يمن مونيتور:
2025-03-06@10:06:21 GMT

توقف عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

توقف عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا

يمن مونيتور/ (رويترز)

توقفت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا بشكل نهائي صباح الأربعاء، بعد انتهاء مدة عقد مبرم بين كييف وموسكو نهاية العام 2019، ما يثير قلق بلدان عديدة في شرق أوروبا.

وقال وزير الطاقة الأوكراني غيرمان غالوشتشينكو في بيان “أوقفنا عبور الغاز الروسي، إنه حدث تاريخي. روسيا تخسر أسواقا، وستتكبد خسائر مالية”.

ولم يُقرر تسليم أي شحنات الأربعاء، بحسب بيانات نشرتها شركة “غتسو” GTSOU الأوكرانية الثلاثاء تماشيا مع انتهاء عقد مدته خمس سنوات وقعته شركة “نافتوغاز” Naftogaz الأوكرانية والمجموعة الروسية العملاقة “غازبروم” Gazprom.

وقال الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “عندما تولى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين السلطة في روسيا قبل 25 عاما، كان يُضخ أكثر من 130 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى أوروبا عبر أوكرانيا. اليوم، باتت هذه الكمية صفر. يعد ذلك من بين أكبر الهزائم التي منيت بها موسكو”.

وفي العام 2019، أشاد زيلينسكي لدى التوقيع باتفاق يضمن “أمن الطاقة” و”الازدهار للأوكرانيين”، لكن الظروف تغيّرت جذريا مع الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 الذي خلف مئات آلاف القتلى والجرحى من مدنيين وعسكريين.

وتشن روسيا هجمات متكررة على البنى التحتية للطاقة في أوكرانيا، ما يؤدي إلى إغراق ملايين السكان في الظلام في خضم الشتاء البارد وحرمانهم من استخدام وسائل التدفئة.

من جهتها، قالت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم في بيان “منذ الساعة الثامنة صباحا (05,00 ت غ) لم يتم تسليم الغاز الروسي للمرور عبر أوكرانيا”.

وأشارت غازبروم إلى أنه “بسبب الرفض المتكرر والصريح من الجانب الأوكراني لتمديد هذا الاتفاق، حُرمت شركة غازبروم من الإمكانية الفنية والقانونية لتسليم الغاز لمروره عبر أوكرانيا اعتبارا من الأول من يناير”.

وبلغت صادرات الغاز الروسي اليومية إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة نحو 40 مليون متر مكعب.

وفي العام 2023، ضخ 14,65 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب أوكرانية، بحسب أرقام رسمية.

وفي هذا السياق المتوتر، وصل سعر الغاز الأوروبي إلى العتبة الرمزية البالغة 50 يورو لكل ميغاوات ساعة الثلاثاء، للمرة الأولى منذ أكثر من عام.

“تأثير جذري”

تراجع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بشكل كبير منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إلا أن الدول الواقعة في الشرق ما زالت تتلقى إمدادات كبيرة من موسكو.

وأوضح وزير الطاقة الأوكراني أن “أوكرانيا أبلغت شركاءها الدوليين” بالإغلاق المخطط له منذ أشهر.

وفي الأسابيع الأخيرة، ندّدت سلوفاكيا والمجر اللتان تعتمدان بشكل كبير على الغاز الروسي، بتداعيات هذه الخطوة التي من شأنها قطع الغاز تماما عنهما في نهاية العام، مع عدم وجود حلول بديلة فورية ذات موثوقية.

وحذر رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو الأربعاء من العواقب الوخيمة التي ستترتب على وقف عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.

ونبّه في مقطع فيديو نشر على فيسبوك من أن “وقف إمدادات الغاز عبر أوكرانيا سيكون له تأثير جذري علينا جميعا في الاتحاد الأوروبي، وليس فقط على الاتحاد الروسي”.

وزار فيكو وهو من القادة الأوروبيين القلائل الذين حافظوا على علاقة ودية مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، موسكو في 22 ديسمبر لمحاولة إيجاد حل عاجل.

