من باع القضية؟ ومن قبض الثمن؟
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
علي بن سالم كفيتان
لأكون صادقًا معكم قرائي، لا أدري من باع القضية الفلسطينية، لكنني أعرف من قبض الثمن! ما هو مؤكد أنَّ المزاد تم في قبو مُظلم تحت الأرض، دُعي إليه سماسرة محترفون في الشرق الأوسط، لديهم القدرة على بيع كل شيء، مقابل تقديم صكوك الولاء للأسياد في الغرب، معتقدين أن ذلك يقربهم أكثر ويمنحهم المنعة والقوة، فلا يمكن أن يحدث في فلسطين كل هذا الدمار والقتل والتهجير إلّا باتفاق مع سماسرة ما يُعرف بالسلام مع إسرائيل.
هنا المفارقة؛ فالبائع ليس هو المالك، والمشتري لا يملك حق التملك، ولهذا فالبيع باطل شرعًا، ولن تهدأ المنطقة ولن تهنأ إسرائيل بالسلام، ولن تتحقق أحلام السماسرة بالرخاء الاقتصادي والانفتاح العالمي، وخلق ما ينادون به حول نظريات الإنسان الكوني الذي يحق له الاستيطان حيث شاء، والزواج ممن يشاء، واتباع الدين الذي يشاء، واختيار الجنس الذي يشاء!!
اليوم.. ومع ميلاد عام جديد 2025، مضت سنة و3 أشهر على حدث مفصلي في الشرق الأوسط إنه "طوفان الأقصى" الذي لم تَعِه الأنظمة ولم تستوعبه الشعوب، لكنه غيَّر وجه الشرق الأوسط، وخلق واقعًا جديدًا في العالم لا يُمكن تجاهله، وأهم دروسه هو أن فلسطين ليست للمساومة، وأن لها شعباً يطالب بالاستقلال والحرية والعدالة ونيل الكرامة، وأن السنوار ورفاقه عندما اندفعوا إلى تخوم عسقلان، لم يكونوا غُزاة ولا مستعمرين؛ بل ثُوَّاراً يستعيدون أرضهم التي نهبها الكيان الصهيوني عام 1948. كل الشرائع والأعراف الإنسانية تُجيز الدفاع عن النفس في وجه المستعمر، لذا لم تكن المعركة مغامرة غير محسوبة، كما يقول البعض؛ بل كانت محسوبة وبدقة، إلّا فيما يتعلق بالخذلان العربي؛ فلم يتوقع السنوار أن يتم ضرب الحصار على غزة وتجويعها، والسماح باختراق إسرائيل لاتفاقياتها التي قطعتها في "كامب ديفيد"، لكن من المؤكد أن "طوفان الأقصى" أبعد صفقة القرن التي كانت وشيكة، بعد أن تم دفع الثمن، وبدأ التفاوض على التفاصيل الدقيقة قبل السابع من أكتوبر 2023.
من المعيب اليوم أن نلهو في متابعة مباريات كرة القدم ومهرجانات الغناء وسباقات الهجن، بينما يحتضر في غزة أكثر من مليوني إنسان عربي، لا ذنب لهم سوى أنهم قالوا "ربنا الله"، ويريدون وطنًا حُرًا يحتويهم، فتكون النتيجة أن تأكلهم الآلة الإسرائيلية التي لا ترحم يوميًا من جانب، ويلتهمهم الشتاء والبرد والمطر والجوع والفقد من جانب آخر.
لم تعد قضية غزة تتصدر أخبار العرب ولا صُحفهم، ولم تعد حتى المظاهرات الخجولة في كل جمعة موجودة، ولماذا لم يعد بعض الخطباء يدعون لنصرة أهل فلسطين؟ ولماذا لم نعد نُصلي عليهم صلاة الغائب بعد كل جمعة؟ رغم أنَّ القتل مستمر، والدمار في تزايد، والناس هناك اليوم في حال أسوأ بكثير عمّا كان في بداية الحرب، عندما كانت لا تزال لديهم بعض المؤن والضغط الدولي قائم. يجب أن تعلو أصواتنا اليوم أكثر من الأمس، وأن نرفع مستوى الضغط بشكل مضاعف؛ فالناس باتت في حال يرثى لها؛ لدرجة أنهم أصبحوا يأكلون الجيف، بينما نحن لاهين في الملاعب والمسارح ودور الأوبرا.. اللعنة ستصلكم إذا لم تصحوا ضمائركم يا عرب، هذا مؤكد.
