لجريدة عمان:
2025-02-03@17:03:32 GMT

من أجل ثقافة نوعيّة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

فـي نهاية كل عام، يراجع الجميع أوراقه، واعتادت الصفحات الثقافـية، أن تفتح صفحاتها لنشر استطلاعات تستفهم الشعراء، والأدباء والنقّاد، والمثقّفـين عن أبرز الأحداث الثقافـية الشخصية والعامة، وفـي خضمّ ذلك، وجدت فـي بريدي رسالة من أحد المشتغلين على مثل هذه الاستطلاعات يسأل فـيها عن تقييمي الشخصي للمنجز الثقافـي على المستوى العربي العام خلال 2024م، وبالطبع أبديتُ تحفّظي على صيغة السؤال، فالظواهر الثقافـية لا تتشكّل خلال عام واحد، ومن الصعب قراءة ملامحها من خلال منجز تحقّق فـي عام واحد، فلو قمنا بمثل هذه القراءة، إن أردنا الموضوعيّة والدقّة، فسنحتاج أعواما، خصوصا أن التغيّرات والتحوّلات الجذريّة فـي مجتمعاتنا العربية بطيئة، ونموّها محدود، وما يطرأ على المجتمعات البشرية ينعكس على الثقافة، وبسبب هذا التشكّل البطيء، لا تكاد تلك التغيّرات أن تكون محسوسة.

ووفقا لهذا المنظور، لو ألقينا نظرة على الوضع الثقافـي العربي خلال عام 2024م لوجدنا أن هذه النظرة لا تختلف عن العام الذي سبقه، والعام السابق يشبه الأسبق، وحين ننظر للأمام، فلا أريد أن أكون متشائما، فأقول: ربما سيستمرّ الوضع الثقافـي لدينا فـي السير على هذه الوتيرة سنوات وسنوات، رغم أننا لا ننكر أن رفوف المكتبات العربية قد رُفدت بعناوين جديدة، فـي الشعر والرواية، والترجمة، والكتابة المسرحية، والنقد والدراسات، وظهرت أسماء جديدة، وازدادت دور النشر، واتّسعت مشاركاتها، وفتحت معارض الكتب ككلّ عام أبوابها لعشّاق المعرفة، أمّا المهرجانات، فهي على قفا من يشيل! وكذلك الندوات والمحاضرات والملتقيات!

ولكن السؤال الذي يبرز أمامنا هو: كلّ هذا الحضور الكمّي للثقافة العربية، هل أفرز ثقافة نوعيّة، بمعنى ثقافة فاعلة لها دور فـي بناء المجتمع، والدفع به نحو الأمام؟

هل أعادت هذه الأنشطة للمثقف العربي هيبته بعد أن فقدها بسبب ظهور أولويات جديدة فـي حياة الإنسان العربي، غيّرت المسارات، فلم يعد الشعر (ديوان العرب) على سبيل المثال، ولم يعد الشاعر الناطق باسم قبيلته، ولم تعد الذبائح تنحر عند ولادة الشاعر، كما كان الحال فـي أيام العرب!

مشكلة الثقافة العربية أنها تعاني من أمراض مزمنة، فهي ثقافة تحكمها مقاييس بالية، والمحسوبية، والتعصّب، ومبدأ (الأصدقاء) أولى بالمعروف، وتقف خدمة المصالح الشخصية فـي المقدّمة، وقد ظلّت الوجوه التي تدير مؤسساتها تهيمن على المشهد، وحتى لو زُحزحت عن أماكنها، فالشباب الذين يُفسح لهم، يسيرون على النهج نفسه، ظنّا منهم بأنّ هذا هو النهج السليم، ومّنْ شبّ على شيء شاب عليه، أمّا المجلّات والمهرجانات، فلم تخرج عن هذا السياق، ونتج عن ذلك اختفاء وانزواء الكثير من المواهب الحقيقية نتيجة الإهمال والإحباط، وبروز ظواهر لا تمتّ بصلة للثقافة الرصينة التي اعتدنا عليها، وحين نقرأ نميل لقراءة الكتب التي تعزّز قناعاتنا، فنضع العقل النقدي جانبا، وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي فـي تكريس أسماء تكتب نصوصا لا تخلو من ركاكة فـي التعبير، والأسلوب، مليئة بالأخطاء الإملائية، والنحويّة، وهذه الأسماء لها قرّاء ومتابعون بالآلاف، وحسابات مليونيّة، وإن حدث أن جمعت خواطرها فـي كتاب ستتلّقفه الأيدي، وسيكون ، فـي استبيانات الرأي، من الكتب الأكثر مبيعا فـي المعارض، ومحظوظ مَنْ يحظى بنسخة موقّعة من المؤلّف!!