وأثارت هذه الرحلة غير المعلنة غضب فولوديمير زيلينسكي الذي اتهم فيكو بالرغبة في “مساعدة” بوتين.

وحذر الناطق باسم شركة الغاز السلوفاكية “اس بي بي” SPP أوندري سيبيستا في حديث لوكالة فرانس برس من أن “التنويع له ثمن وأي بديل للغاز الروسي سيكون أكثر تكلفة بكثير”.

من جهتها، تتسلم المجر معظم وارداتها من الغاز الروسي عبر خط أنابيب “تورك ستريم” في البحر الأسود، ولن تتأثر بوقف الإمدادات عبر أوكرانيا إلا بشكل هامشي، رغم قول رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إنه “لا يريد التخلي” عن هذا الطريق.

أما بولندا الحليفة المقربة من كييف، فرحبت على لسان وزير خارجيتها رادوسلاف سيكورسكي “بانتصار جديد” على موسكو.

حالة طوارئ في مولدافيا

ومع توقف مسار عبور الغاز عبر أوكرانيا، وبعد مرور أكثر من عامين على التخريب الذي طال خطوط أنابيب نورد ستريم في بحر البلطيق، لن يتم تزويد أوروبا الآن الغاز الروسي إلا عبر خط أنابيب “تورك ستريم” (TurkStream) وامتداده “بلقان ستريم” (Balkan Stream) تحت البحر الأسود.

كما تستورد أوروبا الغاز الطبيعي المسال من روسيا بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال.

وفي حين يؤكد الاتحاد الأوروبي أنه مستعد لتوقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا، تعاني مولدافيا من وضع حرج.

وأعلنت شركة غازبروم وقف امدادات الغاز إلى مولدافيا  حتى قبل إعلان كييف رسميا نهاية العقد المبرم مع موسكو وذلك بسبب خلاف بشأن ديون مع هذه الدولة، إحدى الجمهوريات السوفياتية السابقة والتي أعادت انتخاب رئيسة مؤيدة لأوروبا أخيرا.

وفي علامة على القلق المتزايد، أعلنت كيشيناو حالة الطوارئ بعد فشل المفاوضات مع الشركة الروسية.

ولفت المتحدث باسم الحكومة المولدافية دانييل فودا إلى أن منطقة ترانسدنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا تمر “بوضع صعب” بعدما أوقف المورد المحلي تيراسبول ترانس غاز “إمدادات الغاز الطبيعي والتدفئة”، داعيا روسيا إلى “وقف ابتزازها”.

ودعت شركة للطاقة في بيان السكان إلى “ارتداء ملابس تحمي من البرد” و”التجمع معا في غرفة واحدة” وعدم استخدام وسائل تدفئة منزلية الصنع لتفادي خطر نشوب حرائق.

وهذا الوضع لا يطال سائر أنحاء مولدافيا حاليا لا سيما بفضل المساعدة المقدمة من رومانيا المجاورة.

وتوقفت مولدافيا عن تسلم الغاز الروسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ولكنها تلبي جزءا كبيرا من احتياجاتها من الكهرباء معتمدة على محطة ترانسدنيستريا للطاقة الحرارية.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: أوروبا الغاز الروسي رياضة الغاز الروسی إلى أوروبا عبر إلى أوروبا عبر أوکرانیا إمدادات الغاز عبور الغاز

إقرأ أيضاً:

المنظومة إسكندر-1000.. كيف تتهيأ أوروبا للخطر الباليستي الروسي؟

في سياق الصدام الذي تخوضه الآن مع الغرب تسعى روسيا حاليًّا إلى تحديث ترسانتها من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى؛ مما قد ينذر باشتعال حرب تسلّح صاروخي جديدة في القارة العجوز. آخر هذه المحاولات كانت الإعلان عن تطوير نسخة جديدة من منظومة صواريخها الباليستية "إسكندر-إم"، وهي نسخة تحمل الاسم -غير الرسمي- "إسكندر-1000".

