فـي نهاية كل عام، يراجع الجميع أوراقه، واعتادت الصفحات الثقافـية، أن تفتح صفحاتها لنشر استطلاعات تستفهم الشعراء، والأدباء والنقّاد، والمثقّفـين عن أبرز الأحداث الثقافـية الشخصية والعامة، وفـي خضمّ ذلك، وجدت فـي بريدي رسالة من أحد المشتغلين على مثل هذه الاستطلاعات يسأل فـيها عن تقييمي الشخصي للمنجز الثقافـي على المستوى العربي العام خلال 2024م، وبالطبع أبديتُ تحفّظي على صيغة السؤال، فالظواهر الثقافـية لا تتشكّل خلال عام واحد، ومن الصعب قراءة ملامحها من خلال منجز تحقّق فـي عام واحد، فلو قمنا بمثل هذه القراءة، إن أردنا الموضوعيّة والدقّة، فسنحتاج أعواما، خصوصا أن التغيّرات والتحوّلات الجذريّة فـي مجتمعاتنا العربية بطيئة، ونموّها محدود، وما يطرأ على المجتمعات البشرية ينعكس على الثقافة، وبسبب هذا التشكّل البطيء، لا تكاد تلك التغيّرات أن تكون محسوسة.
ووفقا لهذا المنظور، لو ألقينا نظرة على الوضع الثقافـي العربي خلال عام 2024م لوجدنا أن هذه النظرة لا تختلف عن العام الذي سبقه، والعام السابق يشبه الأسبق، وحين ننظر للأمام، فلا أريد أن أكون متشائما، فأقول: ربما سيستمرّ الوضع الثقافـي لدينا فـي السير على هذه الوتيرة سنوات وسنوات، رغم أننا لا ننكر أن رفوف المكتبات العربية قد رُفدت بعناوين جديدة، فـي الشعر والرواية، والترجمة، والكتابة المسرحية، والنقد والدراسات، وظهرت أسماء جديدة، وازدادت دور النشر، واتّسعت مشاركاتها، وفتحت معارض الكتب ككلّ عام أبوابها لعشّاق المعرفة، أمّا المهرجانات، فهي على قفا من يشيل! وكذلك الندوات والمحاضرات والملتقيات!
ولكن السؤال الذي يبرز أمامنا هو: كلّ هذا الحضور الكمّي للثقافة العربية، هل أفرز ثقافة نوعيّة، بمعنى ثقافة فاعلة لها دور فـي بناء المجتمع، والدفع به نحو الأمام؟
هل أعادت هذه الأنشطة للمثقف العربي هيبته بعد أن فقدها بسبب ظهور أولويات جديدة فـي حياة الإنسان العربي، غيّرت المسارات، فلم يعد الشعر (ديوان العرب) على سبيل المثال، ولم يعد الشاعر الناطق باسم قبيلته، ولم تعد الذبائح تنحر عند ولادة الشاعر، كما كان الحال فـي أيام العرب!
مشكلة الثقافة العربية أنها تعاني من أمراض مزمنة، فهي ثقافة تحكمها مقاييس بالية، والمحسوبية، والتعصّب، ومبدأ (الأصدقاء) أولى بالمعروف، وتقف خدمة المصالح الشخصية فـي المقدّمة، وقد ظلّت الوجوه التي تدير مؤسساتها تهيمن على المشهد، وحتى لو زُحزحت عن أماكنها، فالشباب الذين يُفسح لهم، يسيرون على النهج نفسه، ظنّا منهم بأنّ هذا هو النهج السليم، ومّنْ شبّ على شيء شاب عليه، أمّا المجلّات والمهرجانات، فلم تخرج عن هذا السياق، ونتج عن ذلك اختفاء وانزواء الكثير من المواهب الحقيقية نتيجة الإهمال والإحباط، وبروز ظواهر لا تمتّ بصلة للثقافة الرصينة التي اعتدنا عليها، وحين نقرأ نميل لقراءة الكتب التي تعزّز قناعاتنا، فنضع العقل النقدي جانبا، وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي فـي تكريس أسماء تكتب نصوصا لا تخلو من ركاكة فـي التعبير، والأسلوب، مليئة بالأخطاء الإملائية، والنحويّة، وهذه الأسماء لها قرّاء ومتابعون بالآلاف، وحسابات مليونيّة، وإن حدث أن جمعت خواطرها فـي كتاب ستتلّقفه الأيدي، وسيكون ، فـي استبيانات الرأي، من الكتب الأكثر مبيعا فـي المعارض، ومحظوظ مَنْ يحظى بنسخة موقّعة من المؤلّف!!
أرى أن الثقافة العربية تحتاج إلى الكثير من الجهود لكي تخرج من هذه القوقعة، ويمكن ذلك لو استفاد القائمون عليها من أصحاب الخبرات المركونة جانبا، وإنزال الناس منازلهم، والخروج من دوائر الثقافة الاستهلاكية، ولا بدّ من الدعم المؤسساتي، وتعريف رجال الأعمال، وأصحاب المشاريع بدور الثقافة فـي التقدّم، وحماية المجتمعات من براثن الجهل، والتخلّف، فمن دون ذلك الدعم، يكون من الصعب تحريك عجلة العمل الثقافـي، ومن الضروري تكثيف الجهود على الأجيال الجديدة، وحثّها منذ المراحل الدراسية الأولى على القراءة، ومشاهدة العروض المسرحيّة، والسينمائيّة، وزيارة المعارض التشكيلية، وهذه الواجهات الثقافـية، تقوم بدور كبير فـي رفع سقف الوعي، ومن الضروري إدخال هذه البرامج ضمن البرامج اليومية للأسرة العربيّة، فهذه الأنشطة تمدّ الأجيال الجديدة بزاد معرفـي، سيبقى يغذّيها عندما تكبر، وكما قيل «التعلّم فـي الصغر كالنقش على الحجر»، وحين نقوم بكل ذلك يمكننا أن نشهد نقلة ثقافـية تحدث فارقا تجعلنا حين نراجع أجنداتنا الثقافـية نتكلّم بكلّ ثقة عن إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تحول نوعي في مكافحة جرائم التهريب الجمركي
الثورة نت/..