لا زالت الجبهة اليمنية تُناوش وحيدة، بعد أن تم إسكات جيوب المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، وبات يلوح في الأفق مشروع الشام الجديد بنكهة عثمانية واعدة، وانسحاب فارسي مُخزٍ، ومباركة دولية؛ لتعويض تجربة العراق الفاشلة، كل هذا لتدجين كل من لا يعترف بإسرائيل، أو يُشكِّل خطرًا عليها، وخلق نصرٍ وهميٍّ لنتنياهو الذي يواجه المحاكمة والإقصاء من الداخل الإسرائيلي. كُل البنادق صمتت، إلّا بندقية صنعاء، لا زالت تقض مضجع نتنياهو وزبانيته، على جرائمهم الفظيعة في قطاع غزة والضفة الغربية، وكل التسهيلات لا زالت تقدم للكيان لقصف اليمن؛ فلهم كل الحق في التحليق عبر الأجواء والمياه الإقليمية العربية لتدمير آخر معاقل المقاومة في العالم العربي، وسحل الفلسطينيين في الداخل، لمنح إسرائيل الكعب العالي في المنطقة، ولنصبح جميعًا زبائن دكة السلام الخانع للغرب، بعد انتهاك عقيدتنا الإسلامية، وهويتنا العربية، واستباحة مواردنا الطبيعية، وتقديمها في طبقٍ من ذهب لإسرائيل.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكشف عن الأهداف التي طالها القصف الأمريكي في صنعاء اليوم
مقاتلات أمريكية (وكالات)
في تطور ميداني يعكس تصعيدًا عسكريًا لافتًا، شنت مقاتلات أمريكية، فجر اليوم الخميس، تسع غارات جوية استهدفت مناطق شرقي العاصمة اليمنية صنعاء، في إطار ما وصفه مراقبون بأنه حلقة جديدة من التصعيد المزدوج الذي تتعرض له البلاد من قبل القوات الأمريكية والإسرائيلية، في ظل تزايد الدعم اليمني للقضية الفلسطينية وقطاع غزة.
وبحسب مصادر محلية، فقد استهدفت ست غارات جوية منطقة "براش" الواقعة شرقي جبل نقم، وهي منطقة تشهد بين الحين والآخر نشاطًا عسكريًا محدودًا لجماعة الحوثيين. كما طالت ثلاث غارات عنيفة جبل نقم نفسه، وسط سماع دوي انفجارات ضخمة في أرجاء العاصمة، ما أثار حالة من الهلع في أوساط السكان المدنيين.
اقرأ أيضاً تصعيد أمريكي غير مسبوق: أكثر من 20 غارة على 5 محافظات يمنية خلال ساعات 24 أبريل، 2025 انهيار قياسي جديد للريال اليمني.. الدولار يلامس سقفًا غير مسبوق في عدن اليوم 24 أبريل، 2025هذه الضربات الجوية تأتي بعد أقل من 24 ساعة على غارات إسرائيلية شنتها طائرات حربية على محافظة صعدة شمال البلاد، والتي شهدت تسع ضربات جوية استهدفت مواقع متفرقة، وفق ما أفادت به مصادر إعلامية.
وتأتي هذه الهجمات في سياق متواصل من الضغوط العسكرية التي تمارسها واشنطن وتل أبيب على قوات صنعاء، في محاولة – كما ترى أوساط سياسية – لثنيها عن موقفها المناصر لفلسطين، لا سيما بعد تصاعد الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثيين ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وتعتبر صنعاء أن دعمها لغزة هو "جزء من واجبها القومي والديني"، وقد تبنّت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع سلسلة من المواقف والخطوات التصعيدية، شملت تهديد الملاحة الإسرائيلية وشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى.
الضربات الجوية الأخيرة أثارت موجة استنكار واسعة في الأوساط الشعبية والرسمية داخل اليمن، حيث اعتُبرت الهجمات انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، واستمرارًا لما تصفه صنعاء بـ"العدوان الأمريكي-الإسرائيلي المشترك" على الشعب اليمني.
منظمات حقوقية نددت أيضًا بما أسمته "الاستهداف المتعمد للأحياء السكنية"، مشيرة إلى أن العديد من هذه الضربات تخلف أضرارًا كبيرة في الممتلكات، وتؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، ما يفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلًا في البلاد.