ويأتي تطوير صاروخ "إسكندر-1000" بعد تقارير عن إجراء تحسينات في منظومات صواريخ "إسكندر" و"كينجال" لزيادة المدى، وتعزيز قوة الرؤوس الحربية، وتحسين القدرة على المناورة أمام منظومات الدفاع الجوي. وتتماشى هذه التطورات مع رد روسيا على إعلان الولايات المتحدة في يوليو/تموز عام 2024 عن خطط لنشر منظومات صواريخ باليستية متوسطة المدى في ألمانيا بحلول عام 2026.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بسور الصين المائي العظيم والثالوث النووي تتهيأ بكين لزعامة العالمlist 2 of 2تعلموا من الصين كيف تديرون ظهوركم لأوروبا وأميركاend of list

على مدى الأشهر الماضية، شهدت أوروبا تحولًا إستراتيجيًّا جوهريًّا بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، ومؤخرًا تم فتح جبهة جديدة في سباق تسلّح على غرار ما وقع في نهايات الحرب الباردة. يدور هذا السباق حول الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، تلك التي يتراوح مداها بين 500 و5,500 كيلومتر، والتي لم تعد تهدد أوكرانيا وحدها، بل تضع أوروبا بأسرها تحت مرمى النيران الروسية كما ذكرنا.

إعلان

تمثل الصواريخ الباليستية تحديًا مزدوجًا بفضل سرعتها الفائقة وقدرتها على المناورة مقارنة بالأسلحة التقليدية الأخرى، وهو ما يجعل مواجهتها أكثر تعقيدًا. تملك الولايات المتحدة منظومات دفاع صاروخي متطورة، أهمها منظومة "ثاد"، أما دول أوروبا، التي تعتمد في الأساس على منظومات الإنذار المبكر الأميركية لرصد هذه التهديدات، فتجد نفسها اليوم أمام تحدٍّ دفاعي خطير. فمع ندرة أنظمة الدفاع الصاروخي القادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، وعدم اعتبارها تهديدًا ملحًا في السابق، أصبحت أوروبا اليوم مكشوفة أمام احتمالات تصعيد عسكري غير مسبوق.

تذكرنا تلك الأجواء بما حدث في نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث وجدت قارة أوروبا نفسها في قلب أزمة وجودية؛ مع تصاعد حدّة مواجهات الحرب الباردة، بدأ الاتحاد السوفياتي حينها نشر صواريخ "إس إس-20" الباليستية المتوسطة المدى، القادرة على استهداف العواصم الأوروبية خلال دقائق معدودة. جاء رد حلف شمال الأطلسي (الناتو) سريعًا عبر نشر منظومات الصواريخ الباليستية الأميركية "بيرشينغ 2″ و"كروز" في ألمانيا الغربية؛ مما أدى إلى تصعيد سباق تسلّح محموم، تحوّلت معه قارة أوروبا إلى ساحة معركة نووية محتملة على مدار عقد كامل.

(الجزيرة) تهديد نصف أوروبا

منذ أواخر عام 2023، بدأت موسكو إدخال صواريخ تكتيكية بمدى أبعد إلى الخدمة، مع تأكيد المخابرات الأميركية لنشر روسيا أنظمة الصواريخ الكورية الشمالية "كيه إن-32 بي" (KN-23B) في يناير/كانون الثاني عام 2024 . تتشابه هذه الصواريخ مع منظومة "إسكندر-إم" الروسية من حيث إمكانيات التنقل وأداء الطيران، لكنها تتفوق عليها بمدى يصل إلى 900 كيلومتر، ورأس حربي أكبر بعدة أضعاف.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي 2024، كشفت روسيا عن صاروخها الباليستي التكتيكي المتوسط المدى "أوريشنيك"، بمدى يصل إلى 4000 كيلومتر وقدرة على حمل رؤوس حربية متعددة، مع مسار طيران أقرب إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (سنتحدث عنه ببعض التفصيل لاحقا).

إعلان

وفقًا للمصادر الروسية، قد تُنشر تلك المنظومات في إقليم كالينينغراد أو منطقة سمولينسك؛ مما يمنح موسكو القدرة على استهداف نحو نصف دول القارة الأوروبية، إضافة إلى الأصول المهمة في بحر البلطيق.