حققت مصلحة الجمارك بصنعاء خلال عامي 2023-2024م تحولاً وقفزة نوعية في مكافحة جرائم التهريب الجمركي.
وسخرّت المصلحة جهودها لمقاضاة المهربين أمام الأجهزة القضائية، بحيث لم تقتصر تلك الجهود على رفع الدعاوى الجزائية والمدنية وإنما عملت على تحريك الدعاوى الجزائية لكافة قضايا التهريب ومتابعتها لدى الهيئات القضائية، وفقًا للمسؤولية القانونية والدينية في محاربة مختلف أنواع وأشكال التهريب، وباعتبار أن مصلحة الجمارك تعتبر خط الدفاع الأول.
وفي هذا الصدد أوضح رئيس مصلحة الجمارك المهندس عادل مرغم، أن إجمالي القضايا التي تم تحريكها أمام النيابات العامة خلال عامي 2023-2024م بلغت 238 قضية لجرائم تهريب مختلفة.
وأشار إلى أن القضايا التي تم تحريك الدعاوي الجزائية أمام النيابات العامة لجرائم تهريب مختلفة منها 123 جريمة تهريب في مجال المبيدات و92 جريمة تهريب في مجال الأدوية وثمان جرائم تهريب منتجات زراعية خارجية وأربع جرائم تهريب مشتقات نفطية وشمة وشيش الكترونية وخمس جرائم تهريب سجائر وست جرائم تزوير.
وبحسب تقرير صادر عن الإدارة العامة للشؤون القانونية بمصلحة الجمارك، يلجأ المهربون إلى طرق وأساليب ووسائل متعددة لإخفاء السلع المهربة سواء كانت أدوية أو مبيدات أو منتجات زراعية خارجية وفواكه.
ويتعمد المهربون على إخفاء السلع المهربة في وسائل النقل، وذلك في أماكن سرية ومخابئ في هياكل وسائل النقل مثل إطارات احتياط السيارات والأبواب والكراسي وبجانب المحركات وفي خزانات الوقود وخزانات المياه وفي أسطوانات الغاز والدراجات النارية.
وتطرق التقرير إلى الجهود والأدوار التي تقوم بها مصلحة الجمارك لمكافحة كافة أنواع التهريب، ناهيك عن التطور التقني والإلكتروني في المكاتب والمراكز الجمركية الذي يقوم بدور محوري في تسهيل اكتشاف السلع المهربة.
ويتضمن التقرير خلاصة بالقضايا التي تم تحريك الدعاوي الجزائية أمام النيابات العامة خلال العامين الماضيين، حيث تتوزع قضايا التهريب بين 21 محكمة ونيابة.
وفيما يتعلق بالقضايا التي تم تحريك الدعاوى الجزائية أمام النيابات العامة على مستوى المكاتب والمراكز الجمركية، أفاد التقرير بأن مكتب جمارك ورقابة صعدة حقق أعلى مستوى من حيث إحباط محاولات تهريب البضائع.
حيث بلغ عدد الدعاوى الجزائية 55 دعوى، وجاء مركز الراهدة الجمركي في المرتبة الثانية بعدد 48 دعوى، في حين بلغ عدد الدعاوى الجزائية لمركز عفار الجمركي 32 دعوى، ومركز الحزم الجمركي 26، مكتب جمارك ورقابة ذمار 19، مكتب جمارك ورقابة الحديدة 14، مركز نهم الجمركي 14، ديوان مصلحة الجمارك 11، مكتب جمارك ورقابة تعز تسع دعاوى، مكتب جمارك ورقابة صنعاء خمس ومكتب جمارك ورقابة عمران اثنتين.
وأشار رئيس مصلحة الجمارك إلى أن المصلحة تقوم بدور حاسم في مكافحة تهريب المبيدات والأدوية والسجائر ومختلف السلع المهربة من خلال اليقظة الدائمة في المنافذ الجمركية وإحباط كافة محاولات التهريب للبضائع التي تؤثر على أمن وسلامة وصحة المجتمع وحماية المواطنين من أخطارها.
وأشاد بجهود موظفي الجمارك المنتشرين في كافة المنافذ للجهود الكبيرة التي يبذلونها في إحباط وضبط محاولات التهريب ولما يتمتعون به من يقظة وحس أمتي ولكونهم يمثلون خط الدفاع الأول لحماية الوطن والمواطن.
وأكد المهندس مرغم، أن مصلحة الجمارك لن تتهاون، في أداء واجبها الديني والإنساني والقانوني لمنع كافة أشكال التهريب الجمركي، انطلاقًأ من مهام واختصاصات المصلحة، ولن يثنيها أي عوائق أو تحديات من شأنها الإضرار بمصلحة الوطن والمواطن.