، حتى الضباط"؛ فبعد ست سنوات من الخدمة الإلزامية، قال إنه لم يكن لديه اهتمام كبير بإطاعة الأوامر بالقتال. وانتظر الجندي البالغ من العمر 37 سنة غروب الشمس ثم تجرّد من زيه العسكري وبندقيته وانضم إلى مجموعة من الجنود الآخرين الذين ذهبوا للاختباء في قرية قريبة حتى انتهاء القتال.

وقبل أيام فقط من سقوط دمشق، كانت هناك أوامر بتحريك القوات والمعدات لمواصلة القتال، وكان من المقرر أن تنقل الفرقة الثالثة للدبابات 400 بندقية آلية و800 مخزن ذخيرة و24 ألف طلقة إلى كتيبة في منطقة طرطوس على الساحل حيث توجد قاعدة بحرية روسية رئيسية ومعقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. وكان من المقرر أن تغادر التعزيزات إلى قاعدة الفرقة 14 غرب دمشق في منتصف نهار يوم 7 كانون الأول/ديسمبر.

وفي عشية انهيار النظام، أشار تقرير تم حجب اسم مصدره إلى اقتراب الثوار المتوقع من دمشق، وتوقع وصولهم إلى الضواحي خلال يومين والسيطرة على سجن صيدنايا؛ حيث كان المعارضون السياسيون مسجونين ومعذبين. كان التوقيت خاطئًا، لكن التنبؤ الأخير كان صائبًا إذ فقد اقتحمت قوات الثوار السجن وحررت المعتقلين بعد ساعات من هروب الأسد من البلاد.

مقالات مشابهة

  • د.عمرو عبدالمنعم يكتب: مشاهدات حية.. «سوريا وطن القاعدة الجديد».. كتاب يكشف أسرار هيئة الجولانى وعلاقتها بالجماعات الجهادية
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع تلفزيون سوريا: معركة إسقاط نظام الأسد خلال 11 يوماً كانت نتيجة تخطيط دقيق استمر خمس سنوات في إدلب، وتوحيد الفصائل واستيعاب القوى المختلفة
  • هل يحكم أحمد الشرع سوريا كلها؟
  • نشأت الديهي: إحنا مع اختيارات الشعب السوري ولا نتدخل في شأن داخلي
  • افتتاح قسمي الإسعاف الجديد وغسيل الكلى في مشفى التل الوطني بريف ‏دمشق
  • بطائرة خاصة.. أحمد الشرع يصل السعودية في أول زيارة خارجية له
  • الرئيس السوري أحمد الشرع يصل الرياض في أول زيارة خارجية له
  • عاجل. الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يصل الرياض في أول زيارة رسمية السعودية
  • الشرع يهدي أمير قطر بشتا عربيا خلال زيارته إلى دمشق (شاهد)
  • انهيار النظام السوري: وثائق استخباراتية تكشف ضعف الجيش وتداعيات الهجوم المفاجئ