وفي حال نشرت روسيا صواريخ بمدى 1000 كيلومتر فقط في كالينينغراد أو سمولينسك، فستكون العديد من الدول الأوروبية في نطاقها. فمن كالينينغراد، المطلة على بحر البلطيق والحدودية مع بولندا وليتوانيا، يمكن للصاروخ استهداف بولندا وألمانيا والسويد والدنمارك والتشيك وسلوفاكيا وأجزاء من فنلندا وأوكرانيا والنرويج.

أما من سمولينسك، القريبة من الحدود الغربية لروسيا، فإن مدى الصاروخ يمكن أن يشمل بيلاروسيا وأوكرانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا ورومانيا، إضافة إلى التأثير في حركة الملاحة في بحر البلطيق.

كما أن احتمال نشر صواريخ "إسكندر-1000" في سمولينسك قد يمثل تهديدًا مباشرًا لمقاتلات "إف-16" الأميركية التي تسلمتها أوكرانيا في أغسطس/آب العام الماضي. ففي مارس/آذار من نفس العام، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أي قاعدة جوية غربية تستضيف مقاتلات "إف-16" الموجهة إلى أوكرانيا ستُعدّ هدفًا مشروعًا للقوات الروسية، سواء داخل أوكرانيا أو حتى في دول الناتو مثل بولندا ورومانيا. لكن ما هي صواريخ "إسكندر-1000" وما أهميتها في هذا السياق؟

 

(الجزيرة) صاروخ إسكندر-1000

مؤخرا أجرت روسيا مراجعات عميقة بشأن خريطة الصواريخ الباليستية، لاسيما على منظومة "إسكندر-إم" الباليستية، لكنه يتميز بمدى يصل إلى 1000 كيلومتر، أي ضعف مدى النسخة الحالية، ومن هنا جاء الصاروخ الجديد "إسكندر-1000". وقد كُشف عنه لأول مرة في مايو/أيار العام الماضي 2024، خلال مقطع فيديو احتفالي بمناسبة الذكرى الـ78 لموقع اختبار الصواريخ "كابوستين يار".

وتشير التقارير الروسية إلى أن الصاروخ سيحافظ على تصميم صاروخ "إسكندر" التقليدي، وبهذا سيُطلق الصاروخ الجديد باستخدام راجمات الصواريخ المخصصة لمنظومة "إسكندر"، لكنه سيحصل على زيادة بنسبة 10 إلى 15٪ في حجم الوقود الصلب لزيادة طاقة الدفع، مع محرك مطوّر، ونظام تحكم محسّن، ورأس حربي بتصميم جديد.

إعلان

تشير التقديرات الروسية إلى أن صاروخ "إسكندر-1000" سيحقق سرعة تتراوح بين نحو 8 أو 9 أضعاف سرعة الصوت. كما سيتمكّن من حمل أنواع مختلفة من الرؤوس الحربية، مثل الرؤوس الشديدة الانفجار أو العنقودية التي يصل وزنها إلى 350 كيلوغرامًا لمسافة تبلغ 1000 كيلومتر، وفي حال استخدام رؤوس حربية أخف وزنًا فقد يرتفع مدى الصاروخ ليصل إلى 1300 كيلومتر.

من المفترض أن يملك الصاروخ نظام تحكّم متطورًا يمكّنه من المناورة في أثناء الطيران؛ مما يساعده على تفادي منظومات الدفاع الجوي. كما سيُزوّد بنظام توجيه متقدم يجمع بين الملاحة بالقصور الذاتي والتصحيح عبر الأقمار الاصطناعية، إلى جانب التوجيه بالرادار في المرحلة النهائية عبر استخدام تقنية مطابقة التضاريس (TERCOM) التي ستخفّض نطاق الخطأ المحتمل في إصابة الهدف إلى أقل من 5 أمتار.