أرى أن الثقافة العربية تحتاج إلى الكثير من الجهود لكي تخرج من هذه القوقعة، ويمكن ذلك لو استفاد القائمون عليها من أصحاب الخبرات المركونة جانبا، وإنزال الناس منازلهم، والخروج من دوائر الثقافة الاستهلاكية، ولا بدّ من الدعم المؤسساتي، وتعريف رجال الأعمال، وأصحاب المشاريع بدور الثقافة فـي التقدّم، وحماية المجتمعات من براثن الجهل، والتخلّف، فمن دون ذلك الدعم، يكون من الصعب تحريك عجلة العمل الثقافـي، ومن الضروري تكثيف الجهود على الأجيال الجديدة، وحثّها منذ المراحل الدراسية الأولى على القراءة، ومشاهدة العروض المسرحيّة، والسينمائيّة، وزيارة المعارض التشكيلية، وهذه الواجهات الثقافـية، تقوم بدور كبير فـي رفع سقف الوعي، ومن الضروري إدخال هذه البرامج ضمن البرامج اليومية للأسرة العربيّة، فهذه الأنشطة تمدّ الأجيال الجديدة بزاد معرفـي، سيبقى يغذّيها عندما تكبر، وكما قيل «التعلّم فـي الصغر كالنقش على الحجر»، وحين نقوم بكل ذلك يمكننا أن نشهد نقلة ثقافـية تحدث فارقا تجعلنا حين نراجع أجنداتنا الثقافـية نتكلّم بكلّ ثقة عن إنجازات ملموسة على أرض الواقع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

البرلمان العربي يدعو لتوطين صناعة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية

 أكد معالي محمد بن أحمد اليماحي رئيس البرلمان العربي ضرورة توطين صناعة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الدول العربية، ووضع الخطط وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك، من أجل مواكبة السباق العالمي المحموم في هذا المجال، وبما يضمن في الوقت ذاته التوظيف الآمن لهذه التكنولوجيا على نحو يتناسب ومنظومة الأخلاق والثقافة في المجتمعات العربية.
جاء ذلك خلال كلمة رئيس البرلمان العربي في افتتاح أعمال دائرة الحوار العربية حول "الذكاء الاصطناعي في العالم العربي: تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية"، والتي انطلقت أعمالها اليوم في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، برعاية ورئاسة معالي السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبتنظيم من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وبالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وحضور شخصيات دبلوماسية وأكاديمية ومتخصصة.
وأضاف رئيس البرلمان العربي، في كلمته، أن بناء منظومة ذكاء اصطناعي عربية تتسم بالابتكار والاستدامة يتطلب شراكة قوية بين الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص، إلى جانب وجود منظومة قانونية وتشريعية قوية تضمن تحقيق التوازن بين الإبداع التقني والمسؤولية الأخلاقية.
وأوضح اليماحي أن البرلمان العربي أدرك مبكرًا أهمية حوكمة استخدامات الذكاء الاصطناعي ووضع إطار قانوني منظم لها بما يتناسب مع خصوصية دولنا العربية ومنظومة القيم والأخلاق الخاصة بها، مشيرًا إلى إصدار البرلمان العربي قبل ثلاثة أعوام أول قانون عربي استرشادي في مجال الذكاء الاصطناعي، بهدف وضع إطار قانوني وتنظيمي يساعد الدول العربية على الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، مع ضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التكنولوجيا.
وأشار اليماحي إلى تخصيص البرلمان العربي مؤتمره السادس مع رؤساء البرلمانات والمجالس العربية العام الماضي، حول موضوع "التوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي"، وإصداره وثيقة تتضمن عدداً من المرئيات البرلمانية التي تهدف إلى تعزيز التعاون العربي في هذا المجال، وتوفير خريطة طريق واضحة لتطوير سياسات وطنية تدعم الابتكار وتحد من المخاطر.
وشدّد اليماحي على أن البرلمان العربي على استعداد تام لمواصلة جهوده لتعزيز التعاون العربي المشترك في هذا المجال، ودعم جميع المبادرات التي تُساهم في وضع الدول العربية في مصاف الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، قائلًا إن الذكاء الاصطناعي ليس فقط تقنية متقدمة، بل أداة للنهضة التنموية التي نتطلع إليها جميعًا في عالمنا العربي، خاصة إذا ما تم تسخيرها بالشكل الصحيح وضمن إطار أخلاقي مسؤول. 

أخبار ذات صلة قواعد الاتحاد الأوروبي لاستخدام الذكاء الاصطناعي تدخل حيز التنفيذ بدء تطبيق قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي غدا المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • هيئة قصور الثقافة تطلق عروض نوادي مسرح الطفل بشرق الدلتا غدا
  • رئيس "ثقافة الشيوخ" يطالب بربط الإنتاج بالبحث العلمي في مصر
  • رئيس ثقافة الشيوخ يطالب بربط الإنتاج بالبحث العلمي في مصر
  • البرلمان العربي يدعو لتوطين صناعة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية
  • فرع ثقافة الشرقية يُطلق أولى فعاليات البرنامج الثقافى والفنى "الثقافة تستطيع"
  • سيطرة مصرية على حفل جوائز الاتحاد العربي للثقافة الرياضية في قطر
  • نادي الباحة الثقافي ينفتح على ثقافة السياحة ويجول في حكايا الترحال 
  • فرع ثقافة الشرقية يُطلق أولى فعاليات البرنامج الثقافي والفني الثقافة تستطيع
  • أبو الغيط يفتتح دائرة الحوار العربية حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي:
  • ضمن مسرح الطفل.. ثقافة الفيوم تختتم عرض "قصر الأحلام"