يعدّ تطوير "إسكندر-1000" تحولًا إستراتيجيًّا في ميزان القوة بين روسيا وحلف الناتو، إذ يمنح الدب الروسي ميزة مهمة مقارنة بأنظمة إطلاق صواريخ أخرى، مثل مقاتلة "ميغ-31" التي تحمل صواريخ "كينجال" الباليستية، عبر تقليل أوقات الاكتشاف والاستجابة، إذ يمكن رصد المقاتلة الروسية فور إقلاعها بواسطة رادارات الدفاع الجوي والأقمار الاصطناعية؛ مما يمنح الأهداف الإستراتيجية الأوكرانية إنذارًا مبكرًا لفترة 15 إلى 20 دقيقة، إلا أن محركات الوقود الصلب في صاروخ "إسكندر-1000" تصدر إشارات حرارية مرئية خلال المراحل النشطة من الطيران، وهو ما يقلل فترة الإنذار إلى ما بين 2 و7 دقائق وفقًا لمسافة الهدف، ومن ثم يصعّب اعتراض الصاروخ من منظومات الدفاع الصاروخي في القارة الأوروبية مثل منظومات "باتريوت" و"أستر 30 سامب/تي".

صاروخ أوريشنيك الجديد

وضمن أحدث محاولات روسيا لتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، كان استخدامها للصاروخ الجديد "أوريشنيك" كما ذكرنا. ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، أعلنت روسيا أنها قصفت منشأة عسكرية أوكرانية في مدينة "دنيبرو" بصاروخ باليستي فرط صوتي قيد التجربة، ووصفه بوتين بأنه "أحد أحدث أنظمة الصواريخ الروسية المتوسطة المدى المزودة برأس حربي غير نووي".

إعلان

جاء استخدام روسيا لهذا الصاروخ في الحرب خطوةً تصعيدية، ردًّا على سماح أميركا والمملكة المتحدة لكييف باستخدام صواريخهما لضرب أهداف أكثر عمقًا داخل الأراضي الروسية.

صاروخ "أوريشنيك" قادر على حمل 3 إلى 6 رؤوس حربية نووية وحرارية، يمكن توجيهها بصورة مستقلة، ويزن كل واحد منها 150 كيلوغراما. وصُمّم الصاروخ لينفصل رأسه عن المحرك، ثم ينطلق كل رأس حربي ليضرب هدفا مختلفا؛ مما يجعل قوته التدميرية هائلة. يعمل الصاروخ بالوقود الصلب، وذُكر أن طاقته الحركية كافية لإحداث أضرار جسيمة.

يتراوح مداه بين 3000 و5500 كيلومتر، وحسب الصحف الروسية، إذا أُطلق الصاروخ من الشرق الأقصى الروسي فيمكنه ضرب أهداف في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية. وتبلغ سرعته 10 ماخ، أي 10 أضعاف سرعة الصوت، أي أنه يستطيع تقريبا قطع 2.5 كيلومتر أو3 كيلومترات في الثانية، ونحو 13 ألفا و600 كيلومتر في الساعة، ولديه قدرة على المراوغة والإفلات من منظومات الدفاع الصاروخي المختلفة.

في بداية ديسمبر/كانون الأول، أوضح تقرير بصحيفة واشنطن بوست أن استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صاروخ "أوريشنيك" يعد علامة واضحة على نيته إضعاف حلف الناتو وإخضاع البنية الأمنية الأوروبية لإرادة روسيا.

وفيما عدّه التقرير أكبر تصعيد نووي منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أشاد بوتين مرارا وتكرارا بالصاروخ في تصريحات علنية، مدّعيًا أن الحلف لا يملك أي وسيلة لاعتراضه، ومحذّرًا من أن موسكو قد تستخدمه ضد "مراكز صنع القرار" في أوكرانيا.

وأشار التقرير، الذي أعدته مديرة مكتب الصحيفة في موسكو ومراسلة الشؤون الخارجية روبين ديكسون، إلى تحذير خبراء غربيين من أن صاروخ "أوريشنيك" يعد فاتحة علنية لسباق تسلح أوروبي جديد قد يدوم عقودا ويكلف دول الناتو وروسيا مليارات الدولارات.

إعلان

وبعد أول إطلاق للصاروخ، يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بثت قناة "آر تي" الروسية رسما بيانيا مصورا يظهر المدة الزمنية التي يستغرقها للوصول إلى العواصم الأوروبية الرئيسية؛ فوفق التقرير يستغرق الصاروخ 20 دقيقة إلى بريطانيا وفرنسا، و15 دقيقة إلى ألمانيا، و12 دقيقة إلى بولندا.

وخلال اجتماع عقده بوتين مع كبار القادة العسكريين والأمنيين الروس في نفس الشهر، أكد قائد قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية سيرغي كاراكاييف أن منظومة أوريشنيك "يمكنها ضرب أهداف في جميع أنحاء أوروبا"، وأن الهجوم الشامل "سيكون له أثر مماثل لاستخدام الأسلحة النووية".

(الجزيرة) رسالة واضحة إلى أوروبا

وسط أتون الحرب المستعرة في أوكرانيا، استطاعت روسيا استخلاص دروس بالغة الأهمية حول طبيعة الحروب في القرن الحادي والعشرين، لتبدأ في إعادة تشكيل قواتها وفق مقتضيات هذا العصر الجديد من الحروب. فبعد نحو ثلاث سنوات من القتال، تعاظمت قوة الجيش الروسي على نحو ملحوظ، رغم الادعاءات الغربية التي تزعم العكس.

وقد أقر الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، ضمنًا بهذا الواقع في يناير الماضي، حين أشار إلى أن الكرملين قادر على إنتاج عتاد عسكري في غضون ثلاثة أشهر، يفوق ما يستطيع مجمع الصناعات الدفاعية للناتو تصنيعه في عام كامل. على مدار سنوات الحرب ضد أوكرانيا، أثبت الروس مرارًا أن التقليل من شأن قوتهم مغامرة يتحمل الغرب وحده تبعاتها.

ويبدو أن استخدام صاروخ "أوريشنيك" في ساحة المعركة يحمل رسالة واضحة إلى أوروبا، مفادها أن روسيا تمتلك منظومة موثوقا بها لإيصال الضربات النووية المتوسطة المدى، في خطوة تهدف إلى التأثير في ميزان القوى الإستراتيجي، خاصة مع اقتراب الجلوس على مائدة المفاوضات مع الغرب بعد انتهاء المعارك على الأرض.

وبحسب آرون ستاين، رئيس معهد أبحاث السياسات الخارجية الأميركي، فإن إطلاق هذا الصاروخ يعكس محاولة روسية للتأثير في قرارات العواصم الأوروبية بشأن مستقبل علاقاتها مع موسكو. إذ يرى أن هذه إستراتيجية روسية كلاسيكية، تذكرنا بتفكير موسكو عند تطوير ونشر صاروخ "إس إس-20" خلال الحرب الباردة.

إعلان أزمة الصواريخ الأوروبية

لطالما استند مفهوم الردع النووي إلى امتلاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي -ثم روسيا- ترسانات من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، القادرة على تحقيق ما يُعرف بـ"الدمار المتبادل المؤكد". الفكرة ببساطة أن امتلاك الطرفين لقوة تدميرية هائلة يجعل استخدام الأسلحة النووية خيارًا غير منطقي.

لكن مع ظهور أزمة الصواريخ الأوروبية، تغيرت موازين القوى في أوروبا. ففي مارس/آذار 1976، نشر الاتحاد السوفياتي صواريخ "إس إس-20″؛ مما أخل بالتوازن العسكري في أوروبا وأحدث تحولات جوهرية في مسار الحرب الباردة.

كان هذا الصاروخ متطورًا ومزودًا برؤوس حربية متعددة، وبمدى يبلغ 5000 كيلومتر، أي أقل بقليل من 5500 كيلومتر، وهو الحد الذي كان سيخضعه لمعاهدات الحد من التسلح مثل معاهدة "سالت" (SALT). وهو ما أثار خوف الغرب من هذا الصاروخ القادر على ضرب أي نقطة في أوروبا الغربية انطلاقًا من عمق الأراضي السوفياتية، فضلًا عن دقته العالية وقابليته للنقل والإخفاء.

في ذلك الوقت، لم يملك حلف الناتو سلاحًا مماثلًا، وكانت ترسانته النووية في أوروبا ذات مدى أقصر نسبيًّا؛ مما أثار مخاوف حقيقية، لا سيما في ألمانيا الغربية، وأدى إلى معضلة خطيرة، إذ أصبح بإمكان الاتحاد السوفياتي استهداف أراضي الناتو بأسلحة نووية متوسطة المدى، واحتفظ في الوقت نفسه بقدراته على ضرب الولايات المتحدة بصواريخ بعيدة المدى.

أضحى الناتو أمام مأزق إستراتيجي: روسيا أصبحت قادرة على شن هجمات نووية على أوروبا دون الحاجة إلى استهداف الولايات المتحدة مباشرة. وهذا يعني في حال اندلاع حرب نووية محدودة في أوروبا، أنه سيتعين على الرئيس الأميركي اتخاذ قرار محفوف بالأخطار؛ إما الرد بضربة نووية ضد الاتحاد السوفياتي وتعريض بلاده لهجوم انتقامي مدمر، وإما الامتناع عن التدخل؛ مما قد يهز الثقة في الضمانات الأمنية الأميركية ويضعف تماسك الحلف، وهو ما كان هدف موسكو الأساسي، خصوصًا تجاه ألمانيا الغربية، كما أشار آرون ستاين.

إعلان

كانت برلين تدفع باتجاه رد أميركي ضمن إستراتيجية "الرد المرن" لحلف الناتو، التي كانت تهدف إلى جعل الأسلحة النووية المتمركزة في أوروبا رادعًا فعّالًا لأي هجوم محدود.

اندلعت احتجاجات ضخمة مناهضة للأسلحة النووية في أوروبا، خاصة في بريطانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا الغربية، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي. وتحت هذا الضغط الشعبي، دعا المستشار الألماني هيلموت شميت إلى إعادة النظر في ارتباط أوروبا بالردع النووي الأميركي، ما أدى إلى ذروة الأزمة.

وفي النهاية، بدأ الناتو نشر منظومة صواريخ "بيرشينغ 2" الأميركية في ألمانيا الغربية، بدعم من شخصيات سياسية بارزة مثل مارغريت تاتشر وهيلموت كول، الذي خلف شميت في منصب المستشار الألماني.

استغرقت المفاوضات عدة سنوات قبل أن تُستأنف في 1985، لتنتهي بإبرام معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، التي وقعها الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ونظيره الأميركي رونالد ريغان عام 1987، ونصّت على إزالة جميع الصواريخ الأرضية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر لدى كلا الطرفين، لتضع حدًا لمرحلة من التوتر العسكري في أوروبا، على الأقل حتى انهيار المعاهدة في عام 2019.

دامت هذه المعاهدة ثلاثة عقود قبل أن تنهار بانسحاب الولايات المتحدة، في النسخة الأولى من فترة رئاسة ترامب عام 2019، ثم تبعتها روسيا بفترة زمنية قصيرة.

برغم أن الوضع الراهن لا يرقى بعد إلى أزمة "صواريخ أوروبية" جديدة، إلا أن هناك مؤشرات مقلقة تم تجاهلها، كما أشار تقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية. ففي يوليو/تموز عام 2024، وخلال قمة الناتو في واشنطن، أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا عن خطة لنشر منظومة "تايفون" الصاروخية متوسطة المدى على الأراضي الألمانية بحلول عام 2026.

كان هذا القرار أحد المبررات التي استند إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتسريع تطوير واستخدام صاروخ "أوريشنيك" في أوكرانيا، مما عزز المخاوف من دخول أوروبا في مرحلة جديدة من التوتر العسكري.

إعلان تطوير صواريخ جديدة

جاء انهيار معاهدة القوى النووية متوسطة المدى ليكشف عن مشهد استراتيجي معقد، ربما تتحمل روسيا مسؤوليته في المقام الأول. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في انهيار نظام الحد من التسلح، كما يشير آرون ستاين، خاصة بعد انسحابها من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2002، وهي الاتفاقية التي وضعت قيودًا صارمة على نشر أنظمة الدفاع الصاروخي، التي التزم بموجبها الطرفان بامتلاك منظومتين فقط للدفاع الصاروخي، وألا تحتوي كل منظومة على أكثر من مئة صاروخ.

كانت الفكرة الأساسية للمعاهدة هي الحفاظ على التوازن الاستراتيجي، بحيث لا يسعى أي طرف إلى حماية نفسه بالكامل من الهجمات النووية، وهو ما ضمن فعالية الردع النووي المتبادل. لكن الانسحاب الأميركي فتح الباب أمام سباق جديد في تطوير الصواريخ، إذ دفع روسيا إلى التحايل على قيود معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عبر تطويرها لصاروخ "أر إس-26" (RS-26)، الذي جرى اختباره بمدى عابر للقارات عام 2011، ثم جرى تعديله ليصبح صاروخًا نوويًا متوسط المدى قادرًا على استهداف أوروب. وهو الصاروخ الذي يُعتقد أن روسيا تطور نسخة جديدة منه وهي نسخة "أوريشنيك".

في المقابل، ردت واشنطن بتطوير أنظمة صاروخية متوسطة المدى، مثل منظومة "تايفون"، وهي منصة إطلاق صواريخ متطورة قادرة على إطلاق صواريخ "إس إم-6" (SM-6) المضادة للطائرات، وصواريخ "توماهوك" أرض-أرض، ونشرتها في الفلبين في أبريل/نيسان عام 2024، قبل أن ترسلها إلى الدنمارك للتدريب، مع خطط لنشرها بشكل دوري في ألمانيا اعتبارًا من عام 2026. إضافة إلى أحدث جيل من الصواريخ الفرط صوتية، مثل "دارك إيغل"، التي تمتلك قدرات هجومية فائقة بمدى يتجاوز 2,700 كيلومتر.

قد يعيد مشهد اليوم أزمة الصواريخ الأوروبية في أواخر السبعينيات، لكن المتغير الأهم هو أن سباق التسلّح لم يعد حكرًا على واشنطن وموسكو. فالشركات الأوروبية والآسيوية باتت فاعلًا رئيسيًا في تطوير الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، حيث تعمل شركة "إم بي دي أيه" (MBDA) الأوروبية على تطوير صواريخ "كروز" هجومية، بينما تتعاون كوريا الجنوبية مع بولندا لتطوير منظومات صواريخ بعيدة المدى، إلى جانب قدرات فرنسا والمملكة المتحدة في مجال صواريخ "كروز" بعيدة المدى مثل صاروخ "ستورم شادو".

إعلان

مع اقتراب انتهاء الحرب في أوكرانيا، وتصاعد حدّة التوتر بين روسيا والناتو، تبدو أوروبا على أعتاب سباق تسلّح جديد، إذ تتزايد الترسانات الصاروخية، وتتضاءل فرص التوصل إلى اتفاق لضبط التسلح، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة في القارة العجوز.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا لا تخطط لاستئناف مشتريات الغاز الروسي عبر "السيل الشمالي 2"
  • الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية جديدة شرقي أوكرانيا
  • ماكرون: التهديد الروسي يطال الجميع في أوروبا
  • الولايات المتحدة توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن روسيا مع أوكرانيا
  • واشنطن توقف تبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا
  • تقرير: أميركا توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا
  • المنظومة إسكندر-1000.. كيف تتهيأ أوروبا للخطر الباليستي الروسي؟
  • شركة الغاز تطلق تطبيق الخدمة الذاتية لتعزيز الشفافية وسهولة التعاملات
  • ترامب: أوروبا أنفقت على الغاز الروسي أكثر من الدفاع عن أوكرانيا
  • فضًا لسياسات ترامب.. شركة نرويجية توقف تزويد السفن الأمريكية بالوقود